الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: وسائط التربية الإسلامية
أولًا: المسجد وأثره التربوي
…
الفصل الخامس: وسائط التربية الإسلامية
تمهيد:
لكل مشروع أو إنجاز يراد تحقيقه، وسائل تناسبه وتحقق هدفه، فإنشاء عمارة كبيرة يحتاج إلى آليات، ومهندسين ومواد أولية وعمال، وكذلك التربية، إنها مشروع يهدف إلى توجيه الجيل، وتعهد نموه لتحقيق هدف الأمة الأسمى، الهدف الذي دعانا الله إليه، لنكون خير أمة أخرجت للناس.
وللتربية وسائل مادية أو بشرية ذات أثر معنوي عظيم، كالمسجد، والمربي، والأسرة، والمدرسة، وسنطلق عليها اسم "وسائط"، وهناك وسائل معنوية، نفسية كالاعتماد على القصة، أو الحوار، أو الإيماء، أو الجدل بالتي هي أحسن، أو التمثل بالأشياء الحسية، أو الاقتداء.
وهذه الوسائل المعنوية يطلق عليها اسم أساليب أو وسائل.
وسنعرض في هذ الفصل: وسائط التربية الإسلامية بشيء من التفصيل، لما لها من أثر في تحقيق هدف التربية الإسلامية.
أولا: المسجد وأثره التربوي
1-
تمهيد في وظائف المسجد:
كان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصل المدينة بناء المسجد؛ لأن المسجد هو الذي يضم شتات المسملين، يجمعون فيه أمرهم، ويتشاورون لتحقيق أهدافهم، ودرء المفاسد عنهم، والتعاون لمجابهة المشكلات، وصد العدوان عن عقيدتهم، وعن أنفسهم، وأموالهم، بل هو المعقل الذي يلجئون فيه إلى بارئهم، يستمدون منه السكينة والقوة والعون، ويعمرون قلوبهم بشحنة جديدة من الطاقات الروحية، بها يمنحهم الله صبرا وبأسا، وإقداما ووعيا وتبصرا ورباطة جأش، وبعد نظر، وتفاؤلا ونشاطا.
2-
الوظيفة التربوية للمسجد:
كانت للمسجد في صدر الإسلام وظائف جليلة أهمل المسلمون اليوم عددًا منها، فقد كان منطلقا للجيوش وحركات التحرير، تحرير الأمم والشعوب من العبودية للبشر، والأوثان والطواغيت، ليتشرفوا بعبوديتهم لله وحده، وكان المسجد مركزًا تربويًّا، يربي في الناس على الفضيلة، وحب العلم، وعلى الوعي الاجتماعي، ومعرفة حقوقهم وواجباتهم في الدولة الإسلامية، التي أقيمت لتحقيق طاعة الله وشريعته، وعدالته ورحمته بين البشر، فكان أن انطلق تعليم القراءة والكتابة، أي البدء بمحو الأمية من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسجد مصدر إشعاع خلقي، يتشبع فيه المسلمون بفضائل الأخلاق، وكريم الشمائل.
وبقي الأمر على هذا بين مد وجزر، تطغى الأغراض الدنيوية حينا على بعض المنظمين لرواد المساجد ممن كانوا يسمون علماء، فتنقلب حلقاته إلى موارد للرزق، ومعاقل للتعصب المذهبي، أو الطائفي أو الشخصي!!
3-
الوظيفة الاجتماعية للمسجد:
حين تعصف بالمسلمين نكبة أو نازلة، يعتصمون ببيوت الله ليرفعوا راية الإسلام، وليجتمعوا على إعلاء كلمة الله كما حدث عند الغزو الصليبي الأول، وكما حدث في معظم الحركات التحررية ضد الغزو الصليبي الأول، وكما حدث في معظم الحركات التحررية ضد الغزو الصليبي اليهودي الثاني، أي ضد المستعمرين الذين وطئت جيوشهم منذ قرن، أو أكثر معظم البلاد الإسلامية، فقد انطلقت الثورة السورية من عدد من أكبر مساجد المدن السورية، وانطلقت ثورة الجزائر من الكتاتيب، والمدارس الإسلامية في المساجد، وكذلك حركات التحرر الإسلامي في الباكستان، وأفغانستان وغيرهما.
