الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج وأبي بكر محمد بن داود رحمهم الله
…
مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريح 1 وأبي بكر محمد بن داود 2 رحمهما الله 3
حُكي أنهما اجتمعا، فاحتج ابن داود على أن أم الولد تُباع، قال: اجتمعنا على أنها إن كانت أمة تباع، فمن ادعى أن هذا الحكم يزول بولادتها، فعليه الدليل، فقال له ابن سريج: واجتمعنا أنها إن كانت حاملا لا تباع، فمن ادعى أنها تباع إذا انفصل الحمل فعليه الدليل فبهت أبو بكر.
مناظرة بينهما أيضا 4:
وهي من ألطف المناظرات، روينا عن أبي الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد الداودي5 قال: كان أبو بكر محمد بن داود وأبو العباس بن سريج إذا حصلا في مجلس القاضي أبي عمر -يعني محمد بن يوسف6- لم يجر بين اثنين
1 هو أبو العباس، أحمد بن عمر بن سريج البغدادي: فقيه الشافعية في عصره، وكان يلقب بالباز الأشهب، ولي القضاء بشيراز، وقام بنصرة المذهب الشافعي، فنشره في أكثر الآفاق، وكان حاضر الجواب، له مناظرات ومساجلات مع محمد بن داود الظاهري، وله نظم حسن، وله نحو 400 مصنف، مولده ووفاته في بغداد سنة 306هـ. وفيات الأعيان 1/ 66، والسير 14/ 201.
2 هو أبو بكر، محمد بن داود بن علي الظاهري: أديب، مناظر، شاعر، قال الصفدي: الإمام بن الإمام، من أذكياء العالم، كان يلقب بعصفور الشوك؛ لنحافته وصفرة لونه، وهو ابن الإمام داود مقتولا سنة 297هـ. تاريخ بغداد 5/ 256، والوافي بالوفيات 3/ 58.
3 طبقات الشافعية الكبرى 2/ 25.
4 طبقات الشافعية الكبرى 2/ 26-27، وانظر أيضا تاريخ بغداد 5/ 260-263، والمنتظم 6/ 594-595، ووفيات الأعيان 4/ 260، والوافي بالوفيات 3/ 60-61.
5 هو أبو الحسن، عبد الله بن أحمد بن محمد الداودي: الإمام العلامة، فقيه العراق، أبو الحسن عبد الله بن المحدث أحمد بن محمد المفلس البغدادي الداودي الظاهري، صاحب التصانيف كان من بحور العلم، وعنه انتشر مذهب الظاهرية في البلاد، توفي سنة 324. تاريخ بغداد 9/ 385، والسير 15/ 77.
6 هو أبو عمر، محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي، بالولاء: قاض، من العلماء بالحديث، ولد بالبصرة، وولي القضاء في بغداد، ثم نقل إلى قضاء الكرخ، وتقلد معه قضاء الشام والحرمين واليمن، وصنف مسندا كبيرا، قرأ أكثره على الناس، وكانوا يضربون المثل بعقله وحلمه، توفي في بغداد سنة 320هـ. تاريخ بغداد 3/ 401، والأعلام 7/ 148.
_________
1 هو أبو العباس، أحمد بن عمر بن سريج البغدادي: فقيه الشافعية في عصره، وكان يلقب بالباز الأشهب، ولي القضاء بشيراز، وقام بنصرة المذهب الشافعي، فنشره في أكثر الآفاق، وكان حاضر الجواب، له مناظرات ومساجلات مع محمد بن داود الظاهري، وله نظم حسن، وله نحو 400 مصنف، مولده ووفاته في بغداد سنة 306هـ. وفيات الأعيان 1/ 66، والسير 14/ 201.
2 هو أبو بكر، محمد بن داود بن علي الظاهري: أديب، مناظر، شاعر، قال الصفدي: الإمام بن الإمام، من أذكياء العالم، كان يلقب بعصفور الشوك؛ لنحافته وصفرة لونه، وهو ابن الإمام داود مقتولا سنة 297هـ. تاريخ بغداد 5/ 256، والوافي بالوفيات 3/ 58.
3 طبقات الشافعية الكبرى 2/ 25.
فيما يتفاوضانه أحسن مما يجري بينهما، وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر إلى الحضور في المجلس، فتقدمه أبو بكر يوما فسأله حدث من الشافعيين عن العود الموجب للكفارة في الظهار1 ما هو؟ فقال: إنه إعادة القول ثانيا وهو مذهبه ومذهب داود، فطالبه بالدليل فشرع فيه، ودخل ابن سريج واستشرحهم ما جرى فشرحوه، فقال ابن سريج لابن داود أولا: يا أبا بكر، أعزك الله هذا قول مَن مِن المسلمين تقدمكم فيه؟ فاستشاط2 أبو بكر من ذلك وقال: أتقدر من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة إجماع عندي؟ أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك، فغضب ابن سريج وقال: أنت يا أبا بكر بكتاب الزهرة3 أمهر منك في هذه الطريقة، فقال أبو بكر: وبكتاب الزهرة تعيرني؟ والله ما تحسن أن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه لمن أحد المناقب إذ كنت أقول فيه "من الطويل":
أكرر في روض المحاسن مقلتي
…
وأمنع نفسي أن تنال محرما4
وينطق سرى عن مترجم خاطري
…
فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم
…
فما إن أرى حبا صحيحا مسلما
1 حواشي الشرواني 8/ 186، ومغني المحتاج 3/ 357، والدراري المضيئة 1/ 280، والسير 13/ 110.
2 استشاط عليه: التهب غيظا.
3 هو كتاب الزهرة لأبي بكر محمد بن داود الأصبهاني، وقد طبع في مجلدين بتحقيق د. إبراهيم السامرائي "مكتبة المنار - الأردن 1985".
4 الأبيات في تاريخ بغداد 5/ 262، ووفيات الأعيان 4/ 260، وسير أعلام النبلاء 13/ 111، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 27.
فقال له ابن سريج: أوتفخر عليَّ بهذا القول وأنا الذي أقول "من الكامل":
ومساهر بالغنج من لحظاته
…
قد بت أمنعه لذيذ سناته1
صبا بحسن حديثه وعتابه
…
وأكرر اللحظات في درجاته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده
…
ولي بخاتم ربه وبراته
فقال ابن داود لأبي عمر: أيد الله القاضي قد أقر بالبيت على الحالة التي ذكرها وادَّعى البراءة مما توجه، فعليه إقامة البينة، فقال ابن سريج: من مذهبي أن المقر إذا أقر إقرارا وناطه2 بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته، فقال ابن داود: للشافعي في هذه المسألة قولان، فقال ابن سريج: فهذا القول الذي قلته اختياري الساعة.
1 الأبيات في طبقات الشافعية الكبرى 3/ 27، ووفيات الأعيان 4/ 260 وسير أعلام النبلاء 13/ 111، وتاريخ بغداد 5/ 262.
2 أي: علقه، ووُصل به، وناط الشيء: اقتضبه برأيه من غير مشاورة.
مناظرة بين إمام السنة الشيخ أبي الحسن الأشعري 1 وأبي علي الجبائي 2 في أن أسماء الله توقيفية 3:
دخل رجل على الجبائي فقال: هل يجوز أن يُسمى الله تعالى عاقلا؟ فقال الجبائي: لا؛ لأن العقل مشتق من العقال وهو المانع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، قال الشيخ أبو الحسن: فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيما؛ لأن هذا مشتق من حَكَمة اللجام، وهي الحديدة المانعة للدابة عن الجموح4، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت5 رضي الله عنه "من الوافر":
فنحكم بالقوافي من هجانا
…
ونضرب حين تختلط الدماء6
وقال الآخر "من الكامل":
أبني حنيفة حكموا سفهاءكم
…
إني أخاف عليكم أن أغضبا7
1 أبو الحسن، علي بن إسماعيل بن إسحاق، من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري: مؤسس مذهب الأشاعرة، كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين، ولد في البصرة، وتلقى مذهب المعتزلة، وتقدم فيهم، ثم رجع وجاهر بخلافهم، قيل: بلغت مصنفاته ثلاثمائة كتاب، وتوفي ببغداد سنة 324هـ. ابن خلكان 3/ 284، والأعلام 4/ 263.
2 هو أبو علي، محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي: من أئمة المعتزلة، ورئيس علماء الكلام في عصره، وإليه نسبة الطائفة الجبائية، له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب، اشتهر في البصرة، ودفن في جبى "من قرى البصرة" سنة 303هـ. ابن خلكان 4/ 267، والأعلام 6/ 256.
3 طبقات الشافعية الكبرى 2/ 356.
4 انظر اللسان والتاج "حكم".
5 هو أبو الوليد، حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري: الصحابي، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وكان من سكان المدينة، وعمي قبيل وفاته، وكان شديد الهجاء، فحل الشعر، توفي في المدينة سنة 54هـ. الأغاني 4/ 134، نكت الهميان 134، والأعلام 2/ 175.
6 انظر ديوان حسان بن ثابت ص74، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 358.
7 البيت لجرير كما في ديوانه 1/ 466، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 358، والفائق 1/ 303.
أي نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم، فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع، والمنع على الله محال، لزمك أن تمنع إطلاق حكيم عليه سبحانه وتعالى، قال: فلم يحر جوابا إلا إنه قال: فلم منعت أنت أن يسمى الله عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما؟ قال فقلت له: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله تعالى الإذن الشرعي دون القياس اللغوي فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته، قال ابن السبكي1: وقع في هذه المناظرة في إنشاد البيت "حكموا" بالكاف، وهو المشهور في روايته، وكنت أجوز أن يكون "حلموا" باللام لمقابلته بالسفهاء، ثم رأيت في كتاب الكامل2 للمبرد3 رحمه الله، وهذا البيتان لجرير4 "من الكامل":
أبني حنيفة نهنهوا سفهاءكم
…
إني أخاف عليكم أن أغضبا5
أبني حنيفة إنني إن أهجكم
…
أدع اليمامة لا تواري أرنبا
1 طبقات الشافعية الكبرى 3/ 358.
2 الكامل للمبرد 2/ 914.
3 هو أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي، المعروف بالمبرد: إمام العربية ببغداد في زمنه، وأحد أئمة الأدب والأخبار، مولده ووفاته في بغداد سنة 286هـ. تاريخ بغداد 3/ 380.
4 هو أبو حزرة، جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي، اليربوعي، من تميم: أشعر أهل عصره، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه، ويساجلهم، وكان هجاء مرا، ولم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل، وكان عفيفا، ولد ومات في اليمامة سنة 110هـ. الأغاني 8/ 1، والأعلام 2/ 119.
5 ديوان جرير 1/ 466، وطبقات الشافعية الكبرى 2/ 358.