الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَأَتْلَفَتْ) قَبْلَ قَبْضِهَا (مَتَاعَا لِلْمُشْتَرِي) عَيَّنَهُ لِلثَّمَنِ أَمْ لَا (يَضْمَنُهُ مَنْ بَاعَا) أَيْ: الشِّيَاهَ (؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ) ، وَأَتْلَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ، فَيَضْمَنُهُ (ضَمَانَ) أَيْ: مِثْلَ ضَمَانِ (مَنْ تُعَارُ مِنْهُ) الْبَهِيمَةُ مَا أَتْلَفَتْهُ (لِمُعِيرِهَا إذَنْ) أَيْ: حِينَ أَتْلَفَتْهُ، وَهِيَ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْبَغَوِيّ بِكَوْنِهَا مُعَارَةً، بَلْ عَبَّرَ بِكَوْنِهَا مِلْكًا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَذِكْرُ النَّاظِمِ كَالشَّيْخَيْنِ الْمُعَارَةَ مِثَالٌ، أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَأَتْلَفَتْهُ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ مِلْكَهُ لَكِنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ أَلْقَى نُخَامَةً فِي الْحَمَّامِ فَزَلِقَ بِهَا آخَرُ ضَمِنَ إنْ أَلْقَاهَا فِي الْمَمَرِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَرْسَلَ الطُّيُورَ كَالْحَمَامِ فَكَسَرَتْ شَيْئًا، أَوْ الْتَقَطَتْ حَبًّا، فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِرْسَالِهَا.
(بَابُ السِّيَرِ)
جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَصَالَةً الْجِهَادُ الْمُتَلَقَّى تَفْصِيلُهُ مِنْ سِيَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَوَاتِهِ فَلِهَذَا تَرْجَمَ النَّاظِمُ كَكَثِيرٍ بِهَا وَبَعْضُهُمْ بِالْجِهَادِ وَبَعْضُهُمْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ
، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36]{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَكَانَ الْجِهَادُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُحَرَّمًا ثُمَّ أُمِرَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهَا بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ ثُمَّ أُبِيحَ الِابْتِدَاءُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ مُطْلَقًا
وَالْجِهَادُ قَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إنْ دَخَلُوا بِلَادَنَا أَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا يُتَوَقَّعُ فَكُّهُ فَفَرْضُ عَيْنٍ وَسَيَأْتِي، وَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا قَالَ (إنَّ الْجِهَادَ) مِنَّا لِلْكُفَّارِ (فِي أَهَمِّ الْأَمْكِنَهْ) إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْإِمَامُ مِنْهُ فِي جَمِيعِهَا وَفِي جَمِيعِهَا إنْ تَمَكَّنَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا عَيْنٍ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] الْآيَةَ ذَكَرَ فَضْلَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَإِنْ خَشِي) الْإِمَامُ (اللُّصُوصَ) فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ لِبِنَائِهِ عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَأَقَلُّهُ (فِي كُلِّ سَنَهْ) مَرَّةً (وَاحِدَةً) لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ مُنْذُ أُمِرَ بِهِ كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَأُحُدٍ فِي الثَّالِثَةِ، وَذَاتِ الرِّقَاعِ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْخَنْدَقِ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْمُرَيْسِيعِ فِي السَّادِسَةِ، وَفَتْحِ خَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ، وَمَكَّةَ فِي الثَّامِنَةِ، وَتَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِكَفِّ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَكَذَا سَهْمُ الْغُزَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَادٍ فِيهَا فَإِنْ دَعَتْ لِتَأْخِيرِهِ ضَرُورَةٌ بِأَنْ كَانَ بِنَا ضَعْفٌ أَوْ حَاجَةٌ كَأَنْ عَزَّ الزَّادُ أَوْ الْعَلَفُ فِي الطَّرِيقِ أُخِّرَ لِزَوَالِهَا وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: مِلْكًا لِغَيْرِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَصِيرُ) يُرَاجَعُ مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَضْمَنُ مُتْلَفَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ) يُرَاجَعُ.
[بَابُ السِّيَرِ]
(بَابُ السِّيَرِ)(قَوْلُهُ: أَصَالَةً) احْتِرَازٌ عَمَّا قُصِدَ تَبَعًا كَمَبَاحِثِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَمَبَاحِثِ السَّلَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَيْسَ احْتِرَازًا عَنْ السِّيَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلِهَذَا تَرْجَمَ النَّاظِمُ كَكَثِيرٍ بِهَا) فَكَانَ الْمَعْنَى بِأَنَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السِّيَرُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ الْجِهَادُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُحَرَّمًا إلَخْ) اُنْظُرْ كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ هُوَ يَعْنِي الْجِهَادَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَوْ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْكُفَّارُ بِبِلَادِهِمْ كُلُّ عَامٍ وَلَوْ مَرَّةً فَرْضُ كِفَايَةٍ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَأَقُولُ كَلَامُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ هُنَا، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ إذَا كَانَ الْكُفَّارُ بِبِلَادِهِمْ وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَرَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَذَاتِ الرِّقَاعِ فِي الرَّابِعَةِ إلَخْ) الْوَجْهُ أَنَّ الْخَنْدَقَ فِي الرَّابِعَةِ، وَذَاتَ الرِّقَاعِ فِي الْخَامِسَةِ بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ مِنْ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عُرِضَ فِي أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ، ثُمَّ عُرِضَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ» كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَضِيَّةَ ابْنِ عُمَرَ تَقْتَضِي أَنَّ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ فِي سَنَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ فَكَيْفَ تَكُونُ ذَاتُ الرِّقَاعِ بَيْنَهُمَا فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ أُحُدًا كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ وَذَاتَ الرِّقَاعِ فِي أَوَاخِرِ الرَّابِعَةِ وَالْخَنْدَقَ فِي أَثْنَاءِ الْخَامِسَةِ وَأَنَّ رَابِعَةَ عَشَرَ ابْنِ عُمَرَ كَانَتْ مُلَفَّقَةً مِنْ أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ وَأَوَائِلِ الرَّابِعَةِ وَخَامِسَةَ عَشَرَةَ مُلَفَّقَةً مِنْ بَقِيَّةِ الرَّابِعَةِ وَأَوَائِلِ الْخَامِسَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ فِي أُحُدٍ ابْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ أَنَّهُ طَعَنَ فِي الرَّابِعَةِ عَشَرَ، وَفِي الْخَنْدَقِ ابْنُ خَمْسَ عَشَرَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَهَا حِينَئِذٍ وَقَدْ صَدَقَ أَنَّ أُحُدًا، وَالْخَنْدَقَ فِي سَنَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ وَأَنَّ أُحُدًا فِي رَابِعَةِ عَشَرَ ابْنِ عُمَرَ وَالْخَنْدَقَ فِي خَامِسَةِ عَشَرِهِ وَأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاعِ بَيْنَهُمَا فِي الرَّابِعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ وَالْخَنْدَقُ فِي الرَّابِعَةِ وَذَاتُ الرِّقَاعِ، ثُمَّ دَوْمَةُ الْجَنْدَلِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْته عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِشَيْئَيْنِ إلَخْ)
ــ
[حاشية الشربيني]
بَابُ السِّيَرِ) (قَوْلُهُ: فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ، وَأُحُدٍ، ثُمَّ بَدْرٍ الصُّغْرَى، ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقِ فِي الرَّابِعَةِ، وَذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي السَّادِسَةِ، وَخَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ وَمُؤْتَةَ، وَذَاتِ السَّلَاسِلِ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فِي الثَّامِنَةِ وَتَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْتُهُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
اهـ.
يَشْحَنُ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِجَمَاعَةٍ يُكَافِئُونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ.
الثَّانِي: أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ دَارَ الْكُفْرِ غَازِيًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَيْشٍ يُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَصْلُحْ لِذَلِكَ (كَمَا تُزَارُ) أَيْ تُحْيَا (الْكَعْبَهْ) فَإِنَّ إحْيَاءَهَا بِالْحَجِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَالِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَالْحَجِّ لِحُصُولِ الْإِحْيَاءِ بِهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَجِّ إحْيَاءُ بِقَاعٍ أُخَرَ مِنْ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ فَكَانَ بِهِ إحْيَاؤُهَا (فَرْضٌ عَلَى كِفَايَةٍ) أَيْ الْجِهَادُ كُلُّ سَنَةٍ كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ وَقَوْلُهُ (كَالْحِسْبَهْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: كَالْقِيَامِ بِهَا فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ مُطْلَقًا كَالْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ وَ (مِثْلُ قِيَامِ الْحُجَجِ) أَيْ: الْقِيَامِ بِالْحُجَجِ (الْعِلْمِيَّهْ) كَإِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى صَحِيحِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَصِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَالْمُعَادِ، وَمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِالْحُجَجِ الْقَهْرِيَّةِ بِالسَّيْفِ (وَ) كَالْقِيَامِ (بِالْعُلُومِ إنْ تَكُنْ شَرْعِيَّهْ) بِأَنْ يَكُونَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّرِيعَةِ كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ وَأَسْمَاءِ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَوِفَاقِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا كَالْهَنْدَسَةِ وَالْهَيْئَةِ (وَ) كَالْقِيَامِ (بِالْفَتَاوَى) وَلَا يَكْفِي مُفْتٍ وَاحِدٌ لِلْإِقْلِيمِ لِعُسْرِ مُرَاجَعَتِهِ بَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَزِيدَ بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ (وَ) كَالْقِيَامِ (بِدَفْعِ الشَّكِّ) الْمُعَارِضِ فِي الِاعْتِقَادِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ مِثْلَ قِيَامِ الْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ (وَ) كَالْقِيَامِ بِدَفْعِ (الضُّرِّ عَنَّا) وَعَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَمَانِ بِإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَسَتْرِ الْعَارِي وَغَيْرِهِمَا إذَا لَمْ تَفِ بِذَلِكَ الزَّكَوَاتُ وَبَيْتُ الْمَالِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُوسِرِينَ.
قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهَلْ يَكْفِي سَدُّ الضَّرُورَةِ أَمْ يَجِبُ تَمَامُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ فِيهِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمَا فِي الْأَطْعِمَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ (وَالْقَضَاءِ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ بِأَنْ يَقُومَ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ بِقَضَاءِ نَاحِيَتِهِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُنْصِفٍ (وَالْمِلْكِ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْمِلْكِ أَيْ: بِالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى الْحَامِيَةِ بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ بِأَمْرِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ (وَالْحَمْلِ وَالْأَدَاءِ لِشَاهِدٍ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَبِأَدَائِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا (وَفِي أَمْرٍ بِعُرْفٍ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُحَرَّمَاتِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، ثُمَّ حَكَى تَبَعًا لَهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَنَّ أَمْرَهُ بِهَا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَجْهَانِ وَزَادَ قُلْت الصَّحِيحُ وُجُوبُهُ وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةُ الْعِيدِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَ شِعَارًا ظَاهِرًا. قَالَ الشَّارِحُ فِي تَحْرِيرِهِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ. اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ الثَّانِيَ مَحَلُّهُ فِي الْمُحْتَسِبِ
ــ
[حاشية العبادي]
صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ اجْتِمَاعِ الشَّيْئَيْنِ وَقَدْ بَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ فِي تَأْلِيفٍ لَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا تَخَلُّصَ مِنْهُ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: الْحُجَجِ) أَيْ: الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ: عَلَى أَقَلِّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ إقَامَةِ الْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ قَدْ لَا تُزِيلُ الشَّكَّ الْعَارِضَ لِغَيْرِ الْعَالِمِ بَلْ يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى التَّخَيُّلِ فِيهِ بِتَفَهُّمِ تِلْكَ الْحُجَجِ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ، وَبَيَانُ فَسَادِ تِلْكَ الشُّبَهِ الَّتِي أَوْرَثَتْ ذَلِكَ الشَّكَّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ أَوْجَهُ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) أَيْ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ إنْ عَلِمَ فَرْضِيَّتَهُ، وَإِنْ غَيْرُهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَإِنْ بَعُدَ مَحَلُّهُ، أَوْ قَصَّرَ فِي الْبَحْثِ عَنْ فَرْضِيَّتِهِ أَوْ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ لِقُرْبِ مَحَلِّهِ مِنْهُ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ فِي جَهْلِهِ بِهِ إذْ لَوْ بَحَثَ لَعَلِمَ. اهـ. حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ: كَالْحِسْبَةِ) قَالَ الشَّارِحُ الْعِرَاقِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مَخْصُوصًا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تُقَامُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ أَيْ: احْتِسَابِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ وَظِيفَةَ الْمُحْتَسِبِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَهُوَ مَذْكُورٌ بَعْدُ، وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةَ الْمُحْتَسِبِ لِذَلِكَ فَهُوَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَالْقِيَامِ بِالْفَتَاوَى) وَلَوْ لَمْ يُفْتِ وَهُنَاكَ مَنْ يُفْتِي وَهُوَ عَدْلٌ لَمْ يَأْثَمْ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِفْتَاءُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ بِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ بِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ بِخِلَافِهِ. اهـ.
شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَالْحَمْلِ) أَيْ: إنْ لَمْ يُدْعَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ. اهـ.
حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ فَرَاجِعْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَدَاءَ كَالتَّحَمُّلِ وَفِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ لمر يُشْتَرَطُ لِكَوْنِ التَّحَمُّلِ فَرْضَ كِفَايَةٍ حُضُورُ الْمُتَحَمِّلِ فَإِنْ دَعَا لَهُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي قَاضِيًا أَوْ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَحَلُّهُ فِي الْمُحْتَسِبِ) وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَسِبِ. اهـ.
