الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب-
وظيفة التصفية، والتطهير:
تمر العلوم أو العقيدة على عقول أجيال متتابعة من الناس والمجتمعات، فلا تبقى على حالها، بل تتحمل كثيرًا من الشوائب، والعواطف الكاذبة، والمبالغات الخاطئة، والاعتبارات الشخصية أو الاجتماعية في ظروف معينة، يكون الناس فيها أميل إلى الإشاعات، وسرعة التصديق، والارتماء في أحضنا التعليلات الساذجة غير العلمية، فتتغير الحقائق، وتنحرف العقيدة عند البعض، فيصبحون أقرب إلى الشرك أو الرياء، أو الكذب على رسول الله، أو نحو ذلك، وقد يؤلف بعضهم المؤلفات، ويكتب هذه الأباطيل في الكتب كما فعل بعض الصوفية والمبتدعة.
والمدرسة عندما تقدم العقيدة والعلم إلى الناشئين، تعمد إلى تصفية الحقائق، وتنقيتها من كل الشوائب والأخطاء، والمبالغات والأكاذيب، لتبقى عقيدة الناشئين سليمة، وعقولهم قويمة، ومعارفهم صحيحة.
هذه الوظيفة هي من طبيعة التربية الإسلامية، وهي من أهم أهدافها، ومهماتها التي تقوم على تحقيقها للأسباب الآتية:
*- أن الإنسان يولد في نظر الإسلام على الفطرة السليمة، ثم يأتي الفساد عن طريق المجتمع الفاسد، فالتربية الإسلامية هي الدفاع عن براءة الفطرة وسلامتها.
*- أن طبيعة النفس الإنسانية كما وصفها الإسلام قابلة للخير والشر: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 91/ 8] .
*- إن الله امتحن الإنسان، فجعله إمام أمرين، إما أن يختار طريق الخير، وإما أن ينحرف إلى الوساوس والأوهام، التي تحاول إغراءه بشتى الوسائل، وقد أمهل
1 ولعل أصل هذا الأثر ما ورد في صحيح البخاري من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله"، ج1 كتاب العلم.
الله الشيطان وأعطاه كل مقدرة على الإغراء حتى يتم به ابتلاء الإنسان؛ فكان هذا أكبر داع إلى أن يتخذ المربي عدته للحذر من الانحراف؛ لأنه موجود في كل زمان ومكان، ومن أهم أساليب هذا الحذر، تصفية العقيدة والشريعة، والعلوم كلها من شوائب التحريف والتشويه التي توسوس لها الأهواء، أو يوحي بها المنحرفون من عباد الأهواء والشهوات، والمادة في كل زمان ومكان.
*- وقد دعا الإسلام صراحة إلى الدفاع عن العقيدة، والشريعة والفطرة من التحريف، وإلى إبعاد الخرافات والتأويلات الباطلة للظواهر الكونية، فنهى عن التشاؤم كما مر معنا في عقيدة القضاء والقدر، ونهى الرسول الله عن تعليل الخسوف بموت ابنه، ونهى عن البدع والابتداع، والزيادة في الشرع والدين، حتى أصبحت مهمة ترك البدع، جانبا قائمًا بذاته من جوانب التربية الإسلامية.
*- كذلك حذر الإسلام من الكذب أو التحريف في نقل الأخبار، والحوادث التاريخية، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم الناشئ والإنسان: أنه مسئول عن كل ما يتحدث به تثبت، أو تأكد من صحته قال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 17/ 36] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: $"كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع".
وهكذا لم تكتف التربية الإسلامية بتقديم المنهج، والمواد العلمية للناشئ مصفاة خالصة من كل شائبة، أو تحريف بل ربت الناشئ على الامتناع عن قبول أي شيء دون التثبت منه، وبهذا ربت عنده مناعة ضد كل تحريف أو خرافة، وربته على "الأمانة العلمية"، و"التفكير المنطقي"، فأصبح لا يقبل حقائق العلم إلا صحيحة، ولا الأخبار التاريخية إلا صادقة.