الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَفَا أَحَدُهُمْ عَلَى مَالٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَكَانَ لِلْآخَرِينَ قَتْلُهُ، وَإِنْ بَطَلَ حَقُّ الْعَافِي عَنْ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ بِالرَّقَبَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَالرَّقِيقِ الْمَرْهُونِ (كَيَدٍ) أَيْ: كَمَا يَقْرَعُ فِي قَطْعِ يَدٍ (وَأُصْبُعِ مِنْهَا) كَأَنْ قَطَعَ يَدًا يُمْنَى مِنْ رَجُلٍ، وَأُصْبُعًا مِنْ يَدٍ يُمْنَى لِآخَرَ مَعًا، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِصَاحِبِ الْأُصْبُعِ قَطَعَهُ، ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ الْيَدَ، وَأَخَذَ دِيَةَ الْأُصْبُعِ، أَوْ لِلْآخَرِ قَطْعُ الْيَدِ، وَأَخَذَ صَاحِبُ الْأُصْبُعِ دِيَتَهُ، وَلَا يُقَالُ: يَبْدَأُ بِالْأَخَفِّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ مُسْتَحِقٌّ لِقَطْعِ الْأُصْبُعِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، وَقَتَلَ آخَرَ فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْقِصَاصَ فِي الْيَدِ، ثُمَّ نَقْتَصُّ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ حَقُّهُ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْأَعْضَاءِ أَلَا تَرَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْمَقْطُوعُ سَلِيمًا، وَقُتِلَ بِهِ، وَقَعَ قِصَاصًا، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَرْشَ الْيَدِ، وَلَوْ قَطَعَ مَقْطُوعُ الْأُصْبُعِ سَلِيمًا، وَاقْتَصَّ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَرْشُ الْأُصْبُعِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْيَدِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْيَمِينِ (وَإِنْ هَمَّ) أَيْ: أَوْلِيَاءُ الْقَتْلِ (قَتَلُوهُ) أَيْ: الْقَاتِلَ مَعًا (وَزِّعْ) أَنْتَ (عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ، وَوَزِّعْ الدِّيَهْ) عَلَيْهِمْ (فَلِامْرِئٍ) أَيْ: فَلِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مِنْ الدِّيَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيَهْ) بِالْقِصَاصِ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَقَدْ اسْتَوْفَى كُلٌّ مِنْهُمْ ثُلُثَ قِصَاصِهِ، وَبَقِيَ لَهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ.
(بَابُ الشُّرْبِ)
لِلْمُسْكِرِ (وَالتَّعْزِيرِ)
، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الشُّرْبِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ، وَالتَّعْزِيرُ لُغَةً التَّأْدِيبُ، وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (بِشُرْبِ مَنْ يَلْتَزِمُ الْأَحْكَامَ عَنْ طَوْعٍ) أَيْ: اخْتِيَارٍ (لِمَا يُسْكِرُ جِنْسًا) أَيْ: لِمَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ مِنْ خَمْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ الْقَدْرُ الْمَشْرُوبُ مِنْهُ يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ أَرْبَعِينَ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي مَعْنَى شُرْبِهِ أَكْلُهُ بِأَنْ كَانَ ثَخِينًا، أَوْ أَكَلَهُ بِخُبْزٍ، أَوْ طَبَخَ بِهِ لَحْمًا، وَأَكَلَ مَرَقَهُ فَخَرَجَ بِذَلِكَ أَكْلُ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِهِ لِذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْهُ، وَأَكْلُ، أَوْ شُرْبُ مَا خُلِطَ بِهِ، وَاسْتُهْلِكَ هُوَ فِيهِ، وَكَذَا الِاحْتِقَانُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْإِسْعَاطُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إلَى زَجْرٍ، وَبِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ أَيْ: أَحْكَامِ الشُّرْبِ، وَغَيْرِهِ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ، وَالْكَافِرُ، وَبِقَوْلِهِ: عَنْ طَوْعٍ مَنْ، أَوْجَرَهُ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَنَاوُلِهِ، وَبِمَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ غَيْرَهُ كَالْبَنْجِ، وَالدَّوَاءِ الْمُجَنِّن، وَالْحَشِيشَةِ، فَلَا حَدَّ بِتَنَاوُلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلِذُّ، وَلَا يُطْرِبُ، وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ، بَلْ يُعَزَّرُ بِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِلَفْظَةِ الْأَحْكَامِ، وَبِقَوْلِهِ:(لَا الْحُقَنْ) بِضَمِّ الْحَاءِ، وَفَتْحِ الْقَافِ جَمْعُ حُقْنَةٍ مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ بِشُرْبِهِ الْمُسْكِرِ لَا بِاحْتِقَانِهِ بِهِ وَ (لَا) بِشُرْبِهِ (لِلتَّدَاوِي، وَالظَّمَا) أَيْ: الْعَطَشِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ (وَ) إنْ (حَرُمَا) أَيْ: شُرْبُهُ لَهُمَا بِخِلَافِ شُرْبِ الْبَوْلِ، وَالدَّمِ لَهُمَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ شُرْبِ الْمُسْكِرِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ إزَالَةُ الْعَقْلِ، وَلِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْعُو إلَى بَعْضٍ، وَلِأَنَّهُ يُثِيرُ الْعَطَشَ بَعْدُ، وَإِنْ سَكَنَّهُ فِي الْحَالِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ خَبَرُ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ
هَذَا إذَا لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْأَمْرُ إلَى الْهَلَاكِ، وَإِلَّا، فَيَتَعَيَّنُ شُرْبُهُ كَمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَصْحَابِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ فِي قَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ، أَوْ السِّلْعَةِ إلَى مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ كَالْبَنْجِ هَلْ
ــ
[حاشية العبادي]
(بَابُ الشُّرْبِ، وَالتَّعْزِيرِ)(قَوْلُهُ: أَوْ أَكْلُهُ الْخُبْزَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ اسْتِهْلَاكُهُ فِي الْخُبْزِ بِالْمَضْغِ (قَوْلُهُ: لِذَهَابِ الْعَيْنِ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ عَلَى اللَّحْمِ حُدَّ بِأَكْلِهِ مَعَهُ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) ثُمَّ قَوْلُهُ: الْآتِي فِي الْقِصَّةِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ حَيْثُ سِوَاهُ عُدِمَا الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي الثَّلَاثَةِ أَعْنِي شُرْبَهُ لِلتَّدَاوِي، وَالظَّمَأِ، وَالْغُصَّةِ وَإِنْ، وَجَدَ غَيْرَهُ لِلشُّبْهَةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لَا يَتَنَاوَلُهُ التَّدَاوِي، وَعَطَشٌ، فَلَا يُحَدُّ بِهِ، وَإِنْ، وَجَدَ غَيْرَهُ إلَخْ. اهـ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَتْنِ حَيْثُ سِوَاهُ عُدِمَا لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ رَاجِعًا لِمَجْمُوعِ عَدَمِ الْحَدِّ، وَالْحُرْمَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
فِي كَوْنِهِمَا حَقَّيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى.