شَرْحُ الرَّوْضِ
مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةُ خَاصَّةً فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِعِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ. قَالَ أَئِمَّتُنَا وَإِنَّمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَى إنْكَارِهِ لَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَرَى الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ فَكَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْإِنْكَارِ إذَا لَمْ يَرَ الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ بِحَدِّنَا لِلْحَنَفِيِّ بِشُرْبِهِ النَّبِيذَ مَعَ أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ لَمْ يَفْعَلْ مُنْكَرًا، وَالْحَدُّ لَا يُفِيدُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِالْقَوْلِ كَمَا لَا يُنْكِر عَلَى الْمَالِكِيِّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَإِنَّمَا حَدُّهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ أَدِلَّةَ عَدَمِ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَاهِيَةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ حَدِّنَا لِشَارِبِهِ وَعَدَمِ حَدِّنَا لِلْوَاطِئِ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ.
(وَمُهِمِّ الْحِرَفْ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ وَهِيَ مَا بِهِ قِيَامُ الْمَعَاشِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْكُنَاسَةِ، وَالْحِجَامَةِ وَقَدْ جُبِلَتْ النُّفُوسُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَثِّ عَلَيْهَا لَكِنْ لَوْ فُرِضَ امْتِنَاعُ النَّاسِ مِنْهَا أَثِمُوا لِكَوْنِهِمْ حِينَئِذٍ سَاعِينَ فِي هَلَاكِ أَنْفُسِهِمْ (وَرَدِّ تَسْلِيمٍ لِجَمْعٍ) أَيْ: وَكَالْقِيَامِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَى جَمْعٍ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحَيْثُ يَكُونُ اتِّصَالُهُ بِهِ كَاتِّصَالِ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ. قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وَرَوَى أَبُو دَاوُد «يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ» وَهَذَا إذَا سُنَّ السَّلَامُ فَإِنْ لَمْ يُسَنُّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ الْبَابِ لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْوَاحِدِ فَفَرْضُ عَيْنٍ (لَا) رَدُّ السَّلَامِ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى (نِسَا) جَمْعٍ أَوْ مُفْرَدَاتٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ كَمَا فِي عَكْسِهِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَالرَّدُّ فِيهِ حَرَامٌ، وَفِي عَكْسِهِ مَكْرُوهٌ وَمَحَلُّهُمَا إذَا حُرِّمَ النَّظَرُ كَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ، وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا مِلْكٌ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا خَارِجَةً عَنْ مَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَصِيغَةُ الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، أَوْ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ وَسَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَيَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ وَالْمِيمِ وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ قَالَ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِمَامُ: الرَّأْيُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلسَّلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ جَوَابًا لِلْعَطْفِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ مَا قَالَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ ذِمِّيٌّ لَمْ يَزِدْ فِي الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكَ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ ثَمَّةَ السَّلَامَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَنَا ابْتِدَاؤُهُ بِهِ بَلْ الْغَرَضُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ (وَكَجَهَازِ الْمَيْتِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ غُسْلًا، وَتَكْفِينًا وَصَلَاةً وَحَمْلًا وَدَفْنًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ (بِالتَّرْكِ أَسَا وَلَوْ لِجَاهِلٍ مَعَ التَّقْصِيرِ) أَيْ: بِتَرْكِ الْجِهَازِ أَثِمَ
(كُلْ مُكَلَّفٍ) وَلَوْ جَاهِلًا بِفَرْضِيَّتِهِ أَوْ بِتَرْكِ غَيْرِهِ لَهُ مَعَ تَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ كَمَا فِي تَرْكِ سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (حُرٍّ لَهُ عَيْنٌ) يَعْنِي بِتَرْكِهِ أَثِمَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ بَصِيرٍ (رَجُلْ وَاجِدِ لَأْمَةٍ) أَيْ: سِلَاحٍ (وَإِنْفَاقٍ) ذَهَابًا وَإِيَابًا وَرَاحِلَةٍ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ كَذَلِكَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ فَاضِلًا عَمَّا مَرَّ فِي الْحَجِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَحَجْ) فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ إلَّا السَّكْرَانُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْ ثَلَاثٍ وَلَا الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْجِهَادِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالذِّمِّيُّ بَذَلَ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا وَلَا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَيُجَابُ أَيْضًا إلَخْ) قَدْ يَقْتَضِي هَذَا الْجَوَابُ نَهْيَ الْآحَادِ لِلْحَنَفِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَرَدُّ تَسْلِيمٍ لِجَمْعٍ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَفِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَجْهَانِ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعُ لِأَنَّ السَّلَامَ عِبَادَةٌ وَهِيَ لَا تُقْصَدُ مِنْهُمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: اتِّصَالُهُ بِهِ) قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَاحِدِ) مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى نِسَاءٍ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامِ. (قَوْلُهُ: جَمْعٍ أَوْ مُفْرَدَاتٍ) يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى جَمْعِهِنَّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ (فَرْعٌ) وَسُنَّ السَّلَامُ لِلنِّسَاءِ مَعَ بَعْضِهِنَّ وَغَيْرِهِنَّ إلَّا مَعَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ أَفْرَادًا وَجَمْعًا فَيَحْرُمُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّابَّةِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَيُكْرَهَانِ أَيْ: ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ عَلَيْهَا نَعَمْ لَا يُكْرَهُ سَلَامُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الرِّجَالِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً ذَكَرَهُ فِي الْأَذْكَارِ لَا عَلَى جَمْعِ نِسْوَةٍ أَوْ عَجُوزٍ أَيْ: لَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ عَلَيْهِنَّ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ بَلْ يُنْدَبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْهُنَّ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَعَكْسُهُ وَيَجِبُ الرَّدُّ كَذَلِكَ وَذِكْرُ الِابْتِدَاءِ مِنْهُنَّ مَا عَدَا الْعَجُوزَ مِنْ زِيَادَتِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ) عُطِفَ عَلَى حَرُمَ النَّظَرُ وَقَوْلُهُ: عَجُوزًا يُفِيدُ وُجُوبَ رَدِّهَا وَالرَّدَّ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ وَالْمِيمِ) فِيهِ إطْلَاقٌ وَفِي الرَّوْضِ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِيغَةِ الِابْتِدَاءِ وَيَجُوزُ الْإِفْرَادُ لِلْوَاحِدِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَالْأَوْلَى مُرَاعَاةُ صِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَهُ لِيَحْصُلَ بِهَا التَّعْظِيمُ، أَمَّا الْإِفْرَادُ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يَكْفِي وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَاحِدِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ فِي صِيغَةِ جَمْعِ الرَّدِّ، ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِيغَةِ الرَّدِّ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ وَعَلَيْك السَّلَامُ لِلْوَاحِدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ الرَّأْيُ عِنْدَنَا إلَخْ) هَذَا فِي الْجَوَابِ، أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ، أَمَّا لَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَيْسَ بِسَلَامٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْمُتَوَلِّي. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِتَرْكِ غَيْرِهِ لَهُ) بَقِيَ الْجَهْلُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا الْكَافِرُ إلَخْ) هَلْ يُشْكِلُ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْإِثْمُ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الصَّلَاةِ) تَنْظِيرٌ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ لَا لِعَدَمِ الْإِثْمِ أَيْضًا لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ وَالْعِقَابُ عَلَيْهَا فَرْعُ الْعِصْيَانِ وَالْإِثْمِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: مِمَّا قَبْلَهُ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ فِيهِ حَرَامٌ) لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِ الشَّارِحِ إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ جَمْعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ الرَّجُلُ جَازَ
مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالْجِهَادِ كَمَا فِي الْحَجِّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ، وَالْمِلْكُ لَا يَقْتَضِي عُرْضَتَهُ لِلْهَلَاكِ نَعَمْ لِلسَّيِّدِ اسْتِصْحَابُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِلْخِدْمَةِ كَمَا فِي الْحَضَرِ وَلَا الْأَعْمَى لِعَجْزِهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا الْمَرْأَةُ لِضَعْفِهَا عَنْ الْقِتَالِ غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ»
وَلَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لِاحْتِمَالِهِ الْأُنُوثَةَ وَلَا الْعَاجِزُ عَنْ مُؤْنَةِ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا يُقَالُ هَذَا سَفَرُ مَوْتٍ فَلَا تُعْتَبَرُ مُؤْنَةُ الْإِيَابِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ غَالِبًا فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مُؤْنَةَ الْإِيَابِ انْكَسَرَ نَشَاطُهُ، وَلَا الْجَاهِلُ بِمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْبَحْثِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ كَمَا قَالَ (بِلَا ظُهُورِ مَرَضٍ مَا) بِزِيَادَةِ مَا لِلتَّعْمِيمِ وَالتَّأْكِيدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ أَوْ بِهِ مَرَضٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْ: خَفِيفٌ كَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ مَرَضُهُ بِأَنْ تَعَذَّرَ مَعَهُ الْقِتَالُ أَوْ شَقَّ مَعَهُ مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ (أَوْ) بِلَا ظُهُورِ (عَرَجْ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عَرَجٌ أَوْ بِهِ عَرَجٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُهُ الْمَشْيَ، وَمُكَادَحَةُ الْقَرْنِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ وَكَانَتْ الدَّابَّةُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَعَطَّلُ فَيَتَعَذَّرُ الْفِرَارُ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ أَيْضًا الْأَقْطَعُ وَالْأَشَلُّ وَفَاقِدُ مُعْظَمِ الْأَصَابِعِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَقْدَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ مَعًا أَوْ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ كَفَقْدِ مُعْظَمِ الْأَصَابِعِ، وَفَقْدُ الْأَنَامِلِ كَفَقْدِ الْأَصَابِعِ (وَ) بِلَا (مَنْعِ) رَبِّ الدَّيْنِ لِغَرِيمِهِ (ذِي الْيُسْرِ) مِنْ السَّفَرِ لِلْجِهَادِ (بِدَيْنٍ حَلَّا) بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ مَنَعَ الْمُعْسِرَ بِدَيْنٍ حَالٍّ إذْ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْحَالِّ فَخَرَجَ مَا إذَا مَنَعَ الْمُوسِرَ مِنْهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ فِي الْفَلَسِ كَمَنْعِ السَّفَرِ وَقَوْلُهُ ذِي الْيُسْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَ) بِلَا (مَنْعِ مُسْلِمٍ يَكُونُ أَصْلَا) لَهُ مِنْ السَّفَرِ لِلْجِهَادِ بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ إذْ لَا مَانِعَ حِينَئِذٍ أَوْ مَنَعَهُ أَصْلُهُ الْكَافِرُ لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ لِأَهْلِ دِينِهِ فَخَرَجَ مَا إذَا مَنَعَهُ مِنْهُ أَصْلُهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ عَلَا وَكَانَ رَقِيقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مَعَ وُجُودِ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ بِرَّهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُسْتَأْذِنِهِ فِي الْجِهَادِ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْجِهَادِ عِنْدَ سُكُوتِ رَبِّ الدَّيْنِ وَالْأَصْلِ الْمُسْلِمِ عَنْ الْمَنْعِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا
(كَمِنْ بَوَادٍ) جَمْعُ بَادِيَةٍ أَيْ: كَمَا أَنَّ لِلْأَصْلِ مَنْعَ فَرْعِهِ مِنْ سَفَرِهِ فِي بَادِيَةٍ (أَخْطَرَتْ) أَيْ: مُخْطِرَةٌ (وَالْيَمِّ) أَيْ: الْبَحْرِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ (لِلِاتِّجَارِ) كَمَا فِي الْجِهَادِ (لَا) سَفَرُهُ (لِكَسْبِ الْعِلْمِ) فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِالْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ فَكَسَفَرِ الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَحَبْسَهُ بَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي الْجِهَادِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ، وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ بِبَلَدِهِ وَيَجُوزُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَتَوَقَّعَ فِي السَّفَرِ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادَ أُسْتَاذٍ أَوْ غَيْرَهُمَا كَمَا لَمْ يُقَيَّدُ الْحُكْمُ فِي سَفَرِ التِّجَارَةِ بِمَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا بِبَلَدِهِ بَلْ اكْتَفَى بِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رِبْحٍ أَوْ رَوَاجٍ أَمَّا السَّفَرُ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَيْ لَا يَنْقَطِعَ مَعَاشُهُ وَيَضْطَرِبَ أَمْرُهُ (وَلَوْ) كَانَ أَصْلُهُ (كَفُورًا) أَيْ: كَافِرًا فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرِهِ فِي الْبَادِيَةِ الْمُخْطِرَةِ وَالْيَمِّ وَنَحْوِهِمَا لِلتِّجَارَةِ لَا لِلْعِلْمِ وَسَوَاءٌ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ لِشُمُولِ مَعْنَى الْبِرِّ وَالشَّفَقَةِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّفَرِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ شَامِلٌ لِلْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إنَّ الْقَصِيرَ لَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ (وَيَعُودُ) الْمَأْذُونُ لَهُ مِنْ الْغَرِيمِ وَالْفَرْعِ مِنْ سَفَرِهِ (إنْ رَجَعْ) أَيْ: الْآذِنُ لَهُ عَنْ إذْنِهِ (بِخَبَرٍ) أَيْ: يَعُودُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِ خَبَرِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ إنْ أَمِنَ نَفْسًا وَمَالًا وَانْكِسَارَ قُلُوبِنَا وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْإِمَامِ بِجُعْلٍ
، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ الِاكْتِفَاءُ بِبُلُوغِ الْكِتَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْإِثْمِ وَلُزُومَ التَّرْكِ ثَابِتَانِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِنَابَةِ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْهَا كَوُجُودِهَا (قَوْلُهُ: مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ) دَخَلَ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ) وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ الْأَمْنُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الصَّنِيعِ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ كَذَا سَفَرُ خَطَرٍ لِتِجَارَةٍ لَا عِلْمٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ: يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَصْلِ لَكِنْ عَبَّرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِقَوْلِهِ أَيْ: لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ أَيْ: لِطَلَبِ الْعِلْمِ مَعَ الْأَمْنِ إذْنُهُمْ أَيْ: أُصُولُ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ) وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِ السَّفَرِ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ ظَاهِرٌ بِحَيْثُ يَسْقُطُ وُجُوبُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا السَّفَرُ الَّذِي يَغْلِبُ الْأَمْنُ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا لِكَسْبِ الْعِلْمِ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ الْأَمْنُ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ إذَا غَلَبَ الْهَلَاكُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ: كَافِرًا) أَيْ: فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُبَالَغَةُ
ــ
[حاشية الشربيني]
لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ
(قَوْلُهُ: يَكُونُ أَصْلًا لَهُ) وَلَوْ أَبْعَدَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ وَإِذْنِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ طَوِيلًا بِلَا عُذْرٍ فَيَحْرُمُ إلَّا بِالْإِذْنِ. اهـ.
