الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمَالُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ فِدَاءٌ لَا يَمْلِكُونَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُهُ كَعَوْدٍ أَيْ: كَمَا يَحْرُمُ عَوْدُهُ إلَيْهِمْ وَإِنْ شَرَطَ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ شَرَطَا مَعْمُولٌ لِالْتَزَمَ وَلَوْ عَبَّرَ كَالْحَاوِي بِقَوْلِهِ وَإِنْ شَرَطَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ الْتَزَمَ كَفَى
(فَصْلٌ فِي) .
بَيَانِ (الْجِزْيَةِ)
تُطْلَقُ الْجِزْيَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ. قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أَيْ: لَا تَقْضِي وَجَمْعُهَا جِزًى كَفِرْيَةٍ وَفِرًى، وَالْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُ الْكَافِرَ الْأَمْنُ ثَلَاثَةٌ: أَمَانٌ وَهُدْنَةٌ، وَجِزْيَةٌ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَهُوَ الْأَمَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ كَأَهْلِ إقْلِيمٍ أَوْ بَلَدٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْهُدْنَةُ وَسَتَأْتِي أَوْ لَا إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ كَمَا مَرَّ كَذَا. قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تَأْمِينَ الْإِمَامِ غَيْرَ مَحْصُورِينَ لَا يُسَمَّى أَمَانًا، وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَصِحُّ فِي مَحْصُورِينَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَالْأَصْلُ فِي الْجِزْيَةِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]«وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا، وَإِهَانَةً لَهُمْ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ
وَلَهَا خَمْسَةُ أَرْكَانٍ صِيغَةٌ، وَعَاقِدٌ، وَمَعْقُودٌ لَهُ وَمَالٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَمَكَانٌ قَابِلٌ لِلتَّقْرِيرِ فِيهِ وَقَدْ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ (وَعَقْدُ جِزْيَةٍ) يَحْصُلُ (بِإِذْنٍ قَدْ صَدَرْ مِنْ نَائِبٍ) عَنْ الْإِمَامِ فِيهِ (أَوْ) مِنْ (الْإِمَامِ لِذَكَرْ حُرٍّ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) فِي الْقَرَارِ بِدَارِنَا فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْآحَادِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لَكِنْ لَوْ عَقَدُوهَا أَلْحَقَ الْمَعْقُودُ لَهُ بِمَأْمَنِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ وَلَا مِنْ الْإِمَامِ لِامْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ بَذْلَهَا لِحَقْنِ الدَّمِ وَهُوَ حَاصِلٌ لِهَؤُلَاءِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرُوِيَ لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَأَلْحَقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى فَلَوْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ فَهَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ؟ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْأَخْذُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَكْسِهِ كَمَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً، ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى عَقَدَ لَهُ الْجِزْيَةَ وَقَدْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ فَعَمِلْنَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ (قَدْ حَكَى بِبَعْضِ كُتْبِ أُنْزِلَتْ تَمَسُّكَا) أَيْ: لِذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ زَعَمَ التَّمَسُّكَ بِبَعْضِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَلَوْ صُحُفَ إبْرَاهِيمَ، وَزَبُورَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِتَقْيِيدِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ (مِثْلِ الْمَجُوسِ) لِزَعْمِهِمْ ذَلِكَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ وَتَقَدَّمَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَكَى إلَى آخِرِهِ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكَوَاكِبِ (مَا) أَيْ: زَعَمَ التَّمَسُّكَ بِكِتَابٍ وَمَا (عَلِمْنَا) أَنَّ (جَدَّهُ) الْأَعْلَى (اخْتَارَ) ذَلِكَ الدِّينَ (حِينَ نَسْخِهِ أَيْ: بَعْدَهُ) بِأَنْ جَهِلْنَا ذَلِكَ أَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ اخْتَارَهُ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ مَعَهُ وَلَوْ بَعْدَ تَبْدِيلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ اخْتَارَهُ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ
ــ
[حاشية العبادي]
فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ) (قَوْلُهُ: مِنْ نَائِبٍ) شَامِلٌ لِلْعَامِّ وَالْخَاصِّ كَأَحَدِ الرَّعِيَّةِ وَلَا يُقَالُ يَحْتَاجُ هَذَا الْعَقْدُ لِلنَّظَرِ وَآحَادُ الرَّعِيَّةِ لَا تَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْإِمَامِ حَاصِلٌ مَعَ الْإِنَابَةِ فِي الْعَقْدِ م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْآحَادِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ إنَابَةٍ لَهُ مِنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى عَقَدَ لَهُ الْجِزْيَةَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُعْقَدَ لَهُ الْجِزْيَةُ حَالَ خُنُوثَتِهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ لَعَلَّ صُورَتَهَا ذَلِكَ قِيلَ وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا أُجْرَةٌ وَهِيَ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَقْدٌ بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَوْ عُقِدَتْ لَهُ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ بِذُكُورَتِهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَلَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي اللُّزُومِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. اهـ.
وَلَك أَنْ تَقُولَ لَوْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَقْدٌ لَوَجَبَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ وَفِي عَقِبِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْآحَادِ وَعَلَى مَنْ بَلَغَ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لَهُ وَفِي التَّأْمِينِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْآحَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَأَمَّا فَرْقُ هَذَا الْقَائِلِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخُنْثَى وَالْحَرْبِيِّ بِأَنَّ الْخُنْثَى مُلْتَزِمٌ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَيْنَ جَاءَ لَهُ الِالْتِزَامُ؟ فَإِنْ قِيلَ بِالْعَقْدِ لَهُ تَبَعًا لِلذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ كَعَقَدْت لَكُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الذَّكَرِ مِنْكُمْ كَذَا قُلْنَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ كَالشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَقْدِ مَا يَشْمَلُ ذَلِكَ وَإِنْ قِيلَ بِتَأْمِينِهِ قُلْنَا مُجَرَّدُ التَّأْمِينِ لَا يُوجِبُ الْجِزْيَةَ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ: بَلْ لَا يَصِحُّ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي اللُّزُومِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ اعْتِبَارَ نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْخِلَافِ فِي اللُّزُومِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ اعْتِبَارِ نَفْسِ الْأَمْرِ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَلْ الِاخْتِلَافُ فِيهِ جَرَى فِي نَفْسِ الْبَيْعِ كَمَا قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ، وَلَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. اهـ.
فَتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ) مَعَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ (قَوْلُهُ: زَعَمَ التَّمَسُّكَ) بِبَعْضِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ ظَفِرْنَا بِقَوْمٍ وَادَّعَوْا أَوْ بَعْضُهُمْ التَّمَسُّكَ بِكِتَابٍ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ صَدَّقْنَا الْمُدَّعِينَ وَعَقَدَ لَهُمْ. اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّ دِينَهُمْ
ــ
[حاشية الشربيني]
كَهُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ شَرْحُ الْإِرْشَادِ
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْجِزْيَةِ]
(قَوْلُهُ: بِدَارِنَا) لَيْسَ بِشَرْطٍ فَقَدْ نُقِرُّهُمْ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ.
شَرْحُ م ر عَلَى ج
وَالصَّابِئَةُ مِنْ النَّصَارَى وَالسَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ يُقَرُّونَ بِهَا إنْ وَافَقُوهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ أَيْ: بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ
(وَلَوْ) عُقِدَتْ الْجِزْيَةُ لِمَنْ زَعَمَ التَّمَسُّكَ بِكِتَابٍ، ثُمَّ (أَسْلَمَ اثْنَانِ) مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ (وَجَادَ الْحَالُ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: وَحَسُنَ حَالُهُمَا بِحَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (وَشَهِدَا بِكُفْرِهِ) أَيْ: بِكَذِبِهِ فِيمَا زَعَمَهُ (يُغْتَالُ) وَلَا يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِتَدْلِيسِهِ وَالْأَمَانُ الْفَاسِدُ إنَّمَا يَمْنَعُ الِاغْتِيَالَ عِنْدَ ظَنِّ الْكَافِرِ صِحَّتَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (لَا إنْ تَوَثَّنَ) كِتَابِيٌّ عُقِدَ لَهُ الْجِزْيَةُ فَلَا يُغْتَالُ بَلْ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ عَلَقَةُ كَوْنِهِ كِتَابِيًّا، فَلَا تَزُولُ بِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ وَمَنْ يُخَافُ شَرُّهُ كَجَاسُوسٍ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْأَمَانِ
. (الْقَرَارَ) أَيْ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ يَحْصُلُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِمَنْ ذُكِرَ فِي الْقَرَارِ بِدَارِنَا (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْر تَأْقِيتٍ (أَوْ مَا يَشَاءُ) الْمَعْقُودُ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ نَبْذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ هَذَا بِمَا قَالُوهُ فِي الْهُدْنَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَادَنْتُكُمْ مَا شِئْتُمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَحْكُمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا مَعَ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ عَقْدَ الْهُدْنَةِ عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى مَا يُحْتَمَلُ تَأْبِيدُهُ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا (لَا) إنْ قَالَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مَا أَشَاءُ (أَنَا) أَوْ مَا شَاءَ زَيْدٌ (أَوْ) مَا شَاءَ (ذُو الْبَقَا) أَيْ: اللَّهُ تَعَالَى لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْقِيتِ مَعَ الْجَهْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» فَإِنَّمَا جَرَى فِي الْمُهَادَنَةِ لَا فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَوْلُ النَّظْمِ أَوْ ذُو الْبَقَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ (أَوْ أَقَّتُوا) عَقْدَ الْجِزْيَةِ فَلَا يَصِحُّ كَالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ (لَا إنْ بَغَى) أَيْ: طَلَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ (إقَامَةْ) لِلْكَافِرِ (فِي مَكَّةَ) أَوْ (الْمَدِينَةِ) أَوْ (الْيَمَامَةْ أَوْ فِي قُرَاهُنَّ) أَوْ مَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ وَغَيْرِهَا أَوْ هَذِهِ الْأَمْكِنَةُ هِيَ الْحِجَازُ (فَلَا يُمَكَّنْ) أَيْ: فَلَا يُقَرُّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِجِزْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِشَرَفِهَا وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجْلَاهُمْ مِنْ الْحِجَازِ وَأَقَرَّهُمْ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ حِجَازًا؛ لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ
وَلَا يَمْنَعُ مِنْ رُكُوبِ بَحْرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إقَامَةٍ بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ وَقُرَى الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ (كَوَجَّ وَالطَّائِفِ) لِمَكَّةَ وَكَخَيْبَرِ لِلْمَدِينَةِ، وَوَجٌّ وَادِي الطَّائِفِ وَتَعْبِيرُهُ بِوَجٍّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَجِّ (دُونَ الْيَمَنِ) فَيُقَرُّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحِجَازِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَمْ يُخْرِجْ عُمَرُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِخْرَاجِ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْحِجَازِ لِنَقْضِهِمْ الْعَهْدَ بِأَكْلِهِمْ الرِّبَا الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ (وَمِنْ دُخُولِ حَرَمِ اللَّهِ) الْمَكِّيِّ (مُنِعْ) أَيْ: الْكَافِرُ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا فَلَا يَدْخُلُهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] أَيْ: فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ لَكُمْ مِنْ قُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلَبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ (وَلِرَسُولِهِمْ) أَيْ: لِسَمَاعِ كَلَامِهِ (نَدَبْنَا مُسْتَمِعْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ أَيْ: بَعَثْنَا إلَيْهِ مُسْتَمِعًا يَسْتَمِعُ كَلَامَهُ وَيُبَلِّغُهُ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهِ إلَّا شِفَاهًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَوْ دَخَلَهُ كَافِرٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلَوْ بَذَلَ مَالًا لِيَدْخُلَهُ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فَإِنْ أُجِيبُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَإِنْ دَخَلَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْعِوَضُ
ــ
[حاشية العبادي]
لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ
(قَوْلُهُ: بِقِتَالٍ) وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فِي الْعَقْدِ قِتَالَهُ إنْ بَانَ كَذِبُهُ وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَحْكُمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) هَذَا التَّعْلِيلُ بِمُفْرَدِهِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا وَأَمَّا جَوَابُ الشَّارِحِ فَقَدْ يُعَارَضُ بِنَظِيرِهِ بِأَنْ يُقَالَ يُقَالُ مَوْضُوعُ الْجِزْيَةِ التَّأْبِيدُ وَتَفْوِيضُهَا إلَى مَشِيئَةِ الْكَافِرِ يُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا إلَى مَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَيُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ تَأْبِيدَ عَقْدِ الْهُدْنَةِ لَا سَبِيلَ إلَى تَمَكُّنِ الْكَافِرِ مِنْهُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا بِخِلَافِ نَقْضِ الْجِزْيَةِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّ الْكَافِرَ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَكَانَ الشَّرْطُ الْمُحْتَمِلُ لِذَلِكَ مُفْتَقِرًا فِي الْجِزْيَةِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْبِيدِ فِي الْهُدْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِرّ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا) لِصِحَّةِ التَّأْبِيدِ هُنَا (قَوْلُهُ: مَعَ الْجَهْلِ) لَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيلِ لِكِفَايَةِ التَّأْقِيتِ فِي الْفَسَادِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ أَقَّتُوا وَيُجَابُ بِأَنَّ ذِكْرَهُ زِيَادَةٌ فِي اقْتِضَاءِ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا جَرَى فِي الْمُهَادَنَةِ إلَخْ) اُنْظُرْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِرّ (قَوْلُهُ: يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ) قَدْ يُقَالُ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حِينَ الْعَقْدِ وَالْعِبْرَةُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ بِحَالِ الْعَقْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: أَوْ أَقَّتُوا) أَيْ: صَرِيحًا وَإِلَّا فَفِيمَا قَبْلَهُ تَأْقِيتٌ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ (قَوْلُهُ: وَنَجْرَانَ) مَعَ أَنَّهُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (قَوْلُهُ: وَوَجٍّ إلَخْ) كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ عَلَمٌ لِذَلِكَ الْوَادِي وَحِينَئِذٍ تَتَّضِحُ الْأَوْلَوِيَّةُ (قَوْلُهُ: حَرَمِ اللَّهِ مُنِعَ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَيُمْنَعُ الْمُرُورُ بِحَرَمِ مَكَّةَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَى الْبَلَدِ) لَكِنْ الْبَلَدُ بَعْضُ الْحَرَمِ
ــ
[حاشية الشربيني]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمُسَمَّى وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ
(وَنُخْرِجُ) نَحْنُ (الْمَرِيضَ وَالْمَدْفُونَا مِنْ حَرَمِ اللَّهِ) الْمَكِّيِّ أَوْ إنْ شَقَّ نَقْلُهُ أَوْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ فَإِنْ تَقَطَّعَ الْمَدْفُونُ تُرِكَ هُنَاكَ وَحَرَمُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ عَلَى سَبْعَةٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةٍ، وَمِنْ طَرِيقِ جِدَّةَ عَلَى عَشَرَةٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ
وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ
…
ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ
وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ
…
وَجِدَّةُ عَشْرٌ، ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ
، وَزَادَ الدَّمِيرِيِّ
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ وَكُرْزٌ لَهَا اهْتَدَى
…
فَلَمْ يَعُدْ سَبِيلُ الْحِلِّ إذْ جَالَ بُنْيَانَهْ
وَلَيْسَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ لِاخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ وَثَبَتَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ»
(وَيُمْنَعُونَا) أَيْ: الْكُفَّارُ (إقَامَةَ الْحِجَازِ) أَيْ: الْإِقَامَةَ بِهِ (خَارِجَ الْحَرَمْ) إذَا دَخَلُوهُ (مُدَّتَهَا) أَيْ: مُدَّةَ الْإِقَامَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٍ سَوَاءٌ دَخَلُوا لِمَصْلَحَةٍ أَمْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَكَّلَ مُسْلِمًا بِطَلَبِهِ، وَلَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى الْأُخْرَى وَيُقِيمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَمْ يُمْنَعْ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ لَهُ دُخُولَهُ بِغَيْرِ إقَامَةٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي دُخُولِهِ الْحَرَمَ وَإِنْ اسْتَأْذَنَ فِي دُخُولِهِ أَذِنَ لَهُ إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَنَا مِنْ رِسَالَةٍ أَوْ عَقْدِ هُدْنَةٍ أَوْ حَمْلِ مِيرَةٍ أَوْ مَتَاعٍ نَحْتَاجُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ كَبِيرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تِجَارَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي (إلَّا) الْإِقَامَةَ (لِمَنْ يَمْرَضُ ثُمَّ) أَيْ: فِي غَيْرِ الْحَرَمِ مِنْ الْحِجَازِ (وَشَقَّ نَقْلٌ) لَهُ (أَوْ عَلَيْهِ حُذِرَا) أَيْ: خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِيهِ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ مَاتَ فِيهِ وَدُفِنَ تُرِكَ وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ فِيهِ أَوْ سَهُلَ بِأَنْ كَانَ بِطَرَفِ الْحِجَازِ فَلَا، وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يُدْفَنُ فِيهِ وَقَالُوا إذَا تُرِكَ لِلْمَرَضِ فَلِلْمَوْتِ أَوْلَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَكِنْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ دُفِنَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ تَفْصِيلٌ جَيِّدٌ، أَمَّا غَيْرُ الْحِجَازِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ دُخُولُهُ بِالْأَمَانِ كَمَا مَرَّ
. (بِقَدْرِ) أَيْ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ يَحْصُلُ بِإِذْنِ مَنْ ذُكِرَ فِي الْقَرَارِ بِقَدْرِ (دِينَارٍ لَنَا أَوْ أَكْثَرَا) مِنْهُ فَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ (لِكُلِّ عَامٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ نَعَمْ إنْ مَضَى حَوْلٌ وَلَمْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ) إنْ كَانَ عَدَمُ الْمُقَابَلَةِ لِقِصَرِ الزَّمَنِ فَقَدْ يَكُونُ طَوِيلًا وَإِنْ كَانَ لِذَاتِ الْمَكَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَمْلُوكَ مِنْ الْحَرَمِ يَصِحُّ إيجَارُهُ لِلْمُسْلِمِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ يَقْبَلُ الْمُقَابَلَةَ فَلْيَقْبَلْهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَيْضًا، وَامْتِنَاعُ دُخُولِهِ لَا يُخْرِجُ الْمَكَانَ عَنْ قَبُولِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ أَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِغَصْبِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ) التَّحْدِيدُ مُبْتَدَأٌ وَلِلْحَرَمِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ خَبَرٌ وَسِتَّةُ أَمْيَالٍ عُطِفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقَوْلُهُ: عِرَاقٍ لَعَلَّهُ مَجْرُورٌ بِنَزْعِ الْجَارِ وَكَذَا وَجَدَّةَ وَقَوْلُهُ: عَشْرٌ عُطِفَ عَلَى ثَلَاثَةُ وَقَوْلُهُ: جِعْرَانَهْ عَلَى نَزْعِ الْجَارِ (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) قَالَ فِي الرَّوْضِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَيْ: إلْحَاقُهُ بِحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى أُخْرَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ وَقَوْلُهُ: وَيُقِيمُ فِي كُلِّ مَكَان دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَيْدٌ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ مَكَانَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ صَرَّحَ بِنَقْلِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضِ وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مَا نَصُّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَشَقَّ نَقْلٌ أَوْ عَلَيْهِ حَذَرَا) صَرِيحُ شَرْحِ الرَّوْضِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ مَشَقَّةِ النَّقْلِ أَوْ الْحَذَرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ الرَّوْضُ وَلَا يُنْقَلُ الْمَرِيضُ مِنْ الْحِجَازِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ. اهـ.
وَكَلَامُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ إلَخْ) لَمْ يَزِدْ فِي الرَّوْضِ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ وَلَا يُدْفَنُ فِي الْحِجَازِ إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِلَّا دُفِنَ فِيهِ وَزَادَ فِي الرَّوْضِ عَقِبَ ذَلِكَ فَلَوْ دُفِنَ لَمْ يُنْبَشْ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَعَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَرْفَعَ نَفْسَ قَبْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ دِينَارٍ لَنَا أَوْ أَكْثَرَ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِدِينَارٍ وَأَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فِيمَا يَظْهَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ وَجَازَ إنْ مَاكَسَ إلَخْ فَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا سَأَلَ فِي عَقْدِهَا بِدِينَارٍ يَجُوزُ بَلْ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَهُ فَيَطْلُبُ الزِّيَادَةَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى سُؤَالِ الْكَافِرِ فِي الدِّينَارِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِأَنَّ الدِّينَارَ أَقَلُّهَا بِذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَقَلِّ الْجِزْيَةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمَاكِسَ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْغَنِيِّ إلَخْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ إنَّمَا هِيَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ) أَيْ: عِنْدَ قُوَّتِنَا وَإِلَّا فَيَجُوزُ عَقْدُهَا بِدُونِهِ. اهـ.
ق ل
يَدْفَعْ الْإِمَامُ عَنْهُمْ مَا يَجِبُ لَهُمْ بِالْعَقْدِ مِنْ الذَّبِّ عَنْهُمْ لَمْ تَجِبْ جِزْيَةُ ذَلِكَ الْحَوْلِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ بِقَدْرِ دِينَارٍ صِحَّةُ الْعَقْدِ بِدِينَارٍ وَبِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَهُوَ ظَاهِرُ خَبَرِ مُعَاذٍ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَالْمَنْصُوصُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ عِوَضًا كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ قَدْرِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْ دِينَارٍ آخِرَ الْمُدَّةِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرَ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَجَازَ إنْ مَاكَسَ (دُونَ مَا لَمْ يَتَّصِلْ مِنْ الْجُنُونِ) بِأَنْ تَقَطَّعَ فَلَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ لِأَيَّامِهِ بَلْ تُلَفَّقُ أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةً أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ لَهَا نَعَمْ إنْ كَانَ زَمَنُ الْجُنُونِ يَسِيرًا كَسَاعَةٍ فِي شَهْرٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ (وَانْقِيَادٍ) أَيْ: بِقَدْرِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ وَبِانْقِيَادِهِمْ لِأَحْكَامِنَا الَّتِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهَا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ دُونَ غَيْرِهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ الْمَحَارِمَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ ذِكْرُهُمَا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَفُسِّرَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا، وَالصِّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا، فَيَقُولُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ أَقْرَرْتُكُمْ أَوْ أَذِنْت لَكُمْ فِي الْإِقَامَةِ بِدَارِنَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ كَفٍّ اللِّسَانِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ لِدُخُولِهِ فِي الِانْقِيَادِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَقْدُ الْجِزْيَةِ (إنْ قَبِلْ) أَيْ: الْمَأْذُونُ لَهُ وَكَالْقَبُولِ الِاسْتِيجَابُ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ عَقْدَهَا بِلَا مَكِيدَةٍ
. (وَأُخِذَتْ) أَيْ: الْجِزْيَةُ (لِمَا مَضَى) مِنْ الْعَامِ (إنْ أَسْلَمَا) أَيْ: الْمَأْذُونُ لَهُ (أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ) فِي أَثْنَائِهِ إذْ وُجُوبُهَا بِالسُّكْنَى فَإِذَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَجَبَ قِسْطُهُ كَالْأُجْرَةِ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ فَتَرِكَتُهُ كُلُّهَا فَيْءٌ فَلَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ أَخَذَ مِنْ نَصِيبِ الْوَارِثِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْجِزْيَةِ وَسَقَطَتْ حِصَّةُ بَيْتِ الْمَالِ
(وَسَوِّهِ) أَيْ: الْمَأْخُوذَ جِزْيَةً مِمَّنْ لَزِمَتْهُ (بِمَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ) أَيْ: لِآدَمِيٍّ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا أُجْرَةٌ حَتَّى لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ، أَوْ مَاتَ وَضَاقَ مَالُهُ عَنْ دَيْنِهِ وُزِّعَ عَلَى الْكُلِّ بِالْقِسْطِ، أَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجِزْيَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ الْمُسَاوِي لَهَا
(وَلَسْنَا نَأْخُذُ قِسْطًا) مِنْهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ لِمَا مَضَى مِنْهُ (مِنْ أَهْلِ جِزْيَةٍ لَمْ يَنْبِذُوا) الْعَهْدَ بَلْ نَأْخُذُ الْكُلَّ آخِرَ الْعَامِ اتِّبَاعًا لِسِيرَةِ الْأَوَّلِينَ فَإِنْ نَبَذُوا الْعَهْدَ فِي أَثْنَائِهِ أَخَذْنَا مِنْهُمْ قِسْطَ مَا مَضَى مِنْهُ وَقَوْلُهُ لَمْ يَنْبِذُوا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ الْقِسْطَ حِينَئِذٍ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى الْأَخْذِ
(وَتِلْكَ) أَيْ: الْجِزْيَةُ بَاقِيَةٌ (فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ) وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهَا (إلَى يَسَارِهِ بِهَا) فَتُؤْخَذُ مِنْهُ (وَلَا تَدَاخُلَا) لِجِزْيَةِ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ
ــ
[حاشية العبادي]
عِنْدَ الْعَقْدِ فِي آخِرِ الْعَامِ، ثُمَّ إنَّ الْكَافِرَ إنْ صَمَّمَ عَلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الدِّينَارِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الزِّيَادَةِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَسَتَعْلَمُ مِنْ الْحَاشِيَةِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ قَدْ تَكُونُ فِي آخِرِ الْعَامِ بِأَنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ عِوَضًا) وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ خَبَرِ مُعَاذٍ (قَوْلُهُ: بَلْ تُلَفَّقُ أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إنْ أَمْكَنَ أَيْ: التَّلْفِيقُ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ أَوْ وَيَوْمَيْنِ، ثُمَّ قَالَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّلْفِيقُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَجْنُونِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلَا أَثَرَ لِيَسِيرِهِ أَيْ: زَمَنِ الْجُنُونِ كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: الَّتِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهَا) فِي وَصْفِ الْأَحْكَامِ بِهَذَا مَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأُمُورُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهَا بِقَرِينَةِ التَّمْثِيلِ (قَوْلُهُ: وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا) قَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّهُ لَا صِغَارَ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا مَعَ تَقْيِيدِهَا بِمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ إذْ لَا صَغَارَ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْتِزَامِ مَا يَعْتَقِدُهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الصَّغَارَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ إلْزَامِنَا وَالْإِنْسَانُ لَا يَحْتَمِلُ إلْزَامَ غَيْرِهِ لَهُ وَتَسَلُّطَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِمَا يَعْتَقِدُهُ بَقِيَ أَنَّ وَصْفَ الْأَحْكَامِ هُنَا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِيَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قُلْتُ وَعَيْبُ ذَا مَا نَصُّهُ أَيْ: وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ. اهـ.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ لَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِنَادُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَالتَّسَلُّطُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا أَشَارَ إلَى جَوَابٍ آخَرَ وَسَتَنْظُرُهُ بِهَامِشِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِدُخُولِهِ فِي الِانْعِقَادِ) قَدْ يُسْتَشْكَلُ فِي كَفِّ اللِّسَانِ عَنْ رَسُولِهِ وَدِينِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُمْ لَوْ سَبُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنْ شَرَطَ انْتِقَاضَ الْعَهْدِ بِذَلِكَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ كَفَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِاشْتِرَاطِهِ وَأَمَّا انْتِقَاضُ عَهْدِهِمْ بِذَلِكَ فَلَا يَكْفِي فِيهِ لُزُومُ ذَلِكَ لَهُمْ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ وَلَا التَّصْرِيحُ فِي الْعَقْدِ بِاشْتِرَاطِ كَفِّهِمْ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي الْعَقْدِ بِاشْتِرَاطِ الِانْتِقَاضِ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَسَقَطَتْ حِصَّةُ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ لَمْ تَقِلَّ بِالرَّدِّ عَلَى الْوَارِثِ غَيْرِ الْمُسْتَغْرَقِ وَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْفُصُولِ مَا نَصُّهُ وَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِالرَّدِّ وَبِإِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجِزْيَةِ) أَيْ: بَعْدَ الْمَوْتِ بِرّ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى الْأَخْذِ) هُوَ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ) أَيْ: حَتَّى تَكُونَ كَالزَّكَاةِ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ إلَخْ) حَمَلَهُ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ
كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَلَوْ أَعْسَرَ سِنِينَ أَخَذْنَا جِزْيَةَ الْكُلِّ إذَا أَيْسَرَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ وَعِوَضًا عَنْ السُّكْنَى وَقَدْ حَصَلَا
(وَجَازَ) لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ (أَنْ مَاكَسَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ: مُمَاكَسَةُ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ أَيْ: مُشَاحَّتُهُ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوِتَ فَيَأْخُذَ مِنْ فَقِيرٍ دِينَارًا، وَمِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ وَمِنْ غَنِيٍّ أَرْبَعَةً، وَيُعْتَبَرُ الْغِنَى وَضِدُّهُ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَا فَقِيرٌ أَوْ مُتَوَسِّطٌ قُبِلَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ (لِوَلِيِّ) شَخْصٍ (ذِي سَفَهٍ) بِأَنْ عَقَدَ عَنْهُ فَإِنَّهُ تَمْتَنِعُ مُمَاكَسَتُهُ وَيُقْنِعُ مِنْهُ بِدِينَارٍ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَيَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ أَنْ يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لِمَصْلَحَةِ حَقْنِ الدَّمِ نَعَمْ إنْ الْتَزَمَ زِيَادَةً عَلَى الدِّينَارِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ، وَعِبَارَةُ الْحَاوِي لَا لِسَفِيهٍ وَهِيَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا عَقْدَ السَّفِيهِ لِنَفْسِهِ، وَعَقْدَ وَلِيِّهِ لَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَأَرَادَ السَّفِيهُ الِالْتِحَاقَ بِالْمَأْمَنِ وَأَرَادَ وَلِيُّهُ عَقْدَ الْجِزْيَةِ فَالْمُتَّبَعُ رَأْيُ السَّفِيهِ، ثُمَّ (إنْ يَمْتَنِعْ) مَنْ مُوكِسٍ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّينَارِ (فَلْيَقْبَلْ) مِنْهُ الْمُمَاكِسُ لَهُ الدِّينَارَ وُجُوبًا (فَإِنْ يَزِدْ) عَلَى دِينَارٍ، ثُمَّ يَنْدَمْ (لَمْ يَنْتَفِعْ بِالنَّدَمِ) كَمَا لَوْ بَانَ لِلْمُشْتَرِي الْغَبَنُ وَكَانَ بِمَنْعِهِ الزِّيَادَةَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ نَفَعَهُ النَّدَمُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي تَحْرِيرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ، أَمَّا مَا اسْتَقَرَّ وَاجِبُهُ فَلَا يُغَيَّرُ
. (وَزَيْدُهُ) أَيْ: وَجَازَ بَلْ سُنَّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ زِيَادَتُهُ عَلَى مَا الْتَزَمُوهُ مِنْ الْجِزْيَةِ (ضِيَافَةً لِمُسْلِمِ مَرَّ) بِهِمْ (ثَلَاثَةٌ) مِنْ الْأَيَّامِ (وَدُونَهَا) عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ لَا فَقِيرٍ؛ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَيَسَّرُ لِلْفَقِيرِ الْقِيَامُ بِهَا، وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» (ذَكَرْ) فِي الْعَقْدِ (عَدًّا) أَيْ: عَدَدَ أَيَّامِ الضِّيَافَةِ كَمِائَةِ يَوْمٍ فِي الْعَامِ وَعَدَدِ أَيَّامِ الْإِقَامَةِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَعَدَدِ الضِّيفَانِ رِجَالًا وَفُرْسَانًا، كَأَنْ يَقُولَ أَلْفُ رَجُلٍ فِي الْعَامِ الْفُرْسَانُ كَذَا وَالرَّجَّالَةُ كَذَا، ثُمَّ هُمْ يَتَوَزَّعُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِذَا تَفَاوَتُوا فِي الْجِزْيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ فَيَجْعَلَ
ــ
[حاشية العبادي]
مُتَّجَهٌ إنْ قَسَمَ مَالَهُ وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَعَ أَخْذِ الْقِسْطِ لَا يَسْقُطُ الْبَاقِي إذْ لَا مُوجِبَ لِسُقُوطِهِ
(قَوْلُهُ: وَجَازَ أَنْ مَاكَسَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ تَارَةً تَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَتَارَةً تَكُونُ عِنْدَ الْأَخْذِ فَالْأُولَى أَنْ يُمَاكِسَهُ حَتَّى يَعْقِدَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ فَإِنْ أَجَابَ إلَى الْأَكْثَرِ وَجَبَ الْعَقْدُ بِهِ كَمَا لَوْ أَجَابَ إلَيْهِ بِدُونِ مُمَاكَسَةٍ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُجِيبُ إلَيْهِ وَإِنْ أَبَى وَجَبَ الْعَقْدُ لَهُ بِدِينَارٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَعْقِدَ لَهُ بِدِينَارٍ، ثُمَّ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ يُمَاكِسُهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخْذِ مَا عَقَدَ بِهِ حَتَّى لَوْ عَقَدَ لِفَقِيرٍ بِدِينَارٍ وَصَارَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ غَنِيًّا أَوْ مُتَوَسِّطًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى الدِّينَارِ وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَوْصَافِ كَعَقَدْت لَكُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَالْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ وَالْفَقِيرِ دِينَارًا مَثَلًا، ثُمَّ فِي آخِرِ الْحَوْلِ يُمَاكِسُ مَنْ يَسْتَوْفِي مِنْهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مُتَوَسِّطٌ فَيَقُولُ لَهُ بَلْ أَنْتَ غَنِيٌّ فَعَلَيْك أَرْبَعَةٌ مَثَلًا أَوْ أَنْتَ مُتَوَسِّطٌ فَعَلَيْك دِينَارَانِ مَثَلًا فَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْغَنِيِّ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْبَعَةُ أَوْ الدِّينَارَانِ مَثَلًا وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُ مُوجِبُ الْفَقِيرِ مَا لَمْ يَثْبُتْ غِنَاهُ أَوْ تَوَسُّطُهُ بِطَرِيقِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ جَائِزٌ، وَمَنْ ذَكَرَ الْمُمَاكَسَةَ عِنْدَ الْأَخْذِ يَحْمِلُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْعِبْرَةُ بِالْغَنِيِّ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَعْيَانِ أَيْضًا بَلْ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا مَا عَقَدَ بِهِ مُطْلَقًا كَذَا حَقَّقَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوِتَ إلَخْ) مِنْهُ تَسْتَفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ لِلْفَقِيرِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ بِرّ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْ يُعْهَدُ لَهُ مَالٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ مُمَاكَسَتُهُ) شَامِلٌ لِلْمُمَاكَسَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلِمُمَاكَسَتِهِ عِنْدَ الْأَخْذِ بِأَنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيّ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ زِيَادَةً عَلَى الدِّينَارِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ زِيَادَةٌ إذَا عُقِدَ عَقْدٌ عَلَى الْأَوْصَافِ فَكِلَا الْمُمَاكَسَتَيْنِ مُمْتَنِعَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ نَفَعَهُ النَّدَمُ (قَوْلُهُ: فَلَا يُغَيِّرُ) بَقِيَ مَا لَوْ حَصَلَ النَّدَمُ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ
(قَوْلُهُ: لِمُسْلِمٍ) بَحَثَ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلنَّدْبِ لَا الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ) أَيْ: لَا تُنْدَبُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَإِنْ وَقَعَ تَوَافُقٌ عَلَى زِيَادَةٍ جَازَ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: ذَكَرَ فِي الْعَقْدِ عَدَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ كُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ إذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمِائَةِ يَوْمٍ) وَقَوْلُهُ: الْآتِي كَأَنْ يَقُولَ أَلْفُ رَجُلٍ فِي الْعَامِ هَلْ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمِثَالِ أَنَّ ضِيَافَةَ الْأَلْفِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْمِائَةِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ ضَيَّفُوا فِي الْمِائَةِ دُونَ أَلْفٍ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ فِي الْمِائَةِ إلَّا دُونَ الْأَلْفِ فَمَا الْحُكْمُ هَلْ يُؤْخَذُ التَّفَاوُتُ أَوْ يَسْقُطُ أَوْ يَلْزَمُهُمْ ضِيَافَةُ تَمَامِ الْأَلْفِ فِي أَيَّامٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْمِائَةِ فِيهِ نَظَرٌ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ ضِيَافَةَ مَجْمُوعِ الْأَلْفِ فِي مَجْمُوعِ الْمِائَةِ حَتَّى لَوْ ضَيَّفُوا مِائَةً فِي تِسْعِينَ يَوْمًا وَبَقِيَّةَ الْأَلْفِ فِي الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ خَرَجُوا عَنْ الْعُهْدَةِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُ
ــ
[حاشية الشربيني]
عَلَى مَا إذَا قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْسِمْ
(قَوْلُهُ: بَلْ يُسَنُّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى شَرْطِ الضِّيَافَةِ، وَعَلِمَ قَبُولَهُمْ لَهَا وَنَقَلَ م ر فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ عَنْ الْمَطْلَبِ أَنَّ الضِّيَافَةَ كَالْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الدِّينَارِ إنْ قَدَرَ عَلَى شَرْطِهِ وَجَبَ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ. اهـ.
لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي الْمِنْهَاجِ
(قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ: وَمَا زَادَ
عَلَى الْغَنِيِّ عِشْرِينَ مَثَلًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَشَرَةً، وَلَا يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ فِي جِنْسِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ أَطْعِمَةً فَاخِرَةً أَجْحَفَ الضِّيفَانِ بِالْأَغْنِيَاءِ (وَلِلطَّعَامِ وَالْأُدْمِ) بِزِيَادَةِ اللَّامِ تَقْوِيَةً لِلْعَامِلِ الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ (قَدَرْ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ لُغَةٌ فِي قَدَّرَ بِتَشْدِيدِهَا أَيْ: وَقَدَرَ الطَّعَامَ وَالْأَدَمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رَطْلٍ أَوْ رَطْلَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ (وَ) ذَكَرَ (جِنْسَهُ) أَيْ: جِنْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ لَحْمٍ، أَوْ زَيْتٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ غَيْرِهَا بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ (كَمَنْزِلٍ) أَيْ: كَمَا يَجِبُ ذِكْرُ مَنْزِلٍ لَلضِّيفَانِ (وَعَلَفِ) لِدَوَابِّهِمْ فَفِي الْمَنْزِلِ يَذْكُرُ مَا يَقِيهِمْ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ كَكَنَائِسِهِمْ، وَفُضُولِ مَنَازِلِهِمْ أَوْ بُيُوتِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا ضِيَافَةَ عَلَيْهِمْ وَتُعْلَى الْأَبْوَابُ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا كَمَا شَرَطَهُ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، وَفِي الْعَلَفِ يَذْكُرُ الْحَشِيشَ أَوْ الْقَتَّ، أَوْ التِّبْنَ، وَالشَّعِيرَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرِ الْعَلَفِ فَإِنْ ذَكَرَ الشَّعِيرَ بَيَّنَ قَدْرَهُ، وَإِطْلَاقُ الْعَلَفِ لَا يَقْتَضِي الشَّعِيرَ (وَإِنْ رَضُوا) بِجَعْلِ الضِّيَافَةِ نَقْدًا (يَنْقُدُ) أَيْ: الْإِمَامُ يَعْنِي يَجْعَلُهَا نَقْدًا وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّ الضِّيَافَةَ قَدْ تَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ (وَذَا) أَيْ: النَّقْدُ الْمَأْخُوذُ عَنْ الضِّيَافَةِ (مَالٌ يَفِي) أَيْ: فَيْءٌ يُصْرَفُ لِأَهْلِهِ خَاصَّةً كَالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الدِّينَارُ، وَيُخَالِفُ الضِّيَافَةَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ وَلَيْسَ لِلضَّيْفِ طَلَبُ بَدَلِ الضِّيَافَةِ وَلَهُ أَخْذُ الطَّعَامِ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ فَإِنَّهُ مَكْرَمَةٌ وَلَا يُطَالِبُهُمْ بِطَعَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَوْ لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِ الْيَوْمِ فَلَيْسَ لِلضَّيْفِ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الْغَدِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْحَمَّامِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ.
وَلَوْ تَنَازَعُوا فِي إنْزَالِ الضَّيْفِ فَالْخِيَارُ لَهُ وَلَوْ تَزَاحَمَ الضِّيفَانُ عَلَى ذِمِّيٍّ فَالْخِيَار لَهُ وَلَوْ قَلَّ عَدَدُهُمْ وَكَثُرَ الضِّيفَانُ فَالسَّابِقُ أَحَقُّ فَإِنْ تَسَاوَوْا أَقْرَعَ وَلْيَكُنْ لَهُمْ عَرِيفٌ يُرَتِّبُ أَمْرَهُمْ
(وَ) جَازَ (ضَرْبُ لِهَزْمٍ وَأَخْذِ اللِّحْيَةِ مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ لِدَفْعِ الْجِزْيَةِ) يَعْنِي لِقَابِضِ الْجِزْيَةِ عِنْدَ دَفْعِهَا لَهُ أَنْ يُهِينَ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ قَاعِدًا، وَالدَّافِعُ لَهَا وَاقِفًا مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ فَيَأْخُذَ بِلِحْيَتِهِ وَيَضْرِبَ لِهْزِمَتَيْهِ وَهُمَا مَجْمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ وَالْأُذُنِ وَيَقُولَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَدِّ حَقَّ اللَّهِ وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الصَّغَارَ فِي الْآيَةِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ بِالْكَفِّ مَفْتُوحَةً قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكْفِيَ الضَّرْبُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ وَهَذِهِ الْهَيْئَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ (قُلْتُ وَعُيِّبَ ذَا) عَلَى قَائِلِهِ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً وَلَا نَعْلَمُ لَهَا أَصْلًا مُعْتَمَدًا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ بِرِفْقٍ كَأَخْذِ الدُّيُونِ أَيْ: وَيَكْفِي فِي الصِّغَارِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ وَبِهَذَا فَسَّرَ الْأَصْحَابُ الصَّغَارَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَصْحِيحِهِمْ
ــ
[حاشية العبادي]
الْأَمْرَيْنِ بِشَرْطِ الْبَيَانِ
(قَوْلُهُ: وَذِكْرِ جِنْسِهِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتُ خِلَافُ ظَاهِرِ خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَخْ) وَلَوْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ أَحَدٌ سَنَةً لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ عُبَابٌ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلضَّيْفِ الْمُطَالَبَةُ) قِيلَ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَقَضِيَّتُهُ سُقُوطُهُ مُطْلَقًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ إنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فَلَا يُحْسَبُ هَذَا مِنْهَا، أَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ ضِيَافَةَ عَشَرَةٍ مَثَلًا كُلَّ يَوْمٍ فَفُوِّتَتْ ضِيَافَةُ الْقَادِمِينَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُؤْخَذُ بَدَلُهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَيُحْتَمَلُ سُقُوطُهَا وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الضِّيَافَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَبِيرُ جَدْوَى. اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَلَا يُحْسَبُ هَذَا مِنْهَا مُتَّجَهٌ جِدًّا لَكِنْ قَدْ يُنَافِيهِ أَنَّهُمْ عَقَّبُوا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ بِقَوْلِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ. اهـ.
إذْ قَضِيَّةُ ذَلِكَ سُقُوطُهُ وَإِلَّا جَازَ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ جِزْيَةٌ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ (فَرْعٌ)
وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ الْفَاكِهَةُ الْغَالِبَةُ فِي وَقْتِهَا وَتَزْوِيدُ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عُبَابٌ
(قَوْلُهُ: أَيْ: وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ) هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَضَى عِنْدَ قَوْلِ الْمَاتِنِ وَانْقِيَادٍ وَمِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَبِانْقِيَادِهِمْ لِأَحْكَامِنَا الَّتِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهَا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ إلَخْ لِأَنَّا نَقُولُ نَحْنُ لَا نُؤَاخِذُهُمْ إلَّا بِمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ وَلَكِنْ نُقِيمُ عَلَيْهِمْ أَحْكَامَهُ عِنْدَنَا مِنْ الْقَطْعِ وَالرَّجْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَ تَرَتُّبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ صَرَّحَ بِأَنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَرَضَوْا بِحُكْمِنَا وَنَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ الْبُرُلُّسِيِّ (تَنْبِيهٌ)
قَالَ فِي الْعُبَابِ وَلَوْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ الْجِزْيَةَ أَوْ دَيْنَ مُسْلِمٍ مِنْ مَالٍ بِيَدِهِ لَمْ نَعْلَمْ حُرْمَتَهُ وَجَبَ قَبُولُهُ أَوْ نَعْلَمُهُ كَأَنْ بَاعَ خَمْرًا عِنْدَهُ وَقَبَضَهُ حَرُمَ قَبُولُهُ وَإِنْ أَخْبَرَهُ الذِّمِّيُّ بِهِ فَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ: حَرُمَ قَبُولُهُ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُكَلَّفُونَ
ــ
[حاشية الشربيني]
صَدَقَةٌ. اهـ.
م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِوَلَدِهِ فَإِنْ شَرَطَ فَوْقَهَا مَعَ رِضَاهُمْ جَازَ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ حِينَئِذٍ حُكْمُ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلضَّيْفِ إلَخْ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ: فَهِيَ مُوَاسَاةٌ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ. اهـ.
م ر فِي حَاشِيَتِهِ
(قَوْلُهُ: بَاطِلَةٌ) بَلْ هِيَ حَرَامٌ إنْ تَأَذَّى بِهَا وَإِلَّا كُرِهَتْ. اهـ.
م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ وق ل عَلَى الْجَلَالِ وَظَاهِرُهُ حَتَّى لَطْمَ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ) وَهُوَ إلْزَامُهُمْ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ
أَوَّلَ الْبَابِ
(وَلَوْ تَوَكَّلَا) أَيْ: الْمُسْلِمُ فِي دَفْعِهَا عَمَّنْ لَزِمَتْهُ (أَوْ ضَمِنَ الْمُسْلِمُ عَنْهُ) ذَلِكَ (قُبِلَا) أَيْ: صَحَّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ عُقُوبَةِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ فَالتَّوْكِيلُ، وَالضَّمَانُ فِي الْعُقُوبَةِ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا
(وَيُضَعِّفُ الزَّكَاةَ عَنْهُ) أَيْ: وَلِلْإِمَامِ إذَا قَالُوا نُعْطِي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ أَنْ يُضَعِّفَ الزَّكَاةَ (بَدَلَا) عَنْ الدِّينَارِ إذَا كَانَ ذَلِكَ (مَصْلَحَةً) وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ، وَاسْمُ الْجِزْيَةِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رضي الله عنه فِي نَصَارَى الْعَرَبِ لَمَّا قَالُوا لَهُ نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّيهِ الْعَجَمُ فَخُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الزَّكَاةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فِيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ صَالَحْتُكُمْ عَلَى ضِعْفِ الصَّدَقَةِ أَوْ جَعَلْته عَلَيْكُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ بِالْمَالِ الزَّكَوِيِّ وَقَدْرِ الزَّكَاةِ فَيَأْخُذُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَيْنِ وَفِي عَشْرٍ أَرْبَعًا وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَيْنِ وَفِي ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعَيْنِ وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا وَخُمُسَ الْمُعْشِرَاتِ إنْ سُقِيَتْ بِلَا مُؤْنَةٍ وَعُشْرَهَا إنْ سُقِيَتْ بِمُؤْنَةٍ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ عَنْهُ بَدَلًا أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ النِّصَابِ قِسْطُهُ كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ شَاةً وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ، فَإِنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَهَلْ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُقَرُّ بِلَا جِزْيَةٍ وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ بَعْضِهِمْ بِلَا مَالٍ وَأَجْرَى الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ الْتَزَمَ وَاحِدٌ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَنْهُ وَعَنْ تِسْعَةٍ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا
(وَهَلْ كَذَا الْجُبْرَانُ) أَيْ: وَهَلْ يَجُوزُ تَضْعِيفُ الْجُبْرَانِ الْجَوَابُ (لَا) لِئَلَّا يَكْثُرَ التَّضْعِيفُ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ أَخْرَجَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ، أَوْ حِقَّتَيْنِ مَعَ أَخْذِهِ فَيُعْطِي فِي النُّزُولِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ يُضَعِّفُهُ فَيُعْطِي فِي النُّزُولِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَرْبَعَ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذَ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ (فَزَادَ إنْ عَنْ قَدْرِ دِينَارٍ نَزَلْ) أَيْ: وَإِذَا عَقَدَ الْإِمَامُ الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ زَادَ عَلَى الضِّعْفِ حَتَّى يَبْلُغَ دِينَارًا إنْ نَقَصَ الضِّعْفُ عَنْ قَدْرِ دِينَارٍ (لِكُلِّ رَأْسٍ) ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ سُمِّيَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ فَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضُوا بِالْمَعْنَى (وَلْيُنَصِّفْ) أَيْ: وَجَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّفَ الزَّكَاةَ (إنْ عَدَلْ) نِصْفُهَا دِينَارًا أَيْ: وَفَّى بِهِ لِكُلِّ رَأْسٍ فَيَأْخُذَ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بَعِيرًا بِنْتَ لَبُونٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ تَضْعِيفُهَا وَلَا تَنْصِيفُهَا فَيَجُوزُ تَرْبِيعُهَا وَتَخْمِيسُهَا وَنَحْوُهُمَا عَلَى مَا يَرَوْنَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي الزُّرُوعِ وَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِعْفَ الزَّكَاةِ مَثَلًا وَزَادَ عَلَى دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، ثُمَّ سَأَلُوهُ إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ، وَإِعَادَةَ اسْمِ الْجِزْيَةِ أُجِيبُوا عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ
(وَ) لِلْإِمَامِ (أَخْذُ عُشْرٍ مِنْ) بِضَاعَةِ (كَفُورٍ) أَيْ: كَافِرٍ حَرْبِيٍّ أَوْ ذِمِّيٍّ (جَالِبِ) لَهَا لِلتِّجَارَةِ (إلَى الْحِجَازِ وَمِنْ) بِضَاعَةِ (الْمُحَارِبْ) أَيْ: الْحَرْبِيِّ الْجَالِبِ لِغَيْرِ الْحِجَازِ وَيَأْخُذُهُ
ــ
[حاشية العبادي]
بِالْفُرُوعِ خِلَافًا لِمَا أَجَابَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ قَالَ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَسْلَمَا لَحَلَّتْ الدَّرَاهِمُ لَهُ قَالَ وَهَذَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ تَقْرِيرَ الذِّمِّيِّ عَلَى ثَمَنِ الْخَمْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ رُخْصَةٌ كَمَا يُقَرُّ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ تَقْرِيرِهِ فِيمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِرُخْصَةٍ وَلِهَذَا لَا نُفْتِيهِمْ بِجَوَازِهِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ مَعَ كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: وَيُضَعِّفُ الزَّكَاةَ عَنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِبَدَلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: فَيَأْخُذُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ) وَيَأْخُذُ مِنْ مِائَتَيْنِ أَيْ: مِنْ الْإِبِلِ ثَمَانَ حِقَاقٍ أَوْ عَشَرَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا يَأْخُذُ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَشْقِيصَ أَيْ: هُنَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ) الَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ قِيَاسُ بَابِ الزَّكَاةِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالتَّوَسُّطِ آخِرَ الْحَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ تَرْجِيحُ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ فِي الصُّعُودِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ ذَلِكَ) هَذَا الْمَحَلُّ يَجِبُ إصْلَاحُهُ فَإِنَّ تَضْعِيفَ الْجُبْرَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ خَاصٌّ بِالنُّزُولِ دُونَ الصُّعُودِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا إذْ كَيْفَ يُعْقَلُ الْقَوْلُ بِأَنَّا نُضَعِّفُ لِلْكَافِرِ الْجُبْرَانَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَّا لِأَجْلِ صُعُودِهِ هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ ذَاهِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بُرُلُّسِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إنْ عَنْ قَدْرِ دِينَارٍ نَزَلَ) وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ زِيَادَةَ شَيْءٍ عَلَى الدِّينَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ لِأَجْلِ سُقُوطِ الِاسْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَحَطِّ الصِّغَارِ عَنْهُمْ بِرّ
(قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ أَخْذُ عَشَرٍ مِنْ كَفُورٍ)
ــ
[حاشية الشربيني]
مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ، ثُمَّ رَأَيْت ذَلِكَ بِخَطِّ سَبْطٍ الطَّبَلَاوِيِّ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ
(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ) هُوَ الْأَصَحُّ فِي غَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ. اهـ. م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ كَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ بَقَاءُ مُوسِرٍ بِلَا جِزْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ هُنَا لِلْأَشْخَاصِ بَلْ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ هَلْ يَفِي بِرُءُوسِهِمْ أَوْ لَا؟ . اهـ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُكْثِرَ التَّضْعِيفَ) أَيْ: لِئَلَّا يُضَعِّفَ الضِّعْفَ. اهـ.
(فِي الْعَامِ مَرَّةً) وَاحِدَةً (وَإِنْ تَكَرَّرَا) جَلَبَهُ فِي الْعَامِ كَمَا فِي الْجِزْيَةِ هَذَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ وَأَطْلَقَ فَقِيلَ كَذَلِكَ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ (وَفَوْقَهُ وَنِصْفَهُ) بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ عُشْرٍ أَوْ لَفْظِهِ أَيْ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ الْعُشْرِ إنْ رَضِيَ بِهِ الْكَافِرُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الْجِزْيَةِ عَلَى دِينَارٍ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْعُشْرِ (عَمَّا يَرَى لَنَا إلَيْهِ حَاجَةً) كَالْغَلَّةِ لِيُكْثِرَ جَالِبُهَا (أَوْ أَهْمَلَهْ) أَيْ: وَلَهُ أَنْ يُهْمِلَ الْأَخْذَ أَصْلًا إنْ رَأَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ لِاتِّسَاعِ الْمَكَاسِبِ وَغَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِ بِالْمُحَارِبِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تِجَارَتِهِ شَيْءٌ فِي غَيْرِ الْحِجَازِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَيَانِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مَعَ الْجِزْيَةِ شَيْئًا مِنْ تِجَارَتِهِ بِرِضَاهُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ
(وَأَنْ يُقِرَّ بِالْخَرَاجِ الْمِلْكَ لَهُ) أَيْ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ مِلْكَ الْكَافِرِ فِي يَدِهِ بِخَرَاجٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْخَرَاجَ كَالْعُشْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْجِزْيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْجِزْيَةُ لَكِنَّهَا جُعِلَتْ عَلَى الْمِلْكِ فَيُقِرُّهُ الْإِمَامُ بِخَرَاجٍ عَلَى مِلْكِهِ أَيْ: عَلَى أَرْضِهِ كَقَفِيزٍ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ مِنْهَا يُؤَدِّيهِ إلَيْنَا كُلَّ عَامٍ سَوَاءٌ زَرَعَهَا أَمْ لَا وَلَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَإِجَارَتُهَا مَعَ بَقَاءِ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (إلَى الْهُدَى) أَيْ: إلَى إسْلَامِهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ مَصْرِفُهُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ دِينَارًا عَنْ كُلِّ حَالِمٍ عِنْدَ التَّوْزِيعِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرَاضِيِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ هَذَا إذَا صَالَحْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ (لَا إنْ مَلَكْنَاهُ) بِأَنْ فَتَحْنَاهُ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا عَلَى أَنَّهُ لَنَا (وَرَدْ) أَيْ: وَرَدَّهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ (بِهِ) أَيْ: بِالْخَرَاجِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ وَالْمَأْخُوذَ أُجْرَةٌ كَمَا قَالَ.
(قُلْتُ ذَا أَجْرٌ فَلَا نَرْعَى الْعَدَدْ) فِيهِ بَلْ يَجُوزُ نَقْصُهُ عَنْ دِينَارٍ لِكُلِّ رَأْسٍ وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مَعَهُ وَالْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ مُؤَبَّدَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ لِلْحَاجَةِ كَأَرْضِ الْعِرَاقِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ
(وَيَأْمَنُ الْمَذْكُورُ) أَيْ: مَنْ عُقِدَ لَهُ الْجِزْيَةُ (فِي) مَالِهِ مِنْ (الْأَمْوَالِ وَالنَّفْسِ وَالزَّوْجَاتِ وَالْأَطْفَال وَخَمْرَةٍ) وَخِنْزِيرٍ وَسَائِرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْأَمَانَ اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَأْمَنُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهَا فَبَذْلُهُ الْجِزْيَةَ إنَّمَا هُوَ لِعِصْمَتِهَا فَيَحْرُمُ إتْلَافُهَا وَعَلَى مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْهَا غَيْرَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا الضَّمَانُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إتْلَافُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إذَا أَظْهَرَهُمَا (وَإِنْ جَرَتْ شَرْطِيَّهْ فَنَاقِصِي قُرْبَاهُ وَالصِّهْرِيَّهْ) أَيْ: وَإِنْ جَرَى مَعَهُ شَرْطُ الْأَمَانِ لِلنَّاقِصِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَصْهَارِهِ وَهُمْ الصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ وَالنِّسَاءُ، وَالْخَنَاثَى، وَالْأَرِقَّاءُ فَيَأْمَنُ فِيهِمْ سَوَاءٌ الْمَحَارِمُ، وَغَيْرُهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِ النَّاقِصِ مِمَّنْ ذُكِرَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجْرِ شَرْطٌ (وَاسْتُؤْنِفَ الْعَقْدُ) أَيْ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ (لِكُلِّ مَنْ كَمَلَ) مِنْ النَّاقِصِينَ بِأَنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَظَهَرَتْ ذُكُورَةُ الْخُنْثَى وَعَتَقَ الرَّقِيقُ وَلَا يَكْتَفِي بِعَقْدِ مَتْبُوعِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْكَمَالِ وَلِوُجُوبِ جِزْيَةٍ أُخْرَى فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ عَقْدٍ آخَرَ
(وَعَنْ بِنَاءِ مُسْلِمٍ جَارٍ) أَيْ: مُجَاوِرٍ لِلذِّمِّيِّ (نَزَلْ) بِنَاءُ الذِّمِّيِّ
ــ
[حاشية العبادي]
الَّذِي فِي الرَّوْضِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تِجَارَةِ ذِمِّيٍّ وَلَا ذِمِّيَّةٍ اتَّجَرَتْ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ مَعَ الْجِزْيَةِ. قَالَ فِي شَرْحِهِ سَوَاءٌ أَكَانَا بِالْحِجَازِ أَمْ بِغَيْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي جَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ أَنْ يَشْرِطَ مَعَ الْجِزْيَةِ) وَكَتَبَ أَيْضًا نَقَلَ فِي الْخَادِمِ عَنْ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالرَّجُلِ فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِتِجَارَةٍ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ لَهَا الْإِقَامَةَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَبَدًا قَالَ نَعَمْ لَوْ دَخَلَتْ الْحِجَازَ جَازَ الْأَخْذُ مِنْهَا لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ وَفِي نُكَتِ الْعِرَاقِيِّ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ بِتِجَارَةٍ وَأَنَّ الْبُلْقِينِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّهُ يَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ قَالَ إنَّ الْأَصْحَابَ جَرَوْا عَلَى ذَلِكَ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فِيمَا سَبَقَ جَوَازُ دُخُولِهِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٍ (قَوْلُهُ: فِي الْعَامِ مَرَّةً) اُنْظُرْ لَوْ تَفَاوَتَ الْقَدْرُ فِي الْمَرَّاتِ وَتَنَازَعَا فِي الْمَرَّةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْخِبْرَةَ لِلْإِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ شَرْطٌ فِي الْإِذْنِ لَا فِي الْعَقْدِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ وَأَطْلَقَ
(قَوْلُهُ: بَلْ يَجُوزُ نَقْصُهُ إلَخْ) أَيْ: لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَظَهَرَتْ ذُكُورَةُ الْخُنْثَى) لَوْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَوْصَافِ دُونَ الْأَعْيَانِ كَعَقَدْت لِذُكُورِكُمْ عَلَى كَذَا، ثُمَّ ظَهَرَتْ ذُكُورَةُ بَعْضِ خَنَاثَاهُمْ لَمْ يَبْعُدْ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى اسْتِئْنَافِ الْعَقْدِ لَهُ لِتَنَاوُلِ الْعَقْدِ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلِوُجُوبِ جِزْيَةٍ أُخْرَى) كَأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ جِزْيَةِ الْمَتْبُوعِ
(قَوْلُهُ: وَعَنْ بِنَاءِ مُسْلِمٍ جَارٍ نَزَلَ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَأَنْ لَا يُسَاوِيَ بِنَاؤُهُمْ بِنَاءَ جِيرَانِهِمْ مِنَّا وَهُمْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِنْ سَاوَوْهُمْ فِيهِ هُدِمَ الْقَدْرُ الْمَمْنُوعُ وَإِنْ رَضِيَ الْجَارُ بِإِبْقَائِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْهَدْمِ اتَّجَهَ تَقْرِيرُهُ كَعَالٍ اشْتَرَاهُ أَوْ بَنَاهُ قَبْلَ مِلْكِنَا بِلَادِهِمْ أَوْ بِبِلَادٍ فُتِحَتْ صُلْحًا لِتَكُونَ لَنَا أَوْ سَكَنَهُ بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ لَكِنْ لَا يُطْلِقُهُ بِلَا سُتْرَةٍ إلَخْ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالْهَدْمِ أَوْ الْإِبْقَاءِ اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْهَدْمِ وَفِيمَا إذَا بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ قَبْلَ الْهَدْمِ هُوَ التَّقْرِيرُ لَكِنْ الَّذِي كَتَبَهُ بِخَطِّهِ بِهَامِشِ الْأَنْوَارِ، وَالتَّقْرِيرُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَفَرَّقَ بِالتَّرْغِيبِ فِي الْإِسْلَامِ وَبِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ حُرْمَةٌ كَمَا حَدَثَ لَهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ حُرْمَةٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ كَافِرًا وَقَدْ زَالَ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَرَّرُ إذَا مَلَكَهُ مِنْ مُسْلِمٍ مَعَ بَقَاءِ كُفْرِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
رَافِعِيٌّ. اهـ.
م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ: فَنَاقِصِي) جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ: لَا يَأْمَنُ فِي هَؤُلَاءِ إلَّا بِالشَّرْطِ لِبُعْدِهِمْ مِنْهُ بِخِلَافِ زَوْجَاتِهِ وَأَطْفَالِهِ فِيمَا مَرَّ لِقُرْبِهِمْ
(قَوْلُهُ: جَارٍ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ نَقَلَهُ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الطِّرَازِ الْمُذَهَّبِ
لِخَبَرِ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» وَلِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا (قُلْتُ وَلَا يَنْفَعُهُ رِضَاهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ بِعَدَمِ نُزُولِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الدِّينِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ سَوَاءٌ كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مُعْتَدِلًا أَمْ فِي غَايَةِ الِانْخِفَاضِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى فَلَوْ كَانَ قَصِيرًا لَا يُعْتَادُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِنَاؤُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ هَدَمَهُ أَوْ انْهَدَمَ إلَى أَنْ صَارَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ بِنَاءِ جِدَارِهِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ حَقُّهَا الَّذِي عَطَّلَهُ الْمُسْلِمُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ تَعَطَّلَ عَلَيْهِ لِإِعْسَارِهِ وَخَرَجَ بِالْجَارِ غَيْرُهُ كَأَنْ انْفَرَدَ بِمَحَلٍّ بِطَرَفِ الْبَلَدِ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا فَيَجُوزُ رَفْعُ الْبِنَاءِ (وَتُرِكَ) الْبِنَاءُ (الْعَالِي الَّذِي اشْتَرَاهُ) مَثَلًا الذِّمِّيُّ بِحَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقَّ الْهَدْمِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ طُلُوعِ سَطْحِهِ إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَيُمْنَعُ صِبْيَانُهُمْ مِنْ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ صِبْيَانِنَا حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ امْتَنَعَ الْعُلُوُّ، وَالْمُسَاوَاةُ وَالْبِلَادُ الَّتِي فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّهَا لَنَا لَا يُهْدَمُ مِنْهَا بِنَاؤُهُ الْعَالِي، وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ
. (أَمَّا بِلَادٌ نَحْنُ مُحْدِثُوهَا) كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْقَاهِرَةِ (وَبَلْدَةٌ أَسْلَمَ سَاكِنُوهَا) كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ فَقُلْ (لَا يُحْدِثُونَ) أَيْ: الْكُفَّارُ (بِيَعَةً) وَلَا كَنِيسَةً (فِيهَا وَلَا فِيمَا فَتَحْنَاهُ)(عَنْوَةً) أَيْ: قَهْرًا (مِنْ) بِلَادِ (هَؤُلَا) الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا صَارَ مِلْكًا لَنَا (وَلَا يُقَرُّونَ هُنَا) أَيْ: فِيمَا فَتَحْنَاهُ عَنْوَةً (عَلَى الْبِيَعْ) وَالْكَنَائِسِ (عَلَى الْأَصَحِّ) لِذَلِكَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يُقَرُّونَ إذْ لَا إحْدَاثَ فِيهِ، وَالْمَصْلَحَةُ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ، أَمَّا بِلَادٌ إلَى هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ الصُّلْحُ وَقَعْ. بِشَرْطِ) أَنَّ (الْأَرْضِينَ لَنَا وَ) إنْ (يَسْكُنُوا) فِيهَا بِخَرَاجٍ (وَشَرَطُوا) مَعَ ذَلِكَ (الْإِبْقَاءَ) لِلْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ (فِيهَا مُكِّنُوا) مِنْ إبْقَائِهَا لَا مِنْ إحْدَاثِهَا وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْهَا، وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى إحْدَاثِهَا فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ جَوَازُهُ وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَنْعِهِ (وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ) عَنْ شَرْطِ إبْقَاءِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ
(الْأَصَحُّ امْتَنَعَا) أَيْ: إبْقَاؤُهَا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَلَدَ كُلَّهَا صَارَتْ لَنَا، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا امْتِنَاعَ مِنْ بَقَائِهَا وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا فِي عِبَادَتِهِمْ (أَوْ) وَقَعَ الصُّلْحُ بِشَرْطِ (أَنَّهَا) أَيْ: الْأَرْضِينَ (لَهُمْ نُقِرُّ الْبِيَعَا) وَالْكَنَائِسَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ وَيَجُوزُ إحْدَاثُهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ (وَهِيَ هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ تُبْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالدَّارَ لَهُمْ وَلِذَلِكَ يُمَكَّنُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالصَّلِيبِ وَمَا لَهُمْ مِنْ الْأَعْيَادِ وَنَحْوَ ذَلِكَ دُونَ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَإِيوَاءِ الْجَوَاسِيسِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ (وَمَا نَجِدْ) مِنْ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ (فِي بَلْدَةٍ أَحْدَثْنَا) هَا أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا أَوْ فَتَحْنَاهَا عَنْوَةً (وَمَا عَلِمْنَا أَصْلَهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ) أَيْ: أَنَّهُ (كَانَ عَنْهَا) أَيْ: الْبَلْدَةِ (خَارِجًا وَاتَّصَلَا) بِهَا فَيَبْقَى فَإِنْ عَلِمْنَا إحْدَاثَهُ نُقِضَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَتَرَكَ الْبِنَاءَ الْعَالِيَ الَّذِي اشْتَرَاهُ) يُفِيدُ جَوَازَ التَّحْجِيرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَكَتَبَ أَيْضًا يُفِيدُ جَوَازَ التَّسَاوِي بِالْأَوْلَى وَقِيَاسُ تَحْجِيرِ الْعَالِي تَحْجِيرُ الْمُسَاوِي وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْلِيَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ صِبْيَانِنَا) هَلْ مَحَلُّهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِينَ أَوْ غَيْرِ الْمُرَاهِقِينَ رَاجِعْهُ (فَرْعٌ)
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَالِيَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْ سُكْنَاهَا بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الْمُرْشِدِ وَهَلْ يَجْرِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ مَلَكَ دَارًا لَهَا رَوْشَنٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُشْرَعُ لَهَا الرَّوْشَنُ أَيْ: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ لَا يَجْرِي لِأَنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَالرَّوْشُ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ مِنْ الْإِحْدَاثِ) هَلْ مَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا سَكَنَهَا مُسْلِمٌ
(قَوْلُهُ: جَوَازُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَهُ أَيْ: عَدَمَ الْمَنْعِ عَلَى مَا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فَتَحْنَاهَا عَنْوَةً) قِيلَ لَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا كَانَتْ فِي بَرِّيَّةٍ بَعِيدَةٍ حَالَةَ الْفَتْحِ، ثُمَّ اتَّصَلَتْ الْعِمَارَةُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي بِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ هُنَا الْمِلْكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْبَلَدِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْبَرَارِيِ. اهـ.
قُلْت وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَنِيسَةَ بِالْبَرِّيَّةِ لَا تَزِيدُ عَلَى دَارٍ بِالْبَرِّيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَتْحَ عَنْوَةً يَشْمَلُهَا نَعَمْ إنْ شُكَّ فِي عُمُومِ الْفَتْحِ، وَالِاسْتِيلَاءِ لِتِلْكَ الْبَرِّيَّةِ، وَمَا فِيهَا اتَّجَهَ مَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ إلَخْ) قِيلَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ، وَالْقَرِيبِ وَحِينَئِذٍ فَالْقَاهِرَةُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَادِمِ وَتَفْرِقَتُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ لَا يَظْهَرُ وَجْهُهَا وَإِفْتَاءُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ بِهَدْمِ كَنَائِسِ الْقَاهِرَةِ لَعَلَّهُ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْإِحْدَاثِ أَوْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ قَطْعًا إذْ النَّاظِرُ إلَيْهَا يَقْطَعُ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ فَضْلًا عَنْ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ. اهـ.
قُلْت وَقَدْ يُوَجَّهُ فَتْوَى ابْنِ الرِّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِحْدَاثُ بَلْ وَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فَتْحُ مِصْرَ عَنْوَةً فَفَتْحُهَا شَامِلٌ لِمَا حَوَالِيِهَا وَمِنْهُ مَحَلُّ الْقَاهِرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْكَنِيسَةُ مَوْجُودَةً حِينَ الْفَتْحِ فَقَدْ شَمِلَهَا وَصَارَتْ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَمَوْضِعُهَا مَوَاتُ إسْلَامٍ وَهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهُ أَيْضًا فَلَعَلَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْفَتْحِ فَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ أَوْ أَنَّهَا أُحْدِثَتْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بَعْدَ جَرَيَانِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ بَلْ جَهِلَ حَالَ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: كَالْمَدِينَةِ) فِيهَا وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْحِجَازِ وَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ سُكْنَاهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ. اهـ.
م ر وع ش (قَوْلُهُ: هُنَا) لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ أَسْلَمَ جَمِيعُ سَاكِنِيهِ فَلَا كَافِرَ فِيهِ حَتَّى يُقَرَّ (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ مَا فُتِحَ عَنْوَةً لَا يُعْمَلُ فِيهَا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا فُتِحَ صُلْحًا، وَالْأَرْضُ لَنَا أَوْ لَهُمْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَلَعَلَّهُ الشَّرْحُ الْكَبِيرُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي الصَّغِيرِ
وَقَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ يُرَمِّمْ) أَيْ: الْكَافِرُ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْمُبْقَاةَ إذَا خَرِبَتْ (أَوْ يُعِدْ) هَا إذَا انْهَدَمَتْ (لَا مُوسِعًا) لَهَا (مُكِّنَ) ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَكَانِهَا بِأَنْ يَرُمَّهَا وَيُعِيدَهَا بِمَا تَهَدَّمَ لَا بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ لَفْظِ التَّرْمِيمِ، وَالْإِعَادَةِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ: أَمَّا إذَا أَعَادَهَا مُوَسِّعًا لَهَا فَلَا يُمَكَّنُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ بِيَعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأُولَى
. (وَالْكَافِرُ عَنْهُ دُفِعَا) أَيْ: يَجِبُ عَلَيْنَا دَفْعُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا عَنْ الذِّمِّيِّ لِعِصْمَتِهِ، وَكَذَا دَفْعُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ (لَا إنْ شَرَطْنَا نَفْيَهُ) أَيْ: نَفْيَ الدَّفْعِ عَنْهُ فَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ لِصِحَّةِ الشَّرْطِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ هَذَا الشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ عَجْزِنَا، وَمَحَلُّ صِحَّتِهِ إذَا انْفَرَدَ الذِّمِّيُّ عَنَّا بِبَلَدٍ، أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَكُنْ مَمَرُّ مَنْ يَقْصِدُهُ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ أَوْ انْفَرَدَ وَكَانَ مَمَرُّ الْقَاصِدِينَ لَهُ عَلَيْنَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ، وَلَا الْعَقْدُ لِتَضَمُّنِهِ تَمْكِينَ الْكُفَّارِ مِنَّا فَإِنْ لَمْ نَدْفَعْ عَنْهُ لَمْ تَجِبْ جِزْيَةٌ ذَلِكَ الْعَامِ. قَالُوا كَمَا لَا تَجِبُ أُجْرَةُ الدَّارِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِنْ لَمْ نَدْفَعْ بَعْضَ الْحَوْلِ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ
. (وَلْيَرْكَبْ) أَيْ: الْكَافِرُ (إنْ شَاءَ) الدَّوَابَّ حَتَّى الْبِغَالَ وَلَوْ نَفِيسَةً (لَا الْخَيْلَ) حَتَّى الْبَرَاذِينَ إذْ فِي رُكُوبِهَا عِزٌّ نَعَمْ إنْ انْفَرَدَ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْ رُكُوبِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَقْرَبُ إلَى النَّصِّ عَدَمُ الْمَنْعِ. قَالَ وَلَوْ اسْتَعَنَّا بِهِ فِي حَرْبٍ حَيْثُ يَجُوزُ فَالظَّاهِرُ تَمْكِينُهُ مِنْ رُكُوبِهَا زَمَنَ الْقِتَالِ، وَإِذَا رَكِبَ فَلْيَرْكَبْ (بِرُكْبِ خَشَبِ) لَا حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيَرْكَبُ عَلَى الْأَكُفِّ دُونَ السَّرْجِ عَرْضًا تَمْيِيزًا لَهُ عَنَّا لِيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ وَيُمْنَعُ مِنْ تَقْلِيدِ السَّيْفِ، وَحَمْلِ السِّلَاحِ وَلُجُمٍ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَكُلُّ هَذَا خَاصٌّ بِأَهْلِ الْجِزْيَةِ إذْ لَا صَغَارَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَالنِّسَاءِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ
(وَمِنْ غِيَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَزُنَّارٍ بِضَمِّ الزَّايِ (يَلْبَسُونَ) أَيْ: الرِّجَالُ (وَالنِّسَا) وُجُوبًا بِدَارِنَا وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِلتَّمْيِيزِ؛ وَلِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَالَحَهُمْ عَلَى تَغَيُّرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَالْغِيَارُ أَنْ يَخِيطُوا عَلَى ثِيَابِهِمْ الظَّاهِرَةِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخِيَاطَةُ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ، وَإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ عَلَى الْكَتِفِ كَالْخِيَاطَةِ، ثُمَّ الْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْعَسَلِيُّ وَهُوَ الْأَصْفَرُ، وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ أَوْ الْأَكْهَبُ، وَيُسَمَّى الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِ الْأَسْوَدُ، أَوْ الْأَحْمَرُ وَالزُّنَّارُ خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ بِهِ أَوْسَاطُهُمْ خَارِجَ الثِّيَابِ، وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ، وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَيُجْعَلُ الزُّنَّارُ فَوْقَ إزَارِ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِذَا خَرَجَتْ بِخُفٍّ فَلْيَكُنْ أَحَدُهُمَا بِلَوْنٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ وَإِنْ لَبِسُوا قَلَانِسَ مَيَّزُوهَا عَنْ قَلَانِسِنَا وَيَكْفِي التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ (وَ) يَلْبَسُونَ (مِنْ حَدِيدٍ) أَوْ نَحْوِهِ لَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (خَاتَمًا أَوْ جَرَسَا فِي عُنُقِ الرِّجَالِ) الْمُتَجَرِّدِينَ (فِي الْحَمَّامِ) أَوْ غَيْرِهِ، أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَحْتَجْنَ فِيهِ إلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ دُخُولِهِ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَنْعِهِنَّ مِنْهُ بِمَا إذَا كَشَفَتْ الْمُسْلِمَاتُ مِنْ جَسَدِهِنَّ زِيَادَةً عَلَى مَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يُبْدِينَهُ لِلْكَافِرَاتِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. اهـ.
وَتَقَدَّمَ ثَمَّةَ أَنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ
(قُلْت بِلَا وُدٍّ وَلَا احْتِرَامِ) مِنَّا لَهُمْ أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْنَا ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى فِي الْمُوَادَّةِ {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] وَيُقَاسُ عَلَيْهَا الِاحْتِرَامُ (وَيَتْرُكُ) الْكَافِرُ لَنَا (الصَّدْرَ مِنْ الطَّرِيقِ) إذَا سَكَنَّاهُ (قُلْتُ وَيُلْجَأُ فِيهِ لِلْمَضِيقِ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ فَإِنْ خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ
. (وَالْخَمْرَ وَالنَّاقُوسَ مَهْمَا أَظْهَرَا وَالِاعْتِقَادَ فِي الْمَسِيحِ) أَيْ: وَمَهْمَا
ــ
[حاشية العبادي]
الْفَتْحِ، وَعَدَمَ شُمُولِهِ لَهَا بِنَحْوِ تَغَلُّبِ مَنْ بِهَا تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْإِبْقَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: الْمُبْقَاةُ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: إذَا انْهَدَمَتْ) وَلَوْ بِهَدْمِهِمْ لَهَا تَعَدِّيًا شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَنَّهَا تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ. اهـ.
وَيُتَّجَهُ عَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ الْجَدِيدَةِ مَا لَمْ يَحْتَجْ لَهَا لِنَحْوِ تَلَفِ الْقَدِيمَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ انْفَرَدَ وَكَانَ مَمَرُّ الْقَاصِدِينَ لَهُ عَلَيْنَا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مُجَاوِرًا لَنَا أَوْ لَا لَكِنْ عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَإِنْ عُقِدَتْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ يَمُرَّ بِنَا وَهُمْ مُجَاوِرُونَ لَنَا فَسَدَ الْعَقْدُ. اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ لَا يَمُرُّ بِنَا أَوْ يَمُرُّ بِنَا وَهُمْ غَيْرُ مُجَاوِرِينَ لَنَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ دَارِنَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِانْفِرَادِهِمْ بِمَا ذُكِرَ فِي دَارِنَا وَأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: عَرْضًا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنْ يَجْعَلُوا أَرْجُلَهُمْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبُوا إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ إلَى بَعِيدَةٍ فَيُمْنَعُونَ فِي الْحَضَرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمَا) أَيْ: فَلَهُمْ رُكُوبُ الْخَيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُنَّ مَمْنُوعَاتٌ) هَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ دُخُولِ رِجَالِهِمْ مَعَ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: حَتَّى الْبَرَاذِينِ) أَيْ: النَّفِيسَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَحَمْلُ السِّلَاحِ) أَيْ: فِي غَيْرِ الْأَسْفَارِ الْمَخُوفَةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ
أَظْهَرَ الذِّمِّيُّ بِدَارِنَا الْخَمْرَ أَوْ النَّاقُوسَ أَوْ اعْتِقَادَهُ فِي الْمَسِيحِ أَوْ عُزَيْرٍ أَوْ نَحْوَهَا كَالْخِنْزِيرِ وَالْأَعْيَادِ (عُزِّرَا) وَلَا يَنْتَقِضُ بِذَلِكَ عَهْدُهُ وَإِنْ شَرَطَ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ، أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ بِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَتَضَرَّرُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَدَيَّنُ بِهِ بِخِلَافِ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي
(وَانْتَقَضَ الْعَهْدُ) الَّذِي لَهُ (بِجِزْيَةٍ مَنَعْ) أَيْ: بِمَنْعِهِ الْجِزْيَةَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هَكَذَا. قَالَ الْأَصْحَابُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَادِرِ، أَمَّا الْعَاجِزُ إذَا اُسْتُمْهِلَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ. قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَخْذُهَا مِنْ الْمُوسِرِ قَهْرًا وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَيُخَصُّ قَوْلُهُمْ بِالْمُتَغَلِّبِ الْمُقَاتِلِ. اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مَفْهُومٌ مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ (وَبِقِتَالٍ) مِنْهُ لَنَا بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَانَ الْبُغَاةَ كَمَا مَرَّ (وَتَمَرُّدٍ وَقَعْ) مِنْهُ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الِانْقِيَادِ لِأَحْكَامِنَا بِالْقُوَّةِ وَالْعُدَّةِ لَا بِالْهَرَبِ كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْبِيرُهُ بِالتَّمَرُّدِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُمَا ذَلِكَ وَهُوَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ شَرَطَ الِانْتِقَاضَ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِيهِ وَقَيَّدَ بِالشَّرْطِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَوَجْهُ الِانْتِقَاضِ بِهِ مُخَالَفَتُهُ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ (وَاغْتِيلَ) مُنْتَقِضُ الْعَهْدِ بِالْقِتَالِ (قَتْلًا) أَيْ: بِالْقَتْلِ إذْ لَا وَجْهَ لِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ مَعَ نَصْبِهِ الْقِتَالَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِ بِالِاسْتِئْصَالِ، أَمَّا مُنْتَقِضُ الْعَهْدِ بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالتَّمَرُّدِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مَعَ مُنْتَقِضِ الْعَهْدِ بِمَا سَيَأْتِي هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَخَذَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَاوِي بِظَاهِرِ كَلَامِهِ فَجَعَلَ الِاغْتِيَالَ رَاجِعًا إلَى مُنْتَقِضِ الْعَهْدِ بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ
(وَبِشَرْطٍ) بِالتَّنْوِينِ أَيْ: يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ وَبِشَرْطِ الِانْتِقَاضِ (إنْ قَذَفْ مُسْلِمًا) وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ أَوْ وَصَفْ نَبِيَّنَا) صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ (عَلَى خِلَافِ مَا اعْتَقَدْ) كَنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا أَوْ الطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَفَهُ عَلَى وَفْقِ اعْتِقَادِهِ كَقَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ إنَّهُ قَتَلَ الْيَهُودَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ شَرَطَ الِانْتِقَاضَ بِهِ وَقَوْلُهُ نَبِيَّنَا مِنْ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ جَارٍ فِي كُلِّ نَبِيٍّ وَإِنَّ وَصْفَ اللَّهِ بِمَا ذُكِرَ كَوَصْفِ نَبِيِّهِ بَلْ أَوْلَى (أَوْ قَتَلَ النَّفْسَ) أَيْ: الْمُسْلِمَةَ كَمَا قَيَّدَ بِهَا فِي التَّنْبِيهِ (بِمُوجِبِ الْقَوَدْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَى الْقَاتِلِ كَذِمِّيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا لَقُتِلَ بِهِ (أَوْ فَتَنَ الْمُسْلِمَ) عَنْ دِينِهِ أَوْ دَعَاهُ إلَى دِينِهِ (أَوْ تَطَلَّعَا) عَلَى (عَوْرَاتِنَا) وَبَلَّغَهَا إلَى الْحَرْبِيِّينَ (أَوْ الطَّرِيقَ قَطَعَا) عَلَى مُسْلِمٍ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ، وَالتَّنْبِيهِ (أَوْ طَعَنَ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَا) أَيْ: طَعَنَ فِي أَحَدِهِمَا بِمَا لَا يَتَدَيَّنُ بِهِ بِخِلَافِ طَعْنِهِ بِمَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَقَوْلِهِ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (أَوْ يُؤْوِي الْعَيْنَ لَهُمْ) أَيْ: جَاسُوسًا لِلْحَرْبِيِّينَ (أَوْ زَانَى مُسْلِمَةً) أَيْ: زَنَى بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِإِسْلَامِهَا (وَلَوْ بِعَقْدٍ) لِنِكَاحٍ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعَطَفَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هَذَا عَلَى الزِّنَا فَقَالَ وَلَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ أَيْ: وَاقِعٍ حَالَ إسْلَامِهَا فَلَوْ عَقَدَهُ عَلَى كَافِرَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَأَصَابَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ فَقَدْ يُسْلِمُ فَيَسْتَمِرُّ نِكَاحُهَا.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِوَاطَهُ بِمُسْلِمٍ كَزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ انْتِقَاضَ عَهْدِهِ بِذَلِكَ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا انْتِقَاضَ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَسَوَاءٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمْ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ مُوجِبِ مَا فَعَلَهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ فَلَوْ قُتِلَ بِقَوَدٍ أَوْ حَدٍّ كَرَجْمٍ، وَفَرَّعْنَا عَلَى الِانْتِقَاضِ فَهَلْ يَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ فَيْئًا. قَالَ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ وَمَالُهُ تَحْتَ أَيْدِينَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ؛ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا، أَوْ غَنِيمَةً، وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا
(وَلْيَصِرْ) مُنْتَقِضُ الْعَهْدِ (عَلَى الصَّحِيحِ مِثْلَ كَامِلٍ أُسِرْ) فَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ نَعَمْ إنْ طَلَبَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ وَجَبَ إجَابَتُهُ إلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ الْمَزِيدِ عَلَى الْحَاوِي أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ كَمَنْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَاكَ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ مَا أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الدَّاخِلَ بِهُدْنَةٍ، أَوْ أَمَانٍ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ مَعَ أَنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ آكَدُ مِنْهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِنَا، وَبِالِانْتِقَاضِ زَالَ الْتِزَامُهُ لَهَا بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُلْتَزِمًا لَهَا، وَقَضِيَّةُ الْأَمَانِ رَدُّهُ إلَى
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِلَا شُبْهَةٍ) هَلْ يَخْرُجُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ بِقِتَالٍ
(قَوْلُهُ: أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ) قَالَ الشَّارِحُ الثَّانِيَةُ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ فِيهَا إنْ شَرَطَ وَإِلَّا فَلَا يَسُبُّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ شَيْخُنَا الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ عَدَمِ الِانْتِقَاضِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ الْوَالِدُ رحمه الله فِي كِتَابِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: عَنْ دِينِهِ) أَيْ: الْمُسْلِمِ، وَقَوْلُهُ: إلَى دِينِهِ أَيْ: الْفَاتِنِ (قَوْلُهُ: بِمَا لَا يَتَدَيَّنُ بِهِ) قَدْ يُمَثَّلُ لَهُ بِقَوْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ إنَّهُ مُتَنَاقِضُ الْمَعْنَى فَاسِدُ الْوَضْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَصِيرُ) فِيهَا جَزَمَ بِهِ الرَّوْضُ
(قَوْلُهُ: وَجَبَ إجَابَتُهُ) سَيَأْتِي بَحْثُ الْبُلْقِينِيِّ فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِالْقِتَالِ أَنَّ إسْلَامَهُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إرْقَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ عَلَى قِيَاسِهِ أَنْ يَقُولَ بِهِ هُنَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِ بِرّ (قَوْلُهُ: وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ)
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَإِنْ شَرَطَ الِامْتِنَاعَ إلَخْ) وَيَكُونُ الشَّرْطُ لِمُجَرَّدِ التَّخْوِيفِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِإِيجَابِهِ الْقَوَدَ تَدَبَّرْ