المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الأول: آدابه في نفسه - العقد التليد في اختصار الدر النضيد = المعيد في أدب المفيد والمستفيد

[العلموي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مدخل

- ‌مقدمة التحقيق:

- ‌مصادر ترجمة المؤلف بدر الدين الغزي:

- ‌مصادر ترجمة صاحب المختصر عبد الباسط العلموي:

- ‌ترجمة مؤلف المختصر:

- ‌العلموي وكتابه التلخيصي:

- ‌تحليل كتاب "المعيد" للعلموي:

- ‌وصف النسخة المخطوطة:

- ‌النص المحقق:

- ‌المقدمة: في الأمر بالإخلاص والصدق وإحضار النية:

- ‌الباب الأول: في فضيلة الاشتغال بالعلم على ما تقدم في ترتيبه

- ‌الفصل الأول: في فضيلة الاشتغال بالعلم وتصنيفه وتعلمه

- ‌الفصل الثاني: في تحذير مَن أراد بعلمه غير الله تعالى

- ‌الفصل الثالث: في تحذير مَن آذى أو انتقص عالما

- ‌الفصل الأول: في أقسام العلم الشرعي وهي ثلاثة: تفسير، وحديث، وفقه

- ‌الباب الثالث: في آداب المعلم والمتعلم

- ‌النوع الأول: آدابهما في نفسهما وآدابهما في جلس الدرس

- ‌القسم الأول: آدابهما في نفسهما وآدابهما في مجلس الدرس

- ‌القسم الثاني: آدابهما في درسهما واشتغالهما

- ‌النوع الثاني: آداب يختص بها المعلم وقد يشاركه في بعضها المتعلم

- ‌القسم الأول: آدابه في نفسه وتقدم منها جملة في الآداب المشتركة

- ‌القسم الثاني: آداب المعلم مع طلبته

- ‌القسم الثالث: آدابه في درسه

- ‌النوع الثالث: آداب يختص بها المتعلم

- ‌القسم الأول: آدابه في نفسه

- ‌القسم الثاني: آدابه مع شيخه وقدوته وما يجب عليه من تعظيم حرمته

- ‌الباب الرابع: في أدب المفتي والفتوى والمستفتي

- ‌مدخل

- ‌النوع الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفتٍ

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفتٍ:

- ‌الفصل الثاني: في تقسيم المفتين

- ‌النوع الثاني: في أحكام المفتي وآدابه

- ‌النوع الثالث: في آداب الفتوى:

- ‌النوع الرابع: آداب المستفتي وصفته وأحكامه

- ‌الباب الخامس: في شروط المناظرة وآدابها وآفاتها

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في بيان شروط المناظرة

- ‌الفصل الثاني: في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌مناظرة بين الشافعي ومالك رضي الله عنهما

- ‌مناظرة بين الشافعي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما

- ‌مناظرة بينهما أيضا وهي مشهورة

- ‌مناظرة بينهما أيضا

- ‌مناظرة بين الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما

- ‌مناظرة جرت بحرة الشافعي رضي الله عنه

- ‌مناظرة جرت بحضرة الشافعي وأقام هو الحجة فيها:

- ‌مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج وأبي بكر محمد بن داود رحمهم الله

- ‌مناظرة بينهما أيضا في الأصلح والتعليل

- ‌ في الأدب مع الكتب التي هي آله العلم

- ‌الخاتمة:

- ‌الفهارس العامة:

- ‌ فهرس الآيات القرآنية:

- ‌ فهرس الأحاديث النبوية:

- ‌ فهرس الأعلام والأقوام والجماعات:

- ‌ فهرس الكتب المذكورة في متن الكتاب:

- ‌ فهرس الأشعار والأرجاز:

- ‌ فهرس المصادر والمراجع:

- ‌ فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌القسم الأول: آدابه في نفسه

ومنها: ما جرت به العادة أن يقول المدرس عند ختم كل درس: والله أعلم1، قال ابن جماعة2: الأولى أن يقال قبل ذلك كلام يشعر بختم الدرس كقوله: وهذا آخره، أو ما بعده يأتي، ونحو ذلك؛ ليكون قوله: والله أعلم خالصا، لذكر الله ولقصد معناه، قال3: ولهذا ينبغي أن يستفتح كل درس بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" ليكون ذاكرا لله في بدئه وخاتمته.

