الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابعا: المنهج التربوي الإسلامي وخصائصه
1-
تعريف المنهج:
تقوم عملية التربية اليوم، على خطة ترسم فيها أهداف التربية، وأساليبها والخطوات التي يجب اتباعها لتنشئة جيل في مرحلة معينة من عمره، في أمة معينة.
والمنهج هو الذي يرسم للمدرسة أساليب التي تعطي لكل مرحلة، أو لكل مجموعة في كل عام دراسي، ويعين الموضوعات التي تعطى لكل مرحلة، أو لكل مجموعة بحسب أعمارهم أو ثقافتهم، والنشاط الذي يقوم به الطلاب في كل مادة من مواد التدريس.
ولو تصفحنا أي منهج مدرسي لوجدناه في مجمله "مجموعة من الخطط، والأهداف القريبة والأساليب التربوية، وخلاصة عن المواد والمعلومات والمسائل، والمشكلات التي يجب أن نؤثر بها في عقل الناشئ، ووجدانه وسلوكه ونشاطه، لنبلغه تحقيق الأهداف الكبرى الفكرية، والاعتقادية والاقتصادية والسياسية والتشريعية، التي رسمتها الأمة لأبنائها، ولمستقبلها أو ورثتها عن حضارتها، ودينها تحقيقا تدريجيا يناسب مستوى كل مرحلة من العمر الزمني والعقلي والثقافي، وكل بيئة من البيئات".
والمنهج بهذا المعنى هو خطة لمرحلة دراسية في بيئة مدرسية معينة، أو لمجموعة
المراحل المدرسية، التي تبلغ الناشئين المستوى التربوي، والسلوكي والفكري المطلوب ليصبحوا أعضاء نافعين صالحين في أمتهم ومجتمعهم، عاملين على النهوض بمستوى أمتهم، وتحقيق مثلها العليا.
2-
أشكال المناهج الحديثة:
وقد اختلف المربون في أساليب وضع المناهج، وترتيب المواد الدراسية، باختلاف فهمهم لأهداف التربية ومعناها وأساليبها، وسنستعرض أهم أشكال المناهج لنرى رأي الإسلام فيها مرة واحدة، بعد أن نستعرضها واحدة واحدة.
أ- منهج المواد المنفصلة:
وهو المنهج الذي يكون فيه لكل مادة دراسية شخصية مستقلة، ومعلومات مستقلة تماما عن كل اعتبارات المواد الأخرى ومعلوماتها.
فلا يهتم واضعوا مثل هذا المنهج، بإيجاد أي ارتباط أو علاقة بين مادة وأخرى، وهذا المنهج يتنافى مع الوحدة النفسية للناشئ، فهو يعتمد على النظرية النفسية التي سادت أوروبا في القرن الوسطى "الأوروبية"، منحدرة عن فلاسفة اليونان، أعني نظرية الملكات، التي تؤمن بأن العقل البشري ملكات، تنمو كل ملكة منها مستقلة عن سائر الملكات الأخرى، كملكة التذكر والحفظ، والملكة اللغوية، والملكة الحسابية، والنخيل، والمحاكمة، كما أنها تقول بأن رعاية هذه الملكات تكون بتدريب كل ملكة على انفراد، فإذا كانت المواد الدراسية هي وسيلة تنمية هذه الملكات كان من الطببعي "عند هؤلاء" أن توضع في المنهج لكل مادة اعتباراتها، ومعلوماتها المستقلة عن المواد الأخرى.
ب- منهج المواد المترابطة:
ولعل هذا الشكل من أشكال المنهج قد بني على نظرية نفسية ظهرت في أواخر القرون الوسطى، ومطلع عصر النهضة الأوروبية لتحل محل سابقتها، "الملكات"، وهي نظرية الترابطيين، الذين يعتقدون أن عقل الإنسان إنما تكون من ترابط، وتفاعل بن مدركاته وإحساساته، حدث على نحو ما، وأن أي إدراك جديد لا بد له من ارتباط بخيرة سابقة، أو بإدراك سابق.
والمنهج الذي يرتب على هذا الشكل، يعرض المواد الدراسية، وكأنها سلسلة حلقات متشابكة، كل حلقة منها يجب أن تنسجم مع ما قبلها، أو تبنى على سابقتها، فلا بد في كل درس من تذكير بالدروس السابقة، ولا بد في كل عام من تذكير بمواد الأعوام السابقة للبناء عليها؛ وقد ترتبط المادة بغيرها من المواد في نفس العام الدراسي، كارتباط اللغة بالدين، والدين بالتاريخ الإسلامي وعلوم الطبيعة، دواليك.
