الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق
مدخل
…
الفصل الثاني: في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق 1
اعلم أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام والمباهاة والتشوف لإظهار الفضل هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدوه إبليس، ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب ونحوهما نسبة الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقتل وغير ذلك، وكما أن من خُير بين الشرب وبين سائر الفواحش فاختار الشرب استصغارا له، فدعاه ذلك إلى ارتكاب سائر الفواحش، فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها.
فمنها: الحسد، قال صلى الله عليه وسلم:"الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"2، ولا ينفك المناظر منه فإنه تارة يغلب وتارة يُغلب وتارة يحمد في كلامه، وتارة يحمد كلام غيره، ولذلك قال ابن عباس3: خذوا العلم حيث وجدتموه، ولا تقبلوا أقوال الفقهاء بعضهم في بعض؛ فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوس في الزريبة4.
ومنها: الكبر والترفع على الناس، قال صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" 5 أي: لا يدخل الكبر مع صاحبه إلى الجنة، ولا تنفك
1 فاتحة العلوم 115.
2 أخرجه ابن ماجه في سننه، من حديث أنس 2/ 4263، وقال البوصيري 260: وهو ضعيف.
3 فاتحة العلوم 115.
4 تغايرت الأشياء: اختلفت، والزريبة: حظيرة الغنم، وهي من خشب.
5 رواه مسلم في صحيحه 1/ 147، في كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر، والترمذي حديث رقم 1999، في كتاب البر والصلة، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
المناظرة عن التكبر على الأقران والأمثال والترفع فوق المقدار حتى إنهم ليتقاتلون على القرب من الصدور.
ومنها: الحقد، ولا تكاد تنفك المناظرة عنه لا سيما لمن حرك رأسه في كلام خصمه أو رجحه عليه، قال صلى الله عليه وسلم:"المؤمن غير حقود"1، وورد في ذم الحقد ما لا يخفى.
ومنها: الغيبة2، وقد شبهها الله تعالى بأكل الميتة3، ولا يزال المناظر مثابرا عليها، فإنه لا يخلو عن حكاية كلام صاحبه في معرض التهجين4 والذم والتوهين5، وربما يحرف كلامه فيكون كاذبا ملبسا، وقد يصرح باستجهاله واستحماقه، والغيبة أشد من الزنا كما ورد في الخبر.
ومنها: تزكية النفس، قال تعالى:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] ولا يخلو المناظر عن تزكية نفسه تصريحا أو تعريضا بنفي غيره وتهجين كلام غيره.
ومنها: التجسس وتتبع العورات، قال الله تعالى:{وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين، فمن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" 6، ولا يخلو المناظر عن طلب عثرات7 الأقران والخصوم.
1 قال في كشف الخفاء 2/ 293: "ذكره في الإحياء، قال مخرجه العراقي: لم أقف له على أصل".
وانظر أيضا تذكرة الموضوعات 14، والأسرار المرفوعة 985، وقول العراقي في تخريج الإحياء 1/ 46.
2 انظر كتاب: "رفع الريبة عما يجوز ولا يجوز من الغيبة" للإمام الشوكاني "بتحقيقنا"، ضمن رسائل سلفية.
3 طبقات الشافعية 4/ 62، وسبل السلام 4/ 76، وعون المعبود 14/ 16، ومواهب الجليل 1/ 99، وحواشي الشرواني 2/ 432.
4 التهجين: الهجنة من الكلام، وما يعيبك، وتهجين الأمر: تقبيحه.
5 الوهن: الضعف في الأمر، أو العمل، والتوهين: تكلف الضعف في ذاته، أو ادعاؤه في غيره.
6 رواه أبو داود رقم 488، وأبو يعلى رقم 1675، والطبراني في معجمه الكبير 1155، وانظر مجمع الزوائد 8/ 1314.
7 العثرة: الزلة.
المناظرة عن التكبر على الأقران والأمثال والترفع فوق المقدار حتى إنهم ليتقاتلون على القرب من الصدور.