ومنها4: ينبغي للمدرس أن يمكث قليلا بعد قيام الجماعة؛ لئلا يزدحموا عند خروجهم، ولأنه إن كان في نفس أحد بقايا سؤال تأخر وسأله.

1 تذكرة السامع والمتكلم 44.

2 في كتابه: تذكرة السامع والمتكلم 44.

3 تذكرة السامع والمتكلم 45.

4 تذكرة السامع والمتكلم 45.

ص: 131

‌النوع الثالث: آداب يختص بها المتعلم

‌القسم الأول: آدابه في نفسه

النوع الثالث: آداب يختص بها المتعلم:

وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: آدابه في نفسه، وآدابه مع شيخه، وآدابه في مجلس درسه.

القسم الأول: آدابه في نفسه 1:

منها: أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول العلم وحفظه، ويقصد بتعلمه وجه الله والعمل وإحياء الشريعة، قال صلى الله عليه وسلم:"إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" 2، قالوا: تطييب القلب للعلم كتطييب الأرض للمزارعة، فبذلك ينمو وتظهر بركته، وإلا فلا

1 تذكرة السامع والمتكلم 67 فما بعد.

2 رواه البخاري في كتاب الإيمان.

ص: 131

ينمو ولا يزكو؛ كالزرع في أرض بور غير مطيبة، وقال سهل بن عبد الله1: حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل.

ومنها: أن يغتنم التحصيل وقت الفراغ والنشاط2 وحال الشباب وقوة البدن ونباهة الخاطر، وقلة الشواغل قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة، روينا عن عمر رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا -أي: تصيروا سادة- فتستحيوا من التعلم3، قال الشافعي رضي الله عنه: تفقه قبل أن ترأس، فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه4، وجاء في الخبر: مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر، ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء5، وقال ابن عباس رضي الله عنه: ما أوتي عالم علما إلا وهو شاب6، وهذا باعتبار الغالب، وإلا فمن كَبِرَ لا ينبغي له أن يحجم عن الطلب، فإن الفضل واسع والكرم وافر، وقد قال الله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وقال تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14] وقال تعالى: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشعراء: 21] إلى غير ذلك، وقصة القفال7 واشتغاله في كبره بالعلم

1 هو أبو محمد، سهل بن عبد الله بن يونس التستري: أحد أئمة الصوفية وعلمائهم، والمتكلمين في علوم الإخلاص والرياضيات، وعيوب الأفعال، توفي في سنة 283هـ. الحلية 10/ 198، والأعلام 3/ 143.

2 تذكرة السامع والمتكلم 70.

3 تذكرة السامع والمتكلم 34.

4 تذكرة السامع والمتكلم 134.

5 مجمع الزوائد 1/ 125، وفيض القدير 5/ 509، وكشف الخفاء 2/ 86، والفردوس بمأثور الخطاب 4/ 135، واللآلي المصنوعة 1/ 102، وتذكرة الموضوعات ص22.

6 المعجم الأوسط 6/ 283، ومجمع الزوائد 1/ 125.

7 هو أبو بكر القفال، عبد الله بن أحمد المروزي: فقيه شافعي، كان وحيد زمانه فقها وزهدا كثير الآثار في مذهب الإمام الشافعي، له "شرح فروع محمد بن الحداد المصري" في الفقه، وكانت صناعته عمل الأقفال قبل أن يشتغل بالفقه، وربما قيل له:"القفال الصغير"؛ للتمييز بينه وبين القفال الشاشي "محمد بن علي"، توفي في سجستان 417هـ. وفيات الأعيان 3/ 46، والسير 17/ 405.

ص: 132

مشهورة معلومة مسطورة1، فيا هذا احذر التسويف في شبابك والكسل، وسد على كبرك باب الرجاء والأمل، واغتنم ما بقي من عمرك، وما أحسن قول من قال "من البسيط":

بقية العمر عندي ما لها ثمن

وإن مضى غير محمود من الزمن

يستدرك المرء فيها ما أفات ويحـ

ـيي ما أمات ويمحو السوء بالحسن

ومنها: أن2 يقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة، والعوائق المانعة عن تمام الطلب وكمال الاجتهاد، ويرضى3 بما تيسر من القوت، وبما ستر مثله من اللباس وإن كان خلقا، فالبصبر على ضيق العيش ينال سعة العلم، وتنفجر ينابيع الحكمة4، قال الشافعي رضي الله عنه: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح5، وقال أيضا: لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل، وقال أيضا: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس6، ونقل الخطيب البغدادي7 عن بعضهم قال: لا ينال هذا العلم إلا من عطل دكانه، وخرب بستانه، وهجر إخوانه، ومات أقرب أهله فلم يشهد جنازته8، وهذا كله وإن كان فيه مبالغة فالمقصود

1 وفيات الأعيان 3/ 46، والسير 17/ 406 و407، وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 54.

2 تذكرة السامع والمتكلم 70.

3 تذكرة السامع والمتكلم 71.

4 تذكرة السامع والمتكلم 71.

5 تذكرة السامع والمتكلم 71.

6 تذكرة السامع والمتكلم 72.

7 هو أبو بكر، أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب: أحد الحفاظ المؤرخين المتقدمين، مولده في "غُزَيَّة" منتصف الطريق بين الكوفة ومكة، ومنشؤه ووفاته في بغداد، رحل إلى مكة، وسمع بالبصرة والدينور والكوفة وغيرها، وكان فصيح اللهجة، عارفا بالأدب، يقول الشعر، ولوعا بالمطالعة والتأليف، توفي في سنة 463هـ. وفيات الأعيان 1/ 92، 18/ 270.

8 تذكرة السامع والمتكلم 71.

ص: 133

به أنه لا بد فيه من جمع القلب واجتماع الفكر1، وقيل: أمر بعض المشايخ طالبا بنحو ما رواه الخطيب فكان آخر ما أمره به أن قال: اصبغ ثوبك كي لا يشغلك فكر غسله2، ومما يقال عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: لو كلفت شراء بصلة لما فهمت مسألة3، وقال إمام الحرمين4 رحمه الله "من الطويل":

أخي لن تنال العلم إلا بستة

سأُنبيك عن تفصيلها ببيان5

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة6

وتلقين أستاذ وطول زمان

فالعلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وقد قيل على رواية وعُزبة: يشتغل بحقوق الزوجة عن إكمال طلب العلم، واحتج بحديث:"خيركم بعد المائتين كل خفيف الحاذ"، قيل: يا رسول الله، ومن خفيف الحاذ؟ قال:"من لا أهل له ولا مال"7، قال سفيان الثوري: من تزوج فقد ركب البحر، فإن وُلد له فقد

1 تذكرة السامع والمتكلم 71.

2 تذكرة السامع والمتكلم 71.

3 تذكرة السامع والمتكلم 71.

4 هو أبو المعالي، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين: أعلم المتأخرين، من أصحاب الشافعي، ولد في نواحي نيسابور، ورحل إلى بغداد ومكة والمدينة، ثم رجع إلى نيسابور، وكان يحضر دروسه كبار العلماء، له مصنفات كثيرة، توفي في سنة 478هـ. وفيات الأعيان 3/ 167، والسير 18/ 468.

5 البيتان في تعليم المتعلم للزرنوجي ص44، وقد نسبهما للإمام علي رضي الله عنه، وانظر ديوانه ص201، وينسب البيتان أيضا للإمام الشافعي، انظر ديوانه "جمع وتعليق: محمد عفيف الزغبي" ص81.

6 قيل عن السلف هكذا: وغربة من التغريب عن الأهل؛ لأن الفكرة إذا توزعت قصرت عن إدراك الحقائق، وقيل: وعزبة من العزوبية وهو صحيح أيضا؛ لئلا يشتغل بحقوق الزوجة عن إكمال طلب العلم، وقيل: وبلغة من السعة في المال؛ ولهذا قال الشافعي كما تقدم: لو كلفت شراء بصلة ما تعلمت مسألة، فإذا كان معه بلغة فكأنه ما تكلف.

7 شعب الإيمان 7/ 292، والزهد وصفة الزاهدين 1/ 61، انظر ما قيل عن هذا الحديث حاشية السير 13/ 14 ففيه زيادة وفضل، وكتاب العلم للنووي ص103.

ص: 134

كُسر1 به، وعن إبراهيم بن أدهم2: من تعود أفخاذ النساء لم يفلح3، وعن بشر الحافي4: من لم يحتج إلى النساء فليتقِ الله ولا يألف أفخاذهن5، قال النووي6 رحمه الله: وهذا كله موافق لمذهبنا إن لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه، وكذا إن احتاج وعجز عن مؤنته، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد7 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" 8، وقال صلى الله عليه وسلم:"الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الله واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء"9.

1 تذكرة السامع والمتكلم 72، وكتاب العلم للنووي ص103.

2 هو أبو إسحاق، إبراهيم بن أدهم بن منصور، التميمي البلخي: زاهد مشهور، كان أبوه من أهل الغنى في بلخ، فتفقه ورحل إلى بغداد، وجال في العراق والشام والحجاز، وأخذ عن كثير من علمائها، وكان يعيش من العمل بالحصاد وحفظ البساتين والحمل والطحن، ويشترك مع الغزاة في قتال الروم، ومات في بلاد الروم سنة 161هـ. الحلية 7/ 426، وفوات الأعيان 1/ 13.

3 حلية الأولياء 7/ 12، وكشف الخفاء 2/ 44، وسير أعلام النبلاء 7/ 258 و10/ 472، وكتاب العلم للنووي ص103.

4 هو أبو نصر، بشر بن الحارث بن علي بن عبد الرحمن المروزي، المعروف بالحافي: من كبار الصالحين، له في الزهد والورع أخبار، وهو من ثقات رجال الحديث، من أهل مرو، سكن بغداد وتوفي بها سنة 227هـ. تاريخ بغداد 7/ 67، ووفيات الأعيان 1/ 274.

5 كتاب العلم للنووي ص103.

6 انظر هذا القول في كتابه العلم ص103.

7 هو أبو محمد، أسامة بن زيد بن حارثة: صحابي جليل، ولد بمكة، ونشأ على الإسلام، وكان رسول الله يحبه حبا جما، وهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمَّره رسول الله قبل أن يبلغ العشرين من عمره، فكان مظفرا موفقا، مات في المدينة سنة54هـ. السير 2/ 496، والأعلام 1/ 291.

8 البخاري 5/ 1959، ومسلم 4/ 2098، وصحيح ابن حبان 13/ 308، وسنن الترمذي 5/ 103، وسنن ابن ماجه 2/ 1325، وتحفة الأحوذي 5/ 234، 8/ 53، وكتاب العلم للنووي ص103، 104.

9 المعجم الأوسط 4/ 140، ومسند أحمد 3/ 22 و84، وشعب الإيمان 6/ 310، وكشف الخفاء 1/ 492.

ص: 135

ومنها: أن يتورع في جميع1 شأنه، ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه؛ ليستنير قلبه ويصلح لقبول العلم، ولا يقنع لنفسه بظاهر الحل شرعا مهما أمكنه التورع، ولم تلجئه حاجة بل يطلب الرتبة العلية، ويقتدي بالسلف2 الصالح في التورع عن كثير مما كانوا يفتون بجوازه، وأحق من اقتُدي به في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يأكل التمرة التي وجدها في الطريق خشية أن تكون من الصدقة3.

وينبغي له أن يستعمل الرُّخَص في مواضعها عند الحاجة إليها ووجود سببها ليُقتدى به، فإن الله تعالى يحب أن تُؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه4.

ومنها: أن يترك العشرة5، فإن تركها من أهم ما ينبغي لطالب العلم، ولا سيما لغير الجنس، وخصوصا لمن كثر لعبه وقلت فكرته، فإن الطبع سراق، وآفة العشرة ضياع العمر بغير فائدة، وذهاب العرض والدين والمال، ولا يخالط طالب العلم إلا من يفيده أو يستفيد منه، فإن عاشر من يضيع عمره معه بلا فائدة فليتلطف في قطع عشرته قبل تمكنها، فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها6، ومن الجاري على ألسنة الفقهاء بل هو من القواعد: الدفع أسهل من الرفع7، فإن احتاج إلى المصاحبة فليكن الصاحب صالحا دينا تقيا ورعا ذكيا، كثير الخير قليل الشر، حسن المداراة، قليل المماراة، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبَّره8، ومما ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب "من مجزوء الوافر":

1 تذكرة السامع والمتكلم 75.

2 تذكرة السامع والمتكلم 76.

3 تذكرة السامع والمتكلم 76.

4 تذكرة السامع 76.

5 تذكرة السامع 83.

6 تذكرة السامع 83.

7 تذكرة السامع 83.

8 تذكرة السامع 84.

ص: 136

فلا تصحب أخا الجهل

وإياك وإياه1

فكم من جاهل أردى

حليما حين واخاه

يقاس المرء بالمرء

إذا ما هو ما شاه

وللشيء على الشيء

مقاييس وأشباه

ولبعضهم "من الرجز":

إن أخاك الصدق من كان معك

ومن يضر نفسه لينفعك2

ومن إذا ريب زمان صدعك

شتت شمل نفسه ليجمعك

ومنها: الحِلْم والأناة والصبر جهده مطلقا في كل أحواله، وأن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع أوقاته: ليلا ونهارا، حضرا وأسفارا، ولا يذهب شيئا من أوقاته في غير العلم إلا بقدر الضرورة؛ لأكل ونوم قدرا لا بد منه، واستراحة يسيرة لإزالة الملل وأداء حق الزوجة3، ومؤانسة الزائر وتحصيل القوت وغيره مما يحتاج إليه، وليس بعاقل من أمكنه درجة ورثة الأنبياء ثم فوتها.

1 ديوان الإمام علي ص205، وتذكرة السامع 84.

2 البيتان للإمام علي كما في ديوانه 142، وشرح نهج البلاغة 18/ 113، وديوان المعاني 1/ 123، وانظر تذكرة السامع 85.

3 تذكرة السامع 27.

ص: 137

ففي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير1: لا يستطاع العلم براحة الجسم2، وفي الحديث:"حفت الجنة بالمكاره"3.

وكما قيل "بيت رجز":

ولا بد دون الشهد من إبر النحل4

وكما قيل "من البسيط":

لا تحسب المجد تمرا أنت تأكله

لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا5

ومنها: أن تكون همته عالية، فلا يرضى باليسير مع إمكان الكثير، ولا يسوف في اشتغاله، ولا يؤخر تحصيل فائدة وإن قلت، وعن الربيع6 قال: لم أرَ الشافعي آكلا بنهار، ولا نائما بليل لاهتمامه بالتصنيف7.

ومنها: أن يحذر في ابتداء أمره من الاشتغال في الاختلاف8 بين العلماء

1 هو أبو نصر بن أبي كثير، يحيى بن صالح الطائي بالولاء، اليمامي: عالم أهل اليمامة في عصره، من أهل البصرة، يقال: أقام عشر سنين في المدينة يأخذ من أعيان التابعين، وسكن اليمامة، فاشتهر، وكان من ثقات أهل الحديث، رجحه بعضهم على الزهري، توفي في سنة 129هـ. السير 6/ 27، وتهذيب التهذيب 11/ 268.

2 تذكرة السامع 27.

3 تذكرة السامع 27.

4 عجز بيت لأبي الطب المتنبي وصدره:

تريدين إدراك المعالي رخيصة

5 البيت بلا نسبة كما في حلية الأولياء 10/ 304، وطبقات الشافعية الكبرى 10/ 63، ونفح الطيب 2/ 505، وأمالي القالي 1/ 112، ونوادر المخطوطات 2/ 175.