[بَابُ الشُّرْبِ لِلْمُسْكِرِ وَالتَّعْزِيرِ]
(بَابُ الشُّرْبِ)(قَوْلُهُ: وَاسْتَهْلَكَ هُوَ فِيهِ) الْمُرَادُ بِاسْتِهْلَاكِهِ عَدَمُ ظُهُورِ عَيْنِهِ بِالرُّؤْيَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَبْقَى لَهُ طَعْمٌ، وَلَا لَوْنٌ، وَلَا رِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ غَيْرَهُ إلَخْ.) أَيْ: فَإِنَّهُ لَا شِدَّةَ فِيهِ مُطْرِبَةٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا (قَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ) أَيْ: التَّصْرِيحِ بِهِ لِفَهْمِهِ مِنْ التَّعْبِيرِ أَوَّلًا بِالشُّرْبِ. اهـ. عِرَاقِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ إلَخْ.) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا حَدَّ، وَإِنْ، وَجَدَ غَيْرَهُ لِلشُّبْهَةِ. اهـ. م ر، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ حَمْلًا لِلْمُصَنِّفِ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ فَرْضِ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلِذَا جَعَلَ قَوْلَهُ: وَحَرُمَا غَايَةٌ أَيْ: وَإِنْ قُلْنَا بِالْحُرْمَةِ إذْ لَوْ، وَجَدَ غَيْرَهُ لَكَانَ حَرَامًا اتِّفَاقًا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَرُمَا) أَيْ: شُرْبُهُ صَرْفًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَصِفَهَا لِلدَّوَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» ، وَلِلْخَبَرِ الْآتِي، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ قَالَ حَجَرٌ وم ر إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا قَالَ الرَّشِيدِيُّ لَكِنَّ هَذَا قَدْ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ حَيْثُ قَرَنَتْ الْمَنَافِعَ فِيهَا بِالْإِثْمِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَةُ التَّحْرِيمِ. اهـ.
فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا كَمَا فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً، أَوْ عَلَى التَّدَاوِي بِهَا غَيْرَ صِرْفَةٍ
يَجُوزُ خَرَّجَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْجَوَازَ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ الشُّرْبِ لِلتَّدَاوِي، وَالظَّمَأِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ الْحَدِّ فِي الشُّرْبِ لِلتَّدَاوِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ، وَمِثْلُهُ الشُّرْبُ لِلظَّمَأِ، وَلَمْ يُصَحِّحْ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبِ كَالرَّافِعِيِّ فِيهِمَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا قَالَا قَالَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ لَا حَدَّ بِالتَّدَاوِي بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْحُرْمَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِي حِلِّ شُرْبِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الْمُعْتَبِرُونَ أَقْوَالَهُمْ أَنَّهُ حَرَامٌ وَجَبَ لِلْحَدِّ، ثُمَّ قَالَا فِي الشُّرْبِ لِلظَّمَأِ، وَإِذَا حَرَّمْنَاهُ فَفِي الْحَدِّ خِلَافٌ كَالتَّدَاوِي، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِمَا، فَيَكُونُ هُوَ الْأَصَحُّ مَذْهَبًا، وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ، وَالْجُوعُ كَالظَّمَأِ فِيمَا ذُكِرَ (وَ) لَا بِشُرْبِهِ لِأَجْلُ (غُصَّةٍ) بِلُقْمَةٍ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ:(حَيْثُ سِوَاهُ) مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسَاغَةُ (عُدِمَا) ، وَيَجِبُ الْإِسَاغَةُ بِهِ حِينَئِذٍ (وَلَوْ بِجَهْلِهِ وُجُوبَ الْحَدِّ) بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ فَيُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْحُرْمَةَ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ (لَا) إنْ جَهِلَ (حُرْمَةً) لِشُرْبِهِ (لِأَجْلِ قُرْبِ الْعَهْدِ) مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِنَشْئِهِ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، فَلَا حَدَّ لِجَهْلِهِ (أَوْ ظَنَّهُ غَيْرًا) أَيْ: غَيْرَ مُسْكِرٍ، فَلَا يُحَدُّ لِعُذْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِمَّا يُسْكِرُ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُسْكِرُ (وَذَا) أَيْ: مَنْ جَهِلَ حُرْمَتَهُ، أَوْ ظَنَّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ (بِالسُّكْرِ) أَيْ: بِسَبَبِ سُكْرِهِ بِمَا جَهِلَ حُرْمَتَهُ، أَوْ ظَنَّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ (أَحْكَامُ إغْمَاءٍ عَلَيْهِ تَجْرِي) حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ زَمَنَ سُكْرِهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِجَرَيَانِ أَحْكَامِ الْإِغْمَاءِ عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي فَمُغْمًى عَلَيْهِ.
(يَضْرِبُهُ) أَيْ: بِشُرْبِ الْمُلْتَزِمِ الْمَذْكُورِ مَا ذُكِرَ يَضْرِبُهُ (الْإِمَامُ) وُجُوبًا، وَلَوْ بِنَائِبِهِ، وَزَادَ قَوْلَهُ الْإِمَامُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ مِنْ، وَظِيفَتِهِ (دُونَ الْكَفَرَهْ) ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ (بِالشُّرْبِ) لِمُسْكِرٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا تَحْرِيمَهُ، وَتَعْبِيرُ الْحَاوِي بِقَوْلِهِ: لَا الذِّمِّيِّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مُوفٍ بِذَلِكَ بَعْضُهُ بِالْمَنْطُوقِ، وَبَعْضُهُ بِمَفْهُومِ، أَوْلَى، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِالذِّمِّيِّ لِدَفْعِ إيهَامِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ مَا يَعُمُّ مُلْتَزِمَ بَعْضَهَا، وَقَيَّدَ مَسْأَلَتَهُ بِالْخَمْرِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ الْحَنَفِيِّ الْآتِيَةَ مُقَيَّدَةً بِشُرْبِ النَّبِيذِ فَلَوْ أَطْلَقَهَا لَتُوُهِّمَ تَقْيِيدُهَا بِالنَّبِيذِ أَيْضًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالنَّاظِمُ لَمَّا أَخَّرَ عَنْهَا مَسْأَلَةَ الْحَنَفِيِّ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْخَمْرِ، بَلْ عَبَّرَ بِالشُّرْبِ الشَّامِلِ لِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ.