ج- المنهج المحوري أو المتمركز:
وهو أشد أشكال المناهج تلاحمًا، واتصالًا بين أجزائه ومواده الدراسية إذ أن جميع هذه المواد، والمعلومات التي يراد إعطاؤها للطلاب يجب أن تتصل، وترتبط بمحور معين، أو بموضوع أو بأمر يميل إليه الطلاب، ويهتمون به، وهذا الأمر يسمى "محورا" أو "مركز اهتمام".
والمحور في اللغة وفي العلوم الرياضية هو المركز بالنسبة للدائرة، وإلى هذا أشار الدكتور عبد اللطيف فؤاد إبراهيم بقوله:
"إن معنى كلمة المحور، لغويا، هو الجزء المركزي لشيء ما، الذي يدور حوله الشيء، وحين استخدمت هذه الكلمة في المنهج المدرسي، قصد بها أن تدل على وجود مركز معين في المنهج، ترتبط به كل أجزاء المنهج ارتباطا وثيقا ويؤثر فيها، وأن تدل على وجود مركزي، أو رئيسي في المنهج المدرسي يعمل فيه كل التلاميذ"1.
ولكي يكون هذا المنهج المحوري ناجحا ينبغي أن يكون محوره، أو مركز الاهتمام فيه، موضوعًا يميل إليه الطلاب، ويستحوذ على اهتمامهم، وأن يكون في الوقت ذاته قادرًا على استقطاب جميع المواد الأخرى، وتسخيرها لتحقيقه أو البحث عما يحققه.
د- منهج النشاط:
هذا المنهج يمكن اعتباره تنظيما لسلسلة من النشاطات كالرحلات، والمشاريع
1 في كتاب: المناهج: أسسها وتنظيماتها، وتقويم أثرها -القاهرة- مكتبة مصر عام 1972 ص579.
العملية، والمحاورات والمحاضرات، وغيرها من الجهود المنظمة المشتقة من حياة الطلاب المدرسية، أو من حياة مجتمعهم المحيط بهم، بحيث تؤدي هذه النشاطات إلى نمو مدارك الطلاب ومعارفهم، وتحقيق أهداف أمتهم، وأهدافهم التعليمية والتربوية.
فهناك نشاط لغوي لتربية الطلاب تربية لغوية، وتنمية مدركاتهم الكلامية، والحوارية عن طريق المحاضرة، والصحف والمراسلة، ونشاط ديني لتربية عواطفهم الربانية وتفكيرهم الإلهي، وسلوكهم على أساس طاعة الله، كإحياء المساجد، ومشروعات جمع الزكاة، وتقسيم بعض التركات إذا سئلوا عنها وإقامة الصلاة، إلخ..
3-
خصائص المنهج الإسلامي المنشود:
إن المنهج المدرسي الذي تتطلبه التربية الإسلامية، يجب أن ينطبع بطابعها، ويتصف بأهم صفاتها ومميزاتها ويحقق أهدافها، ويبني على أسسها وتصوراتها الفكرية عن الكون، والحياة والإنسان، وذلك بأن تتحقق فيه الصفات الآتية:
أ- أن يكون في تربيته وموضوعاته موافقًا للفطرة الإنسانية يعمل على تزكيتها، وحفظها من الانحراف، وسلامتها، تلك الفطرة التي أشار إليها الحديث القدسي:"خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين..".
والحديث النبوي: "كل مولود على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه
…
".
ب- أن يكون محققا لهدف التربية الإسلامية الأساسي "إخلاص الطاعة والعبادة لله"، ولجميع أهدافها الفرعية التي ترمي إلى تقويم الحياة، وتوجيهها لتحقق هذا الهدف في جميع جوانب الثقافة والتربية، التي وضع المنهج لتعهدها والنهوض بها، كالجانب العقلي والجانب الوجداني والجسمي، والاجتماعي.
ج- أن يكون في تدرجه ومستواه، موافقا، في كل جزء منه، للمرحلة التي يوضع لها من حيث طبيعة الطفولة فيها، ومستواها، ومفاهيمها، ومن حيث الأنوثة والرجولة، والمهمات الاجتماعية التي يهيأ لها كل من الجنسين.
د- أن يراعي في تطبيقاته ونشاطاته، وأمثلته ونصوصه، حاجات المجتمع
الواقعية، المعاشية، ومنطلقاته الإسلامية المثالية كالاعتزار بالأمة الإسلامية والولاء لها، وذلك: يتحقق الولاء لله، والطاعة لرسوله الذي أرسله ليطاع بإذن الله، وبمراعاة الاختصاصات التي تحتاجها الأمة، في كل بيئة بحسب ظروفها الطبيعية التي يسرها الله، من خامات صناعية أو بيئة زراعية، أو مناخ مداري، أو مكانة تجارية بحرية أو برية، إلخ.
