المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: المجتمع ومسئوليته التربوية - أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع

[عبد الرحمن النحلاوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المحتوى:

- ‌الفصل الأول: الإسلام والتربية

- ‌أولا- التربية الإسلامية هي العلاج:

- ‌ثانيا: مفهوم التربية

- ‌ثالثا: مفهوم الدين

- ‌رابعا: مفهوم الإسلام

- ‌خامسا: العلاقة بين الإسلام والتربية

- ‌ التربية الإسلامية: فريضة إسلامية

- ‌ التربية الإسلامية قضية إنسانية، وضرورة مصيرية:

- ‌الفصل الثاني: مصادر التربية الإسلامية

- ‌أولًا: القرآن: أثره التربوي في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة

- ‌ثانيا: السنة

- ‌الفصل الثالث: أسس التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الاسس الفكرية

- ‌مدخل

- ‌أولا: نظرة الإسلام إلى الإنسان

- ‌ثانيا: نظرة الإسلام إلى الكون:

- ‌ثالثا: نظرة الإسلام إلى الحياة

- ‌الأسس التعبدية:

- ‌الأسس التشريعية

- ‌مدخل

- ‌أولا: أثر الشريعة في تربية الفكر

- ‌ثانيا: أثر الشريعة في تربية الخلق

- ‌ثالثا: الضروريات الخمس، وأثرها التربوي

- ‌رابعا: العقيدة الإسلامية، وأثرها التربوي:

- ‌أركان الإيمان:

- ‌الفصل الرابع: غاية التربية الإسلامية وأهدافها

- ‌أولًا: معنى الهدف

- ‌ثانيًا: أهمية الهدف وتحديده

- ‌ثالثا: هدف التربية الإسلامية

- ‌رابعا: التربية الإسلامية، والمواطنة الصالحة

- ‌خامسا: التربية الإسلامية، وهدف كسب الرزق

- ‌سادسًا: مميزات هدف التربية الإسلامية

- ‌سابعًا: أهمية التربية الدينية "بمعناها الخاص" في تحقيق هدف التربية الإسلامية

- ‌الفصل الخامس: وسائط التربية الإسلامية

- ‌أولًا: المسجد وأثره التربوي

- ‌ثانيا: الأسرة المسلمة، ومهمتها التربوية

- ‌ثالثا: المدرسة في التربية الإسلامية

- ‌ تمهيد في أهمية المدرسة ونشأتها:

- ‌ المدرسة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ المدارس في العصر العباسي المتأخر:

- ‌ المدرسة المعاصرة:

-

- ‌وظائف المدرسة الحديثة

- ‌وظيفة التبسيط والتخليص

- ‌ وظيفة التصفية، والتطهير:

- ‌ توسيع آفاق الناشئ وزيادة خبراته بنقل التراث:

- ‌ وظيفة الصهر والتوحيد وإيجاد التجانس، والتأليف بين الناشئين:

- ‌ وظيفة تنسيق الجهود التربوية المختلفة وتصحيحها:

- ‌ التكميل لمهمة المنزل التربوية:

- ‌رابعا: المربي المسلم

- ‌ تمهيد حول أهمية المربي:

- ‌ صفات المربي المسلم وشروطه:

- ‌خامسًا: المجتمع ومسئوليته التربوية

- ‌سادسا: النشاط المدرسي والتربية الإسلامية:

- ‌سابعا: المنهج التربوي الإسلامي وخصائصه

- ‌الفصل السادس: أساليب التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التربية بالحوار القرآني والنبوي

- ‌مدخل

- ‌ الحوار الخطابي أو التعبدي:

- ‌ الحوار الوصفي، وآثاره التربوية:

- ‌الحوارص القصصي

- ‌ الحوار الجدلي لإثبات الحجة:

- ‌ الحوار النبوي:

- ‌ثانيًا: التربية بالقصص القرآني والنبوي

- ‌الميزات التربوية للقصص القرآني والنبوي

- ‌ تربي القصة القرآنية العواطف الربانية وذلك:

- ‌ثالثا: التربية بضرب الأمثال:

- ‌رابعًا: التربية بالقدرة

- ‌خامسا: التربية بالممارسة والعمل

- ‌سادسًا:‌‌ التربية بالعبرةوالموعظة

- ‌ التربية بالعبرة

- ‌ التربية بالموعظة:

- ‌سابعا: التربية بالترغيب والترهيب:

- ‌مستخلص:

الفصل: ‌خامسا: المجتمع ومسئوليته التربوية

‌خامسًا: المجتمع ومسئوليته التربوية

تتجسد مسئولية المجتمع الإسلامي عن تربية أبنائه في أمور، وأساليب تعتبر من أفضل أساليب التربية الاجتماعية أهمها:

إن الله جعله آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر كما سبقت الإشارة إلى ذلك في بحث "الأسس التشريعية من أسس التربية الإسلامية"، فقال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 3/ 104] .

وقال جل جلاله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 3/ 110] .

وتربية الناشئين على هذا الأساس معناه أن نصون فطرتهم الطاهرة عن التدنس وارتكاب الأخطاء، أو عن أن تستهويهم الرذيلة؛ لأن مجرد استحسانها سيعدهم لارتكابها إذا كبروا واصبحوا قادرين عليها، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن من واجب الراشدين أن يغرسوا معاني الإيمان في قلوب الناشئين بشتى المناسبات، بأن يلفتوا نظرهم إلى كل ظاهرة من ظواهر الكون الدالة على قدرة الله، وعظمته ووحدانيته، وأن يوجهوا ويهذبوا سلوكهم بآداب الإسلام، وأن ينصحوهم إذا دخلوا المسجد، ويعلمون عبادة الله وآداب المساجد.

2-

اعتبار الناشئين أبناء أو أبناء إخوة الراشدين: جميع الناشئين في المجتمع الإسلامي هم أبناء، أو أبناء إخوة لجميع الراشدين أو للكهول، فكل كهل ينادي أي

ص: 144

ناشئ مسلم "يا بن أخي"1، وكل ناشئ ينادي أي كهل بلفظ "يا عم" عملًا بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة} [الحجرات: 49/ 10] ، وقد شعر المسلمون منذ فجر الإسلام بهذه المسئولية المشتركة عن تعليم الناشئين، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أنس قال:"كنت خادمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: فكنت أدخل بغير استئذان، فجئت يوما، فقال: "كما أنت يا بني، فإنه قد حدث بعدك أمر، لا تدخلن إلا بإذن"، فقد علمه الرسول الاستئذان، وكان يناديه يا بني"2، وعن ابن أبي صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له:"يا بني"3.

وهكذا نرى أن العطف على الناشئين، وإشعارهم بصلة العقيدة من أهم أساليب التربية الاجتماعية في الإسلام.

3-

التأديب بسخط المجتمع وتعنيفه للمسيء: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع وسيلة لتأديب الرجل يؤذي جاره، فقد ورد عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله: "إن لي جارا يؤذيني"، فقال:"انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق"، فانطلق فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه، فقالوا:"ما شأنك؟ " قال: لي جار يؤذيني، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق"، فجعلوا يقولون:"اللهم العنه، اللهم اخزه"، فبلغه فأتاه فقال:"ارجع إلى منزلك فوالله لا أوذيك"4، وفي هذا دليل على أن النقد الاجتماعي اللاذع من أساليب التربية الاجتماعية في الإسلام، ولكن لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى.

4-

التأديب بالحرمان الاجتماعي أو الهجر والمقاطعة: اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع "بأمر من الله" وسيلة لتأديب من تخلف عن الحرب، فأمر الصحابة بمقاطعة الثلاثة الذين تخلفوا عن تقديم أنفسهم للجندية، حين أعلن النفير العام، فكانت هذه التربية

1 فإن كان أبوه لم يدرك الإسلام نادوه يا بني كما روى البخاري في الأدب المفرد عن الصعب بن حكم، عن أبيه عن جده قال: أتيت عمر بن الخطاب: رضي الله عنه، فجعل يقول: يا بن أخي!! ثم سألني فانتسبت له، فعلم أن أبي لم يدرك الإسلام، فجعل يقول:"يا بني، يا بني" الأدب المفرد.

2 الأدب المفرد، الحديث 807.

3 الأدب المفرد، الحديث 808، وكل هذا في باب قول الرجل: يا بني لمن أبوه

لم يدرك الإسلام.

