الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: العقيدة الإسلامية، وأثرها التربوي:
تمهيد:
العقائد هي الأفكار التي يؤمن بها الإنسان، ويصدر عنها في تصرفاته وسلوكه، وتطلق العقائد الإسلامية على أركان الإيمان، وما يتفرع عنها من توحيد الألوهية، والبعد عن كل شبهات الشرك، وعلى الإيمان بما ثبت من المغيبات أي الإيمان بالغيب، وبالرسل والكتب، والملائكة واليوم الآخر.
فالإيمان إذن هو أساس العقائد، ولكي نفهم أهمية العقيدة، ولماذا اعتبرت
أساسا، بل لماذا كانت الركن الأول الذي بنيت عليه التربية الإسلامية، لا بد لنا من وفقة عند كلمة الإيمان، لنحلل معناها ولنوضح أهميتها.
أهمية الإيمان وضرورته كأساس من أسس التربية 1:
1-
المراد بإيمان الإنسان بشيء: أنه قد استقر في ذهنه تصديقا ويقينا، ولم يعد بعده يخاف أن يتسرب إلى ذهنه شيء يخالفه، وهو لغة التصديق، وشرعا "ما وقر في القلب، وصدقه العمل".
2-
فإذا قوي إيمان امرء فقد قامت سيرته على ما صدقه، واطمأن قلبه إليه من
1 الحضارة الإسلامية، أبو الأعلى المودودي ص90-104 دار العربية للطباعة -بيروت، وقد أثبتنا أفكاره بتصرف، حيث وجهنا البحث توجيها تربويا، وهو قد أورد من جانبه الحضاري الفكري جزاء الله عن الإسلام، والمسلمين خير الجزاء.
الأفكار أي على تأسس قوية رصينة، يجوز الاعتماد عليها، والاطمئنان إلى أن الأعمال لن تصدر عنه إلا متفقة معها بكل معنى الكلمة، فالإيمان الصحيح أساس متين لتربية ثابتة مضمونة النتائج، وبهذا يكون للإنسان المؤمن سيرة معلومة، ويكون في حياته النظام، والأحكام والترتيب والانسجام، ونستطيع أن نقول بكل جزم أنه سيعمل العمل الفلاني في الوقت الفلاني، ولذلك كانت التربية المبنية على الإيمان أفضل من التربية المبنية على عدم الإيمان، ذلك؛ لأن غير المؤمن لا سيرة له في حياته، إذ أن له أن يظهر بمظهر الشيطان متى شاء، أو بمظهر الملك متى أحب، ولا يستبعد عنه في أي وقت من أوقاته أي لون من ألوان الأعمال والأفعال، ما دام لا يلتزم فكرة معينة، ولم تستقر في قلبه عقيدة من العقائد.
3-
غير أن الإيمان لا يكون لدى جميع الناس مصدر خير، فربما بني الإيمان في بعض الأديان كالوثنية على الخرافات والأساطير، لذلك لا بد من ضابط لكل عناصر الإيمان، وتصورات المؤمن وأفكاره، أي لا بد أن يكون كل ما يؤمن به حقا وصحيحا.
والقرآن عندما يدعو إلى الإيمان يمعتقدات معينة، يلجأ إلى العقل، فيرشده إلى ما يجب أن يؤمن به، أي أنه يبرهن بأسلوب عقلي حسي، على صحة هذا المعتقد، فيبدأ أولا بالبرهان على عظمة الله، ثم يتفرع عن ذلك باقي العقائد.
فالعناصر الإيمانية الصحيحة هي التي تعتمد على برهان عقلي صحيح، وتقبلها الفطرة السليمة، وينتج عنها توحيد وتناسق بين جميع جوانب الشخصية الإنسانية، وبين جميع عناصر المجتمع الإنساني، وبين جميع ظروف الحياة، ومتطلباتها الاقتصادية والحضارية، والعلمية والسياسية والحيوية.
4-
وكما أن سيرة الفرد وحياته تنتظم وتستقيم، إذا كانت صادرة عن إيمان صحيح، كذلك فإن مجموعة الأفراد، عندما يخضعون علاقاتهم فيما بينهم وسلوكهم، وسيرتهم إلى الإيمان بفكرة مشتركة بينهم، مشتملة على أمور روحية، ربانية، صحيحة، فإنهم يؤلفون أمة ذات حضارة متجانسة متجاوبة مع عقيدتها ودينها، وتكون العقيدة المشتركة في الوقت ذاته في الموجه لحياة الأفراد الشخصية، فيحصل تناسق بين حضارة الأمة ونظمها الاجتماعية، وبين سيرة أفرادها وفي هذا كمال الحياة النفسية الصحيحة، والتجاوب الاجتماعي السليم، فيصبح المجتمع المؤمن كالبنان يشد بعضه بعضا، ويصبح المؤمنون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهكذا تكون التربية
الاجتماعية المرتكزة على الإيمان هي التي تنتج مجتمعا قويا حضاريا مستقيما
سليما من كل الأمراض والانحرافات.