(قُلْتُ هَذِهِ) أَيْ: مَسْأَلَةُ الْكَفَرَةِ (مُكَرَّرَهْ) فِي الْحَاوِي حَيْثُ (أَوْرَدَهَا مُنْشِيهِ فِي) بَابِ (الزِّنَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَفِي هَذَا) الْبَابِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُورِدْهَا فِيهِمَا عُلِمَ حُكْمُهَا مِنْ تَعْبِيرِهِ كَالْوَجِيزِ بِمُلْتَزِمٍ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ فِي عُجَابِهِ كَالرَّافِعِيِّ بِمُلْتَزِمِ تَحْرِيمِ الْمَشْرُوبِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُلْتَزِمُ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَمَا يُفِيدُهُ تَعْبِيرُ كَثِيرٍ بِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ، وَمَنْ أَدْخَلَ فِيهِ الذِّمِّيَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَقَدْ تَجَوَّزَ (وَحُدَّ لِلنَّبِيذِ)
ــ
[حاشية العبادي]
أَيْ: فِي الْغُصَّةِ، وَعَدَمِ إرْجَاعِهِ لِمَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْقَيْدِ رُجُوعَهُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ م ر
(قَوْلُهُ: فَلَوْ أَطْلَقَا لَتُوُهِّمَ تَقْيِيدُهَا بِالنَّبِيذِ أَيْضًا) ، فَيَفُوتُ إفَادَةُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالْخَمْرِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ بِالنَّبِيذِ الْمُخْتَلِفِ نَفْيُ الْحَدِّ عَنْهُ بِالْخَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ صَنِيعِهِ، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ عَدَمِ حَدِّهِ بِالْخَمْرِ عَدَمُ حَدِّهِ بِالنَّبِيذِ بِالْأَوْلَى
ــ
[حاشية الشربيني]
بِشُرُوطِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَزَمَا) أَيْ: عَلَى الْأَصَحِّ، وَزَادَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ إنْ تَنْبِيهًا عَلَى الْخِلَافِ، وَأَنَّهُ لَا حَدَّ، وَإِنْ جَرَيْنَا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَحَاصِلُ حُكْمِ التَّنَاوُلِ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَعِنْدَهَا، وَهِيَ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ حَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَاجِبٌ. اهـ. تَقَرَّرَ مَرْصَفِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا، وَحَرُمَا) ، وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذَا سَكِرَ مِمَّا شَرِبَهُ لِعَطَشٍ، أَوْ تَدَاوٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ: فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ:، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْجَوَازَ أَيْ: جَوَازَ تَعَاطِي مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ كَالْبَنْجِ لِمَا ذُكِرَ، أَمَّا الْمُسْكِرُ، فَلَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ) أَيْ: النَّقْلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الْوُجُوهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَا فِي الشُّرْبِ لِلظَّمَأِ، وَإِذَا حَرَّمْنَاهُ إلَخْ.) أَيْ: إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَاهَا فِي الرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالَا، وَأَمَّا شُرْبُهَا لِلتَّدَاوِي، وَالْعَطَشِ، وَالْجُوعِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا، وَالْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: لَا يَجُوزُ، وَسَاقَا بَاقِي الْأَوْجُهِ قَالَا: قَالَ الْقَاضِي إلَخْ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي الْحَدِّ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا كَمَا هُوَ قَيْدٌ لِلتَّحْرِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إذْ لَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا فَالتَّحْرِيمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْحَدُّ سَكَتَا عَنْ الْخِلَافِ فِيهِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُمَا نَقَلَا فِي غَيْرِ الرَّوْضَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ هُوَ الْأَصَحُّ) ضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَلَا نَظَرَ لِعَدَمِ إبَاحَتِهَا حِينَئِذٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الزِّنَا شُبْهَةٌ لِدَفْعِ حَدِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَحْ بِهِ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ
(قَوْلُهُ: بِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ) أَيْ:
أَيْ: لِشُرْبِهِ (الْحَنَفِيّ) ، وَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ، وَلِأَنَّ الطَّبْعَ يَدْعُو إلَيْهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، وَبِهَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ فَارَقَ ذَلِكَ عَدَمَ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ بِلَا، وَلِيٍّ، وَمَعَ حَدِّهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْحَدِّ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ، وَفِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِعَقِيدَةِ الشَّاهِدِ، وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً، وَوَطِئَهَا بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَزْنِي بِهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَسَقَ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ، وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقَيَّدَ بِالنَّبِيذِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا الْخَمْرُ فَيُحَدُّ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ تَدَاوِيًا لَا يُحَدُّ لِاجْتِمَاعِ شُبْهَتَيْ اعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ، وَالتَّدَاوِي (بِالسَّوْطِ) أَيْ: يَضْرِبُهُ بِالسَّوْطِ (أَرْبَعِينَ) ضَرْبَةً فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ» ، وَفِيهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ» ، وَهَذَا فِي الْحُرِّ، أَمَّا غَيْرُهُ فَعَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ كَنَظَائِرِهِ (بِاعْتِدَالِ) أَيْ: حَالَةَ كَوْنِ السَّوْطِ مُعْتَدِلًا فِي حَجْمِهِ، فَيَكُونُ بَيْنَ الْقَضِيبِ، وَالْعَصَا، وَفِي صِفَتِهِ، فَلَا يَكُونُ رَطْبًا، فَيَشُقُّ الْجَلْدَ بِثِقَلِهِ، وَلَا شَدِيدَ الْيُبُوسَةِ، فَلَا يُؤْلِمُ، وَفِي خَبَرٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ مَالِكٌ «الْأَمْرُ بِسَوْطٍ بَيْنَ الْخَلِقِ، وَالْجَدِيدِ» (أَوْ خَشَبٍ) أَيْ: أَوْ يَضْرِبُهُ أَرْبَعِينَ بِخَشَبَةٍ مُعْتَدِلَةٍ فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: بِاعْتِدَالٍ عَنْ الْخَشَبِ، أَوْ قَدَّمَهُ عَلَى السَّوْطِ كَانَ، أَوْلَى (وَلَا) بِالْقَصْرِ لِلْوَزْنِ، فَلَا يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى الْأَيَّامِ، وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الزَّاجِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ عَدَدًا فَفَرَّقَهُ عَلَى الْأَيَّامِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ هُنَاكَ مُوجِبُ اللَّفْظِ، وَفِي الْحُدُودِ الزَّجْرُ، وَالتَّنْكِيلُ فَلَوْ حَصَلَ مَعَ التَّفْرِيقِ هُنَا إيلَامٌ قَالَ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مَا يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى، وَإِلَّا، فَلَا (وَ) لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ أَرْبَعِينَ (بِالنِّعَالِ) ، وَالْأَيْدِي (وَطَرَفِ الثَّوْبِ) فَفِي الْبُخَارِيِّ «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» ، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي، وَالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ ضَرْبًا (قَرِيبًا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ، أَوْ الْخَشَبَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ، وَلَا عَنْ جَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ كَانَ، أَوْلَى.