ومنها: الحقد، ولا تكاد تنفك المناظرة عنه لا سيما لمن حرك رأسه في كلام خصمه أو رجحه عليه، قال صلى الله عليه وسلم:"المؤمن غير حقود"1، وورد في ذم الحقد ما لا يخفى.
ومنها: الغيبة2، وقد شبهها الله تعالى بأكل الميتة3، ولا يزال المناظر مثابرا عليها، فإنه لا يخلو عن حكاية كلام صاحبه في معرض التهجين4 والذم والتوهين5، وربما يحرف كلامه فيكون كاذبا ملبسا، وقد يصرح باستجهاله واستحماقه، والغيبة أشد من الزنا كما ورد في الخبر.
ومنها: تزكية النفس، قال تعالى:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] ولا يخلو المناظر عن تزكية نفسه تصريحا أو تعريضا بنفي غيره وتهجين كلام غيره.
ومنها: التجسس وتتبع العورات، قال الله تعالى:{وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين، فمن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" 6، ولا يخلو المناظر عن طلب عثرات7 الأقران والخصوم.
1 قال في كشف الخفاء 2/ 293: "ذكره في الإحياء، قال مخرجه العراقي: لم أقف له على أصل".
وانظر أيضا تذكرة الموضوعات 14، والأسرار المرفوعة 985، وقول العراقي في تخريج الإحياء 1/ 46.
2 انظر كتاب: "رفع الريبة عما يجوز ولا يجوز من الغيبة" للإمام الشوكاني "بتحقيقنا"، ضمن رسائل سلفية.
3 طبقات الشافعية 4/ 62، وسبل السلام 4/ 76، وعون المعبود 14/ 16، ومواهب الجليل 1/ 99، وحواشي الشرواني 2/ 432.
4 التهجين: الهجنة من الكلام، وما يعيبك، وتهجين الأمر: تقبيحه.
5 الوهن: الضعف في الأمر، أو العمل، والتوهين: تكلف الضعف في ذاته، أو ادعاؤه في غيره.
6 رواه أبو داود رقم 488، وأبو يعلى رقم 1675، والطبراني في معجمه الكبير 1155، وانظر مجمع الزوائد 8/ 1314.
7 العثرة: الزلة.
الإعادة، هذا وقد سوى الله تعالى بين من افترى على الله كذبا، وبين من كذب بالحق لما جاءه، فقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68] .
ومنها: الرياء وملاحظة الخلق واستمالة قلوبهم وصرف وجوههم، والرياء هو الداء العضال1.
فهذه عشر خصال من أمهات الفواحش الباطنة2، ويتولد منها من الرذائل بل من كل واحدة عشرة أخرى لا نطيل بذكرها وتفصيل آحادها، مثل الغضب والأنفة والبغضاء والطمع وحب المال والجاه، ليتمكن من الغلبة والمباهاة والأشر والبطر، وتعظيم الأغنياء والسلاطين، والتردد إليهم، والأخذ من حرامهم، واستحقار الناس، والفخر والخيلاء، ومغايظة3 الأقران بالتجمل بالخيول والمراكب والملابس المحظورة، والخوض فيما لا يعني، وكثرة الكلام، وخروج الخشية من القلب، واستيلاء الغفلة حتى في عباداته، واستغراق العمر في العلوم التي تعين في المناظرة مع أنها لا تنفع في الآخرة، وتحسين العبارة، وتسجيع اللفظ، وحفظ النوادر للمباهاة، إلى غير ذلك، والمناظرون يتفاوتون فيها على حسب درجاتهم، ولهم درجات شتى، واعلم أن هذه الرذائل لازمة للمشتغل بالتذكير والوعظ إذا كان قصده طلب القبول، وإقامة الجاه، ونيل العز والثروة، وهي لازمة للمشتغل بعلم المذهب والفتاوى إذا كان طلبه القضاء وولاية الأوقاف والتقدم على الأقران، وهي لازمة لكل من يطلب العلم لغير وجه الله، فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه ويشقيه، أو يسعده ويقربه من الله ويدنيه.
1 داء عضال: شديد معي غالب، أو لا دواء له.
2 فاتحة العلوم 121.
3 المغايظة: الإغضاب، والغيظ: الغضب أو أشده، وقيل: سَوْرته وأوله.