حَجَرٌ وَسَمِّ
يُوَجَّهُ بِاعْتِمَادِ الْقَرَائِنِ وَقَدْ يُمْنَعُ وَطُرُوِّ إسْلَامِ الْأَصْلِ بَعْدَ السَّفَرِ كَرُجُوعِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَجَدُّدُ الدَّيْنِ كَرُجُوعِ رَبِّ الدَّيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَيَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْأُولَى بِأَنْ يَأْمُرَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالْعَوْدِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي الثَّانِيَةِ فَلَا يَأْثَمُ بِاسْتِمْرَارِ السَّفَرِ عِنْدَ سُكُوتِ الْأَصْلِ وَرَبِّ الدَّيْنِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ (لَا مِنْ قِتَالٍ) أَيْ: لَا يَعُودُ مِنْهُ (لَوْ شَرَعْ) فِيهِ بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ وَقَدْ بَلَغَهُ خَبَرُ الرُّجُوعِ لِوُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] ؛ وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ يُشَوِّشُ أَمْرَ الْقِتَالِ (وَحَلَّ قَرْيَةً لِعَجْزِ آيِبُ) أَيْ: وَأَقَامَ وُجُوبًا الْعَائِدُ فِي قَرْيَةٍ فِي طَرِيقِهِ بِبُلُوغِ خَبَرِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ لِخَوْفِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يَعُودَ الْجَيْشُ لِحُصُولِ غَرَضِ الرَّاجِعِ مِنْ عَدَمِ حُضُورِ الْقِتَالِ
(وَيُنْصِفُ الْإِمَامُ إذْ يُنَاوِبُ) أَيْ: فِي الْمُنَاوَبَةِ فَلَا يَتَحَامَلُ عَلَى طَائِفَةٍ فَيُلْزِمُهَا بِالْخُرُوجِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَعَ تَرْكِهِ غَيْرَهَا
(وَيَسْتَعِينُ كَافِرًا) أَيْ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِكَافِرٍ (إنْ أُمِنَا) خِيَانَتَهُ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَيَفْعَلُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ أَفْرَادِهِمْ فِي جَانِبِ الْجَيْشِ أَوْ اخْتِلَاطِهِمْ بِهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
(وَ) يَسْتَعِينُ (بِمُرَاهِقٍ) وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى فِيهِمْ غِنَاءٌ فِي الْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ كَسَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْقَفَّالُ عَنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي جَوَازَ إحْضَارِ الذُّرِّيَّةِ مُطْلَقًا إلَّا مَنْ لَا يُمَيِّزُ كَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِلْهَلَاكِ بِلَا نَفْعٍ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ حَيٌّ مُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ فَإِذْنُهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْبَالِغِ فَفِي الْمُرَاهِقِ أَوْلَى وَيُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ قَوْلِهِ (وَعَبْدٍ أُذِنَا) بِجَعْلِ الْأَلْفِ لِلتَّثْنِيَةِ أَيْ: وَيَسْتَعِينُ بِالْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ إنْ أَذِنَ لِلْمُرَاهِقِ وَلِيُّهُ وَلِلْعَبْدِ سَيِّدُهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ مُكَاتَبًا كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إنْ كَانَا حُرَّيْنِ فَكَالْمُرَاهِقِ فِي اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ أَوْ رَقِيقَيْنِ فَكَالْعَبْدِ فِي اسْتِئْذَانِ السَّيِّدِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الرَّقِيقَ يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِ لَا أَصْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُبَعَّضِ إذْنُ أَصْلِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَإِذْنُ سَيِّدِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ
(وَمَنْجَنِيقٍ) أَيْ: وَيَسْتَعِينُ بِمَنْجَنِيقٍ (وَبِنَارٍ وَبِمَا) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ بِهِ النَّارُ وَالْمَاءُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ فَلَوْ تَحَصَّنَ بِحَرَمِهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا) فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ صِيَانَةً لِلْأَكْثَرِ وَلِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً؛ وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ فَلَا يَحْرُمُ الْقِتَالُ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِ فِيهَا كَمَا لَا تَحِلُّ دَارُنَا بِكَوْنِ الْمُشْرِكِ فِيهَا؛ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ مَنْ فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنْ هَلَكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ رُزِقَ الشَّهَادَةَ
(وَلِلْإِمَامِ وَلِغَيْرِهِ طَلَبْ تَرْغِيبِ مُسْلِمٍ) فِي الْجِهَادِ (بِبَذْلِهِ الْأُهَبْ) لَهُ أَيْ: الْعُدَّةَ مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ فَيَنَالُ ثَوَابَ الْإِعَانَةِ لِخَبَرِ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا» وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَلَا يَجُوزُ تَرْغِيبُهُ إلَّا لِلْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى اجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَخُونُ وَقَدْ مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ لِلْإِمَامِ اسْتِئْجَارَ الذِّمِّيِّ لِذَلِكَ دُونَ الْآحَادِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ طَلَبُ تَكْمِلَةٍ
(وَلَوْ قَهَرَ الْإِمَامُ ذِمِّيًّا) أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا (عَلَى خُرُوجِهِ) لِلْجِهَادِ فَخَرَجَ وَقَاتَلَ فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ وَاجِبَةٌ لَهُ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَهَا (لَا) إنْ قَهَرَ (مُسْلِمًا) حُرًّا عَلَى ذَلِكَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ قَاتَلَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَذَا أَطْلَقُوهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ الذَّهَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، أَمَّا الْقِنُّ فَتَجِبُ أُجْرَتُهُ مِنْ وَقْتِ إخْرَاجِهِ إلَى عَوْدِهِ إلَى سَيِّدِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَذَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْنِيَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِئْجَارِهِ إنْ قُلْنَا لَا فَهُوَ كَالْحُرِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ إذَا وَطِئَ الْكُفَّارُ بِلَادَنَا وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ تَعَيُّنُهُ عَلَيْهِ فِيمَا ذُكِرَ وَعَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي الْحُرِّ يُقَالُ هُنَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَإِلَّا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بَعْدَ السَّفَرِ) أَيْ: لِلْجِهَادِ وَقَوْلُهُ: كَرُجُوعِهِ أَيْ: عَنْ الْإِذْنِ
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُرَاهِقِ وَقَدْ يَشْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَدَمَ النَّفْعِ لَكِنْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فَلَا نَفْعَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْجَوَازِ) أَيْ: فِي الْمُرَاهِقِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ: الْمُرَاهِقِ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ إنْ أَذِنَ إلَخْ) وَنِسَاءٌ بِإِذْنِ الْأَزْوَاجِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِ) الْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ إذْنِهِ (قَوْلُهُ: فِي اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَفِي مَعْنَى الْمُرَاهِقِينَ النِّسَاءُ الْأَقْوِيَاءُ بِإِذْنِ مَالِكِ أَمْرِهِنَّ. اهـ.
وَيُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَاتِ وَأَنَّ الْمُتَزَوِّجَاتِ يُعْتَبَرُ إذْنُ أَزْوَاجِهِنَّ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِهِ النَّارُ وَالْمَاءُ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ إتْلَافِهِمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنْ الظَّاهِرُ خِلَافُهُ شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ) إلَّا لِضَرُورَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ خُرُوجُ قِتَالِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا دُخُولُهُ
(قَوْلُهُ: مُدَّةَ الذَّهَابِ) أَيْ: فَقَطْ حَجَرٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَقَدْ يُمْنَعُ) جَرَى فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَلَى الْمَنْعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ قِتَالٌ كَمَا فِي الْعِرَاقِيِّ
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) بِأَنْ وَطِئَ الْكُفَّارُ بِلَادَنَا أَوْ كَانُوا فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ
فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ إلَى سَيِّدِهِ (وَقَاتَلَا) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ وَقَوْلُهُ: (فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ بِخُمْسِ الْخُمْسِ لَهُ) جَوَابُ لَوْ أَدَّى، وَلَوْ قَهَرَ الْإِمَامُ ذِمِّيًّا عَلَى الْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لِلذَّهَابِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَاتَلَ (وَلِلذَّهَابِ) لَا لِلْإِيَابِ وَالْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ (حَيْثُ لَا مُقَاتِلَهْ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ رَاضِيًا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ سَمَّى لَهُ أُجْرَةً فَمِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَهُ الرَّضْخُ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا مَرَّ وَفَارَقَ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ طَائِعًا بِلَا مُسَمًّى فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فَجُعِلَ فِي الْقِسْمَةِ مَعَهُمْ، وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُ رَاضِيًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ أَصْلًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ لِلْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ بِحُضُورِهِ الصَّفَّ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ
(وَإِنْ لِدَفْنِ مَيِّتٍ وَغُسْلِهِ عَيَّنَ) الْإِمَامُ (شَخْصًا) فَقَامَ بِهِ (كَانَ) لَهُ (أَجْرُ مِثْلِهِ مِنْ تَرِكَاتِ الْمَيْتِ، ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ (ارْتَبَطَا) أَيْ: الْأَجْرُ (بِمَالِ بَيْتِ الْمَالِ)، ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ (سَقَطَا) أَيْ: الْأَجْرُ يَعْنِي لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ فَرْضًا عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ اسْتَدْرَكَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَأَطْلَقَ مُطْلِقُونَ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالتَّفْصِيلُ حَسَنٌ فَلْيُحْمَلْ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ
(لَهُ) أَيْ: وَلِلْإِمَامِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ (فَقَطْ) أَيْ: لَا الْآحَادِ (قَتْلُ الْأَسِيرِ الْكَامِلِ أَيْ: رَجُلٍ لَيْسَ رَقِيقًا) أَيْ: حُرٍّ (عَاقِلِ) بِضَرْبِ رَقَبَتِهِ (وَالْمَنُّ) عَلَيْهِ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ (وَالْفِدَاءُ) لَهُ (بِالْأَمْوَالِ وَالنَّاسُ) الْأَسْرَى مِنَّا (وَالْإِرْقَاقُ) لَهُ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَرْبَعَةِ (وَفْقَ) أَيْ: عَلَى وَفْقِ (الْحَالِ) أَيْ: بِالْمَصْلَحَةِ لَا بِالتَّشَهِّي فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَفْعَلَ مِنْهَا مَا هُوَ الْأَحَظُّ لَنَا فَإِنْ لَمْ تَتَبَيَّنْ لَهُ الْمَصْلَحَةُ حَبَسَهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ لَهُ وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمْ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ فَقَطْ تَأْكِيدٌ.
