المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[خاتمة يكتب الإمام بعد عقد الذمة أسماءهم وأديانهم وحلاهم] - الغرر البهية في شرح البهجة الوردية - جـ ٥

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الْجِرَاحِ)

- ‌[فَرْعٌ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَأَذْهَبَ الْبَاءَ وَالْمِيمَ]

- ‌ بَيَانِ مُوجِبِ الْقَوَدِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْفِعْلِ

- ‌[فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ فِي قِصَاصِ غَيْرِ النَّفْسِ التَّأْخِيرُ إلَى الِانْدِمَالِ]

- ‌[فَرْعٌ لَا تُقْطَعُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا عَكْسُهُ]

- ‌[فَرْعٌ جَاءَ وَطَلَبَ مِنْ مُسْتَحِقِّ الْقَطْعِ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَة وَيَتْرُكَ الْقِصَاصَ فَأَخَذَهَا]

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌(بَابُ الرِّدَّةِ)

- ‌(بَابُ الزِّنَا)

- ‌(بَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(بَابُ الشُّرْبِ)لِلْمُسْكِرِ (وَالتَّعْزِيرِ)

- ‌[بَابُ الصِّيَالِ]

- ‌(بَابُ السِّيَرِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي) .بَيَانِ (الْأَمَانِ) لِلْكَافِرِ

- ‌(فَصْلٌ فِي) .بَيَانِ (الْجِزْيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (الْهُدْنَةِ)

- ‌[خَاتِمَةٌ يَكْتُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَسْمَاءَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَحِلَاهُمْ]

- ‌[بَابُ الذَّكَاةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ]

- ‌(بَابُ الْأُضْحِيَّةِ)

- ‌[بَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌(بَابُ) بَيَانِ حِلِّ (الْأَطْعِمَةِ) وَتَحْرِيمِهَا

- ‌(بَابُ الْمُسَابَقَةِ)

- ‌ صِيغَةَ الْيَمِينِ

- ‌(بَابُ النَّذْرِ)

- ‌(بَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌(بَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ الْعِتْقِ)

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌[أَرْكَانُ التَّدْبِيرِ]

- ‌(بَابُ الْكِتَابَةِ)

- ‌[أَرْكَانُ الْكِتَابَةِ]

- ‌(بَابُ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ)

- ‌[أَسْبَابُ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ]

الفصل: ‌[خاتمة يكتب الإمام بعد عقد الذمة أسماءهم وأديانهم وحلاهم]

مَأْمَنِهِ (وَامْتَنَعَ اسْتِرْقَاقُهُ إنْ اهْتَدَى) أَيْ: أَسْلَمَ (مِنْ قَبْلِ مَا اخْتَارَ الْإِمَامُ) فِيهِ (الْأَجْوَدَا) لَنَا وَخَالَفَ الْأَسِيرَ إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ بِالْقَهْرِ فَخَفَّ أَمْرُهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ، وَفِدَاؤُهُ إذْ لَا يُفْدَى إلَّا مِنْ قَتْلٍ، أَوْ إرْقَاقٍ، وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُمَا فَيَبْقَى الْمَنُّ فَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ وَامْتَنَعَ غَيْرُ الْمَنِّ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ إلَّا أَنَّهُ تَبِعَ الْحَاوِيَ وَكَثِيرًا فِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ الْمُوهِمِ خِلَافَ الْمُرَادِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَاوِي وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ فَيَبْقَى الْمَنُّ، وَالْفِدَاءُ. اهـ.

وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، ثُمَّ مَحَلُّ امْتِنَاعِ إرْقَاقِهِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ فَإِنْ قَاتَلَنَا فَكَالْأَسِيرِ فِي أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إرْقَاقُهُ، أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الرِّقِّ فَيُرَقُّ، أَوْ الْقَتْلِ فَيُطْلَقُ أَوْ الْمُفَادَاةِ فَتَلْزَمُ

