الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في تحذير مَن أراد بعلمه غير الله تعالى
نسأل الله العافية:
اعلم أن ما ذكر في فضل طلب العلم إنما هو لمن أراد به وجه الله، لا لغرض من الدنيا، وإلا فهو مذموم.
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا، كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 18-20] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] إلى غير ذلك من الآيات، ولا يخفى الحديث الذي فيه الثلاثة الذين أول مَن تسعر النار لهم يوم القيامة: المجاهد والعالم والقارئ، فهؤلاء جاء في حديث رواه مسلم1 أول مَن يدخل النار ويسحب كل منهم على وجهه حتى يُلْقَى في
1 هو أبو الحسن، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري: حافظ، من أئمة المحدثين، ولد بنيسابور، ورحل إلى الحجاز ومصر والشام والعراق، وتوفي بظاهر نيسابور سنة 261هـ. أشهر كتبه: صحيح مسلم، وهو أحد الصحيحين المعول عليهما عند أهل السنة في الحديث. تاريخ بغداد 13/ 100، والأعلام 7/ 221.
النار؛ لقصدهم الرياء في أعمالهم: المجاهد ليقال شجاع، والعالم ليقال عالم، والقارئ ليقال قارئ1، اللهم خلصنا إلى الإخلاص.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علما لغير الله فليتبوأ مقعده من النار"2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجه الناس إليه؛ أدخله الله النار"3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "كل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به"4.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه"5.
وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، مثل الفتيلة يضيء للناس، ويحرق نفسه"6.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كتم علما مما ينفع الله الناس به في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"7.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إن شر الشر شرار العلماء، وإن خير الخير خيار العلماء"8.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال أنا
1 رواه مسلم حديث رقم 1905، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، والترمذي حديث رقم 2383 والنسائي 6/ 23، وأحمد في المسند 2/ 322.
2 أخرجه الترمذي حديث رقم 2657 في العلم، باب فيمن يطلب بعلمه الدنيا، وهو حديث حسن.
3 الجامع لأخلاق الراوي 1/ 127، وقد رواه الترمذي حديث رقم 2656 في العلم، باب فيمن يطلب بعلمه الدنيا.
4 المعجم الكبير 22/ 55، والترغيب والترهيب 1/ 75، 3/ 13، وفيض القدير 5/ 15، ومجمع الزوائد 1/ 164، وكشف الخفاء 2/ 162.
5 رواه الطبراني في الصغير 1/ 182-183، والشهاب في مسنده 2/ 171 وشعب الإيمان 2/ 285، والترغيب والترهيب 1/ 75، والقرطبي 1/ 366، وفيض القدير 1/ 518، وميزان الاعتدال 5/ 73، وكشف الخفاء 1/ 145.
6 اقتضاء العلم العمل 49 و50، ومجمع الزوائد 1/ 184، والترغيب والترهيب 1/ 74، وفيض القدير 5/ 510.
7 صحيح ابن حبان 1/ 298، والترغيب والترهيب 1/ 71، والمسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم 1/ 42، ومصباح الزجاجة 1/ 40.
8 سنن الدارمي 1/ 377 حديث رقم 382، ومشكاة المصابيح رقم 267، والمغني عن الأسفار 1/ 38 و63.
عالم فهو جاهل" 1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يظهر الدين حتى يجاوز البحار ثم يأتي من بعدكم أقوام يقرءون القرآن يقولون: من أقرأ منا؟ ومن أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل في أولئك من خير؟ قالوا: لا، قال: أولئك من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار"2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "آفة العلم النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله"3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب"4.
وعن عمر بن الخطاب5 رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن موسى لقي الخضر فقال: أوصني، فقال الخضر: يا طالب العلم، إن القائل أقل ملالة من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك، واعرف الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنها جُعلت بُلْغَة للعباد؛ ليتزودوا منها للمعاد، يا موسى وطن نفسك على الصبر تلق الحلم، وأشعر قلبك التقوى تنل العلم، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم، يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكونن مكثارا بالمنطق مهذارا، إن كثرة المنطق تشين
1 المعجم الأوسط للطبراني 7/ 94 حديث رقم 6846، ومجمع الزوائد 1/ 186، وميزان الاعتدال 5/ 512، وكشف الخفاء 2/ 352.
2 مسند أبي يعلى 12/ 56 حديث رقم 6698، والبزار 1/ 99 حديث رقم 174، ومجمع الزوائد 1/ 185-186 باب كراهية الدعوى، والمطالب العالية 3/ 116 حديث رقم 3030.
3 كشف الخفاء 1/ 16، والمقاصد الحسنة ص39.
4 سنن ابن ماجه 1/ 81، والترغيب والترهيب 1/ 52، ومصباح الزجاجة 1/ 30، والفردوس 2/ 347، والفقيه والمتفقه 1/ 43، وتنزيه الشريعة 1/ 278، وإتحاف السادة المتقين 1/ 60، 97، 98، 129، 143.
5 المعجم الأوسط 7/ 115-117 حديث رقم 6908، ومجمع الزوائد 1/ 130 و10/ 232، وعلل ابن أبي حاتم 2/ 113، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 95.
العلماء، وتبدي مساوئ السخفاء، ولكن عليك بذي اقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فضل الحلماء، وزين العلماء، إذا شتمك الجاهل فاسكت سلما، وجانبه حزما1
…
يابن عمران: لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه. يابن عمران: من لا تنتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي فيها رغبته كيف يكون عابدا؟ من يحقر حاله، ويتهم الله بما قضى له، كيف يكون زاهدا؟ يا موسى تعلَّم ما تعلَّم لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بوره، ويكون لغيرك نوره"2.