والاختصاصات التي لا بد منها لرقي المجتمع في كل بيئة كالاختصاصات الصحية، والحربية، والإدارية، والإسلامية، والثقافية، أي الأخذ من كل جانب من جوانب الحضارة بطرف مما لا يتعارض مع الإسلام، ولا يختلف معه إيما اختلاف، بل يعين على رفع شأن الأمة، وتحقيق شريعة الله وعدله، وحضارة الإسلام الفكرية والروحية.
هـ- أن يكون المنهج بمجموعه، ونظامه، سليما من التعارض، موجها وجهة إسلامية واحدة، موافقا للوحدة النفسية التي فطر الله الناس عليها، ولوحدة الخيرة التي يراد إعطاؤها للناشئ حول أسرار الكون، وكائناته، وسننه، وقوانينه، ونظمه، ووقائعه، فلا تعلل هذه الوقائع والكائنات تعليلات متعارضة، تعارضا يظهر بين مادة دراسية وأخرى.
بل يجب أن تبنى العلوم والموضوعات بعضها على بعض، وأن يأخذ بعضها بأطراف البعض الآخر.
فيكون بينها ترابط وتناسق يشمل موضوعات كل مادة على مدى العام الدراسي، فيعتمد منهج كل مرحلة على سابقه أو يرتبط به.
ويكون بينها تناسق وترابط بين كل سنة، والتي تليها والتي تسبقها فترتب مناهج كل سنة من المرحلة ذاتها ترتيبا متسقا متواصلا.
وفي السنة الواحدة يجب الربط ما أمكن، بين كل مادة وأخرى، كما يجب صبغ جميع المواد بصبغة إسلامية واحدة، وتوجيهها بحيث تحقق بمجموعها هدفا أسمى واحدا.
وكذلك في سائر السنوات والمراحل المختلفة من الحياة المدرسية والجامعية، أي يجب أن يصدر جميع هذه المناهج عن أصل واحد، وهو أن العالم كله ملك "لله"، وأن
جميع الناس فيه، عباد يحيون وفق مشيئة الله، وحسب شريعته، وعلى هذا تتحول جميع العلوم لتصبح عاملًا من عوامل تكوين النفس الإنسانية تكوينا ربانيا على طريقة التربية الإسلامية وأسسها، ولا حاجة حينئذ إلى تقسيم مواد المنهج إلى علوم دينية وعلوم دنيوية.
و أن يكون واقعيا أي ممكن التطبيق متناسبا مع إمكانيات البلاد التي تريد تطبيقه، ومع ظروفها ومتطلباتها.
ز- أن يكون مرنا في أسلوبه يمكن تكييفه مع مختلف الظروف، والبيئات والأحوال التي سيطبق فيها، ومع مختلف القابليات بحيث تراعى فيه الفروق الفردية.
وإنما حرصنا على ذكر هاتين الصفتين؛ لأن التربية الإسلامية إنما تتطلب منهجا لكل أبناء العالم الإسلامي الذي يحوي جميع المناخات الطبيعية، ومختلف الدرجات الاجتماعية من أعلى درجات الغنى إلى أبسط مظاهر الفقر والشظف.
ح- أن يكون فعالا، يعطي نتائج تربوية سلوكية، ويترك أثرا عاطفيا جياشا في نفوس الأجيال بما يمتاز به من أساليب تربوية بعيدة الأثر، ونشاطات إسلامية مثمرة عظيمة الأثر، سهلة المنال والتطبيق، معروضة عرضًا واضحًا.
ط- أن يكون كل جزء منه مناسبا للمرحلة التي يوضع لها من مراحل أعمار الناشئين كبناء التعليم الديني، والثقافي في مرحلة الطفولة على أساس يتناسب مع تطور الشعور الديني، والنمو اللغوي لهذه المرحلة، ومعالجة مشكلات الشباب في المرحلة الثانوية، وتربية الانتماء الاجتماعي إلى الأمة الإسلامية في المرحلة
المتوسطة، وهكذا يتمشى المنهج مع النمو اللغوي، كما اكتشفته الأبحاث النفسية، ونمو الاستعداد الديني والاستعداد الاجتماعي، فيختار لكل مرحلة ما يناسب الاستعداد، والنمو الذي بلغه الناشئ فيها، ويحتاج هذا الشرط إلى دراسات نفسية إسلامية لطبيعة الجيل المسلم، ولمراحل نموه، ولنمو استعداداته وقدراته.
ي- أن يعنى بالجوانب الإسلامية السلوكية العملية كالتربية على الجهاد، وعلى نشر الدعوة الإسلامية، وإقامة المجتمع المسلم في الجو المدرسي، بحيث يحقق جميع أركان الإسلام وشعائره، وأساليبه التربوية، وتعاليمه، وآدابه في حياة الطلاب الفردية، وعلاقاتهم الاجتماعية، ورحلاتهم للدعوة إلى الله.
4-
أي أشكال المناهج يصلح للتربية الإسلامية؟
أ- لسائل أن يسأل بعد أن اتضحت أهم صفات المنهج التعليمي الإسلامي، وشروطه: ترى أي أشكال المناهج الأربعة أقرب إلى تحقيق أهداف التربية الإسلامية؟
وقبل الجواب عن هذا السؤال يجب أن أنبه إلى أن التربية الإسلامية ذات طبيعة خاصة، فهي لا تحتاج إلى ثوب يستعار لها لنقول للناشئ، مثلا، أنها هي "التربية في أحضان الطبيعة" التي نادى بها "روسو"، أو أن منهجها "هو المنهج المحوري" المبني على اهتمامات الناشئين، أو نحو ذلك مما يفعل مثله بعض الباحثين.
فالإسلام هو الإسلام وهو أسمى من أن ينتسب إلى أي مبدأ من المبادئ.
وكذلك التربية الإسلامية، هي الأسس والأساليب والأفكار، والعقائد التي تأثر بها المسلمون الأوائل، ونشئوا عليها فنمت عقولهم وعواطفهم، وتألفت قلوبهم ومجتماعتهم ونظمت حياتهم، وعلاقاتهم على العمل بها والتفكير بمقتضاها، والحماسة لها، والتوجه إليها في كل ظروفهم ومتطلباتهم، عملا بقوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 45/ 18]، وقوله سبحانه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 12/ 108] .
غير أن المسلمين، كما وجدوا أنفسهم أمام المدرسة الحديثة التي اجتذبت أبناءهم، وقد بينا رأي الإسلام والتربية الإسلامية فيها، كذلك أصبحوا مضطرين أن يبحثوا في المناهج التي تسير عليها هذه المدرسة ليأخذوا بخيرها ويستبعدوا شرها.
وليعرفوا طبيعتها بالنسبة إلى طبيعة التربية الإسلامية، ومدى صلاحها لها.
ب- الإسلام ومنهج المواد المنفصلة:
قد يظن الباحث الذي يأخذ التربية الإسلامية على أنها ظواهر نظم التعليم في حلقات المساجد، وتحت قباب المدارس التي أنشئت منذ تمزقت الخلافة الإسلامية.
قد يظن أن مناهج تلك الحلقات والمدارس، كانت منظمة على أساس تدريس
مواد منفصلة، فلكل علم حلقاته وعلماؤه، ولكل كتاب اختصاص في علم معين، والطالب الذي يريد دراسة عدة علوم كان عليه أن يرتاد عدة حلقات، قد يبدو هذا للوهلة الأولى.
ولو تعمقنا في فهم تلك الكتب، وما كان يدرس في تلك الحلقات لوجدنا أن أي علم من العلوم الإسلامية، في ذلك الوقت كان ذا صلة وثيقة بالعلوم الأخرى، والكتب الإسلامية التي كانت تدرس ما زالت شاهدا على ذلك.
فالتفسير مملوء بالإعرابات النحوية، والإعلانات الصرفية، وتفسير الجلالين فيه مئات من هذه الإعرابات والإعلالات، مع أنه من أصغر التفاسير حجمًا، وكتب النحو: جل شواهدها من القرآن والحديث، والشعر الجاهلي أو الإسلامي الأول، وشراحها يفسرون تلك الشواهد أو يعزونها إلى قائلها، فيبحثون جانبا من علم التفسير، ومن علم الحديث، ومن الأدب العربي.
وكتب الفقه والأصول لها اعتماد كبير على المفاهيم اللغوية، كالباء في آية التيمم:{بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 5/ 6] ، والعطف الذي بعدها، وقد ألف ابن تيمية من أجل الحفاظ على العقيدة رسالة في البلاغة "في المجاز والحقيقة"، والتاريخ آخذ بأدلة من القرآن، وقل مثل هذا في جميع العلوم.
فانفصال المواد الدراسية، على إطلاقه، ليس من طبيعة الثقافة الإسلامية، ولا من شأن التربية الإسلامية، التي تأخذ بالإسلام كلا لا يتجزأ، وتعتبر كل العلوم التي انبثقت عنه ما تزال وظيفتها توضيح الشريعة الإسلامية، والحفاظ عليها، فلا بد من ربط كل هذه العلوم بهدف التربية الإسلامية، كما رأينا في الكلام عن شروط المنهج الإسلامي وصفاته.