(وَلَيْسَ بِالْبُطْلَانِ فِي أَمَانِهِمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ الْكَامِلِينَ (يَبْطُلُ) الْأَمَانُ (لِلنِّسَا) أَيْ: نِسَائِهِمْ (وَلَا صِبْيَانِهِمْ) وَسَائِرِ غَيْرِ الْكَامِلِينَ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ نَاقِضَةٌ فَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ، وَلَا إرْقَاقُهُمْ (وَجَائِزٌ تَقْرِيرُهُمْ) فِي دَارِنَا (وَمَنْ طَلَبْ مِنْ النِّسَاءِ) أَوْ الْمَجَانِينِ إذَا أَفَاقَ (دَارَ حَرْبٍ) أَيْ: الْعَوْدَ إلَيْهَا (فَلْيُجَبْ) إلَيْهِ (وَمَا كَذَا الصِّبْيَانُ) فَلَا يُجَابُونَ إلَيْهِ إذَا طَلَبُوهُ إذْ لَا حُكْمَ لِاخْتِيَارِهِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ؛ وَلِأَنَّهُمْ بَعْدَهُ بِصَدَدِ أَنْ يَعْقِدَ لَهُمْ الْجِزْيَةَ، فَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَإِذَا بَلَغُوا وَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ فَذَاكَ، وَإِلَّا أُلْحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ (قُلْتُ إنْ قَصَدْ) أَيْ: طَلَبَ (رَدَّ الصَّبِيِّ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ (مَنْ لَهُ) عَلَيْهِ (الْحَضْنُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ: الْحَضَانَةُ (يُرَدْ) إلَيْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَهُ مَنْ لَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَيْهِ

(خَاتِمَةٌ)

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَدْيَانَهُمْ، وَحِلَاهُمْ فَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ أَهُوَ شَيْخٌ أَمْ شَابٌّ وَلِلَوْنِهِ مِنْ شُقْرَةٍ، وَسُمْرَةٍ، وَغَيْرِهِمَا وَيَصِفُ وَجْهَهُ، وَلِحْيَتَهُ، وَجَبْهَتَهُ، وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأَنْفَهُ وَأَسْنَانَهُ وَآثَارَ وَجْهِهِ إنْ كَانَ فِيهِ آثَارٌ، وَيَجْعَلُ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا يَضْبِطُهُمْ لِمَعْرِفَةِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَمَنْ مَاتَ وَمَنْ بَلَغَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ، وَلِيُحْضِرَهُمْ لِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَالشَّكْوَى إلَيْهِ مِمَّنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ مِنَّا وَمَنْ يَتَعَدَّى مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَرِيفُ لِلْفَرْضِ الثَّانِي ذِمِّيًّا لَا لِلْأَوَّلِ إذْ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ

(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (الْهُدْنَةِ)

. وَهِيَ مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتُسَمَّى أَيْضًا مُوَادَعَةٌ وَمُسَالَمَةٌ وَمُهَادَنَةٌ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهُدُونِ وَهُوَ السُّكُونُ يُقَالُ هَدَنْت الرَّجُلَ وَأَهْدَنْتُهُ إذَا سَكَّنْته وَهَدَنَ هُوَ سَكَنَ

وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: 2] أَيْ: كُونُوا آمَنِينَ فِيهَا {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] وَقَوْلُهُ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]«وَمُهَادَنَتُهُ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» كَمَا رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ

(إمَامُنَا وَنَائِبُ الْعُمُومِ) أَيْ: وَنَائِبُهُ الْعَامُّ بَلْ أَوْ الْخَاصُّ بِهَا (يُهَادِنَانِ كَافِرِي إقْلِيمِ) كَالْهِنْدِ وَالرُّومِ، وَكَذَا الْكُفَّارُ مُطْلَقًا وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ خِلَافَهُ (وَ) يُهَادِنُ (مَنْ يَلِيهِ) أَيْ: الْإِقْلِيمَ أَيْ: وَإِلَيْهِ (بَلْدَةً) أَيْ: أَهْلَ بَلْدَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ الْبَلْدَةُ فِي إقْلِيمِهِ وَلَكِنَّهَا مُجَاوِرَةٌ لَهُ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ فِي الْهُدْنَةِ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ إقْلِيمِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْقُصُورُ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْإِقْلِيمِ لَا مَعْنَى لَهُ فَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ، وَالْمَصْلَحَةُ إلَى مُهَادَنَةِ أَهْلِ بِلَادٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ النَّظْمِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ، وَنَائِبِهِ الْآحَادُ فَلَيْسَ لَهُمْ الْمُهَادَنَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ فَاخْتُصَّتْ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ وَأَقْدَرُ عَلَى التَّدْبِيرِ مِنْهُمْ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ فَلَوْ عَقَدَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَدَخَلَ قَوْمٌ مِمَّنْ هَادَنَهُمْ دَارَنَا لَمْ يُقَرُّوا لَكِنْ يُلْحَقُونَ بِمَأْمَنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ أَمَانِهِ وَإِنَّمَا يُهَادِنُ مَنْ ذُكِرَ (إنْ تَظْهَرْ) لَهُ (مَصْلَحَةٌ) لَنَا كَقِلَّتِنَا أَوْ قِلَّةِ مَا لَنَا أَوْ تَوَقُّعِ إسْلَامِهِمْ بِاخْتِلَاطِهِمْ بِنَا أَوْ الطَّمَعِ فِي قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ بِلَا قِتَالٍ وَإِنْفَاقِ مَالٍ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَصْلَحَةٌ لَمْ يُهَادَنُوا بَلْ يُقَاتَلُوا إلَى أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا.

قَالَ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا} [محمد: 35] الْآيَةَ (أَرْبَعَةً مِنْ أَشْهُرِ) فَأَقَلَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِنَا ضَعْفٌ. قَالَ تَعَالَى {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَقْوَى مَا كَانَ عليه الصلاة والسلام عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ تَبُوكَ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَيْضًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هَادَنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا» وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ

ــ

[حاشية العبادي]

أَيْ: الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: إنْ اهْتَدَى) أَيْ: بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْحَاشِيَةِ السَّابِقَةِ

(قَوْلُهُ: يَبْطُلُ) ضَبَّبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِالْبُطْلَانِ إلَخْ وَكَذَا بَيْنَ قَوْلِهِ لِلنِّسَاءِ وَقَوْلِهِ صِبْيَانِهِمْ

[خَاتِمَةٌ يَكْتُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَسْمَاءَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَحِلَاهُمْ]

(قَوْلُهُ: لِلْفَرْضِ الثَّانِي) أَيْ: لِيُحْضِرَهُمْ، وَقَوْلُهُ: لَا لِلْأَوَّلِ أَيْ: مَعْرِفَةِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَخْ

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْهُدْنَةِ]

(فَصْلٌ فِي الْهُدْنَةِ)(قَوْلُهُ: بِعِوَضٍ) ظَاهِرُ عِبَارَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ دِينَارٍ كَالْجِزْيَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَوْ يُعَيِّنُهُ الْجَوَازُ بِلَا عِوَضٍ رَأْسًا (قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى أَيْضًا) أَيْ: كَمَا تُسَمَّى هُدْنَةً وَكَتَبَ أَيْضًا كَمَا تُسَمَّى مُصَالَحَةً

(قَوْلُهُ: بَلْ أَوْ الْخَاصُّ بِهَا) فَلَمْ يَحْتَرِزْ الْمُصَرِّحُ بِقَيْدِ الْعُمُومِ إلَّا عَنْ الْخَاصِّ بِغَيْرِهَا

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ إلَخْ) هُوَ الْوَجْهُ بَلْ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ. اهـ.

حَاشِيَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ

ص: 148

؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَأَذِنَ فِي الْهُدْنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَالزَّائِدُ بَاقٍ عَلَى الْمَنْعِ (أَوْ مَا) أَيْ: مُدَّةً (يَشَاءُ) هَا فُلَانٌ وَهُوَ (مُسْلِمٌ عَدْلٌ قَنَى رَأْيًا) أَيْ: اقْتَنَاهُ سَوَاءٌ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فَإِذَا نَقَضَهَا انْتَقَضَتْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشَاءَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَلَا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ، وَكَذَا هَادَنْتُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ لِلْجَهَالَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «هَادَنْتُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ» ؛ فَلِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ

(وَ) يُهَادِنُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. (عَشْرَ حِجَجٍ) أَيْ: عَشْرَ سِنِينَ فَأَقَلَّ (لِضَعْفِنَا) أَيْ: عِنْدَ ضَعْفِنَا «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ اُسْتُؤْنِفَ عَقْدٌ وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى الْعَشْرِ عُقِدَ عَلَى عَشْرٍ، ثُمَّ عَشْرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأُولَى جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ (وَمَا يَزِدْ) الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَعَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا (يَبْطُلُ) فِيهِ الْعَقْدُ دُونَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْفُسِهِمْ، أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ لَهَا مُؤَبَّدًا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ مِنْ الْمُدَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (وَمَا أُطْلِقَ) عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ (مِنْ عَقْدٍ) لِلْهُدْنَةِ يَبْطُلُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ (وَبِالْتِزَامِ مَالٍ) أَيْ: بِشَرْطِ الْتِزَامِهِ لَهُمْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ (إنْ أَمِنْ) مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَإِلَّا كَأَنْ خَافُوا مِنْهُمْ الِاصْطِلَامَ لِإِحَاطَتِهِمْ بِهِمْ أَوْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ أَسْرَانَا فَيَجُوزُ الْتِزَامُ الْمَالِ، وَبَذْلُهُ دَفْعًا لِأَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُمَا بَلْ يَجِبُ بَذْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِلضَّرُورَةِ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّيَرِ مِنْ نَدْبِ فَكِّ الْأَسْرَى وَأُجِيبُ عَنْهُ بِحَمْلِ مَا هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ تَعْذِيبِ الْأَسْرَى أَوْ خَوْفِ اصْطِلَامِهِمْ، وَهَلْ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحِيحٌ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: عِبَارَةُ كَثِيرٍ تُفْهِمُ صِحَّتَهُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ. اهـ.