(قَدْ قَامَ، وَالْأُنْثَى جَلَسَتْ) أَيْ: يَضْرِبُ الْإِمَامُ الذَّكَرَ قَائِمًا، وَالْأُنْثَى جَالِسَةً فَلَوْ عَكَسَ أَسَاءَ، وَأَجْزَأَهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَغَيُّرُ حَالٍ لَا زِيَادَةُ ضَرْبٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (مِنْ غَيْر مَدْ) لَهُمَا هَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ (مَلْفُوفَةً) أَيْ: الْأُنْثَى (بِالثَّوْبِ) حَذَرًا مِنْ تَكَشُّفِهَا، وَيَتَوَلَّى اللَّفَّ امْرَأَةٌ، أَوْ مَحْرَمٌ، أَوْ نَحْوُهُمَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى فِيمَا قَالَهُ، وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَحْدُودِ قَمِيصٌ، أَوْ قَمِيصَانِ لَا مَا يَدْفَعُ الْأَلَمَ كَالْفَرْوَةِ، وَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ (دُونَ رَفْعِ يَدْ مِنْ فَوْقِ رَأْسٍ) بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إبِطِهِ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ أَلَمُهُ، وَدُونَ أَنْ يَضَعَ السَّوْطَ عَلَيْهِ، وَضْعًا لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ (وَالْيَدَانِ) لَهُ (لَا تُشَدْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْهُمَا بَلْ يُتْرَكَانِ لِيَتَّقِيَ بِهِمَا الضَّرْبَ فَإِنْ، وَضَعَهُمَا، أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى مَوْضِعٍ عَدَلَ عَنْهُ إلَى آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ أَلَمِهِ بِالضَّرْبِ فِيهِ (فَرَّقَهُ فِي بَدَنٍ) أَيْ: وَيُفَرِّقُ الْإِمَامُ الضَّرْبَ عَلَى أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، وَلَا يَجْمَعُهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (وَيَجْتَنِبُ مَقْتَلَهُ) كَثُغْرَةِ نَحْرٍ، وَفَرْجٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ (وَالْوَجْهَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» ، وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ الرَّأْسَ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ، وَغَيْرِهِ غَالِبًا، فَلَا يَخَافُ تَشْوِيهَهُ بِخِلَافِ الْوَجْهِ، وَقِيلَ يُجْتَنَبُ؛ لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ، وَيُخَافُ مِنْهُ الْعَمَى، وَاخْتَارَهُ الْمَاسَرْجِسِيُّ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ إلَخْ.) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا قُلْنَا يُحَدُّ الشَّافِعِيُّ، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، فَلَا حَاجَةَ لِبَحْثِ هَذَا، وَالتَّعْبِيرُ فِيهِ بِالظَّاهِرِ، فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ: الْأَرْبَعُونَ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْكَمَالُ فِي الْإِسْعَادِ مَعَ حِكَايَةِ الْقِصَّةِ بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِرّ (قَوْلُهُ: فَرَّقَهُ فِي بَدَنٍ) أَيْ: وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ح ج، وَقَوْلُهُ: وَيَجْتَنِبُ أَيْ: وُجُوبًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ ضَرْبُ الْمَقَاتِلِ، وَالْوَجْهِ ح ج
ــ
[حاشية الشربيني]
الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ) أَيْ: فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ، أَمَّا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ فَيَحْرُمُ إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجَرٌ وق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَأَوْرَدَ عَدَمَ حَدِّ الْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ بِجَامِعِ أَنَّ هَذَا مَعْذُورٌ بِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ تَقْلِيدًا لِمَنْ يُجَوِّزُ تَقْلِيدَهُ كَمَا أَنَّ ذَاكَ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، وَضَعْفُ أَدِلَّةِ هَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَنْ انْتِفَاءِ أَدِلَّةِ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْجَاهِلَ غَافِلٌ عَنْ الْمُعَارِضِ لِاعْتِقَادِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ، وَأَدِلَّتِهِ فَهُوَ أَبْعَدُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ، وَصُورَةِ الْمُعَانِدَةِ سم عَلَى حَجَرٍ، وَقَوْلُنَا فِيمَا مَرَّ عَنْ حَجّ فَيَحْرُمُ إجْمَاعًا أَيْ: لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لِحِلِّ قَلِيلِهِ عَلَى قَوْلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ م ر كُفْرُ مُسْتَحِلِّهِ رَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَعُمَرُ ثَمَانِينَ) أَيْ بِاجْتِهَادِهِ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ النَّصَّ، وَقِيلَ إنَّ النَّصَّ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنْ كَانَ فِي مُسْلِمٍ رَاجِعْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ)
وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ: وَسَمِعْت الْمَاسَرْجِسِيَّ يَقُولُ: غَلِطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: لَا يَجْتَنِبُ لِقَوْلِ الْمُزَنِيّ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ، وَالْفَرْجَ، وَنَصُّ الْبُوَيْطِيِّ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَصَّ لِلشَّافِعِيِّ يُخَالِفُهُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ
(قُلْتُ، وَيَجِبْ تَأْخِيرُهُ) أَيْ: ضَرْبُ السَّكْرَانِ (حَتَّى يُفِيقَ) مِنْ سُكْرِهِ فَلَوْ جُلِدَ فِيهِ فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ، وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ (وَعَلَى) شَمِّ (نَكْهَتِهِ) أَيْ: رِيحِ فَمِهِ (وَالْقَيْءِ) لِمُسْكِرٍ، وَمُشَاهَدَةِ سُكْرٍ (لَنْ نُعَوِّلَا) أَيْ: لَا نَعْتَمِدُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ، وَالْإِكْرَاهِ، وَإِنَّمَا نُعَوِّلُ عَلَى إقْرَارِهِ، أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ هُوَ، أَوْ هُمَا مُخْتَارًا عَالِمًا بِهِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الشُّرْبِ إلَيْهِ قَدْ حَصَلَتْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَغَلَبَةُ الْعِلْمِ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ، وَيُخَالِفُ الزِّنَا فَإِنَّ مُقَدِّمَاتِهِ قَدْ تُسَمَّى زِنًا كَمَا فِي خَبَرِ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ» فَاحْتِيطَ فِيهِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ طَرِيقًا ثَالِثًا فِيمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ شُرْبُهُ مِنْ إنَاءٍ شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَسَكِرَ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلْيَكُنْ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ
(وَهُوَ لْيُعَزِّرْ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ أَيْ: وَالْإِمَامُ يُعَزِّرُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ (مَنْ بِغَيْرِهَا) أَيْ: بِغَيْرِ الْجِنَايَاتِ السَّابِقَةِ (عَصَى) بِأَنْ أَتَى مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، وَسَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ، وَالسَّبِّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ، وَالتَّزْوِيرِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِخِلَافِ الزِّنَا لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ، وَبِخِلَافِ التَّمَتُّعِ بِالطِّيبِ، وَنَحْوِهِ فِي الْإِحْرَامِ لِإِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ، وَالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي صَغِيرَةٍ صَدَرَتْ مِنْ وَلِيِّ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي، وَكَمَا فِي قَطْعِ شَخْصٍ أَطْرَافَ نَفْسِهِ، وَكَمَا فِي، وَطْءِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فِي دُبُرِهَا، فَلَا يُعَزَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ، بَلْ يُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَغَيْرُهُ، وَكَمَا فِي تَكْلِيفِ السَّيِّدِ عَبْدُهُ فَوْقَ مَا يُطِيقُ مِنْ الْخِدْمَةِ، فَلَا يُعَزَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَيْضًا، وَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي قَتْلِ مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ كَالْوَلَدِ، وَكَمَا فِي الظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ) قُلْتُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ إلَى الْإِفَاقَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الشَّارِبَ ضُرِبَ حِينَ شُرْبِهِ قَبْلَ غَيْبَةِ عَقْلِهِ، أَوْ كَانَ قَدْ شَرِبَ قَدْرًا لَا يُسْكِرُ لَكِنْ عَلَى هَذَا يُشْكِلُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ الْإِفَاقَةِ مِنْ السُّكْرِ، وَلَا سُكْرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ
ــ
[حاشية الشربيني]
أَيْ: الْأَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ ثَمَانِينَ لَكِنْ رَجَعَ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ، وَجَلَدَ أَرْبَعِينَ
(قَوْلُهُ: وَيُخَالِفُ الزِّنَا) تَقَدَّمَ لِلْقَلْيُوبِيِّ، وَغَيْرِهِ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَوْ مِنْ عَالِمٍ بِذِكْرِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَكَيْفِيَّةِ الْإِدْخَالِ، وَزَمَانِهِ، وَمَكَانِهِ، وَكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا مِنْهُ بِهَا. اهـ.، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا أَنْ يَذْكُرَ مَعَ الْعِلْمِ الِاخْتِيَارَ إذْ الْإِكْرَاهُ دَافِعٌ لِلْحَدِّ، وَإِنْ سُمِّيَ زِنًى مَعَهُ، وَيَكْفِي فِي بَيَانِ ذَلِكَ الظَّاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا، فَلَا يُقَالُ: لَيْسَ مِنْ مَعْنَى التَّفْصِيلِ فِي الزِّنَا ذِكْرُ الْعِلْمِ، وَالِاخْتِيَارِ
(قَوْلُهُ: لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ) هَذَا الضَّابِطُ لِلْغَالِبِ فَقَدْ يُشَرَّعُ التَّعْزِيرُ، وَلَا مَعْصِيَةَ كَتَأْدِيبِ طِفْلٍ، وَمَنْ يَكْتَسِبُ بِآلَةِ لَهْوٍ لَا مَعْصِيَةَ فِيهَا، وَقَدْ يَنْتَفِي مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ، وَالْكَفَّارَةِ كَقَطْعِ شَخْصٍ أَطْرَافَ نَفْسِهِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَدِّ كَمَا فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الرِّدَّةُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَا، أَوْجَبَ الْحَدَّ، وَهُوَ الرِّدَّةُ غَيْرُ مَا، أَوْجَبَ التَّعْزِيرَ، وَهُوَ تَكْرَارُهَا؛ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الرِّدَّةِ رِدَّةٌ نَعَمْ قَالُوا: إنَّهُ يُعَزَّرُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَفِيهِ إنَّهُ لَا حَدَّ حِينَئِذٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ:، وَالتَّزْوِيرِ) أَيْ: مُشَابَهَةُ خَطِّ الْغَيْرِ بِأَنْ يَكْتُبَ خَطًّا مُشَابِهًا لِخَطِّ غَيْرِهِ لِيُظَنَّ أَنَّهُ خَطُّ الْغَيْرِ كَمَا يَقَعُ فِي الْحُجَجِ الْمُزَوَّرَةِ. اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: مِنْ، وَلِيٍّ) عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِالشَّرِّ، وَهِيَ أَوْلَى بِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ تَعْزِيرِهِمْ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. اهـ. حَجَرٌ. اهـ. بج (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّعْزِيرُ إلَخْ.) ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الثَّلَاثَةِ كَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ، وَالْفِدْيَةُ، وَيُحَدُّ لِلزِّنَا، وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمِهِ، وَانْتِهَاكِ الْكَعْبَةِ. اهـ.