الصبر: عصارة شجر مر، ولا يُسَكَّن إلا في ضرورة الشعر.

6 تذكرة السامع 28، والربيع هو ابن سليمان المرادي، صاحب الشافعي، وناقل علمه.

7 تذكرة السامع 28.

8 تذكرة السامع 116.

ص: 138

مطلقا في العقليات1 والسمعيات2، فإنه يحير الذهن ويدهش العقل، بل يتقن أولا كتابا واحدا في فن واحد أو كتبا في فنون كما مر إن احتمل عقله ذلك3، ولا ينتقل من كتاب حتى يتقنه4، ويحذر من التنقل من كتاب إلى كتاب قبل إتقانه من غير موجب، فإنه علامة الضجر وعدم الفلاح5، أما من تحققت أهليته وتأكدت معرفته فالأولى له ألا يدع فنا من العلوم المحمودة ولا نوعا من أنواعها إلا وينظر فيه يطلع به على مقاصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه، وإلا اشتغل بالأهم فالأهم6، فإن العلوم متقاربة وبعضها مرتبط ببعض، والشخص يعادي ما يجهله، ولبعضهم "من الطويل":

تفنن وخذ من كل علم فإنما

يفوق امرؤ في كل فن له علم

فأنت عدو للذي أنت جاهل

به ولعلم أنت تفقهه سلم

1 قال أبو إبراهيم المزني: كنت يوما عند الشافعي أسائله عن مسائل بلسان أهل الكلام، قال: فجعل يسمع مني وينظر إلي، ثم يجيبني عنها بأخصر جواب، فلما اكتفيت، قال لي: يا بني، أأدلك على ما هو خير لك من هذا؟ قلت: نعم، فقال: يا بني، هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه كفرت، فهل لك في علم إن أصبت فيه أجرت، وإن أخطأت لم تأثم، قلت: وما هو؟ قال: الفقه، فلزمته، وتعلمت منه الفقه، ودرست عليه. طبقات الشافعية 1/ 241.

2 قال الخطيب: كان أبو ثور أولا يتفقه بالرأي، ويذهب إلى قول أهل العراق، حتى قدم الشافعي بغداد، فاختلف إليه، ورجع عن الرأي إلى الحديث، وقال أبو حاتم: هو رجل يتكلم بالرأي فيخطئ ويصيب، وليس محله محل المسمعين في الحديث، وأبو ثور هو إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه صاحب الإمام الشافعي، وقد كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وفضلا، مات في بغداد شيخا سنة 240هـ. طبقات الشافعية 1/ 228.

3 تذكرة السامع 116.

4 تذكرة السامع 116.

5 تذكرة السامع 119.

6 تذكرة السامع 120، وانظر طبقات الشافعية 1/ 243.

ص: 139

وللخليل1 بن أحمد في أخيه لما تعقب عليه فن الشعر "من الكامل":

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني

أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا2

لكن جهلت مقالتي فعذلتني

وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

الناس أعداء لما جهلوا، قال تعالى:{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11] قال الغزالي3: العمر لا يتسع لجميع العلوم، فالحزم أن يأخذ من كل علم أحسنه، ويصرف همته وجل عمره في العلوم النافعة في الآخرة، وأشرف العلوم وغايتها علم معرفة الله، وهو بحر لا يدرك غوره، وأقصى درجات البشر فيه رتبة الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الذين يلونهم.

ومنها: ألا يحمل نفسه في الاشتغال ما لا طاقة له به مخافة الملل والسآمة؛ بل يكون أمره قصدا، وهذا باختلاف الناس، وكل إنسان أبصر بنفسه4.

1 هو أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي، من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، وهو أستاذ سيبويه النحوي، ولد ومات في البصرة 170هـ. إنباه الرواة 1/ 341، والأعلام 2/ 314.

2 جامع بيان العلم 1/ 572.

3 فاتحة العلوم 128-129.

4 تذكرة السامع 28.

ص: 140