وهكذا يتربى الناشئ في المسجد في ظل مجتمع إسلامي ناهض راق، ينظم شئونه على أساس الشورى، ويتفقد مرضاة فيعودهم، وفقراءه المعوزين فيعطيهم مما أعطاه الله، وتنعقد أواصر المحبة بين القلوب، فيغدو مجتمعا قويا متماسكا يساهم في تربية الجيل، ونهضته وإنعاشه.
4-
أثر المسجد التربوي، والاجتماعي في حياة الأمة:
عندما يأخذ المسجد مكانه الطبيعي الذي بني من أجله، وأراده الله له، يصبح من
أعظم المؤثرات التربوية في نفوس الناشئين، فيه يرون الراشدين مجتمعين على الله، فينمو في نفوسهم الشعور بالمجتمع المسلم، والاعتزاز بالجماعة الإسلامية، وفيه يسمعون الخطب والدروس العلمية، فيبدءون بوعي العقيدة الإسلامية، وفهم هدفهم من الحياة، وما أعدهم الله له في الدنيا والآخرة.
وفيه يتعلمون القرآن ويرتلونه، فيجمعون بين النمو الفكري، والحضاري بتعلم القرآءة، ودستور المجتمع الإسلامي، والنمو الروحي وهو الارتباط بخالقهم.
وفيه يتعلمون الحديث والفقه، وكل ما يحتاجون من نظم الحياة الاجتماعية كما أراد الله أن ينظمها للإنسان، ومن هداية الله وسنة رسوله.
ومن العلوم المتممة لذلك كاللغة والتاريخ الإسلامي وغيرها، ولكن ما يدعو المسلمين إلى المسجد هو الالتقاء على طاعة الله، فشعار الاجتماع في المسجد لأمر طارئ، أن ينادي مناد في أسواق المسلمين، ومآذن مساجدهم "الصلاة جامعة"، فإذا اجتمعوا كان أول عملهم أن ينتظموا صفوفًا ويصلوا
ركعتين، ثم يتداولون أمرهم، هذا إذا اضطروا للاجتماع في وقت لا تحين فيه صلاة مفروضة، وفي الحالات غير الاضطرارية ينتظرون وقت الصلاة المفروضة، فلا يبرمون أمرا إلا بعد اجتماعهم على صلاة.
فالمسجد على هذا يعلم الناشئين أن كل أمور الحياة تابعة للارتباط بالله، وصادرة عن هدف التربية الإسلامية الشامل الذي هو إخلاص العبودية لله، وينغرس هذا المعنى في نفس الناشئ عفوا من غير قصد ولا تكلف.
وقد بقي تعلم القرآن في الكتاتيب والمساجد، إلى عهد قريب، وسيلة لتعلم القراءة والكتابة، فكان الأطفال، قبل انتشار المدارس الحديثة، يتقنون قراءة القرآن، فيتعلمون القراءة على أسلوب الطريقة الجملية، أي أنهم يتقنون التعرف إلى صورة الكلمات المكتوبة مقترنة بألفاظها المنطوقة.
وكان الأطفال، بعد هذه القراءة الأولى، يكتبون القسم الذي قرءوه، على ألواح خشبية، يحاكون رسمه في المصحف، وكلما كتبوا جزءا يناسب مقدرتهم، عادوا فأتقنوا تلاوته، ثم ينتقلون إلى غيره، وهكذا حتى يتموا جميع القرآن، ثم ينتقى منهم
المتفوقون ليحفظوا القرآن على ظهر قلب، كما حدثني أهل العلم ممن أدركوا هذا العهد "كالشيخ ناصر حمد الراشد مدير تعليم البنات في المملكة العربية السعودية".