ق ل عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَوْلُهُ: وَيُعَزَّرُ إلَخْ. يُفِيدُ أَنَّ التَّعْزِيرَ لِغَيْرِ مَا، وَجَبَتْ لَهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَتْلِ مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ لِلْمَعْصِيَةِ، بَلْ لِإِعْدَامِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ إيجَابِهَا بِقَتْلٍ بِالْخَطَأِ فَلَمَّا بَقِيَ التَّعَمُّدُ خَالِيًا عَنْ الزَّاجِرِ، أَوْجَبْنَا فِيهِ التَّعْزِيرَ. اهـ. قَالَ م ر، وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَ التَّعْزِيرِ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إنْ كَانَتْ إتْلَافًا كَالْحَلْقِ، وَالصَّيْدِ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ كَاللُّبْسِ، وَالطِّيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا فِي الظِّهَارِ) فِيهِ أَنَّ سَبَبَ التَّعْزِيرِ هُوَ الْكَذِبُ، وَالْكَفَّارَةُ، وَجَبَتْ بِالْعَوْدِ نَقَلَهُ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ يُقَالُ:
الْغَمُوسِ، وَإِفْسَادِ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ انْتِفَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي إيجَابِ التَّعْزِيرِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ، وَيَحْصُلُ التَّعْزِيرُ (بِالْحَبْسِ، وَاللَّوْمِ) بِالْكَلَامِ (وَجَلْدٍ) ، وَنَفْيٍ، وَكَشْفِ رَأْسٍ، وَقِيَامٍ مِنْ مَجْلِسٍ، وَنَحْوِهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ جِنْسًا، وَقَدْرًا، وَلَا يُرَقَّى إلَى مَرْتَبَةٍ، وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ حَالَةَ كَوْنِهِ (نَقَصَا) تَعْزِيرُ مَنْ يُعَزِّرُهُ (عَنْ نَزْرِ حَدِّهِ) أَيْ: أَقَلِّهِ، فَيَنْقُصُ ضَرْبُ الْحُرِّ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَحَبْسُهُ عَنْ سَنَةٍ، وَضَرْبُ غَيْرِهِ عَنْ عِشْرِينَ، وَحَبْسُهُ عَنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِخَبَرِ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ إرْسَالُهُ، وَقِيلَ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ قَالَ الْقُونَوِيُّ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ أَهْوَنُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى النَّسْخِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَيْ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يُحَدَّ فَوْقَ عَشَرَةٍ إلَّا فِي حَدٍّ (وَإِنْ حَلَّلَهُ) الْمُسْتَحِقُّ مِنْ تَعْزِيرِهِ بِأَنْ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَزِّرُهُ قَبْلَ مُطَالَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِهِ (لَا حَدَّهُ) أَيْ: لَا إنْ حَلَّلَهُ مِنْ حَدِّهِ، فَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَلَّقُ أَصْلُهُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَجَازَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِيهِ إسْقَاطُ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ (وَإِنْ رَأَى) أَيْ: الْإِمَامُ إهْمَالَ التَّعْزِيرِ (أَهْمَلَهُ)«لِإِعْرَاضِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ» كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَاوِي شِدْقَهُ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ (إلَّا) إذَا كَانَ (لِعَبْدٍ) لِلَّهِ تَعَالَى (طَالِبٍ) لَهُ، فَلَا يُهْمِلُهُ كَالْقَوَدِ (وَ) يُعَزِّرُ (وَالِدُ، وَنَائِبٌ) عَنْهُ (صَغِيرَهُ) بِالْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ تَعْلِيمًا، وَزَجْرًا عَنْ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيَّةِ، وَيُؤَدَّبُ أَيْضًا الْمَعْتُوهُ بِمَا يَضْبِطُهُ قَالَ الرَّافِعِيِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّ، وَمِنْ الصَّبِيِّ فِي كَفَالَتِهِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي تَعْلِيمِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْأَمْرِ بِهَا، وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا أَنَّ الْأُمَّهَاتِ كَالْآبَاءِ قَالَ الشَّارِحُ وَيُمْكِنُ انْدِرَاجُهَا فِي تَعْبِيرِ النَّظْمِ بِالْوَالِدِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِالْأَبِ (وَ) يُعَزِّرُ (السَّيِّدُ) رَقِيقَهُ (لِحَقِّهِ) كَمَا يُعَزِّرُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ لِحَقِّهِ، بَلْ، أَوْلَى؛ لِأَنَّ سُلْطَانَهُ أَقْوَى (وَ) لِحَقِّ (رَبِّهِ) تَعَالَى لِمَا مَرَّ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ لَا يُعَزِّرُ زَوْجَتَهُ لِحَقِّ رَبِّهِ. .
، وَقَالَ الْقَمُولِيُّ رَأَيْت فِيمَا عَلَّقَ عَنْ مَشَايِخِ عَصْرِنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَأْدِيبَ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ لِلتَّعْلِيمِ، وَاعْتِيَادِ الصَّلَاةِ، وَأَفْتَى ابْنُ الْبَرْزِيِّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرُ زَوْجَتِهِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَضَرْبُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ عَلِمَ الْمُعَزِّرُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّأْدِيبُ إلَّا بِضَرْبٍ يُبْرِحُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الضَّرْبُ؛ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ مُهْلِكٌ، وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ
(فَإِنْ)(سَرَى) أَيْ: التَّعْزِيرُ إلَى الْهَلَاكِ ضَمِنَهُ عَاقِلَةُ الْمُعَزِّرِ إمَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ إذْ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لَا الْهَلَاكُ فَإِذَا حَصَلَ الْهَلَاكُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ نَعَمْ الْمَمْلُوكُ إذَا ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا ضَمَانَ فِيهِ كَقَتْلِهِ بِإِذْنِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، وَكَذَا إذَا عَزَّرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، أَوْ عَزَّرَ الْوَالِي مَنْ اعْتَرَفَ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ، وَطَلَبَهُ بِنَفْسِهِ لِإِذْنِهِ (وَلِلشَّرَابِ) أَيْ: وَإِنْ سَرَى إلَى الْهَلَاكِ ضَرَبَهُ لِشُرْبِ الْمُسْكِرِ (ضِعْفُ مَا قَدْ قُدِّرَا) لِحَدِّهِ أَيْ: ثَمَانِينَ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ الزَّائِدَ عَلَى الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ تَعْزِيرٌ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنْ، وَضَعَهُ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلَيْسَ شَافِيًا فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ، وَقَدْ مَنَعُوهَا قَالَ: وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ، وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشُّرْبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ، وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ. اهـ.
وَيُوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، فَيَضْمَنُ فِي ضَرْبِ الْحُرِّ ثَمَانِينَ النِّصْفَ، وَفِي ضَرْبِهِ سِتِّينَ الثُّلُثَ، وَفِي ضَرْبِهِ إحْدَى وَثَمَانِينَ أَحَدًا، وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ، وَثَمَانِينَ جُزْءًا (وَجَازَ) أَيْ: ضَرْبُ الْحُرِّ ثَمَانِينَ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رضي الله عنه
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ) قَدْ يُنَافِي هَذَا الْحَمْلُ عَمَلَ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورَ، فَلْيُتَأَمَّلْ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَدْ يَتَرَجَّحُ غَيْرُ الْأَوْلَى لِعُرُوضِ مَصْلَحَةٍ مُقْتَضِيَةٍ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ) أَيْ: النَّسْخُ (قَوْلُهُ:، وَأَفْتَى ابْنُ الْبَرْزِيِّ إلَخْ.) ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ حَتَّى فِي وُجُوبِ ضَرْبِ الْمُكَلَّفَةِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا، بَلْ إنْ تَوَقَّفَ الْفِعْلُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخْشَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَشْوِيشٌ لِلْعِشْرَةِ يَعْسُرُ مَدَارِكُهُ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ الْمَمْلُوكُ إذَا ضَرَبَهُ إلَخْ.) فِي الرَّوْضِ: وَشَرْحِهِ فِي بَابِ الرَّهْنِ مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ) لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ: اضْرِبْهُ أَيْ: الْمَرْهُونَ فَضَرَبَهُ، فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي الْوَطْءِ، فَوَطِئَ، وَأَحْبَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَهُ أَدِّبْهُ، فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ، فَمَاتَ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ الضَّرْبِ بَلْ ضَرْبُ تَأْدِيبٍ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا ضَرَبَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، أَوْ الْإِمَامُ إنْسَانًا تَعْزِيرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِلشَّرَابِ)
ــ
[حاشية الشربيني]
بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ أَيْضًا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ إذْ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْحِنْثِ فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ، وَالتَّعْزِيرُ إنَّمَا، وَجَبَ فِي الْغَمُوسِ لِلْفُجُورِ، وَالْكَذِبِ نَعَمْ يَبْقَى إفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، وَارِدًا فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْجِنَايَةَ إلَخْ.) أَجَابَ م ر بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى مَنْعِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِينَ فَهِيَ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ قَالَ ع ش، وَهُوَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِينَ، وَجَوَازُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ. اهـ.
وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ تَعْزِيرٌ وَاحِدٌ مَخْصُوصٌ فَلِذَا بَلَغَ الْحَدَّ لَمْ يَبْعُدْ، وَأَشَارَ لَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشُّرْبِ إلَخْ.) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ
وَرَآهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ:؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ
(وَ) إنْ سَرَى (الْحُكْمُ) أَيْ: حُكْمُ الْحَاكِمِ أَيْ: مُقْتَضَاهُ إلَى الْهَلَاكِ (وَلَا صَوَابَ لَهْ) بِأَنْ كَانَ خَطَأً كَأَنْ حَكَمَ فِي حَدٍّ، أَوْ تَعْزِيرٍ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ، أَوْ امْرَأَتَيْنِ، أَوْ مُرَاهِقَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ ذِمِّيَّيْنِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ فِي الْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمَا فَمَاتَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ عَاقِلَتُهُ كَالْخَطَأِ فِي غَيْرِ الْحُكْمِ (لَا) إنْ سَرَى إلَيْهِ (الْحَدُّ) ، فَلَا ضَمَانَ بِهِ، وَإِنْ أُقِيمَ فِي حَرٍّ، وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ فَالْحَقُّ قَتْلُهُ فَقَوْلُهُ (فَلْتَضْمَنْهُ عَنْهُ الْعَاقِلَهْ) جَوَابُ قَوْلِهِ: فَإِنْ سَرَى، وَفِي نُسْخَةٍ عَقِبَ هَذَا قُلْتُ، وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ الْفَوَائِدِ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ
أَنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يُعَزَّرُ
…
إنْ رَفَعُوا عَلَيْهِ ذَنْبًا يُصَغِّرُ
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا فِي الْحُدُودِ» ، وَفَسَّرَهُمْ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ، فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ فَتُتْرَكُ لَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الزَّلَّةِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ، وَالْكَبِيرَةِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي عَثَرَاتِهِمْ، وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الصَّغَائِرُ، وَالثَّانِي أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ زَلَّ فِيهَا مُطِيعٌ
(وَ) إنْ سَرَى إلَيْهِ حُكْمٌ (غَيْرُ جَائِزٍ) أَيْ: مُقْتَضَاهُ (كَحُكْمٍ اعْتَمَدْ) فِيهِ الْحَاكِمُ شَهَادَةَ (عَبْدَيْنِ) ، أَوْ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ مُرَاهِقَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ امْرَأَتَيْنِ (بِالتَّقْصِيرِ) أَيْ: مَعَ تَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمَا فَمَاتَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَلْيَضْمَنْهُ (ذَا) أَيْ: الْحَاكِمُ لَا عَاقِلَتُهُ، وَلَا بَيْتُ الْمَالِ (وَلَا قَوَدْ) عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ نَعَمْ إنْ تَعَمَّدَ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْهُجُومَ عَلَى الْقَتْلِ مَمْنُوعُ الْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ، بَلْ يَجِبُ قَطْعًا (وَعَادَ ضَامِنٌ) بِسَبَبِ سِرَايَةِ الْحُكْمِ أَيْ: رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ (عَلَى) الشَّاهِدِ (الْفَاسِقِ إنْ أَعْلَنَ) فِسْقَهُ لَا إنْ كَتَمَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُعْلِنِ أَنْ لَا يَشْهَدَ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يُشْعِرُ بِتَدْلِيسٍ مِنْهُ، وَتَعْزِيرٍ بِخِلَافِ الْكَاتِمِ، وَالذِّمِّيِّ، وَالْمُرَاهِقِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِمْ، وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ، وَأَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ شُرَّاحُهُمَا قِيلَ مَرْدُودٌ إذْ لَا رُجُوعَ لِلْحَاكِمِ قَطْعًا لِتَقْصِيرِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ عَاقِلَةٍ، أَوْ بَيْتِ مَالٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الصِّيَالِ، بَلْ قَطَعَا بِهِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَزْعُمُ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ، وَقَدْ يُنْسَبُ الْحَاكِمُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْبَحْثِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَخَذَهُ مِمَّا، أَوْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَعِبَارَتُهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا فِي أَصْلِهَا السَّالِمِ مِنْ الْإِيهَامِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ، بَلْ قَطَعَا بِهِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقْطَعَا بِهِ
(وَالْجَلَّادُ أَنْ يَعْلَمَ) ظُلْمَ الْإِمَامِ، أَوْ خَطَأَهُ فِي أَمْرِهِ بِحَدٍّ، أَوْ تَعْزِيرٍ (ضَمِنْ كَشَافِعِيٍّ قَاتِلٍ لِلْحُرِّ فِي) أَيْ: بِسَبَبِ قَتْلِ (نَفْسٍ رَقِيقَةٍ بِإِذْنِ) الْإِمَامِ (الْحَنَفِيّ) فَهُوَ الضَّامِنُ دُونَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ فَكَانَ حَقُّهُ الِامْتِنَاعَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ سَوْطُ الْإِمَامِ، وَسَيْفُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي السِّيَاسَةِ، فَإِنْ فُرِضَ إكْرَاهٌ فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ.