4 الأدب المفرد، الحديث 68، 1/ 216.

ص: 145

بواسطة الضغط الجماعي الواعي المقصود من أبلغ الوسائل، وأشدها تأثيرًا في النفوس.

وقد وصف الله تعالى بعض نتائجها النفسية وصفا بليغا حيث قال: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْإِرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 9/ 117-118] .

فأشار إلى الأثر الذي بلغه المجتمع المسلم من نفوس أفراده، فأحاطها من كل جانب، حتى أن أحدهم تضيق به الدنيا عندما يقاطعه، ويهجره جميع أفراد المجتمع من أجل مرضاة الله.

النتيجة التربوية:

وهكذا نرى أن الرجوع إلى أمر الله، وتحكيم شريعته في تنظيم المجتمع، من أهم مصادر الروابط، والتصورات والأهداف الاجتماعية، فيحق للمجتمع بل يجب عليه أن يربي الناشئين، ويؤدبهم بطلب مرضاة الله، فإذا زاغ الفرد عن هذا الهدف هجره المجتمع، أو زجره أو اتخذ معه شتى الأساليب التربوية، حتى يعود إلى حظيرة الإيمان والتوبة، والندم على الخطأ والعمل بمقتضى الشريعة وآدابها.

وهذا يدل على أن مؤدب الناشئين، يحق له بل يجب عليه أحيانا، أن يحرم المخطئين من معاشرة زملائهم فترة من الزمن، عقوبة وردعا لهم حتى يشعر بندمهم وتوبتهم، ورجوعهم إلى الصواب، أو يأخذ عليهم العهد بذلك، شريطة أن يعرفوا أخطاءهم، وسبب إنزال هذه العقوبة بهم، وأن يتوسم فيهم الاستفادة من هذه العقوبة، فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عددًا من المنافقين لم يعاقبهم على تخلفهم، وخص هؤلاء الثلاثة بهذه العقوبة، لعلمه بأنها هي الأنفع لهم، وأنهم أجدر أن يتعظوا بها.

5-

التربية الاجتماعية بالتعاون: تقوم التربية الإسلامية على اعتبار المجتمع المسلم كيانا حيا واحدا، فقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المجتمع بالجسد حيث قال: "ترى

ص: 146

المؤمنين في توادهم، وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" 1.

وعلى هذا الأساس العيظم رغب القرآن بالتعاون، فقال تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 5/ 2] .

وتدل الآية على أن أواصر المحبة التي تقوم عليها التعاون بين أفراد المجتمع المسلم، إنما تقوم على تحقيق الخير والبر، وعلى التقوى أي الخوف من ارتكاب معصية أو شرك بالله، أو بعد عن شريعته، أو إيذاء بغير حق، ولذلك نهى الله عن أن يكون التعاون في الإثم، والعدوان.

وهذا ما يميز التربية الإسلامية، التي تربي المواطن المؤمن على تحقيق الخير والبر والعدل دون تعصب، هذا ما يميزها عن التربية القومية التي تستهدف إيجاد "المواطن الصالح"، الذي يتعصب لقومه، ووطنه دون أن يستهدف خيرًا أو عدلا، أو يبعد شرا عن الآخرين.

ومما يحقق معنى التعاون في التربية الاجتماعية الإسلامية، قضاء حاجات الناس، والتفريج عنهم، وستر عيوبهم، ونحهم على انفراد، إن كانت من العيوب التي يمكن تركها.

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" 2، وهكذا يدرج الناشئ في مجتمع، قائم على الإيثار، بعيد عن الأثرة، مبني على مساعدة الآخرين من أجل الحق والخير، وإدخال السرور وإبعاد الكروب.

1 صحيح البخاري، 4/ 37ط/ المطبعة العثمانية المصرية 1351هـ.

2 رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب من الحديث: عبد العظيم المنذري المتوفي 656هـ، 3/ 75، ط/ دار إحياء الكتب العربية بمصر "عيسى البابي الحلبي".

ص: 147

6-

تربية الناشئين على الحب في الله:

تبني التربية الاجتماعية على أساس عواطف اجتماعية، أهمها المحبة، وتنبع المحبة من تربية الأبوين للناشئ، فإن وهباه ما يحتاج من الحب والعطف، والعناية أصبح عنده استعداد لمحبة الآخرين، وإن لم يرويا عنده الحاجة إلى أن يحب، ظهر عنده الشذوذ والتبرم، والسخط على الآخرين، كما رأينا في بحث "الأسرة" في هذا الفصل.