ج- المنهج المترابط أم المحوري؟
إن هذين الشكلين لا تنافي بينهما، فكل منهج منهجي محوري يجب أن يكون كل مواده مترابطة فيما بينها، ومرتبطة بمحور معين.
وإذا كان "هدف التربية الإسلامية" هو المحور الذي يشد إليه كل موادها، وسائر المواد الأخرى، وإليه تتجه كل أهداف النمو اللغوي، والاجتماعي والفكري، وبه
يحصل التناسف والتكامل التربوي الرائع الذي كان عليه أصحاب رسول الله، ومن تبعهم بإحسان ووعي وبصيرة.
فإن ما ظهر للباحث المنصف أن التربية الإسلامية يمكن أن توصف بأنها تربية محورية، بهذا المعنى الذي شرحناه، على أن يكون "المحور الأساسي" هو "إخلاص العبودية لله"، وهذا المحور يمكن أن تدور عليه جميع المواد الدراسية، والعملية كما حصل في صدر الإسلام.
فتعلم القراءة والكتابة، واللغة وسائر علومها إنما يهيئ الناشئين لطاعة الله، وذلك بتفهم كلامه الذي أنزله لنعمل به، وكلام رسوله الذي أرسله ليطاع بإذنه، ومن هذا الأصل الأخير تنبع علوم الحديث والفقه.
والعلوم الكونية إنما ندرسها لنستفيد مما سخر الله لنا في البر والبحر، والجو من قوى ورياح ومياه، وزراعة ومعادن، ونشكر الله على ذلك ونسبحه مستشعرين عظمته، كما أمرنا كتابه.
والعلوم الاجتماعية تدلنا على سنن الله في الأمم والمجتمعات، وتربطنا بأمتنا الإسلامية، وتشعرنا بالولاء لله، ولدينه ولرسوله.
فإذا توارت كل الثقافات والعلوم على هذا الهدف العظيم، توحدت المجتمعات الإسلامية في مجتمع واحد، واستقامت نفس كل ناشئ مسلم، واتحدت نوازعها ومشاربها وتصوراتها، لصدورها عن أصل واحد، وخضوعها لهدف واحد:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 39/ 29] ، وتفيد الآية هنا أن التربية الوثنية الجاهلية، إذ تجعل نفس الناشئ نهبا بين الأهواء والنوازع المختلفة، ليست كالتربية الإسلامية الموحدة للنوازع، والأهداف والأفكار، حيث توجهها جميعا نحو عبادة الله وطاعته.
د- أما دور النشاط المنهجي، أو منهج النشاط في التربية الإسلامية، فقد بسطنا القول عن النشاط في البحث السابق، عندما تحدثنا عن النشاط المدرسي على أنه واسطة من وسائط التربية الإسلامية، بيد أن تجميع المعلومات لدراستها على مدى العام على شكل نشاطات، لا بد من ترابط أو تسلسل، أو استقطاب محوري، لئلا
تبقى الحياة المدرسية فوضى أو تابعة للمصادفات، ولكي نضمن للجيل الحد الأدنى من المعومات، والنوعية المطلوبة من التوجيهات لتحقيق أهداف التربية الإسلامية وغايتها الأساسية، ولكي نضمن، كذلك، صون فطرة الجيل من الانحرافات، وإبعاده عن مزالق المدرسة الغربية الحديثة، ومزالق نشاطها القائم اليوم على المباهاة، أو الاستهتار أو طلب المتعة لذاتها.
وهكذا نلاحظ أنه لو كان هناك منهج نشاط بكل معنى الكلمة، لاضطر أن ينضوي تحت لواء أحد أنواع المناهج السابقة، فإما "منهج نشاط مترابط"، وإما "منهج نشاط محوري" وهكذا، فيبقى دور النشاط متمما للمنهج ومحققا لأهدافه، ومع ذلك يجب النص عليه، كلما اقتضى الأمر، أو احتاج المنهج إلى ذلك.
فالتربية الإسلامية تتطلب منهجا محوريا، أو مترابطا مملوءًا بالنشاطات المحققة لأهداف التربية المنضوية تحت لواء الإسلام، المنضبطة بضوابطه، وقد عددنا أهمها في بحث النشاط المدرسي، على أن يكون هذا المنهج محققا في ترابطه، ونوعيته ومواده، شروط المنهج التربوي الإسلامي، كما بحثنا في هذا الفصل.