وَ (لِلْعَاقِلِ الْإِغْرَاقُ) لِنَفْسِهِ (مِنْ نَارٍ)، وَقَعَ فِيهَا (وَلَمْ يَفُزْ بِغَيْرٍ) أَيْ: بِغَيْرِ الْإِغْرَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ لَفَحَاتِ النَّارِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ قَتْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إغْرَاقٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ وَالِدِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَارٍ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهَا
ــ
[حاشية العبادي]
عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ: فَإِنْ سَرَى تَعْزِيرُهُ لِغَيْرِ الشَّرَابِ مُطْلَقًا، وَلِلشَّرَابِ ضَعَّفَهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: مُقْتَضَاهُ) ضَبَّبَ بَيْنَ أَيْ: وَقَوْلُهُ حُكْمُ
(قَوْلُهُ: وَعَادَ ضَامِنٌ) هَذَا شَامِلٌ لِلْإِمَامِ، وَالْعَاقِلَةِ، وَخَصَّهُ الْعِرَاقِيُّ بِالْإِمَامِ، فَقَالَ: الْأَوْلَى أَيْ: مِنْ الْمَسَائِلِ حَيْثُ ضَمِنَ الْحَاكِمُ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْحُكْمِ عَادَ بِمَا ضَمِنَهُ أَيْ: رَجَعَ عَلَى الشَّاهِدِ الْفَاسِقِ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ. اهـ. وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ عَلَى فَرْضِ ذَلِكَ فِي الْعَاقِلَةِ، فَقَالَا، وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْبَحْثِ، بَلْ بَذَلَ وُسْعَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى الشَّاهِدِ إلَّا عَلَى مُتَجَاهِرٍ بِالْفِسْقِ، فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَتْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ) فَمَا ذَكَرَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر
(قَوْلُهُ:، وَالْجَلَّادُ إنْ يَعْلَمْ ضَمِنَ) نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ، فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي، وَأَقَرَّهُ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: كَشَافِعِيٍّ) أَيْ: كَجَلَّادٍ شَافِعِيٍّ، وَالْكَافُ لِلتَّنْظِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ظُلْمُ الْإِمَامِ، أَوْ خَطَؤُهُ بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ، وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَكَانَ حَقُّهُ الِامْتِنَاعَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ ظَالِمًا بِاعْتِبَارِ عَقِيدَةِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْظَرْ لِكَوْنِ الْجَلَّادِ أَقْدَمَ عَلَى قَتْلٍ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَنْقُضُ إنْ قُلْنَا بِنَقْضِهِ، أَوْ مِمَّا ضَعُفَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْمُخَالِفِ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِنَقْضِهِ، فَكَانَ لَا حُكْمَ، فَانْدَفَعَ مَا لِلشَّارِحِ يَعْنِي: الْجَوْجَرِيَّ هُنَا مِنْ التَّنْظِيرِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَهُ) وَكَذَا لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ، وَكَانَ الْجَلَّادُ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْفِعْلِ دُونَ الْإِمَامِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ، وَالْجَلَّادُ آلَتُهُ مَعَ عُذْرِهِ بِاعْتِقَادِهِ الْجَوَازَ، وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ الْجَوْجَرِيِّ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فُرِضَ إكْرَاهٌ، فَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ) أَيْ: وَهُوَ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا، وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ، فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. اهـ.
وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ ضَمَانُ الْإِمَامِ مَعَ اعْتِقَادِهِ جَوَازَ الْقَتْلِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ حُكْمِهِ بِهِ، وَيُجَابُ بِمَا عُلِمَ مِنْ الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى مِنْ نَقْضِ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ، فَلَا احْتِرَامَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالنَّقْضِ، فَقَدْ ضَعُفَ لِضَعْفِ شُبْهَتِهِ فِي ذَلِكَ، فَلَا احْتِرَامَ لَهُ أَيْضًا، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهُ رَفَعَ الْإِمَامُ الْحَنَفِيُّ لِقَاضٍ شَافِعِيٍّ، فَيَلْزَمُهُ بِالضَّمَانِ، وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ إنْ نَقَضْنَاهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ الْقَضِيَّةُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَرْفَعْ لِأَحَدٍ، فَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ بِالضَّمَانِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنْ لَا ضَمَانَ لَا سِيَّمَا عِنْدَ حُكْمِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
تَعْزِيرَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَوْ مَاتَ بِهَا فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ خِلَافًا لِمَا فِي ع ش فَرَاجِعْهُمَا (قَوْلُهُ: افْتَرَى) أَيْ: قَذَفَ، وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ هَذَا حَدَّ الْقَذْفِ بَقِيَ حَدُّ السُّكْرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَذْفَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. اهـ. بج، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ خُصَّ بِجَوَازِهِ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ
(قَوْلُهُ: أَقِيلُوا) ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ قَالَ حَجَرٌ، وَلَا مَانِعَ
وَلَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا فَأَغْرَقَ نَفْسَهُ، أَوْ أَهْلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ جَازَ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ (لَا هَلَاكٌ لِلْأَلَمْ) أَيْ: لَيْسَ لَهُ إهْلَاكُ نَفْسِهِ لِشِدَّةِ الْأَلَمِ، وَعُسْرِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بُرْأَهُ مَرْجُوٌّ.