على أن التربية الإسلامية أضافت إلى محبة الأبوين ينبوعا ثرًّا، لا ينضب، من ينابيع العاطفة الصادقة، إنه محبة الله الذي أنعم علينا، والذي يرحمنا في الشدائد، عندما نلجأ إليه وندعوه في المحن، فيكشف السوء.

وعلى أساس محبة الله يجب المؤمن كل من يشاركه في الولاء لله، ومحبة الله وطاعته والانقياد لشريعته، والاعتزاز بالسير تحت لوائه، وهذا ما يسمى "الحب في الله"، وله في النفس أثر عظيم وسعادة نفسية قال فيها بعض الزهاد:"لو يعلم الملوك ما نحن فيه لحاربونا عليه"، وهذا اقتباس لطيف وتصديق واقعي لما رواه أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:

- أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

- وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله.

- وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار" 1.

وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة قوم ثبتت نصرتهم لله، ورسوله من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق:

عن البَرَاء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: $"لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"2.

1 متفق عليه، رياض الصالحين، 3/ 87، للإمام يحيى بن شرف النووي، ت671هـ، شركة الشمولي بمصر.

2 متفق عليه، رياض الصالحين، 3/ 78، شركة الشمولي بمصر.

ص: 148

كما جعل مصير الإيسان يوم القيامة، مرتبطا بمصير من يحبهم ويتعلق بهم، ويرتبط بهم برباط اجتماعي في الدنيا، ويعمل بعملهم، ويبذل من أجلهم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله عبادًا ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء، قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب، وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 10/ 62]1.

وعن أنس رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "متى الساعة؟ قال: "وما أعددت لها؟ " قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله"، قال:"أنت مع من أحببت"2.

التطبيق التربوي:

يجب على المربي أن يذكر الناشئ بهذه المعاني عندما يصطحبه، أو يرسله لزيارة أخ له في الله، أو عيادة مريض، أو اجتماع على ذكر الله أو طلب العلم، وأن يبني النشاط الاجتماعي المدرسي على هذا المعنى، وبهذا تربى تدريجيا عند الناشئين عاطفة الحب في الله فيجدون لذتها، ولا يستطيعون تركها.

7-

حسن انتقاء الأصدقاء على أساس التقوى والإيمان:

يميل الناشئون بفطرتهم، وخاصة منهم الفتيان والمراهقون، إلى محبة الأصدقاء والانخراط في جوهم، فيجب إعطاؤهم مناعة، وحذرًا حتى لا يصاحبوا الأشرار، أو يلازموا شبابا ضائعين، لا هم لهم إلا العبث وضياع الوقت دونما هدف صالح من الحياة، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وحذرنا القرآن من قرين السوء في "حوار قرآني"3 أجراه على لسان أحد أهل الجنة يوم القيامة، قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ، يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ، قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ، فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ

1 رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، واللفظ له "الترغيب والترهيب 3/ 262، ط/ دار إحياء الكتب العربية بمصر".

2 رواه البخاري ومسلم، الترغيب والترهيب، 3/ 263، ط دار إحياء الكتب العربية بمصر.

3 من أساليب القرآن التربوية، وسيأتي تفصيله إن شاء الله في "أساليب التربية الإسلامية".

ص: 149

قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ، وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 37/ 50-57] .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي"1.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا نتنة"2.

الأثر التربوي:

ينتج مما تقدم أنه لا يكفي الاعتماد على المجتمع المؤمن الذي يحيط الناشئ عادة، بل يجب تحذيره من جليس السوء، وأن نختار له مجالس الصالحين، والرفقة المؤمنة، والأتراب والأنداد الذي ربوا تربية صالحة، مع إشغال مجالسهم، ومجتمعاتهم بما يرضي الله، ويزكي نفوسهم، وتحذيرهم مما يدنس نفوسهم، أو يضيع أوقاتهم في غير ما طاعة أو فائدة علمية، أو كسب دنيوي حلال، عملا بقوله تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 4/ 114] .

ص: 150