وَلَا يَمْلِكُونَ مَا أَخَذُوهُ لِأَخْذِهِمْ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ

(وَشَرْطُ تَرْكِ مُسْلِمٍ وَمَا لَهْ مَعَهُمْ وَرَدِّ مَنْ أَبَتْ ضَلَالَهْ) أَيْ: كُفْرًا أَيْ: وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِشَرْطِ تَرْكِ مُسْلِمٍ أَسِيرٍ، أَوْ مَالِهِ مَعَهُمْ أَوْ رَدِّ مُسْلِمَةٍ إلَيْهِمْ وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَانَ لَهَا عَشِيرَةٌ لِفَسَادِ الشَّرْطِ. قَالَ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] وَفِي ذَلِكَ إهَانَةٌ يَنْبُو عَنْهَا الْإِسْلَامُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ «أَنَّهُ جَاءَتْ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَامْتَنَعَ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَدِّهِنَّ» ، وَسَوَاءٌ جَاءَتْ مُسْلِمَةً أَمْ أَسْلَمَتْ بَعْدَمَا جَاءَتْ وَمَنْ جَاءَتْ مَجْنُونَةً لَا تُرَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْجُنُونِ فَإِنْ أَفَاقَتْ وَلَمْ تُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ رَدَدْنَاهَا، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ وَلَوْ جَاءَتْ صَبِيَّةٌ مُمَيِّزَةٌ تَصِفُ الْإِسْلَامَ. لَمْ تُرَدَّ فَإِنْ بَلَغَتْ وَوَصَفَتْ الْكُفْرَ رُدَّتْ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ، وَمَالِهِ الْكَافِرُ، وَمَالُهُ فَيَجُوزُ شَرْطُ تَرْكِهِمَا وَبِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ وَالْمُسْلِمُ فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِمَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَ) جَازَ (بَعْدَ الْإِنْذَارِ) أَيْ: بَعْدَ إعْلَامِهِمْ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمَا مَرَّ أَوْ نَحْوِهِ وَإِبْلَاغِهِمْ مَأْمَنَهُمْ إنْ كَانُوا بِبِلَادِنَا (الْقِتَالُ) فَلَا يَجُوزُ اغْتِيَالُهُمْ، فَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِهِمْ جَازَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: مَا كَانَ) أَيْ: حَالٌ وَقَوْلُهُ: عِنْدَ مُنْصَرِفِهِ خَبَرٌ ثَانٍ لَكَانَ

(قَوْلُهُ: فَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ إلَخْ) وَزَالَتْ الْحَاجَةُ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ وَجَبَ إتْمَامُهَا عب (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ الْتِزَامُ الْمَالِ إلَخْ) يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا هَمَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إعْطَاءِ الْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ الصُّلْحَ عَلَى ثُلُثِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا حَكَاهُ أَرْبَابُ الْمَغَازِي

(قَوْلُهُ: وَمَالَهُ) يَنْبَغِي نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: أَسِيرٌ) خَرَجَ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ وَبِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ، وَالْمُسْلِمُ (قَوْلُهُ: كَافِرٌ) شَمِلَ الذِّمِّيَّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِهِمْ جَازَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذِكْرَ الشَّارِحِ لِهَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ غَيْرُ مُتَّجَهٍ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ عُرُوضِ النَّقْضِ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَأْتِي، وَأَمَّا فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَلَفَ فَالْوَجْهُ فِيهِ الْإِنْذَارُ مُطْلَقًا وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِثْلُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ لَكِنْ الرَّوْضُ وَأَصْلُهُ لَمْ يَذْكُرَا جَوَازَ الْقِتَالِ بِلَا إنْذَارٍ إذَا كَانُوا بِبِلَادِهِمْ إلَّا فِي مَسَائِلِ النَّقْضِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ فِي مَسَائِلِ الْفَسَادِ

ــ

[حاشية الشربيني]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 149

مَا أَتَوْا بِهِ نَاقِضٌ لِآيَةِ {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12] وَلِصَيْرُورَتِهِمْ حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا قَبْلَ الْمُهَادَنَةِ (وَنَفْي) نَحْنُ وُجُوبًا لَهُمْ (بِالشَّرْطِ إنْ صَحَّ وَإِنْ خَوْفٌ نُفِيَ) أَيْ: وَإِنْ زَالَ عَنَّا الْخَوْفُ الَّذِي عُقِدَ لِأَجْلِهِ وَمِثْلُهُ الضَّعْفُ وَيَسْتَمِرُّ الْوَفَاءُ (إلَى صُدُورِ النَّقْضِ مِنْهُمْ) أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.

قَالَ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] وَقَالَ {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] وَيَحْصُلُ النَّقْضُ بِالتَّصْرِيحِ بِهِ وَبِقِتَالِنَا وَبِمُكَاتَبَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لَنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ وَكُلَّمَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لِعَهْدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهُوَ نَاقِضٌ لِعَهْدِ الْهُدْنَةِ لِضَعْفِهَا، وَقُوَّةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَتَأَكُّدِهِ بِالْجِزْيَةِ وَلَوْ نَقَضَهُ بَعْضُهُمْ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ انْتَقَضَ فِيهِمْ أَيْضًا

(وَإِذَا أَمَارَةُ النَّقْضِ تَبَدَّتْ) أَيْ: ظَهَرَتْ مِنْهُمْ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ لَكِنْ (نُبِذَا) أَيْ: نَبَذَهُ الْإِمَامُ جَوَازًا. قَالَ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} [الأنفال: 58] الْآيَةَ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُنْبَذُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُؤَبَّدٌ؛ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا فِي قَبْضَتِنَا فَيَسْهُلُ التَّدَارُكُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ جَانِبُهُمْ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ وَجَرَوْا فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي عَلَى الْغَالِبِ مِنْ كَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِبِلَادِنَا، وَأَهْلِ الْهُدْنَةِ بِبِلَادِهِمْ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي جَوَازِ النَّبْذِ بِالْخَوْفِ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ (وَ) إذَا نَبَذَ عَهْدَهُمْ (أُنْذِرُوا) وَأُبْلِغُوا مَأْمَنَهُمْ قَبْلَ قِتَالِهِمْ إنْ كَانُوا بِبِلَادِنَا وَفَاءً بِالْعَهْدِ وَخَرَجَ بِظُهُورِ الْأَمَارَةِ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ فَلَا يُنْبَذُ بِهِ الْعَهْدُ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي إبْلَاغِ الْكَافِرِ الْمَأْمَنَ أَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ عَهْدِهِمْ وَنَلْحَقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالشَّرْطُ الصَّحِيحُ (كَرَدِّ) أَيْ: كَشَرْطِ رَدِّ (قَادِرٍ عَلَى) قَهْرِ (طَالِبِ مَنْ أَسْلَمَ) حَالَةَ كَوْنِهِ (حُرًّا رَجُلَا بِغَيْرِ جَبْرٍ) أَيْ: بِغَيْرِ إجْبَارٍ مِنَّا لَهُ عَلَى رَدِّهِ بَلْ نُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذْ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَذِكْرُ هَذَا الْقَيْدَ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَكَذَا ذِكْرُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ عَلَى طَالِبِهِ مُسْلِمًا حُرًّا رَجُلًا كَانَ أَوْضَحَ، وَعِبَارَةُ الْحَاوِي كَرَدِّ رَجُلٍ حُرٍّ قَادِرٍ عَلَى طَالِبِهِ وَخَرَجَ بِالْقَادِرِ عَلَى الطَّالِبِ غَيْرُهُ لِامْتِنَاعِ رَدِّهِ لِعَجْزِهِ وَبِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ فِيهِ بِمَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْمُسْلِمُ بَلْ لَوْ شُرِطَ إجْبَارُنَا لَهُ عَلَى رَدِّهِ صَحَّ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَبِالْحُرِّ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يُهِينُونَهُ وَيَسْتَرِقُّونَهُ وَلَا عَشِيرَةَ لَهُ تَحْمِيهِ وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ كَمَا مَرَّ حُكْمُهَا إذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تُزَوَّجَ بِكَافِرٍ؛ وَلِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الِافْتِتَانِ وَقَدْ. قَالَ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ وَكَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ وَبِالطَّالِبِ مَا لَوْ شَرَطَ رَدَّهُ بِغَيْرِ طَلَبٍ فَلَا يَصِحُّ

(وَلَهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ (أَنْ يَقْتُلَهْ) أَيْ: طَالِبَهُ (وَعُرِّفَ) جَوَازًا (الْجَوَازُ) لِقَتْلِهِ (بِالتَّعْرِيضِ لَهْ) لَا بِالتَّصْرِيحِ بِهِ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَدَّ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ فِي طَلَبِهِ رَجُلَانِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي الطَّرِيقِ، وَأَفْلَتَ الْآخَرُ» وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ عُمَرَ. قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رَدَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو إنَّ دَمَ الْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ (أَوْ ذِي) عُطِفَ عَلَى قَادِرٍ أَيْ: كَشَرْطِ رَدِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ قَادِرٍ عَلَى قَهْرِ طَالِبِهِ أَوْ ذِي (عَشِيرَةٍ) تَحْمِيهِ وَقَدْ (أَرَادَتْهُ) أَيْ: طَلَبَتْهُ إلَيْهَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ طَالِبِهِ كَمَا فِي قَضِيَّةِ أَبِي جَنْدَلٍ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَذُبُّونَ عَنْهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَالْمَرْأَةِ وَالْقِنِّ وَمَنْ لَا عَشِيرَةَ لَهُ، أَوْ لَهُ عَشِيرَةٌ لَمْ تَطْلُبْهُ وَإِنْ طَلَبَهُ غَيْرُهَا أَوْ طَلَبَتْهُ وَلَمْ تَحْمِهِ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَإِنْ وَصَفَ الْإِسْلَامَ فَذَاكَ أَوْ كُفْرًا لَا يُقِرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ أَوْ كُفْرًا يُقِرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمَ، أَوْ يَقْبَلَ الْجِزْيَةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ (وَلَنْ نَغْرَمَ لِلْغَيْرِ) أَيْ: لِأَجْلِ غَيْرِ مَنْ نَرُدُّهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى وَالْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَلَا نَغْرَمُ الْمُهُورَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَنَفْي بِالشَّرْطِ) لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ فَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا يَأْتِي مِنْ الشُّرُوطِ الصَّحِيحَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَقَضَهُ بَعْضُهُمْ إلَخْ) فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَإِنْ أَخَذُوا مَالًا أَوْ سَبُّوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَوْ آوَوْا عَيْنًا أَوْ قَتَلُوا مُسْلِمًا أَوْ تَجَسَّسُوا جَمِيعًا أَوْ بَعْضَهُمْ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ عَنْهُ انْتَقَضَ الْعَهْدُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ نَقْضًا وَبَيَّتُوا فِي بِلَادِهِمْ بِلَا إنْذَارٍ وَالنَّازِلُ بِنَا أَيْ: بِدَارِنَا مَا يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ. اهـ.

وَقَدْ تَقْتَضِي هَذِهِ الْعِبَارَةُ شُمُولَ تَبْلِيغِ الْمَأْمَنِ لِلنَّازِلِ بِدَارِنَا لِمَسْأَلَةِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ الْمَزِيدَةِ فِي الشَّرْحِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: انْتَقَضَ فِيهِمْ أَيْضًا) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ نَقْضًا

(قَوْلُهُ: وَاعْتَبَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَيَجُوزُ نَبْذُ الْعَهْدِ إلَيْهِمْ بِظُهُورِ أَمَارَةِ النَّقْضِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَكِنْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ بِذَلِكَ، وَكَلَامُ النَّظْمِ وَأَصْلُهُ يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانُوا بِبِلَادِنَا) الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي هَذَا أَنَّهُ قَيْدٌ مُضِرٌّ وَكَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَعَلَّهُ قَيْدٌ لِبَلَغُوا دُونَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: كَانَ أَوْضَحَ) لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْقَادُّ الْمَذْكُورُ وَالْعِبَارَةُ تُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُهُ

(قَوْلُهُ: رَدَّ أَبَا بَصِيرٍ إلَخْ) وَعَلِمَ عليه السلام ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ بَلْ ذَكَرَ مَا يُصَرِّحُ بِالْجَوَازِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَمَامِ الْقِصَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ كُفْرًا لَا يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يُعْقَدُ لِأَهْلِ الْجِزْيَةِ وَبِمَا يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ مَا يَعْقِدُ لَهُمْ الْجِزْيَةَ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: قَادِرٍ إلَخْ) ضَابِطُهُ كُلُّ مَنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ جَازَ شَرْطُ رَدٍّ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ. اهـ.

م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: بِالتَّعْرِيضِ) أَمَّا التَّصْرِيحُ فَيَمْتَنِعُ. اهـ.

شَرْحُ الرَّوْضِ أَيْ: لِمَكَانِ الْهُدْنَةِ نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ مَعَهُمْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ لَهُ التَّصْرِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُمْ أَمَانًا. اهـ.

م ر

ص: 150

وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا الْقِيَمَ وَإِنْ حَكَمَ بِعِتْقِ الْأَرِقَّاءِ لِعَدَمِ الْتِزَامِ رَدِّهِمْ وَلَوْ شَرَطَ الْتِزَامَ رَدِّهِمْ فَسَدَ الْعَقْدُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ} [الممتحنة: 10] أَيْ: الْأَزْوَاجَ {مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] أَيْ: مِنْ الْمُهُورِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ مُحْتَمَلٌ لِنَدْبِهِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ، وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا غُرْمُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ الْمَهْرَ؛ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ (وَ) كَشَرْطِ (نَفْيِ رَدِّ مَنْ يَرْتَدُّ) مِمَّنْ جَاءَهُمْ مُنَافَاتُهُ يَصِحُّ وَلَا نُكَلِّفُهُمْ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ حَيْثُ. قَالَ لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ جَاءَهُ رَسُولًا مِنْهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ مُسْلِمًا رَدَدْنَاهُ وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا فَسُحْقًا سُحْقًا» (لَا) كَشَرْطِ نَفْيِ رَدِّ (الْمَرْأَةِ) الَّتِي جَاءَتْهُمْ مِنَّا وَلَوْ مُرْتَدَّةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ احْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ بَلْ يَلْزَمُهُمْ رَدُّهَا وَالْمُرَادُ التَّخْلِيَةُ، وَتَمْكِينُهَا مِنْ الرُّجُوعِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ، وَهَذَا فِي الْمُرْتَدَّةِ وَجْهٌ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا عَنْ تَصْحِيحِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْأَظْهَرُ فِيهَا أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فَيَصِحُّ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهَا وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُسْتَثْنَى مَعَهَا شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا الْعَبْدُ فَيُرَدُّ عَلَى مَالِكِهِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ قِيمَتَهُ. ثَانِيهِمَا الْحُرُّ الْمَجْنُونُ الْمُرْتَدُّ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِمْ فِي حَالِ جُنُونِهِ فَلْنُطَالِبْهُمْ بِرَدِّهِ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ فَإِنْ ذَهَبَ عَاقِلًا، ثُمَّ جُنَّ هُنَاكَ لَمْ نُطَالِبْهُمْ بِرَدِّهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاخْتِيَارِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ الْمَجْنُونِ الِاخْتِيَارُ الصَّادِرُ عَنْ رَوِيَّةٍ وَتَأَمُّلٍ وَإِلَّا فَلَهُ اخْتِيَارٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا

(وَالْعَبْدُ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (انْقَلَبْ حُرًّا) أَيْ: عَتَقَ (بِكَوْنِهِ عَلَى النَّفْسِ غَلَبْ) أَيْ: غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِدَارِهِمْ بِقَهْرِهِ سَيِّدَهُ (ثُمَّ اهْتَدَى) أَيْ: أَسْلَمَ (وَجَاءَنَا) مُرَاغِمًا لَهُ قَبْلَ الْهُدْنَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى نَفْسِهِ مَلَكَهَا (أَوْ آمِنًا وَبَعْدَهُ يَغْلِبُهُمْ وَجَاءَنَا وَلَمْ نُهَادِنْ) أَيْ: أَوْ أَسْلَمَ وَغَلَبَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَجَاءَنَا قَبْلَ الْمُهَادَنَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ لِوُقُوعِ غَلَبَتِهِ حَالَ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ غَلَبَهُمْ وَجَاءَنَا بَعْدَهَا لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْظُورَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِيلَاءِ لَكِنْ لَا يُمَكَّنُ سَيِّدُهُ مِنْهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ فَذَاكَ وَإِلَّا بَاعَهُ الْإِمَامُ أَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَعْتَقَهُ مِنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُهُ لَهُمْ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ فِي ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَجِيئَهُ إلَيْنَا لَيْسَ شَرْطًا فِي عِتْقِهِ بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَتْ هُدْنَةً وَمُطْلَقًا إنْ لَمْ تَكُنْ فَلَوْ هَرَبَ إلَى مَأْمَنٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَوْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ أَوْ أَسْلَمَ، ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَهَا عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَجِئْنَا فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ مَجِيئِهِ إلَيْنَا مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُورَثُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا مَجِيئَهُ إلَيْنَا؛ لِأَنَّ بِهِ يُعْلَمُ عِتْقُهُ غَالِبًا

. (وَالْإِمَامُ يَحْمِي) الْمُهَادَنِينَ (عَنْ قَصْدِهِمْ) أَيْ: يَحْمِيهِمْ وُجُوبًا (مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّي) عَنْ أَنْ يَقْصِدَاهُمْ بِأَذًى وَلَيْسَ عَلَيْهِ مَنْعُ الْحَرْبِيِّ عَنْهُمْ وَلَا مَنْعُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْحِفْظُ لَا مُجَرَّدُ الْكَفِّ (وَيَضْمَنَانِ) أَيْ: الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ (نَفْسَهُمْ وَمَالَهُمْ) عِنْدَ إتْلَافِهِمَا لَهُمَا (وَعُزِّرَ الَّذِي بِقَذْفٍ نَالَهُمْ) مِنْهُمَا (وَكُلُّ مَنْ أَتْلَفَ مَالَ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ) بِزِيَادَةِ ذِمِّيٍّ عَلَى الْحَاوِي (مِنْهُمْ) صِلَةُ أَتْلَفَ (يَقُمْ بِالْغُرْمِ) لِلْمَالِكِ (وَاقْتُصَّ) مِنْهُ (بِالْقَتْلِ) أَيْ: بِقَتْلِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَكَذَا بِغَيْرِ الْقَتْلِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى (وَبِالْقَذْفِ) أَيْ: وَبِقَذْفِهِ لِأَحَدِهِمَا (يُحَدْ) لَوْ. قَالَ يُعَاقَبُ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ التَّعْزِيرَ (وَمُنْقِذًا لَهُمْ) أَيْ: وَمَالُهُمْ الْمُنْقَذُ (مِنْ الْحَرْبِ) إذَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ (رُدْ) أَيْ: رَدَّهُ لِلْإِمَامِ لُزُومًا، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِنْقَاذُهُ وَلَا دَفْعُ الْحَرْبِيِّ عَنْهُمْ كَمَا مَرَّ كَمَا يَرُدُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ) كَانَ وَجْهُ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَحْصُلْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ وَبَعْدَ الدُّخُولِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ الْمُقَابَلَةَ بِالْمَهْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَكَمَ بِعِتْقِ الْأَرِقَّاءِ) وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِمْ (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ) عِبَارَةُ الْمُحَلَّى الصَّادِقُ بِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَهُوَ أَقْعَدُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ) لِظَاهِرِ أَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى النَّدْبِ فَتَأَمَّلْ كَذَا بِهَامِشِ الْمَحَلِّيّ بِخَطِّ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهَا) قَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَجَازَ شَرْطُ عَدَمِ رَدِّهِ أَيْ: مُرْتَدٍّ جَاءَهُمْ مِنَّا وَلَوْ امْرَأَةً وَرَقِيقًا وَيَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ فَإِنْ عَادَ إلَيْنَا رَدَدْنَا لَهُمْ قِيمَةَ الرَّقِيقِ دُونَ مَهْرِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. اهـ.

بِاخْتِصَارِ الْأَدِلَّةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا إلَى مَا بَيَّنَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ مُنَازَعَةِ الْبُلْقِينِيِّ فِي تَغْرِيمِهِمْ الْمَهْرَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي انْفِسَاخَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَوَقُّفَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ فَإِلْزَامُهُمْ الْمَهْرَ مَعَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ أَوْ إشْرَافِهِ عَلَى الِانْفِسَاخِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِلَى مَا قَالَهُ هُوَ فِي صَيْرُورَةِ الْعَبْدِ مِلْكًا لَهُمْ مِنْ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِلْكَافِرِ. لَكِنْ الصَّحِيحُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) أَفْهَمَ أَنَّهُ عَلَى الْأَظْهَرِ لَا يَجِبُ رَدُّ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ الْمَجْنُونِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ فَصْلٌ عُقِدَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا أَيْ: مِنَّا صَحَّ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ رَدِّهِ فَنَاقِضُونَ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَرُدُّوهُ جَازَ وَلَوْ امْرَأَةً وَيَغْرَمُونَ مَهْرَهَا وَكَذَا قِيمَةُ رَقِيقٍ فَإِنْ عَادَ رَدَدْنَاهَا. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ فِي الشِّقَّيْنِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّرْطِ مِنْهُمْ مَعَ مُوَافَقَتِنَا عَلَيْهِ، أَوْ مِنَّا مَعَ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ) أَيْ: الْإِيمَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ أَمِنَ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ شَرَطَ لَهُمْ إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ

ص: 151