الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني: آداب يختص بها المعلم وقد يشاركه في بعضها المتعلم
القسم الأول: آدابه في نفسه وتقدم منها جملة في الآداب المشتركة
…
النوع الثاني: آداب يختص بها المعلم، وقد يشاركه في بعضها المتعلم:
قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} [البقرة: 159] وفي الصحيح: "ليبلغ الشاهد الغائب" 1، ويتعين على طالب العلم ألا ينتصب للتدريس حتى تكمل أهليته، واعلم أن آدابه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: آدابه في نفسه، وآدابه مع طلبته، وآدابه في درسه.
القسم الأول: آدابه في نفسه 2 وتقدم منها جملة في الآداب المشتركة
ونذكر هنا ما يختص بها غالبا:
فمنها: أنه يتعين على طالب العلم ألا ينتصب للتدريس حتى تكمل أهليته ويشهد له به صلحاء مشايخه، ففي الخبر الصحيح3:"المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور"، وقال الشبلي: من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه4، وعن أبي حنيفة: من طلب الرئاسة في غير حينه لم يزل في5 ذل ما بقي.
1 حديث صحيح، رواه البخاري 1741، ومسلم 1678، والنسائي في الكبرى، وأحمد 5/ 49، وانظر تحفة الأشراف 9/ 50، ودلائل النبوة للبيهقي 1/ 539، وجامع بيان العلم 182-184.
2 انظر هذا الباب في تذكرة السامع والمتكلم 44-45.
3 حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد في المسند، عن أسماء بنت أبي بكر، ورواه مسلم عن عائشة "مختصر مسلم 1387"، وانظر أيضا: صحيح الجامع الصغير 6675.
4 تذكرة السامع 45، وشعب الإيمان 6/ 304، وفيض القدير 1/ 155 و6/ 260.
5 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/ 321.
ولبعضهم1 "من الطويل":
تصدر للتدريس كل مهوس
…
جهول تسمى بالفقيه المدرس2
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا
…
ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
…
كلاها وحتى استامها كل مفلس
ومنها: ألا يطلب على تعليمه أجرا، ولا يقصد به جزاء ولا شكورا، قال تعالى:{قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90] .
ومنها: ألا يذل العلم، ولا يذهب به إلى مكان ينسب إلى من يتعلمه منه وإن كان المتعلم كبير القدر، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه السلف وأخبارهم في هذا كثيرة مشهورة مع الخلفاء وغيرهم، قال الزهري3: هوان العلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم4، فإن دعت ضرورة وحسنت فيه نية صالحة فلا بأس، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من ذلك، وقد أجاد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني5 في معنى ذلك "من الطويل":
1 الأبيات لعلي بن أحمد بن علي بن سلك أبو الحسن المؤدب المعروف الفالي، انظرها في المنتظم 16/ 10، والبداية والنهاية 12/ 70، والكامل لابن الأثير 8/ 335، والاستقصى بأخبار دول المغرب الأقصى 1/ 110، وانظر تذكرة السامع 46.
2 انظر الأبيات في مراجع الحاشية السابقة.
3 أبو بكر، محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، القرشي: أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء، تابعي، من أهل المدينة، نزل الشام واستقر بها، مات بشغب آخر حد الحجاز وأول حد فلسطين سنة 124هـ. وفيات الأعيان 4/ 177، والسير 5/ 326.
4 الجامع لأخلاق الراوي 1/ 582، وتذكرة السامع 16.
5 هو أبو الحسن، علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني: قاضٍ، من العلماء بالأدب، كثير الرحلات، له شعر جيد، وكان خطه يشبه بخط ابن مقلة، ولد بجرجان وولي قضاءها، ثم قضاء الري، فقضاء القضاة، وتوفي بنيسابور سنة 392هـ. وفيات الأعيان 3/ 278، والسير.
يقولون لي فيك انقباض وإنما
…
رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما1
أرى الناس من داناهم هان عندهم
…
ومن أكرمته عزة النفس أكرما
وما كل برق لاح لي يستفزني
…
ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت
…
أقلب كفي إثره متندما
ولم أقضِ حق العلم إن كان كلما
…
بدا طمع صيرته لي سلما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى
…
ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي
…
لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة
…
إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
…
ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهان ودنسوا
…
محياه بالأطماع حتى تجهما
1 شرح المضنون به على غير أهله ص7-15، وهي قصيدة من عيون الشعر العربي، يتيمة الدهر 4/ 3-26، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 585، وطبقات السبكي 3/ 460-461، وأدب الدنيا والدين 92.
ومنها -وقد مر معناه: أن يكون عاملا بعلمه غير مناقض فعله قوله؛ ولذلك قيل "من الكامل":
لا تنهَ عن خلق وتأتيَ مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم1
قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] .
قال علي رضي الله عنه: قصم ظهري عالم متهتك، وجاهل متنسك، فالجاهل يغش الناس بتنسكه، والعالم ينفرهم بتهتكه، ولبعضهم في معنى ذلك "من الكامل":
فساد كبير عالم متهتك
…
وأكبر منه جاهل متنسك2
هما فتنة للعالمين عظيمة
…
لمن بهما في دينه يتمسك
ومنها: أن يستحضر في ذهنه التعليم آكد العبادات؛ ليكون ذلك حاثا له على النية الصالحة، والنفع العام للطلبة، ولا ينبغي أن يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية3، فالامتناع من تعليمهم يؤدي إلى تفويت كثير من العلم مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحهما إذ أنس بالعلم، وقد قالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبَى أن يكون إلا لله4، معناه: كانت عاقبته أن صار لله.
1 البيت لأبي الأسود الدؤلي، وهو في ديوانه ص165.
2 تعليم المتعلم للزرنوجي ص36، وهو بلا نسبة.
3 تذكرة السامع 47.
4 تذكرة السامع 47.