الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفتٍ:
اعلم أن شرط المفتي كونه مسلما مكلفا عدلا ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، قوي الضبط متيقظا، سواء فيه الحر والعبد، والمرأة والأعمى والأخرس إذا كتب أو فهمت إشارته، قال أبو عمرو1: وينبغي أن يكون كالراوي في أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة، وجر نفع ودفع ضر؛ لأن المفتي في حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص فكان كالراوي لا كالشاهد، وفتواه لا يرتبط بها إلزام بخلاف القاضي2.
وذكر صاحب الحاوي3 أن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصا معينا صار خصما معاندا، فترد فتواه على من عاداه كما ترد شهادته، واتفقوا على أن الفاسق لا تصح فتواه، ونقل الخطيب فيه الإجماع4، نعم يجب عليه أن يعمل لنفسه باجتهاده، وأما المستور الظاهر العدالة ولم تختبر عدالته باطنا، ففيه وجهان كالوجهين في صحة النكاح بحضور المستورين والأصح الجواز، قال الصيمري5
1 هو ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن، انظر قوله في كتاب العلم للنووي ص117.
2 كتاب العلم للنووي ص117، وانظر المغني 10/ 93.
3 اشتهر بهذا الاسم:
1-
الحاوي الصغير في الفروع للشيخ نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني الشافعي 665هـ.
2-
الحاوي الكبير في الفروع للقاضي أبي الحسن علي بن محمد الماوردي البصري الشافعي 450هـ. انظر كشف الظنون 1/ 625 و628.
4 أي: إجماع المسلمين، انظر كتاب العلم ص118.
5 كتاب العلم للنووي ص118.
والخطيب: وتصح فتاوى أهل الأهواء والخوارج ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، واستثنى الخطيب الشراة والرافضة الذين يسبون السلف، والقاضي كغيره في جواز الفتيا بلا كراهة على الصحيح، وقيل: تكره في مسائل الأحكام، ونقل عن شريح1 أنه قال: أنا أقضي ولا أفتي2، قالوا: وينبغي أن يكون المفتي ظاهر الورع مشهورا بالديانة الظاهرة، والصيانة الباهرة3.
فرع: قال الخطيب: ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين4، فمن صلح أقره، وإلا منعه وأمره ألا يعود، وتواعده بالعقوبة على العود، وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته، ويعتمد أخبار الموثوق بهم، ثم روى بإسناده عن مالك رحمه الله قال: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك5، وفي رواية: ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم مني هل يراني موضعا لذلك؟ 6 وقال أيضا: لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك، ولو نهياني انتهيت7.
1 هو أبو أمية، شرح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام، أصله من اليمن، ولي قضاء الكوفة، في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية، واستعفى في أيام الحجاج، فأعفاه سنة 77هـ، كان ثقة في الحديث مأمونا في القضاء، له باع في الأدب والشعر، وعمر طويلا ومات بالكوفة سنة 78هـ. وفيات الأعيان 2/ 460، والسير 4/ 100.
2 الطبقات الكبرى 6/ 138، وكتاب العلم للنووي ص118.
3 كتاب العلم ص117.
4 كتاب العلم ص117.
5 حلية الأولياء 6/ 316، وتذكرة الحفاظ 1/ 208، وتهذيب التهذيب 10/ 7، وصفوة الصفوة 2/ 177، وكتاب العلم ص117.
6 حلية الأولياء 6/ 316، صفوة الصفوة 2/ 177، وكتاب العلم للنووي ص117.
7 صفوة الصفوة 2/ 177.