(ثُمَّ الْفِدَاءُ وَرِقَابُهُمْ) إذَا أُرِقُّوا (كَمَا يَغْنَمُ) أَيْ: كَالْغَنِيمَةِ فِيمَا مَرَّ فِيهَا وَيَجُوزُ فِدَاءُ مُشْرِكٍ أَوْ أَكْثَرَ بِمُسْلِمٍ أَوْ أَكْثَرَ
(وَاعْصِمْ دَمَهُ) أَيْ: الْأَسِيرِ مِنْ الْقَتْلِ (إنْ أَسْلَمَا) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَيَبْقَى الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي كَمَا أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْإِعْتَاقِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَبْقَى مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي فِدَائِهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُمْ عِزٌّ أَوْ عَشِيرَةٌ يَسْلَمُ بِهَا دِينُهُ وَنَفْسُهُ (وَ) إنْ أَسْلَمَ (قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ) بِهِ الْإِمَامُ فَاعْصِمْ مَعَ دَمِهِ (مَالًا) لَهُ مِنْ أَخْذِهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَالْوَلَدْ) أَيْ: وَوَلَدَهُ (الطِّفْلَ وَالْمَجْنُونَ) الْحُرَّيْنِ مِنْ السَّبْيِ وَإِنْ سَفَلَا وَكَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا تَبَعًا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) أَيْ: دُونَ وُقُوفِهِ فِي الصَّفِّ كَمَا هُوَ قِيَاسُ الْحُرِّ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وَجَبَتْ لَهُ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ أَيْ: دُونَ الْإِيَابِ وَالْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ) أَيْ: فَخَرَجَ وَقَاتَلَ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إلَخْ) هَلْ مَحَلُّهُ إذَا سَمَّى الْإِمَامُ لَهُ الْأُجْرَةَ وَلَوْ تَعْرِيضًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَالْفَرْضُ أَنْ لَا إكْرَاهَ أَوْ لَا فَرْقَ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَزِيدُ التَّرْغِيبِ فِي هَذِهِ
الْمَصْلَحَةِ
الْعَامَّةِ، ثُمَّ وَقَعَ الْبَحْثُ مَعَ م ر فَأَخَذَ بِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ سَقَطَا) هَلَّا وَجَبَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ بَعْدَ بَيْتِ الْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مُطْلَقًا وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْفَاعِلَ لَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْغَرَضِ لَمْ يَجِبْ لَهُ فَرْضٌ عَلَى غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَاعْصِمْ دَمَهُ إنْ أَسْلَمَا) سَكَتَ عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْصِمُهُ إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ وَعَنْ الْوَلَدِ لِلْعِلْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ رَقِيقًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ الظَّفَرِ إذْ الْمَلْحَظُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَبَسَطَهُ فِي شَرْحِهِ لِلْمِنْهَاجِ وَعَنْ زَوْجَتِهِ وَلَا يَعْصِمُهَا كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا يَأْتِي فِيمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الظَّفَرِ وَعَنْ عَتِيقِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ عِبَارَةِ الرَّوْضِ وَالْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يَعْصِمُهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي فِدَائِهِ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا إذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ فَإِنْ طَلَبَ الْإِقَامَةَ عِنْدَنَا لَمْ يُشْتَرَطْ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: فَاعْصِمْ مَعَ دَمِهِ) أَيْ: نَفْسِهِ عَنْ الْقَتْلِ وَكَذَا عَنْ الرِّقِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: مَالًا) شَامِلٌ لِلْمُخَلَّفِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَقْوَى مِنْ الْأَمَانِ (قَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ) أَيْ: لِتَبَعِيَّتِهِ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَيَمْتَنِعُ إرْقَاقُهُ قَالَ فِي التَّكْمِلَةِ، وَمِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ يُؤْخَذُ عِصْمَتُهُ بِإِسْلَامِ الْأُمِّ وَحُكِيَ قَوْلٌ أَنَّ إسْلَامَ الْأُمِّ لَا يَعْصِمُ أَوْلَادَهَا الصِّغَارَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ صَحَّ فَيُشْبِهُ أَنَّهَا لَا تَتْبَعُ الْوَلَدَ فِي الْإِسْلَامِ. اهـ.
وَالطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ بِخِلَافِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ (قَوْلُهُ: الْحُرَّيْنِ) خَرَجَ الرَّقِيقَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ لِغَيْرِهِ فَأَمْرُهُمَا
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَاعْصِمْ دَمَهُ) أَيْ: دُونَ مَالِهِ وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ»
لَهُ (وَالْمُعْتَقَ) أَيْ: وَعَتِيقَهُ مِنْ السَّبْيِ وَالْإِرْقَاقِ لِئَلَّا يَبْطُلَ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَهُ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (قَدْ) أَيْ: فَقَطْ تَكْمِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ (لَا الْعِرْسَ) أَيْ: زَوْجَتَهُ فَلَا تَعْصِمُهَا بِإِسْلَامِهِ مِنْ السَّبْيِ وَالْإِرْقَاقِ لِاسْتِقْلَالِهَا وَتُفَارِقُ عَتِيقَهُ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِأَسْبَابٍ: مِنْهَا حُدُوثُ الرِّقِّ، وَأَمَّا زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّةُ فَصَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ عَدَمَ جَوَازِ إرْقَاقِهَا مَعَ تَصْحِيحِهِ جَوَازَهُ فِي زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ إرْقَاقِهَا تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَازِ كَمَا سَوَّى بَيْنَ عَتِيقِ مَنْ أَسْلَمَ وَعَتِيقِ الْمُسْلِمِ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ (فَرْعٌ)
عَلَى عَدَمِ عِصْمَةِ الْحَرْبِيَّةِ بِإِسْلَامِ زَوْجِهَا وَالتَّرْجَمَةُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ (سَبْيُهَا) أَيْ: زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ، وَكَذَا زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ (النَّكْحَ قَطَعْ) أَيْ: قَطَعَ نِكَاحَهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ سُبِيَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ لِزَوَالِ مِلْكِهَا عَنْ نَفْسِهَا فَزَوَالُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا أَوْلَى وَلِامْتِنَاعِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكَافِرَةَ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (كَالسَّبْيِ فِي الزَّوْجَيْنِ) الْحُرَّيْنِ (أَوْ فَرْدٍ) مِنْهُمَا إذَا (وَقَعْ) فَإِنَّهُ يَقْطَعُ نِكَاحَهَا لِعُمُومِ خَبَرِ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» إذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَ الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرِهَا وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ وَكَانَ كَامِلًا أَنْ يَرِقَّهُ الْإِمَامُ فَلَوْ مَنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَدَاهُ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ لِعَدَمِ الْإِرْقَاقِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَعَ تَكْمِلَةً (لَا) السَّبْيُ (فِي) الزَّوْجَيْنِ (الرَّقِيقَيْنِ وَفَرْدٍ) أَيْ: أَوْ فِي فَرْدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ إذَا لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا وَالْآخَرُ حُرًّا فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ سُبِيَا أَوْ الْحُرُّ وَحْدَهُ وَأَرَقَّهُ الْإِمَامُ فِيهِمَا إذَا كَانَ زَوْجًا كَامِلًا انْقَطَعَ النِّكَاحُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ أَوْ الرَّقِيقِ وَحْدَهُ فَلَا لِعَدَمِ حُدُوثِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (مَسْبِيّ) صِفَةُ فَرْدٍ وَهُوَ تَكْمِلَةٌ (وَكَاَلَّذِي يَقْهَرُ) هـ (شَخْصٌ حَرْبِي يَرِقُّ غَيْرُهُ) أَيْ: وَيَرِقُّ غَيْرُ الْأَسِيرِ الْكَامِلِ بِنَفْسِ الْأَسْرِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً كَمَا يَرِقُّ الْحَرْبِيُّ الْمَقْهُورُ لِحَرْبِيٍّ آخَرَ بِنَفْسِ الْقَهْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْهُورُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ وَاسْتِيلَاءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّهَا دَارُ إنْصَافٍ فَلَوْ قَهَرَ الْحَرْبِيُّ الْعَتِيقُ مُعْتِقَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ صَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ قَهَرَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ مَلَكَهُ وَصَارَ حُرًّا وَسَيِّدُهُ عَبْدًا، أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، أَوْ الْمَدِينُ رَبَّ الدَّيْنِ سَقَطَ. قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الْقَهْرِ قَصْدَ الْمِلْكِ وَعِنْدِي لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَدْ يَكُونُ الْقَهْرُ لِلِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا مُمَيِّزَ
. (وَلَوْ) كَانَ الْأَسِيرُ أَوْ الْمَقْهُورُ (مَنْ حَرَّرَهْ ذُو ذِمَّةٍ) أَيْ: ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ يَرِقُّ بِخِلَافِ مَنْ حَرَّرَهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ الْتَحَقَ بِدَارِهِمْ جَازَ إرْقَاقُهُ فَعَتِيقُهُ أَوْلَى (أَوْ حَمَلَتْ مِنَّا الْمَرَهْ) الْمَسْبِيَّةُ فَإِنَّهَا تَرِقُّ بِالْأَسْرِ؛ لِأَنَّهَا حَرْبِيَّةٌ كَغَيْرِهَا وَلَا يَمْنَعُ إسْلَامُ وَلَدِهَا بِتَبَعِيَّةِ الْأَبِ رِقَّهَا
(وَالدَّيْنُ مِمَّا بَعْدَ رِقِّيَّتِهِ نَغْنَمُ يُقْضَى) أَيْ: وَيُقْضَى الدَّيْنُ اللَّازِمُ لِمَنْ رُقَّ بِالْأَسْرِ أَوْ بِالْإِرْقَاقِ مِمَّا نَغْنَمُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ رِقِّهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْغَنِيمَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِالرِّقِّ كَمَا يُقْضَى دَيْنُ الْمُرْتَدِّ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنْ غَنِمْنَاهُ قَبْلَ رِقِّهِ أَوْ مَعَهُ اسْتَحَقَّيْنَاهُ وَلَا يُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ فَهُوَ (فِي ذِمَّتِهِ) إلَى أَنْ يُعْتَقَ (إلَّا) إنْ كَانَ (لِحَرْبِيٍّ) فَيَسْقُطُ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ نَعَمْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ لِسَابِيهِ فَسُقُوطُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَمَلَكَهُ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَعَقَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَأَخَذَ شَيْئًا اخْتِلَاسًا أَوْ بِسَرِقَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْلِكُ السَّابِي مِنْ الْمَسْبِيِّ إلَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَلَى
ــ
[حاشية العبادي]
تَابِعٌ لِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَهُمَا مَعْصُومَانِ أَوْ كَافِرًا ذِمِّيًّا فَكَذَلِكَ أَوْ حَرْبِيًّا فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَقُ) فَرْضُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ الظَّفَرِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِهِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الظَّفَرِ وَعَبَّرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِمَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِقَبْلِ الظَّفَرِ وَلَا بِبَعْدِهِ وَعَبَّرَ فِي الْمِنْهَاجِ بِمُسْلِمٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لَا يَرْتَفِعُ) قَدْ يَرِدُ جَوَازُ إرْقَاقِ عَتِيقِ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: فَصَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ) اُنْظُرْ هَذَا التَّقْيِيدَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ) لَعَلَّ هَذَا عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَا عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فُرَادَى وَأُرِقَّ) إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ وَفِي شُمُولِهِ لِلزَّوْجَةِ تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ زَوْجًا كَامِلًا) أَيْ: بِخِلَافِ غَيْرِ الْكَامِلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إرْقَاقِ الْإِمَامِ لِرِقِّهِ بِنَفْسِ الْأَسْرِ فَيَنْقَطِعُ النِّكَاحُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمَقْهُورُ كَامِلًا) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسَرْنَا كَامِلًا لَا يُرَقُّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلْيُحَرَّرْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِهَذِهِ التَّفْرِقَةِ
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ كَانَ لِحَرْبِيٍّ)، ثُمَّ قَوْلُهُ: الْآتِي إنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ حَرْبِيٍّ حَاصِلُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُتَدَايِنَانِ حَرْبِيَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِإِرْقَاقِ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ) أَيْ: كُلُّهُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْ: بَلْ يَسْقُطُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا السُّقُوطُ بِنِسْبَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَسْرِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إلَّا بِحَقِّهَا» وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غَنِيمَةٌ. اهـ.
م ر
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِانْتِقَالِهِ لِلْغَانِمِينَ فِي الْأَوَّلِ أَيْ: إذَا غَنِمَ قَبْلَ الرِّقِّ وَلِتَعَلُّقِ الْغَنِيمَةِ بِالْعَيْنِ فِي الثَّانِي فَيُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ كَمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهَيْنِ إلَخْ) الرَّاجِحُ مِنْهُمَا السُّقُوطُ م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ إلَخْ) مُرَادُ الْفَاعِلِ بِالسُّقُوطِ أَنَّهُ يَسْقُطُ فِيمَا
الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ فَلَا يَمْلِكُ مِنْ الْمَسْبِيِّ إلَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْكَامِلِ، أَمَّا الْكَامِلُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَدَيْنُهُ) أَيْ: الْحَرْبِيِّ الَّذِي رُقَّ (سَقَطْ إنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ حَرْبِيٍّ) آخَرَ كَمَا لَوْ رُقَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ الْحَرْبِيُّ مُلْتَزِمًا حَتَّى يُطَالَبَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَيُطَالَبُ بِهِ كَمَا يُطَالَبُ بِوَدَائِعِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَاهَدَ كَالْحَرْبِيِّ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَقَطْ) تَكْمِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ وَلَوْ
(أَسْلَمَ أَوْ أُمِّنَ حَرْبِيَّانِ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنُ عَقْدٍ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ (لَا يَكُونُ دَيْنَ عَقْدِ ذَيْنِ) أَيْ: الْحَرْبِيَّيْنِ (مُهْمَلَا) بَلْ يَبْقَى لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ فَاسْتُدِيمَ حُكْمُهُ كَمَا فِي أَحْكَامِ عُقُودِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْعَقْدِ دَيْنُ الْإِتْلَافِ وَنَحْوُهُ فَيَسْقُطُ كَمَا مَرَّ إذْ لَا الْتِزَامَ وَلَا عَقْدَ يُسْتَدَامُ وَالْإِتْلَافُ نَوْعُ قَهْرٍ كَيْفَ وَإِتْلَافُ مَالِ الْحَرْبِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ يُفْهِمُ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَوْ أَمِنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَدَيْنُهُ سَقَطَ إنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ حَرْبِيٍّ (كَذَا) تَبْقَى (إجَارَةُ السَّبْيِ) بِمَعْنَى الْمَسْبِيِّ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ حَيْثُ (تَجْرِي) أَيْ: تَقَعُ إجَارَتُهُ (لِمُسْلِمٍ) إلْحَاقًا لِلْمَنَافِعِ بِالْأَعْيَانِ وَيُخَالِفُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ فَإِنَّهَا تُسْتَبَاحُ وَلَا تُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ إلَّا الذِّمِّيَّ وَالْمُعَاهَدَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا كَالْمُسْلِمِ فِيمَا ذُكِرَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى دَيْنِ عَقْدٍ قَوْلَهُ (لَا دَيْنَ عَقْدِ خَمْرِ) بِأَنْ عَقَدَ بِخَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ مَالًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فَلَوْ اقْتَرَضَ خَمْرًا أَوْ ابْتَاعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُقَابِلُهَا
(وَاكْرَهْهُ) أَنْتَ أَيْ: الْجِهَادَ (لَا الْبِرَازَ) لَهُ (إنْ بِهِ) أَيْ: بِالْجِهَادِ (اسْتَبَدَّ) أَيْ: اسْتَقَلَّ الشَّخْصُ بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْإِمَامُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْبِرَازِ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْن رَوَاحَةَ وَابْنَيْ عَفْرَاءَ رضي الله عنهم بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وَكَذَا لَا يُسْتَحَبُّ فَإِنْ طَلَبَ كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ حِينَئِذٍ إضْعَافًا لَنَا وَتَقْوِيَةً لَهُمْ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ مِمَّنْ جَرَّبَ نَفْسَهُ وَعَرَفَ قُوَّتَهُ وَأَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يَدْخُلْ بِقَتْلِهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا بِهَزِيمَةٍ تَحْصُلُ لَنَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَنَا وَالْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدًا وَلَا فَرْعًا مَأْذُونًا لَهُمَا فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ فِي الْبِرَازِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لَهُمَا ابْتِدَاءً وَإِجَابَةً وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ (كَقَتْلِ ذِي قُرْبَى) أَيْ: قَرِيبٍ لِلْمُجَاهِدِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ
(وَ) قَتْلِ (مَحْرَمٍ) لَهُ (أَشَدْ) كَرَاهَةً مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]«وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةُ يَوْمَ بَدْرٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ» نَعَمْ إنْ سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ «أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ»
(وَنَقْلِ) أَيْ: وَكَنَقْلِ (نَحْوِ رَأْسِ كَافِرٍ) كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَنْكَرَ عَلَى فَاعِلِهِ وَقَالَ لَمْ يُفْعَلْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا رُوِيَ مِنْ حَمْلِ رَأْسِ أَبِي جَهْلٍ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي ثُبُوتِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا حُمِلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ لَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ لِيَنْظُرَ النَّاسُ إلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُوا مَوْتَهُ وَاسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَكْثَرُهُمْ وَلَفْظَةُ نَحْوِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ
(وَإِنْ يُهْلِكْ مَا حُصُولُهُ لَنَا) أَيْ: وَكَأَنْ يُهْلِكَ الْمُجَاهِدُ مَا (يُظَنُّ) حُصُولَهُ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ وَالْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلنَّصِّ بِأَنَّهُ يَنْدُبُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه نَهَى عَنْهُ نَعَمْ إنْ احْتَجْنَا إلَى إهْلَاكِهِ فَلَا كَرَاهَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5] » الْآيَةَ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ حُصُولَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
مَا مَلَكَ مِنْهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ حَرْبِيٍّ) أَيْ: سَوَاءٌ رُقَّ أَيْضًا أَوْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ رُقَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ) أَيْ: لِحَرْبِيٍّ (قَوْلُهُ: فَيُطَالَبُ بِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَيُوقَفُ فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَفَيْءٌ. اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ مِلْكِ السَّيِّدِ لِذَلِكَ وَمُطَالَبَتِهِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: قَوْلِهِ لَيْسَ الْحَرْبِيُّ مُلْتَزِمًا
(قَوْلُهُ: أَوْ أَمِنَ) بِجِزْيَةٍ أَوْ تَأْمِينٍ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْوِ نَحْوُ تَلَفِ الْوَدِيعَةِ، وَالرَّهْنِ بِتَقْصِيرٍ وَقَوْلُهُ: فَيَسْقُطُ كَمَا مَرَّ أَيْنَ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ: فَلَا يَسْقُطُ فَمَعَ إسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ (قَوْلُهُ: كَذَا إجَارَةُ السَّبْيِ) فِيهِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِسَبْيِ الْمُؤَجِّرِ (قَوْلُهُ: تَجْرِي لِمُسْلِمٍ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْحَرْبِيِّ نَفْسَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَكَذَا عَكْسُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْإِرْشَادِ وَبَطَلَ بِحُدُوثِ رِقٍّ لَا نَقْلِهِ نِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَدَيْنٍ لَا عَلَى مُلْتَزِمٍ أَوْ لَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَتْلِ مَحْرَمٍ أَشَدُّ) قَالَ الشَّارِحُ الْعِرَاقِيُّ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا غَيْرَ قَرِيبٍ فَقَالَ شَيْخُنَا ابْنُ النَّقِيبِ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِ. اهـ.
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي حَاشِيَتِهِ تَعْلِيلُ الْوَسِيطِ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْقَرِيبِ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ قَدْ يُقَالُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ الْمَحْرَمِ غَيْرِ الْقَرِيبِ وَقَدْ يُمْنَعُ. اهـ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ إلَخْ) رَوَاهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ أَنْكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: مَا إذَا كَانَ فِيهِ نِكَايَةٌ) بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُسَنُّ حِينَئِذٍ حَجَرٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
يَخْتَصُّ بِالسَّابِي دُونَ مَا يُقَابِلُ الْخُمُسَ إذْ هُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيُكْرَهُ) نَقَلَ ز ي عَنْ الشَّارِحِ الْحُرْمَةَ
لَنَا لَمْ يُكْرَهْ إتْلَافُهُ مُغَايَظَةً لَهُمْ وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ تُفْتَحْ بِلَادُهُمْ فَإِنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَنَا أَوْ لَهُمْ حَرُمَ إهْلَاكُهُ.
(وَاقْتُلْ رِجَالًا عَقَلُوا) أَيْ: عُقَلَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قِتَالٌ وَلَا رَأْيٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] بِخِلَافِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْخَنَاثَى وَالْمَجَانِينِ لِلنَّهْيِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتْلِ الْأَوَّلَيْنِ وَإِلْحَاقِ الْأَخِيرَيْنِ بِهِمَا نَعَمْ إنْ قَاتَلُوا أَوْ سَبُّوا الْمُسْلِمِينَ قُتِلُوا وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ (وَ) اُقْتُلْ (الْفَرَسَا لِحَاجَةٍ) إلَى قَتْلِهَا لِدَفْعِهِمْ أَوْ لِلظَّفَرِ بِهِمْ أَوْ لِخَوْفِنَا بَعْدَ أَنْ غَنِمْنَاهَا أَنْ يَأْخُذُوهَا وَيُقَاتِلُونَا عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْ خُيُولِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهَا نَعَمْ يُذْبَحُ الْمَأْكُولُ لِلْأَكْلِ خَاصَّةً لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(وَإِنْ تَتَرَّسُوا النَّسَا إلَّا لِدَفْعٍ وَبِقَوْمٍ) أَيْ: وَإِنْ تَتَرَّسُوا فِي الْقِتَالِ لِلْغَلَبَةِ عَلَيْنَا بِنِسَائِهِمْ أَوْ نَحْوِهِمْ كَصِبْيَانِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ أَوْ بِقَوْمٍ (مِنَّا فِي صَفِّهِمْ) وَدَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى ضَرْبِ التُّرْسِ فِي الصُّورَتَيْنِ كَأَنْ كَانُوا بِحَيْثُ (لَوْ تُرِكُوا انْهَزَمْنَا)
ضُرِبَ التُّرْسُ
كَمَا سَيَأْتِي لِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى الْإِضْرَارِ بِنَا، أَمَّا إذَا تَتَرَّسُوا بِهِمْ دَفْعًا لَنَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَاحْتَمَلَ الْحَالُ تَرْكَهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الضَّرْبُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِيهِمَا لَكِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الضَّرْبِ فِي الْأُولَى كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَإِنْ أَصَابَ نِسَاءَهُمْ وَنَحْوَهُنَّ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَعَلَى هَذَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلنَّاظِمِ عَلَى طَرِيقَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ إلَّا لِدَفْعٍ عَمَّا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى طَرِيقَتِهِ إنَّمَا هُوَ
بِالضَّرُورَةِ
وَعَدَمِهَا لَا بِخُصُوصِ الدَّفْعِ وَعَدَمِهِ وَتَتَرُّسُهُمْ بِذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ كَتَتَرُّسِهِمْ بِمُسْلِمٍ وَأَوْلَى بِجَوَازِ الضَّرْبِ (لَا) إنْ تَتَرَّسَ (كَافِرٌ) وَاحِدٌ (بِمُسْلِمٍ) فَلَا يَضْرِبُ التُّرْسَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ وَإِنْ خِفْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ لَا يُبَاحُ بِالْخَوْفِ وَأَرَادَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَعُمَّ الْخَوْفُ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْكَفِّ مَفْسَدَةٌ كُلِّيَّةٌ وَإِلَّا فَلَهُ الضَّرْبُ إذْ يُحْتَمَلُ فِي الْكُلِّيَّاتِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَقَوْلُهُ (فَيُضْرَبُ تُرْسٌ) جَوَابُ الشَّرْطِ كَمَا تَقَرَّرَ.
(وَمِنْ صَفِّ الْقِتَالِ يَذْهَبُ) أَيْ: يَنْصَرِفُ جَوَازًا مَنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ (حَيْثُ عَلَى الْمِثْلَيْنِ) أَيْ: مِثْلَيْنَا (زَادُوا) أَيْ: الْكُفَّارُ (فِي الْعَدَدْ) فَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى مِثْلَيْنَا بِأَنْ كَانُوا مِثْلَيْنَا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ لَنَا الِانْصِرَافُ وَإِنْ كُنَّا رَجَّالَةً وَهُمْ خَيَّالَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وَسَوَاءٌ ظَنَّ الْهَلَاكَ بِالثَّبَاتِ أَمْ لَا إذْ الْغُزَاةُ يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فَفُسِّرَتْ التَّهْلُكَةُ فِيهِ بِالْكَفِّ عَنْ الْغَزْوِ بِحُبِّ الْمَالِ وَبِالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ وَبِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الثَّبَاتِ لِلْمِثْلَيْنِ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا وَمَنْ لَا جِهَادَ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ مُطْلَقًا وَخَرَجَ بِالصَّفِّ مَا لَوْ لَقَى مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي طَلَبَهُمَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ وَالثَّبَاتِ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَمَاعَةِ لَكِنْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَظْهَرُ بِمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْصِرَافُ فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا مِثْلُ مَعْنَى التَّنْزِيلِ (لَا) أَيْ: لَا تَنْصَرِفُ (مِائَةٌ) مِنَّا (مِنْ مِائَتَيْنِ وَأَحَدْ) مِنْهُمْ (إذْ حِزْبُنَا لَا هُمْ) أَيْ: حِينَ يَكُونُ حِزْبُنَا (مِنْ الْأَبْطَالِ) دُونَ حِزْبِهِمْ بِأَنْ يَكُونُوا ضُعَفَاءَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ وَمِنْ هُنَا يَجُوزُ أَنْ تَنْصَرِفَ مِائَةٌ ضُعَفَاءُ مِنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَبْطَالًا وَحَيْثُ جَازَ الِانْصِرَافُ وَغَلَبَ ظَنُّ الْهَلَاكِ بِالثَّبَاتِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الثَّبَاتِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لَكِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: جَوَازُ الضَّرْبِ فِي الْأُولَى) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَيَمْتَنِعُ إلَّا إنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ
بِالضَّرُورَةِ
وَعَدَمِهَا) أَيْ: فَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ضَرْبِ التُّرْسِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالصَّفِّ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا لَوْ قَصَدَ الْكُفَّارُ بَلَدًا فَتَحَصَّنَ أَهْلُهُ إلَى مَجِيءِ مَدَدٍ وَحُصُولِ قُوَّةٍ فَلَا يَأْثَمُونَ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَنْ فَرَّ بَعْدَ اللِّقَاءِ
ــ
[حاشية الشربيني]
وَيُفِيدُهَا قَوْلُ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ
(قَوْلُهُ: فِي صَفِّهِمْ) قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ خَرَجَ مَا لَوْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ فِي قَلْعَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَفٍّ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُمْ وَإِنْ خَافَ الرَّامِي عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْجُزْئِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الضَّرْبِ فِي الْأُولَى إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ وَالْفَرْقُ حُرْمَةُ الدِّينِ وَالْعَهْدِ. اهـ.
شَرْحٌ م ر
(قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ) مِثْلُهُ مُسْلِمَانِ وَبَقِيَ مَا إذَا لَقِيَ ثَلَاثَةٌ سِتَّةً؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جَمَاعَةٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَرْعٌ.
الثَّبَاتُ إنَّمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَقِيَ مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ جَازَ الْفِرَارُ (قَوْلُهُ: فَلَهُ الِانْصِرَافُ) مُعْتَمَدُ ع ش
نِكَايَةٌ وَجَبَ الْفِرَارُ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُسْتَحَبُّ الثَّبَاتُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ تَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا ذُكِرَ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعِبْرَةُ عِنْدَ مَنْ اسْتَثْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَنَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَغْلِبُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ أَنَّا نُقَاوِمُ مَنْ بِإِزَائِنَا مِنْ الْعَدُوِّ الزَّائِدِ عَلَى مِثْلَيْنَا وَنَرْجُو الظَّفَرَ بِهِمْ (وَلَا) يَحْرُمُ الِانْصِرَافُ (لِلِانْحِرَافِ لِلْقِتَالِ) كَأَنْ يَقْصِدَ أَنْ يَكْمُنَ فِي مَوْضِعٍ وَيَهْجُمَ أَوْ يَفِرَّ مِنْ مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسَعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ أَوْ يَنْصَرِفَ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ (وَلَا إذَا لِفِئَةٍ) مِنَّا (تَحَيُّزًا) لِيَسْتَنْجِدَ بِهَا عَلَى الْقِتَالِ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] وَعِبَارَةُ الْحَاوِي وَلِتَحَرُّفٍ لِقِتَالٍ وَتَحَيُّزٍ إلَى فِئَةٍ بِدُونِ لَا وَهِيَ أَنْسَبُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إذْ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَيَنْصَرِفُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الضَّعْفِ وَلِلتَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَوْ لِلتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ وَسَوَاءٌ قَرُبَتْ الْفِئَةُ أَمْ بَعُدَتْ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ؛ وَلِأَنَّ عَزْمَهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْقِتَالِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ.
(وَإِنْ بِهَذَا) أَيْ: بِتَحَيُّزِهِ إلَى فِئَةٍ (تَنْكَسِرْ) أَيْ: الْفِئَةُ الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا (مَا جُوِّزَا) أَيْ: لَا يُجَوِّزُ التَّحَيُّزَ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْحَالِ مَجْبُورًا بِعَزْمِهِ (وَلَا يُقَاتِلْ) أَيْ: الْمُتَحَيِّزُ إلَى فِئَةٍ أَيْ: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ (مَعَهَا) إذَا عَادَتْ (مَهْمَا) أَيْ: إنْ (بَدَا) لَهُ عَدَمُ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّ عَزْمَهُ الْعَوْدَ إلَى الْقِتَالِ رَخَّصَ لَهُ الِانْصِرَافَ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدُ وَالْجِهَادُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ
(وَ) يَنْصَرِفُ (عَاجِزٌ) عَنْ الْقِتَالِ (بِمَرَضٍ) أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ) مَنْ (نَفِدَا) بِالْمُهْمَلَةِ أَيْ: ذَهَبَ (سِلَاحُهُ) وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَجَرٍ يَرْمِي بِهِ (أَوْ فَرَسٌ) لَهُ (مَاتَ بِلَا قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِتَالِ رَاجِلَا) وَذَلِكَ لِعُذْرِهِمْ
(وَذُو تَحَيُّزٍ لِذَاتِ الْبُعْدِ مَا شَارَكَ) أَيْ: وَالْمُتَحَيِّزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ فِئَتِهِ لَا يُشَارِكُهَا (فِيمَا فِي الْفِرَاقِ غَنِمَا) أَيْ: فِيمَا غَنِمَتْهُ فِي حَالَةِ فِرَاقِهِ لَهَا لِعَدَمِ نُصْرَتِهِ وَشَارَكَهَا فِيمَا غَنِمَتْهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ لِبَقَاءِ نُصْرَتِهِ وَخَرَجَ بِالْبَعِيدَةِ الْقَرِيبَةُ فَيُشَارِكُ الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا فِيمَا غَنِمَتْهُ مُطْلَقًا لِذَلِكَ وَكَالْمُتَحَيِّزِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُتَحَرِّفُ لِقِتَالٍ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا عَنْ الِاسْتِغَاثَةِ
(وَلَوْ أَسَرْنَا ذَا صِبَا أَوْ خُنْثَى) أَوْ مَجْنُونًا أَوْ قِنًّا (فَقِيمَةٌ) لَهُ تَجِبُ (فِي قَتْلِهِ) عَلَى قَاتِلِهِ لِصَيْرُورَتِهِ مَالًا مُحْتَرَمًا بِالْأَسْرِ (كَالْأُنْثَى) يَجِبُ بِقَتْلِهَا قِيمَتُهَا لِذَلِكَ (كَكَامِلٍ) قَتْلٍ (مِنْ قَبْلِ حُكْمِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ فِيهِ (بِمَا مَرَّ) فَإِنَّهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ كَذَا قَالَهُ كَأَصْلِهِ وَلَا يُعْرَفُ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى التَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ لَهُ وَهُوَ حُرٌّ إلَى أَنْ يَرِقَّهُ الْإِمَامُ وَخَرَجَ بِمَا قَبْلَ الْحُكْمِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ سِوَى التَّعْزِيرِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ أَرَقَّهُ ضَمِنَهُ قَاتِلُهُ بِقِيمَتِهِ وَتَكُونُ غَنِيمَةً وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي مَأْمَنِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ بَعْدَ حُصُولِهِ فِيهِ هُدِرَ دَمُهُ وَإِنْ فَدَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْإِمَامِ فِدَاءَهُ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِطْلَاقِهِ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَسْرِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ
(وَ) ، أَمَّا (كُتْبًا) بِإِسْكَانِ التَّاءِ مُخَفَّفًا مِنْ ضَمِّهَا (نَفْعُهَا قَدْ حُرِّمَا) كَكُتُبِ الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ وَالْهَجْوِ (فَاغْسِلْ) وُجُوبًا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهَا مَعَ بَقَاءِ وَرَقِهَا لِرِقَّتِهِ مُزِّقَتْ وَلَا تُحْرَقُ لِلتَّضْيِيعِ؛ لِأَنَّ لِلْمَزْقِ قِيمَةً وَإِنْ قَلَّتْ، وَمِمَّا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كُتُبُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِكَوْنِهَا مُبْدَلَةً وَإِنَّمَا تُقَرُّ بِيَدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِاعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَلَا يُشْكِلُ تَحْرِيمُ التَّحْرِيقِ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ الْقُرْآنَ جَمَعَ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ وَأَحْرَقَهُ أَوْ أَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِانْتِشَارِ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهَا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى
(وَيَسْتَبْسِطُ مَنْ لِلْوَقْعَةِ يَشْهَدُ قَبْلَ قَسْمِهِ وَالرَّجْعَةِ لِعَامِرِ الْإِسْلَامِ فِيمَا يُلْفَى لِمَأْكَلٍ وَلِاعْتِلَافٍ عُرْفَا) أَيْ: وَلِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنَّا قَبْلَ قَسْمِ الْمَغْنَمِ وَقَبْلَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَجَرٍ يَرْمِي بِهِ) وَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ جَوَازِ الِانْصِرَافِ عِنْدَ فَقْدِ السِّلَاحِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ ضَعِيفٌ وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ لَكِنْ الرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا خِلَافُهُ
(قَوْلُهُ: فَيُشَارِكُ الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا) فِي الصَّبْغِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ كَأَصْلِهِ) حَمَلَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ عَلَى مَا إذَا أَمَّنَهُ آسِرُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ أَحَدٌ وَجَبَ عَلَيْهِ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَعْصُومٌ بِأَمَانٍ، وَالتَّشْبِيهُ الَّذِي فِي الْحَاوِي وَالْبَهْجَةِ فِي مُطْلَقِ الضَّمَانِ أَوْ يُرَادُ بِالْقِيمَةِ مَا يَشْمَلُ الدِّيَةَ تَجَوُّزًا (قَوْلُهُ: ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ) اُنْظُرْ لَوْ زَادَتْ الدِّيَةُ عَلَى قَدْرِ الْفِدَاءِ
(قَوْلُهُ: وَلَا تُحَرَّقْ) أَيْ: يَحْرُمُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُقَرُّ بِيَدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ) قَدْ يُشْعِرُ بِحُرْمَةِ اتِّخَاذِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: أَمْ بَعُدْت) قَالَ م ر وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ الْبَعِيدَةِ بِأَنْ تَكُونَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ الْمَارِّ فِي التَّيَمُّمِ. اهـ.
وَعَلَيْهِ فَلَا اسْتِشْهَادَ بِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ رضي الله عنه بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِيمَا نَابَهُ؛ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِمُسْلِمٍ دُونَ مُجَاهِدٍ (قَوْلُهُ: مَا جُوِّزَا) اعْتَمَدَهُ م ر
رُجُوعِهِ لِعَامِرِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَبَسَّطَ فِيمَا يُوجَدُ مِنْ الْمَغْنَمِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَنَا وَيُعْلَفُ لِلدَّوَابِّ فِي الْعُرْفِ وَلَوْ مِنْ فَاكِهَةٍ وَشَعِيرٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى. قَالَ أَصَبْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ طَعَامًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ كُنَّا نَصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ عِزَّتُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ لَهُ عَنَّا فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ وَقَدْ تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ يَكْفِيهِ أَمْ لَا لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. قَالَ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَضِيقَ مَنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فَلِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِمْ. قَالَ وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلْحَاقًا لِدَارِهِمْ فِيهِ بِالسَّفَرِ فِي التَّرَخُّصِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّا لَوْ جَاهَدْنَاهُمْ فِي دَارِنَا امْتَنَعَ التَّبَسُّطُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلٍّ لَا يَعِزُّ فِيهِ الطَّعَامُ لِمَا سَيَأْتِي
وَخَرَجَ بِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مَنْ لَحِقَ الْعَسْكَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يَتَبَسَّطُ كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا، وَبِقَبْلِ الْقِسْمَةِ مَا بَعْدَهَا لِثُبُوتِ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِهَا كَذَا عَبَّرُوا بِالْقِسْمَةِ هُنَا وَالْوَجْهُ التَّعْبِيرُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا سَيَأْتِي وَبِقَبْلِ الرُّجُوعِ لِعَامِرِ الْإِسْلَامِ مَا بَعْدَهُ أَيْ: وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ لِانْتِهَاءِ الْحَاجَةِ الْمُرَخِّصَةِ حِينَئِذٍ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الشِّرَاءِ وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدِ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِنَا وَبِمَا يُؤْكَلُ وَيُعْلَفُ فِي الْعُرْفِ أَيْ: عُمُومًا مَا عَدَاهُ مِنْ نَحْوِ مَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَشَحْمٍ لِدُهْنِ الدَّوَابِّ وَمِنْ نَحْوِ فَانِيدٍ وَسُكَّرٍ وَأَدْوِيَةٍ تَنْدُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ وَيَحْرُمُ إطْعَامُ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الدَّوَابِّ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَابَّتَانِ فَأَكْثَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَفَ الْجَمِيعِ، وَقِيلَ لَا يَأْخُذُ إلَّا لِوَاحِدٍ كَمَا لَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ (وَ) يَتَبَسَّطُ فِي (حَيَوَانِ الْأَكْلِ) كَالْأَطْعِمَةِ (قَدْرًا كَانَا) أَيْ: يَتَبَسَّطُ فِيمَا ذُكِرَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ (كِفَايَةً) فِي الْعُرْفِ فَإِنْ زَادَ عَلَى قَدْرِهَا لَزِمَهُ قِيمَةُ الزَّائِدِ وَمَا يَأْخُذُهُ لِلتَّبَسُّطِ (يَمْلِكُهُ مَجَّانَا) أَيْ: بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَا قَالَهُ كَأَصْلِهِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ لَكِنْ أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ كَالضَّيْفِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمَا يَمْلِكُ بِهِ الضَّيْفُ مَا قُدِّمَ لَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ النَّاظِمِ وَأَصْلِهِ عَلَيْهِ
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامَ نَفْسِهِ، وَيَصْرِفَ الْمَأْخُوذَ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى كَمَا لَا يَتَصَرَّفُ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ (وَإِنْ أَضَافَ غَانِمًا) آخَرَ مِمَّا أَخَذَهُ لِلتَّبَسُّطِ فَلَا تَعَرُّضَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَمُّلُ التَّعَبِ عَنْهُ (أَوْ أَقْرَضَا) لَهُ مِنْهُ (بِبَدَلٍ مِنْهُ فَلَا تَعَرُّضَا) عَلَيْهِ وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ مَا دَامَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ عَنْهُ مَجَّانًا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ أَيْ: مِمَّا غَنِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قَرْضًا مَحْضًا إذْ الْآخِذُ لَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ حَتَّى يَمْلِكَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ جَاءَ بِبَدَلِهِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِالْمَمْلُوكِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمَغْنَمِ بَدَلُهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ (وَ) الضِّيَافَةُ وَالْإِقْرَاضُ مِمَّا أَخَذَهُ لِلتَّبَسُّطِ (لِسِوَاهُ) أَيْ: لِغَيْرِ الْغَانِمِ (كَبِغَصْبٍ) أَيْ: كَالضِّيَافَةِ بِالْمَغْصُوبِ وَالْإِقْرَاضِ مِنْهُ فَيَضْمَنُهُ الْمُتْلِفُ، وَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ لَهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ وَلَوْ بَاعَهُ لِغَانِمٍ آخَرَ فَهُوَ إبْدَالُ مُبَاحٍ بِمُبَاحٍ كَلَقْمِ الضِّيفَانِ وَكُلٌّ أَحَقُّ بِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ تَبَايَعَا صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَلَيْسَ رِبًا إذْ لَا مُعَاوَضَةَ مُحَقَّقَةٌ.
(رَدَّا عَمَّا كَفَاهُ فَاضِلَا) أَيْ: وَرَدَّ الْمُتَبَسِّطُ وُجُوبًا إلَى الْمَغْنَمِ الْفَاضِلَ عَنْ كِفَايَتِهِ (وَالْجِلْدَا) أَيْ: جِلْدَ مَا ذَبَحَهُ لِلْأَكْلِ مَا لَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ
(وَ) غَانِمٌ (مُعْرِضٌ) عَنْ حَقِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ مُسْتَوٍ مَعَ فَقْدِهِ كَمَا سَيَأْتِي أَيْ: قُدِّرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ فَتُضَمُّ حِصَّتُهُ إلَى الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ مِنْ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالذَّبُّ عَنْ الْمِلَّةِ، وَالْغَنَائِمُ تَابِعَةٌ فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا فَقَدْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْغَرَضِ الْأَعْظَمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْغَنِيمَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ الِاخْتِيَارِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا يَمْلِكُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَمَلَّكَ فَأَشْبَهَ حَقُّهُ حَقَّ الشُّفْعَةِ فَسَقَطَ حَقُّهُ بِالْإِعْرَاضِ (حُرٌّ رَشِيدٌ كُلِّفَا) فَلَا يَصْلُحُ إعْرَاضُ مُقَابِلِيهِمْ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ فِيمَا غَنِمَهُ الْقِنُّ إنَّمَا هُوَ لِسَيِّدِهِ وَسَيَأْتِي صِحَّةُ إعْرَاضِهِ وَلَوْ رَشَدَ السَّفِيهُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ صَحَّ إعْرَاضُهُمْ حِينَئِذٍ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَوْ سَفِهَ الرَّشِيدُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بَلَدُ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى بَلَدِ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ خَارِجٍ عَنْ دَارِهِمْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ دَارِهِمْ وَخَارِجِهَا (قَوْلُهُ: سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ) وَلَوْ تَرَكَ الرَّدَّ حَتَّى وَصَلَ لِبِلَادِ الْإِسْلَامِ رَدَّهُ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَى الْمُقْرِضِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ مَا دَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ بِرّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ: بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ سَيِّدُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَلَا يَظْهَرُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ فِي حَقِّهَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ. اهـ.
وَكَأَنَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْمُفْلِسِ الَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ جَوَازُ إعْرَاضِهِ
(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي صِحَّةُ إعْرَاضِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَيَضُمُّ حِصَّتَهُ إلَى الْمَغْنَمِ) أَيْ: وَيُعْطِي لِأَهْلِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ
وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ صَحَّ إعْرَاضُهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رَشِيدٌ حُكْمًا وَقَوْلُهُ رَشِيدٌ يُغْنِي عَنْ كُلِّفَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إعْرَاضِ السَّفِيهِ نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ فَقَالَا: قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ الْمَنْعُ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا فَرَّعَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الِاغْتِنَامِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ وَالسَّفِيهُ يَلْزَمُ حَقَّهُ عَلَى قَوْلِنَا يَمْلِكُ وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ صِحَّةَ إعْرَاضِهِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ الرَّاجِحُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ وَعَطَفَ النَّاظِمُ عَلَى مَا قُدْرَتُهُ مِنْ غَانِمٍ قَوْلَهُ (أَوْ سَيِّدٌ) لِغَانِمٍ (أَوْ وَارِثٌ) لَهُ أَوْ لِلسَّيِّدِ إنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ، وَإِعْرَاضِهِ فَيَصِحُّ إعْرَاضُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (تَعَفُّفًا) فِعْلٌ إنْ فُتِحَ ثَالِثُهُ، وَمَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ إنْ ضُمَّ وَخَرَجَ بِهِ الْمُكْرَهُ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ وَمَحَلُّ صِحَّةِ الْإِعْرَاضِ (مِنْ قَبْلِ قَسْمٍ) لِمَا غَنِمَ (وَاخْتِيَارٍ) لِلتَّمَلُّكِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَهُمَا (قُلْتُ فِي ذَلِكَ مَأْخَذٌ) أَيْ: مُؤَاخَذَةٌ (عَلَى الْمُصَنِّفِ) لِلْحَاوِي (إذْ لَيْسَ لِلْقَسْمِ مِنْ اعْتِبَارِ) بِزِيَادَةِ مِنْ (فِي ذَاكَ) أَيْ: التَّمَلُّكِ (إلَّا مَعَ الِاخْتِيَارِ) لَهُ (فَبِاخْتِيَارٍ اغْنَ) أَنْتَ (عَنْ قَسْمٍ) فَعُلِمَ أَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكْفِي إذَا كَانَ مَعَهَا اخْتِيَارٌ حَتَّى لَوْ أَفْرَزَ الْإِمَامُ لِكُلٍّ حِصَّتَهُ لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَعْدَهُ الْإِعْرَاضُ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَكَمَا أَنَّ مَنْ اخْتَارَ فِي الْعُقُودِ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَعْدِلُ إلَى الْآخَرِ
(وَلَوْ أَفْلَسَ) الْغَانِمُ وَحُجِرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ كَالِاكْتِسَابِ وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (أَوْ) وُجِدَ (بَعْضٌ) أَيْ: أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ رُقَّ بِالْأَسْرِ أَوْ بِالْإِرْقَاقِ بَعْدَهُ (وَلِهَذَا) أَيْ: لِلْغَانِمِ (فِيهِ) أَيْ: فِيمَا غَنِمَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ وَيَسْتَمِرُّ رِقُّ بَعْضِهِ (أَوْ أُفْرِزَ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا غَنِمَ (الْخُمْسَ) وَلَوْ مَعَ إفْرَازِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ (لَا كُلَّ ذَوِي قُرْبَى) أَيْ: لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُمْ فَإِنَّ سَهْمَهُمْ مِنْحَةٌ أَثْبَتَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِلَا تَعَبٍ وَشُهُودِ وَقْعَةٍ كَالْإِرْثِ فَلَيْسُوا كَالْغَانِمِ الَّذِي يَقْصِدُ بِشُهُودِهِ مَحْضَ الْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلْوَجِيزِ أَنَّهُ يَصِحُّ إعْرَاضُ بَعْضِهِمْ وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَاوِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَانِعَ مِنْ الْإِعْرَاضِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ وَلِلْبَعْضِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إعْرَاضُ كُلِّ الْغَانِمِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُسَوِّغَ شَامِلٌ لِلْكُلِّ، وَلِلْبَعْضِ وَيُصْرَفُ حَقُّهُمْ مَصْرِفَ الْخُمُسِ وَأَمَّا أَصْحَابُ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ الْخُمُسِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إعْرَاضُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ (وَلَا السَّالِبُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْ السَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ بِالنَّصِّ كَالْوَارِثِ.
وَقَوْلُهُ: (بِالْفَقْدِ سُوِي) خَبَرُ مُعْرِضٍ كَمَا تَقَرَّرَ أَيْ: مُسْتَوٍ مَعَ فَقْدِهِ بِمَعْنَى مُسَاوٍ لَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} [النساء: 42] أَيْ: يَوَدُّوا تَسْوِيَتَهُمْ مَعَهَا بِأَنْ يَكُونَا سَوَاءً (وَلَيْسَ) لِلْغَانِمِ (مِلْكٌ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْرَاضِهِ كَمَا مَرَّ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ مَلَكَ إنْ يَتَمَلَّكْ؛ وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ كُلَّ طَائِفَةٍ بِنَوْعٍ مِنْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ إلَخْ) لَا يُقَالُ لَا وَجْهَ لِعَدَمِ صِحَّةِ إعْرَاضِهِ عَلَى قَوْلِنَا يَمْلِكُ إلَّا إلْغَاءَ عِبَارَتِهِ شَرْعًا فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فَكَمَا لَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُهُ مِلْكَهُ نَظَرًا لِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهُ حَقَّ تَمَلُّكِهِ نَظَرًا لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَرُدُّ هَذَا أَنَّ الْكَامِلَ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِإِعْرَاضِهِ حَيْثُ لَمْ يَمْلِكْ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ بَعْدَ الْمِلْكِ بِالِاخْتِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْأَصَحُّ إلَخْ) نُوقِشَ فِي هَذَا بِأَنَّ عِبَارَةَ السَّفِيهِ مُلْغَاةٌ بِالنَّظَرِ لِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ الْمَالِيَّةِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ صَحِيحَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ وَارِثٍ لَهُ) أَيْ: لِغَانِمٍ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِهِ الْمُكْرَهُ) إذْ التَّعَفُّفُ يُبْنَى عَلَى الِاخْتِيَارِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الِاكْتِسَابُ كَأَنْ عَصَى بِسَبَبِ الدِّينِ لَمْ يَصِحَّ إعْرَاضُهُ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ إفْرَازِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ) قَدْ تُسْتَشْكَلُ هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ بِأَنَّهَا تَقْتَضِي تَصَوُّرَ إفْرَازِ الْخُمُسِ بِدُونِ إفْرَازِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إفْرَازِ الْخُمُسِ إفْرَازُ الْأَرْبَعَةِ إذْ لَا مَعْنَى لِإِفْرَازِهَا إلَّا تَمَيُّزُهَا عَنْ الْخُمُسِ وَيُجَابُ بِمَنْعِ اللُّزُومِ إذْ قَدْ يُفْرِزُ الْخُمُسَ وَتَبْقَى الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ مُخْتَلِطَةً بِمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالسَّلَبِ وَالْمُؤَنِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا كُلِّ ذَوِي الْقُرْبَى سَلَبٌ كُلِّيٌّ لَا رَفْعٌ لِلْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) اعْتَمَدَ الْجَوْجَرِيُّ الْأَوَّلَ وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ إعْرَاضَ الْجَمِيعِ يُلْزِمُهُ إسْقَاطَ السَّهْمِ وَلَا كَذَلِكَ إعْرَاضُ الْبَعْضِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَالْوَجْهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ بِالنَّصِّ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ سَلَبَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ إذَا اسْتَحَقَّهُ أَشْخَاصٌ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُ بَعْضِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا سَلَفَ فِي بَعْضِ ذَوِي الْقُرْبَى يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا بِرّ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْغَانِمِ مِلْكٌ قَبْلَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْمُسْلِمِ إذَا قَهَرَ حَرْبِيًّا بِرّ
ــ
[حاشية الشربيني]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمَالِ (وَحَقُّهُ) فِي التَّمَلُّكِ (مُوَرَّثٌ) عَنْهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَيَتَخَيَّرُ وَارِثُهُ بَيْنَ تَمَلُّكِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ
(وَالْبَعْضُ) أَيْ: بَعْضُ الْغَانِمِ مِنْ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ إذَا رُقَّ أَوْ أَرَقَّ (يَنْفِي عِتْقَهُ) أَيْ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا بِخِلَافِ الْإِيلَادِ عَلَى وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي لِقُوَّتِهِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ قَبْلُ أَوْ بَعْضٌ لِهَذَا فِيهِ
. (وَلَا يُحَدُّ) الْغَانِمُ (إنْ يَطَأْ) قَبْلَ الِاخْتِيَارِ أَمَةً وَقَعَتْ فِي الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةَ مِلْكٍ نَعَمْ يُعَزَّرُ الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ، أَمَّا غَيْرُ الْغَانِمِ فَيُحَدُّ بِوَطْئِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشُبْهَةٍ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْغَانِمِينَ وَلَدٌ أَوْ عَبْدٌ (وَالْمَهْرُ) بِوَطْءِ الْغَانِمِ وَاجِبٌ (عَلَيْهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يَغْرَمُهُ إذَا لَمْ يَنْحَصِرْ الْغَانِمُونَ وَلَمْ يُفْرِزْ الْإِمَامُ الْخُمُسَ فَيُضَمُّ إلَى الْمَغْنَمِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْجَمِيعِ فَتَعُودُ إلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْهُ وَلَا يُكَلَّفُ الْإِمَامُ ضَبْطَهُمْ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلْيُخَصَّ مَا ذَكَرُوهُ بِمَا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِغُرْمِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ قَالَ أَسْقِطُوا حِصَّتِي فَلَا بُدَّ مِنْ إجَابَتِهِ وَيُؤْخَذُ الْمُتَيَقَّنُ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُ مَا قَالَهُ وَيُحْتَمَلُ أَخْذُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَالْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَلِئَلَّا يُقَدَّمَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْإِعْطَاءِ عَلَى بَعْضٍ فَإِنْ انْحَصَرَ وَأَبَانَ سَهُلَ ضَبْطُهُمْ سَقَطَتْ حِصَّةُ الْوَاطِئِ إذْ لَا مَعْنَى لِأَخْذِهَا مِنْهُ وَرَدِّهَا عَلَيْهِ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ فِي مَعْرِفَتِهَا، وَغَرِمَ حِصَّةَ الْخُمُسِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ وَإِنْ أَفْرَزَ الْإِمَامُ الْخُمُسَ وَعَيَّنَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شَيْئًا، وَكَانَتْ الْأَمَةُ مُعَيَّنَةً لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمْ قَبْلَ اخْتِيَارِهِمْ تَمَلُّكَهَا وَغَرِمَ حِصَّةَ غَيْرِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ لَا الْخُمُسَ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ كَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَغْرَمُ قِسْطَ شُرَكَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شَيْئًا بَلْ كَانَتْ الْأَمَةُ فِي حِصَّةِ الْغَانِمِينَ وَهُمْ غَيْرُ مَحْصُورِينَ فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمْ غَرِمَ الْمَهْرَ وَقُسِّمَ كَمَا مَرَّ (وَالْفَرْعُ) الْحَاصِلُ بِوَطْءِ الْغَانِمِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ (نَسِيبٌ حُرُّ) لِلشُّبْهَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَمْ مُعْسِرًا كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْحُرُّ مِنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ فَقَطْ كَإِيلَادِهِ؛ وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ هِيَ اسْتِحْقَاقُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ النَّاظِمُ تَبَعًا لِلشَّيْخَيْنِ فِي النِّكَاحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَطْءِ الْأَبِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ ابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ قَالَا هُنَا وَالْخِلَافُ فِي تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ يَجْرِي فِي وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ، ثُمَّ صَحَّحَا كَالْعِرَاقِيِّينَ الْأَوَّلَ لَكِنَّهُمَا صَحَّحَا فِي بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ وَغَيْرِهِ الثَّانِيَ (وَ) عَلَى الْمُوَلِّدِ (حِصَّةُ الْغَيْرِ) أَيْ: حِصَّةُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَمِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ حَالَةَ السِّرَايَةِ وَالْوَلَدِ حَالَةَ عَدَمِهَا بِشَرْطِ انْحِصَارِ الْغَانِمِينَ، وَإِلَّا فَيَغْرَمُ الْجَمِيعَ وَيَعُودُ إلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ حِصَّتُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهَا هَذَا وَمَا قَبْلَهُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْإِيلَادِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهُمَا فَرْعَاهَا (كَفَى) وَطْءُ (الْمُشْتَرَكَهْ) مِنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فَإِنَّ الْوَلَدَ الْحَاصِلَ بِهِ حُرٌّ نَسِيبٌ وَعَلَيْهِ حِصَّةُ غَيْرِهِ مِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا (وَنَافِذٌ) فِي الْحَالِ مِنْ الْغَانِمِ الْمُوَلِّدِ لِأَمَةِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ (إيلَادُ جُزْءٍ مَلَكَهْ) بِتَقْدِيرِ اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ أَيْ: إيلَادَ نَصِيبِهِ مِنْهَا لِلشُّبْهَةِ كَمَا فِي وَطْءِ الْأَبِ أَمَةَ ابْنِهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِ أَقْوَى سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَمْ مُعْسِرًا