(وَ) لِلْعَاقِلِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ سَفِيهًا، أَوْ مُكَاتَبًا (قَطْعُ سِلْعَةٍ) مِنْ نَفْسِهِ (وَ) الْحَالَةُ أَنَّ الْقَطْعَ (لَيْسَ أَخْطَرَا) مِنْ التَّرْكِ بِأَنْ يَنْتَفِيَ خَطَرُ الْقَطْعِ، أَوْ يَكُونُ التَّرْكُ أَخْطَرَ، أَوْ يَتَسَاوَيَا لِزِيَادَةِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَتَوَقَّعَهَا فِي الثَّالِثَةِ مَعَ إزَالَةِ الشَّيْنِ فِي الثَّلَاثِ، بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ لَوْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إنْ لَمْ يَقْطَعْ حَصَلَ أَمْرٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْمُهْلِكَاتِ، وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابَ. اهـ. وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيِّ الْآتِيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ أَخْطَرَ، أَوْ الْخَطَرُ فِيهِ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ الْقَطْعُ، وَالسِّلْعَةُ بِكَسْرِ السِّينِ غُدَّةٌ تَخْرُجُ بَيْنَ الْجِلْدِ، وَاللَّحْمِ (وَجَازَ لِلْوَلِيِّ) إمَامًا، أَوْ غَيْرَهُ قَطْعُهَا مِنْ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ (إذْ) أَيْ: وَقْتَ (لَا خَطَرَا) فِي قَطْعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَلِي صَوْنَ مَالِهِمَا عَنْ الضَّيَاعِ فَبَدَنُهُمَا، أَوْلَى، وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشَّيْنِ
(وَ) جَازَ لَهُ (الْفَصْدُ، وَالْحَجْمُ، وَخَتْنٌ) لِمَنْ يَلِيهِ (فِي الصِّغَرِ) ، وَالْجُنُونِ حَيْثُ لَا خَطَرَ فِيهَا (وَ) جَازَ (لِأَبٍ) ، وَإِنْ عَلَا قَطْعُ سِلْعَةِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَفَصْدِهِمَا، وَحَجْمِهِمَا، وَخَتْنِهِمَا (إذْ) بِمَعْنَى إذَا كَانَ (تَرْكُهَا أَقْوَى خَطَرْ) مِنْ قَطْعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ أَخْطَرَ، أَوْ تَسَاوَيَا، أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ مِنْ إمَامٍ، أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ، وَفَرَاغٍ، وَشَفَقَةٍ كَامِلَةٍ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ، وَصِيَّةً جَازَ لَهَا ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قُلْتُ كَذَا أَصْلَحَ) أَيْ: بَيَّنَ (فِي التَّعْلِيقَهْ هَذَا الْمَكَانَ فَاعْتَمِدْ تَحْقِيقَهْ) فَإِنَّهُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَاوِي، وَلِلْأَبِ، وَالْجَدِّ بِلَا خَطَرٍ، أَوْ حَيْثُ التَّرْكُ أَخْطَرُ، وَفَصْدُ الصَّغِيرِ، وَحِجَامَتُهُ، وَخِتَانُهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِلَا خَطَرٍ، وَالْفَصْدُ، وَالْحَجْمُ، وَالْخَتْنُ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَبِ، وَالْجَدِّ، بَلْ يَفْعَلُهَا غَيْرُهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ أَيْضًا، وَالْيَدُ الْمُتَأَكِّلَةُ فِيمَا ذُكِرَ كَالسِّلْعَةِ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ بِجَائِزٍ، فَلَا ضَمَانَ، أَوْ بِمَمْنُوعٍ مِنْهُ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِ الْفَاعِلِ لِتَعَدِّيهِ، وَلَا قَوَدَ لِلشُّبْهَةِ نَعَمْ إنْ خَتَنَ صَبِيًّا فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ لَزِمَهُ الْقَوَدُ إلَّا الْوَالِدَ، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَوْ فَعَلَ فَمَاتَ الْمَفْعُولُ بِهِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ قَوَدًا، أَوْ غَيْرَهُ (وَيَقْهَرُ الْإِمَامُ) عَلَى الْخِتَانِ (بَالِغًا) عَاقِلًا مُحْتَمِلًا لَهُ (أَبَى خِتَانَهُ) أَيْ: امْتَنَعَ مِنْهُ، وَلَا ضَمَانَ إنْ سَرَى إلَى الْهَلَاكِ لَكِنْ لَوْ بَادَرَ فَخَتَنَهُ فِي شِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ فَهَلَكَ بِهِ ضَمِنَ بِخِلَافِ الْحَدِّ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحُدُودِ إلَى الْإِمَامِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَالْخِتَانُ يَتَوَلَّاهُ الْمَخْتُونُ، أَوْ، وَالِدُهُ غَالِبًا فَإِذَا تَوَلَّاهُ هُوَ شُرِطَ فِيهِ غَلَبَةُ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَيَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ لَا الْجَمِيعَ عَلَى الْأَصَحِّ
(وَبِالْبُلُوغِ) ، وَالْعَقْلِ، وَاحْتِمَالِ الْخِتَانِ (وَجَبَا) أَيْ: الْخِتَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] ، وَكَانَ مِنْ مِلَّتِهِ الْخِتَانُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ اخْتَتَنَ، وَعُمْرُهُ ثَمَانُونَ سَنَةً» ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «مِائَةٌ، وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً» «، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْخِتَانِ رَجُلًا أَسْلَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالُوا: وَلِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ لَا يَخْلُفُ، فَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا كَقَطْعِ الْيَدِ، وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ يُخَافُ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ لِلذَّكَرِ (بِالْقَطْعِ لِلْقُلْفَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ، وَهُوَ مَا يُغَطِّي الْحَشَفَةَ حَتَّى تَنْكَشِفَ جَمِيعُهَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ قُبُلَانِ خُتِنَا إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلِيُّ، فَإِنْ شَكَّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْخُنْثَى، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:(قُلْتُ) خِتَانُ (الْخُنْثَى فِيهِ خِلَافٌ) صَحَّحَ النَّوَوِيُّ مِنْهُ حُرْمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ وُجُوبُهُ فِي فَرْجَيْهِ جَمِيعًا لِيُتَوَصَّلَ إلَى الْمُسْتَحَقِّ، وَعَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ إنْ أَحْسَنَ الْخَتْنَ خَتَنَ نَفْسَهُ، وَإِلَّا ابْتَاعَ أَمَةً تَخْتِنُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ
ــ
[حاشية العبادي]
بِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يَظْهَرُ أَيْضًا تَوْجِيهُ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبًا) قَالَ النَّاشِرِيُّ وَفِي مَعْنَى الْحُرِّ، وَالْمُكَاتَبِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ إنْ جَعَلْنَا كَسْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ، أَوْ الْمَشْرُوطِ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِمَالِكِهِ، فَلَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَإِنْ شِئْت قُلْتُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ، أَوْ الرَّقِيقُ الَّذِي كَسْبُهُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ.) قِيَاسُهَا الْأُولَى بِالْأَوْلَى
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ إلَخْ.) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَبَ الرَّقِيقَ، وَالسَّفِيهَ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَقْهَرُ الْإِمَامُ بَالِغًا إلَخْ.)، وَكَمَا يَجِبُ الْخِتَانُ يَجِبُ قَطْعُ السُّرَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى ثُبُوتُ الطَّعَامِ إلَّا بِهِ إلَّا أَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الصِّغَرِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: قَالُوا، وَلِأَنَّهُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى النَّظَرِ فِيهِ، وَلَعَلَّ
ــ
[حاشية الشربيني]
مِنْهُ
(قَوْلُهُ: أَوْ الْخَطَرُ فِيهِ فَقَطْ) هَذِهِ مَفْهُومَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: أَيْ: وَقْتَ لَا خَطَرَا) خَرَجَ حَالَةَ التَّسَاوِي هُنَا، فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْقَطْعُ فِيهَا، وَمِثْلُهُ الْفَصْدُ، وَالْحَجْمُ، وَالْخَتْنُ
(قَوْلُهُ: وَفَصْدِهِمَا إلَخْ.) هَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَإِنْ أُرِيدَ إدْخَالُهَا فِي كَلَامِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ مِنْ قَطْعِهَا مِنْ فِعْلِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ أَخْطَرَ إلَخْ. تَأَمَّلْ. (وَقَوْلُهُ: إلَّا الْوَالِدَ) أَيْ: لَا قَوَدَ لَكِنْ يَضْمَنُ الدِّيَةَ. اهـ. حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: نِصْفَ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ، وَغَيْرِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ إلَخْ.) ، وَلِأَنَّ الْعَوْرَةَ تُكْشَفُ لَهُ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمْ يَجُزْ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: صَحَّحَ النَّوَوِيُّ إلَخْ.) مُعْتَمَدٌ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ضَعِيفٌ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ.