الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة: في الأمر بالإخلاص والصدق وإحضار النية:
قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 2، 3] والآيات في الأصلين كثيرة1، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات
…
" الحديث2. قال الشافعي3 رضي الله عنه: يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه4. وقال هو وأحمد5: يدخل في هذا الحديث ثلث العلم6، قال البيهقي7:
1 أي: في مقدمة شرح المهذب وفي الدر النضير.
انظر: شرح المهذب 1/ 40 فما بعده، وكتاب العلم للنووي ص55.
2 رواه البخاري رقم "1" في بدء الوحي، ومسلم رقم "1907" في كتاب الإمارة، ورواه أحمد في المسند 1/ 303 حديث رقم "168"، وانظر تخريجه ثمة هناك 1/ 303-304.
3 هو أبو عبد الله، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كافة، ولد في غزة "بفلسطين" وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد مرتين، وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة، وقد برع في الشعر واللغة وأيام العرب، ثم أقبل على الفقه والحديث، وأفتى وهو ابن عشرين سنة، وكان ذكيا مفرطا له تصانيف كثيرة، توفي سنة 204هـ. ابن خلكان 4/ 163، والأعلام 6/ 26.
4 كتاب العلم وأدب العالم والمتعلم ص55، وجامع العلوم والحكم 1/ 9، والسنن الأبين 1/ 34.
5 هو أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل، الشيباني الوائلي، أمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة، أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس، وولد ببغداد فنشأ منكبا على طلب العلم وسافر في سبيله أسفارا كبيرة وإلى بلدان كثيرة وكان مقدما عند الخليفة المتوكل حتى وافته المنية سنة 241هـ. السير 11/ 177، والأعلام 1/ 203.
6 السنن الكبرى للبيهقي 2/ 14، والصغرى 1/ 20، والمعجم الكبير 9/ 105، وتحفة الأحوذي 5/ 235، وجامع العلوم والحكم 1/ 9، 214.
7 هو أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي، من أئمة الحديث. ولد في حسرو جرد "من فري بيهق، بنيسابور"، ونشأ في بيهق ودخل إلى بغداد ثم إلى الكوفة ومكة وغيرهما وطلب إلى نيسابور فلم يزل فيها إلى أن مات سنة 458هـ ونقل جثمانه إلى بلده.
قال إمام الحرمين: ما من شافعي إلا وللشافعي فضل عليه غير البيهقي، فإن له المنة والفضل على الشافعي؛ لكثرة تصانيفه في نصرة مذهبه وبسط موجزه وتأييد آرائه. السير 18/ 163، والأعلام 1/ 116.
معناه أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه وبنانه1، فالنية أحد أقسام كسبه الثلاثة، وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بإفرادها، بخلاف القسمين الباقيين، ولأن النية لا يدخلها فساد برياء ولا غيره بخلاف غيرها، وقيل: هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام2 وقد أوصلها الإمام النووي إلى الأربعين حديثا وجمعها في أربعينيته3، وكان السلف وتابعوهم من الخلف يستحبون استفتاح المصنفات ونحوها بهذا الحديث، وبه استفتاح المصنفات ونحوها بهذا الحديث، وبه استفتح البخاري4 كتابه الجامع الصحيح5 تنبيها للمطالع على حسن النية، وقال صلى الله عليه وسلم:"نية المؤمن أبلغ من عمله" رواه البيهقي في الشعب6، وفي رواية الإحياء7:"نية المؤمن خير من عمله".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخبرا عن جبريل عن الله -جل وعلا- أنه قال: "الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي" 8 رواه
1 انظر شعب الإيمان 5/ 343.
وانظر فتح الباري 1/ 18-20، وفيض القدير شرح الجامع الصغير 1/ 30-35.
2 كتاب العلم وآداب العالم والمتعلم ص56.
3 أي: كتاب الأربعين حديثا للإمام النووي، المعروف باسم الأربعين النووية، وهو مطبوع مشهور مع شروحه الكثيرة.
4 هو أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، حبر الإسلام، والحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب "الجامع الصحيح" المعروف بصحيح البخاري.
ولد في بخارى ونشأ يتيما، وقام برحلة طويلة سنة 210هـ في طلب الحديث فزار عدة بلدان وجمع نحو ستمائة ألف حديث اختار منها في صحيحه ما وثق بروايته، وأقام في بخارى فتعصب عليه جماعة ورموه بالتهم، فأخرج إلى خرتنك "من قرى سمرقند" فمات فيها سنة 256هـ، وكتابه في الحديث أوثق الكتب الستة المعول عليها. السير 2/ 391، والأعلام 6/ 34.
5 صحيح البخاري 1/ 3، حديث رقم1، كتاب بدء الوحي.
6 شعب الإيمان للبيهقي 5/ 343.
7 إحياء علوم الدين 4/ 531، وهو حديث ضعيف، أخرجه الطبراني في الكبير 6/ 228، وانظر السلسلة الضعيفة 2789، وضعيف الجامع الصغير 5977، وهو حديث ضعيف كما نص على ذلك الألباني في الضعيفة 2789، وانظر أيضا ضعيف الجامع الصغير 5977.
8 وهو حديث ضعيف، كما قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، حديث رقم 630 ص92، وانظر الرسالة القشيرية 204، وإتحاف السادة المتقين 1/ 43، 44.
القشيري1 في الرسالة2 متصلا مسلسلا، وعرف الإخلاص فيها بأنه إفراد الحق تعالى في الطاعة بالقصد؛ أي: يريد بها التقرب إلى الله دون شيء آخر من الخلق من تصنُّع لهم أو محمدتهم أو محبتهم أو محبة مدحهم، وقال في تعريفه كلمات كثيرة، ونقولا غزيرة، وقال الفضيل بن عياض3: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما4، وقال السري5: لا تعمل للناس شيئا، ولا تترك لهم شيئا، ولا تغط لهم شيئا، ولا تكشف لهم شيئا، وقال الجنيد6: الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله.
وقال الإمام القشيري: أقل الصدق استواء السر والعلانية، وقال غيره: من أراد أن يكون الله تعالى معه فليلزم الصدق، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ
1 هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابوري القشيري، زين الإسلام، شيخ خراسان في عصره، زهدا وعلما بالدين، وكان السلطان ألب أرسلان يقدمه ويكرمه، كانت إقامته بنيسابور، وتوفي فيها سنة 465هـ. تاريخ بغداد 11/ 83، والأعلام 4/ 57.
2 الرسالة القشيرية 204-205، وانظر تعريفات أخر للإخلاص فيه.
3 هو أبو علي، الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي، شيخ الحرم المكي، من أكابر العباد الصلحاء، كان ثقة الحديث، أخذ عنه خلق منهم الإمام الشافعي، ولد في سمرقند، وسكن مكة وتوفي بها سنة 187هـ. الحلية 8/ 87، والأعلام 5/ 135.
4 حلية الأولياء 8/ 98.
5 انظر حلية الأولياء 10/ 130.
والسَّرِي هو أبو عبد الله بن المفلس السقطي، من كبار المتصوفة، بغدادي المولد والوفاة، وهو أول من تكلم في بغداد بلسان التوحيد وأحوال الصوفية، وكان إمام البغداديين وشيخهم في وقته، وهو خال الجنيد وأستاذه، توفي سنة 253هـ. الحلية 10/ 119، والأعلام 3/ 82.
6 هو أبو القاسم، الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزار، صوفي، من العلماء بالدين، مولده ومنشؤه ووفاته ببغداد، أصل أبيه من نهاوند، وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد، وقال ابن الأثير في وصفه: إمام الدنيا في زمانه، وعدَّه العلماء شيخ مذهب التصوف؛ لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، توفي سنة 297هـ. الحلية 10/ 274، والأعلام 2/ 141.
الصَّادِقِينَ} 1، وقال الحارث المحاسبي2: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من عمله، ولا يكره اطلاعهم على السيئ من عمله، فإن كراهته لذلك دليل على حب الزيادة عندهم، وليس هذا من إخلاص الصديقين. وقيل: إذا طلبت الله بالصدق أعطاك مرآة تبصر فيها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة. وقيل: عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث إنه ينفعك فإنه يضرك، وسئل فتح الموصلي3 عن الصدق فأدخل يده في كير الحداد وأخرج الحديدة المحماة ووضعها على كفه وقال: هذا هو الصدق.
وقال الجنيد: الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة، والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين4 سنة، قال شيخ الإسلام النووي5: معناه أن الصادق يدور مع الشرع حيث دار، فإذا كان الفضل الشرعي في الصلاة مثلا صلى، أو في مجالسة العلماء أو الضيفان أو العيال أو قضاء حاجة مسلم أو جبر قلب مكسور ونحو ذلك فعل، أو في صوم أو قراءة أو ذكر أو أكل وشرب أو جد أو مزاح أو عزلة أو خلطة أو تنعم أو ابتدال ونحوها أتى به، فحيث رأى الفضيلة في شيء من هذا فعله، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل6 ولا يرتبط بعادة ولا بعبادة مخصوصة كما يفعله المرائي، ولا شك في اختلاف أحوال الشيء في الأفضلية، فإن الصوم حرام يوم العيد، واجب قبله، مسنون بعده، ويندب تحسين اللباس يوم الجمعة والعيد، وخلافه يوم الاستسقاء وما أشبه ذلك. انتهى. وأقوالهم غير محصورة في ذلك، والله تعالى أعلم.
1 هذا وهم أو سبق قلم من المؤلف أو المختصر المؤلف؛ لأن الآية هي: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} لذلك ليست شاهدا هنا على ما قاله المؤلف.
2 هو أبو عبد الله، الحارث بن أسد المحاسبي، من أكابر الصوفية كان عالما بالأصول والمعاملات واعظا مبكيا، وهو أستاذ أكثر البغداديين في عصره، ولد ونشأ بالبصرة، ومات في بغداد سنة 243هـ. الحلية 10/ 79، وفيات الأعيان 1/ 157.
3 هو أبو بكر، فتح بن سعيد الموصلي، من الزهاد العباد، ومن كبار الصوفية، قال أبو نعيم: كان فتح رجلا من العرب، وكان شريفا زاهدا. الحلية 8/ 324.
4 كتاب العلم للنووي 60.
5 كتاب العلم للنووي 60.
6 انظر كتاب العلم وآداب العالم والمتعلم 60-61.