وعن هشام صاحب الدستوائي3 قال: قرأت في كتاب بلغني أنه من كلام عيسى: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، وإنكم علماء السوء الأجر تأخذون، والعمل تضيعون، يوشك رب العمل أن يطلب عمله، وتوشكون أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه، الله نهاكم عن الخطايا كما أمركم بالصيام والصلاة، كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه، واحتقر منزلته، وقد علم أن ذلك من علم الله وقدرته؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله فيما قضى له، فليس يرضي شيئا أصابه؟ كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من
1 بالحاء المهملة ويجوز بالجيم.
2 انظر ثمة بقية الحديث في المعجم الأوسط 7/ 116-117.
3 هو أبو بكر البصري، هشام بن أبي عبد الله الدستوائي: والد معاذ بن هشام، واسم أبي عبد الله سَنْبَر الربعي، من بكر بن وائل، وقيل: الجحدري، ودستوا كورة من كور الأهواز، كان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها، ويقال له: صاحب الدستوائي أيضا، قيل عنه: كان أمير المؤمنين في الحديث، من الحفاظ الثقات الأثبات، وكان حجة إلا أنه يرى القدر، توفي في سنة 152هـ. تهذيب الكمال 30/ 215، والتذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة 3/ 1810، وهذا الأثر في حلية الأولياء 6/ 303.
آخرته وهو مقبل على دنياه، وما يضره أحب إليه مما ينفعه؟ كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به، ولا يطلبه ليعمل به؟ 1
وعن علي رضي الله عنه: يا حملة العلم، اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله2.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العلم وعلموه الناس، وتعلموا الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمتم منه العلم، وتواضعوا لمن علمتموه العلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم3.
وعن ابن سيرين4: سبعة يهلكون بسبعة: أهل البادية بالجفاء، وأهل القرى بالجهل، والعرب بالعصبية، والدهاقين5 بالكبر، والسلاطين بالظلم، والتجار بالكذب، والعلماء بالحسد.
وعن سفيان الثوري6 قال: بلغني أن الله تعالى يقول: إن أهون ما أصنع بالعالم إذا آثر الدنيا أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلبه.
1 مسند الدارمي 1/ 375 حديث رقم 380، وشعب الإيمان 2/ 314، وحلية الأولياء 6/ 279-280، وأخرجه أحمد في الزهد ص75.
2 مسند الدارمي 1/ 382-383، واقتضاء العلم العمل رقم9، والجامع لأخلاق الراوي رقم 321، وجامع بيان العلم رقم 1237.
3 شعب الإيمان 2/ 287 رقم 1789، وانظر كنز العمال رقم 29348، وجامع بيان العلم 1/ 135.
4 هو أبو بكر، محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء: إمام وقته في علوم الدين بالبصرة، تابعي، من أشراف الكتاب، نشأ بزازا، في أذنه صمم، وتفقه وروى الحديث، واشتهر بالورع وتعبير الرؤيا، واستكتبه أنس بن مالك بفارس، مولده ووفاته بالبصرة سنة 110هـ. تاريخ بغداد 5/ 331، والأعلام 6/ 154.
5 الدهاقين هم رؤساء القرى.
6 هو أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري: أمير المؤمنين في الحديث، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، ولد ونشأ في الكوفة، وسكن مكة والمدينة، وكان آية في الحفظ، مات في البصرة سنة 161هـ. ابن خلكان 2/ 386، والأعلام 3/ 104.
وعن مجاهد1: لا يتعلم من استحيا واستكبر2.
وعن علي بن خشرم3: سكوت إلى وكيع4 قلة الحفظ فقال: استعن على الحفظ بقلة الذنوب5، ونظم بعضهم ذلك فقال:"من الوافر"
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
…
فأرشدني إلى ترك المعاصي6
وقال اعلم بأن العلم فضل
…
وفضل الله لا يؤتاه عاصي
1 هو أبو الحجاج، مجاهد بن جبر المكي، مولى بني مخزوم: تابعي، مفسر من أهل مكة، قال الذهبي: شيخ القراء والمفسرين، أخذ التفسير عن ابن عباس، وتنقل في الأسفار واستقر في الكوفة، مات وهو ساجد سنة 104هـ. السير 4/ 449، والأعلام 5/ 278.
2 مسند الدارمي 1/ 459، وحلية الأولياء 3/ 287، وكشف الخفاء رقم 3103.
3 هو أبو الحسن، علي بن خشرم بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي، وهو ابن عم بشر الحافي، وقيل: ابن أخته: محدث ثقة في كبار المحدثين الثقات، وتوفي في سنة 257هـ. تهذيب الكمال 20/ 421، والسير 11/ 552، وانظر الخبر في الجامع لأخلاق الراوي 2/ 387.
4 هو أبو سفيان، وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي: حافظ للحديث، ثبت، كان محدث العراق في عصره، ولد بالكوفة، وتفقه وحفظ الحديث، واشتهر، وكان يصوم الدهر، توفي بفيد راجعا من الحج سنة 197هـ. تاريخ بغداد 13/ 466، والأعلام 8/ 117.
5 الجامع لأخلاق الراوي 2/ 387، شعب الإيمان 2/ 272.
6 البيتان في ديوان الشافعي 39، والبيت الثاني فيه:
وأخبرني بأن العلم نور
…
ونور الله لا يهدَى لعاصي