(وَلَيْسَ) الْإِيلَادُ (لِلْمُوسِرِ) مِنْ حِصَّتِهِ إلَى الْبَاقِي فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّةِ شُرَكَائِهِ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ كَمَا تَقَرَّرَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ نُفُوذِ الْإِيلَادِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ السِّرَايَةُ هُوَ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ الْمَنْصُوصُ نُفُوذُهُ لَكِنَّهُ نَقَلَ عَدَمَ نُفُوذِهِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٍ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، وَجَعَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْمَذْهَبَ، ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ إنْ مَلَكَهَا بَعْدُ فَفِي نُفُوذِهِ قَوْلَانِ كَنَظَائِرِهِ أَظْهَرُهُمَا النُّفُوذُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَعَنَى بِنَظَائِرِهِ إيلَادَ الْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا) أَيْ: مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ
(قَوْلُهُ: وَالْمَهْرُ) لَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ الْإِنْزَالُ عَلَى تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ
(قَوْلُهُ: وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْجَمِيعِ) وَمِنْهُ الْخُمُسُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُكَلَّفُ الْإِمَامُ ضَبْطَهُمْ) وَمَعْرِفَةَ نَصِيبِهِ شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: يَجْرِي فِي وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ صَحَّحَا كَالْعِرَاقِيِّينَ الْأَوَّلَ أَيْ: فَمَا صَحَّحَ صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَقَوْلُهُ: الثَّانِي أَيْ: التَّبْعِيضُ فِي الْمُعْسِرِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ قِيمَةِ الْأَمَةِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَقَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ عُطِفَ عَلَى الْأَمَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْوَلَدَ إلَخْ) هَلَّا تَعَرَّضَ لِوُجُوبِ حِصَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّشْبِيهُ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْمَذْهَبَ) وَهُوَ الْأَوْجَهُ م ر
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ م ر فِي هَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: حِصَّةُ غَيْرِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ) ظَاهِرُهُ جَمِيعُهُمْ لَا خُصُوصُ طَائِفَةٍ وَغَايَةُ مَا هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غُرْمُ حِصَّتِهِ كَمَا لَوْ كَانُوا مَحْصُورِينَ (قَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمَهُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا ظَاهِرٌ. اهـ.
م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُمَا صَحَّحَا إلَخْ) أَشَارَ م ر فِي هَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْمَذْهَبَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى خَلَلٍ فِي جَعْلِهِ الْمَذْهَبَ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ (قَوْلُهُ: أَظْهَرُهُمَا) أَيْ: أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا هُنَا وَفِي نَظَائِرِهِ إنْ أُرِيدَ بِالنَّظَائِرِ إيلَادُ الْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إذَا أَوْلَدَهَا مَرْهُونَةً أَوْ جَانِيَةً وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَفُدِيَتْ الْجَانِيَةُ ثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ وَإِنَّمَا كَانَ مَا هُنَا نَظِيرُ تَيْنِكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ حَقِّهِ فِي الْغَنِيمَةِ نَزَّلَتْهَا مَنْزِلَةَ الْمَمْلُوكَةِ قَالَ
وَنَحْوِهِمَا، أَوْ إيلَادَ أَمَةِ الْغَيْرِ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَلَا يُنَافِيهِ تَرْجِيحُ النُّفُوذِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاتِّحَادِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَمَةِ الْمَغْنَمِ وَأَمَةِ الْغَيْرِ ظَاهِرٌ
(وَالْعِرَاقُ) عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ وَسَوَادُ الْعِرَاقِ وَهُوَ مِنْ عَبَّادَانَ إلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ طُولًا، وَمِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ عَرْضًا وَالْبَصْرَةُ وَإِنْ دَخَلَتْ فِيهِ لَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ غَرْبِيِّ دِجْلَتِهَا يُسَمَّى نَهْرُ الصَّرَاةِ، وَمَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا يُسَمَّى الْفُرَاتُ (قَدْ أُوجِرَ بَعْدَ وَقْفِهِ) فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه فَتَحَهُ عَنْوَةً وَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، ثُمَّ اسْتَطَابَ قُلُوبَهُمْ عَنْهُ وَاسْتَرَدَّهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ خَافَ تَعَطُّلَ الْجِهَادِ بِاشْتِغَالِهِمْ بِعِمَارَتِهِ لَوْ تَرَكَهُ بِأَيْدِيهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْسِنْ قَطْعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، ثُمَّ أَجَرَهُ لِأَهْلِهِ (إلَى الْأَبَدْ) بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ أُجْرَةً مُنَجَّمَةً تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ.
(لِلِاحْتِيَاجِ) إلَى التَّأْبِيدِ وَهُوَ مَصْلَحَةٌ كُلِّيَّةٌ فَلَيْسَ لِأَهْلِهِ إجَارَتُهُ مُؤَبَّدًا كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهِ يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ فِي مَصَالِحِنَا الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْرُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا فَرَضَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ لَمَّا بَعَثَهُ عُمَرُ مَاسِحًا وَهُوَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَانِ، وَجَرِيبِ الْحِنْطَةِ أَرْبَعَةٌ، وَجَرِيبِ الشَّجَرِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ سِتَّةٌ وَجَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةٌ وَجَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةٌ، وَجَرِيبِ الزَّيْتُونِ اثْنَا عَشَرَ وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ كُلُّ قَصَبَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالْهَاشِمِيِّ كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتٍ كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَالْجَرِيبُ سَاحَةٌ مُرَبَّعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ كُلِّ جَانِبَيْنِ مِنْهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا هَاشِمِيًّا وَلَيْسَ لِمَنْ بِيَدِهِ الْأَرْضُ تَنَاوُلُ ثَمَرِ شَجَرِهَا بَلْ يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ وَثَمَنَهُ لِلْمَصَالِحِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ أَرْضَ الْغَنِيمَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِطَرِيقِهِ السَّابِقِ، وَكَذَا سَائِرُ عَقَارَاتِهَا وَمَنْقُولَاتِهَا (قُلْتُ) كَالشَّيْخَيْنِ (هَذَا) أَيْ: وَقْفُ مَا ذُكِرَ (فِيمَا) أُعِدَّ (لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ) فَالدُّورُ وَالْمَسَاكِنُ لَيْسَتْ وَقْفًا إذْ لَمْ يُنْكِرْ بَيْعَهَا؛ وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا نَعَمْ الْمَوْجُودُ مِنْهَا حَالَ الْفَتْحِ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَلَا تَعْمِيمَا) تَكْمِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ
(وَمَكَّةُ) بِالصَّرْفِ لِلْوَزْنِ (مِلْكٌ) لِأَهْلِهَا لَا وَقْفٌ وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا وَفُتِحَتْ صُلْحًا لَا عَنْوَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ} [الفتح: 22] الْآيَةَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَلِقَوْلِهِ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 24] «؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْتُلْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَطَابَ قُلُوبَهُمْ عَنْهُ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَوْقُوفَ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ دُونَ الْخُمُسِ الْآخَرِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ خِلَافَهُ فَرَاجِعْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِ الشِّهَابِ، ثُمَّ بَعْدَ مِلْكِهِمْ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَاسْتِمَالَةِ عُمَرَ رضي الله عنه قُلُوبَهُمْ بَذَلُوهُ لَهُ أَيْ: الْغَانِمُونَ وَذَوُو الْقُرْبَى وَأَمَّا أَهْلُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ الْأَرْبَعَةِ فَالْإِمَامُ لَا يَحْتَاجُ فِي وَقْفِ حِصَّتِهِمْ إلَى بَذْلٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِأَهْلِهِ. اهـ. فَلْيَنْظُرْ هَلْ كَانَ ذَوُو الْقُرْبَى مُنْحَصِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَ بَذْلُهُمْ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَهْلِهِ أَنَّ الْحَقَّ فِي وَقْفِ حِصَّةِ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ فَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَجَرِيبِ الشَّجَرِ) مَا الْمُرَادُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَصَبِ السُّكَّرِ) هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَكِنْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَأَنَّ صَوَابَهُ بِالْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الرَّطْبَةُ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَجَرِيبِ النَّخْلِ) هُوَ وَالْكَرْمُ وَالزَّيْتُونُ مِنْ الشَّجَرِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا هَذِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِمَنْ بِيَدِهِ الْأَرْضُ تَنَاوُلُ ثَمَرِ شَجَرِهَا) أَيْ: الَّذِي دَخَلَ فِي الْوَقْفِ، أَمَّا الْحَادِثُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِلْكٌ لِأَهْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ غَرَضَ الشَّيْخِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفِيدُ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْجَوْجَرِيُّ وَحِينَئِذٍ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُمْ عَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ كَذَا إلَخْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الثِّمَارُ لَيْسَتْ لِلْمُسْتَأْجَرَيْنِ فَمَا وَجْهُ الِاخْتِلَافِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الصَّالِحَ لِغَرْسِ النَّخْلِ مِثْلٌ لِزَرْعِ الشَّعِيرِ مِثْلًا لِغَرْسِ الْعِنَبِ مِثْلًا وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ أَجَّرَهُمْ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ كَذَا إلَخْ وَجَازَ مِثْلُهُ لِلضَّرُورَةِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَقَوْلُهُ: فَمَا وَجْهُ الِاخْتِلَافِ أَيْ: اخْتِلَافِ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: ثَمَرِ شَجَرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْمُحْدَثِ (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يُنْكِرْ بَيْعَهَا) نَعَمْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ امْتِنَاعَ بَيْعِهَا إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَهُوَ مَحْمَلُ النَّصِّ عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا حَالَ الْفَتْحِ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَجَرٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ حَالَ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: نَعَمُ الْمَوْجُودُ إلَخْ) هَذَا مِنْ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ مَوْضِعَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الطَّارِئِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَسْأَلَةُ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ فِيهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً، وَالثَّانِي يَقُولُ بَلْ وُقِفَتْ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ وَالنِّزَاعِ إنَّمَا
ــ
[حاشية الشربيني]
ابْنُ الْعِمَادِ: وَنَقَلَهُ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ هُنَا فَقَطْ إنْ أُرِيدَ بِالنَّظَائِرِ إيلَادُ أَمَةِ الْغَيْرِ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا لَا يَنْفُذُ الِاسْتِيلَادُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ أَيْضًا فِيمَا نَقَلَهُ م ر عَنْهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَا يُنَافِيهِ إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ إيلَادُ أَمَةِ الْغَيْرِ إلَخْ فَقَطْ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ) ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبْخَةً أَحْيَاهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانٍ فِي زَمَنِ عُمَرَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ الْعِرَاقِ. اهـ.
م ر وَنَازَعَ سم فِي عَدَمِ شُمُولِ الْوَقْفِ لِلْمَوَاتِ وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ) فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَى الْأَبَدِ (قَوْلُهُ: وَقَدْرُهُ) أَيْ: قَدْرُ الْأُجْرَةِ الَّتِي أَجَّرَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يُؤَجِّرَهُ مَنْ هُوَ مَعَهُ بِأَزْيَدَ (قَوْلُهُ: ثَمَرِ شَجَرِهَا) أَيْ: الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ إجَارَةِ الْأَرْضِ إذْ الْحَادِثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِلْكٌ لَمُحْدِثِهِ
وَلَمْ يَسُبَّ وَلَا قَسَمَ شَيْئًا» وَلِمَا فِي قِصَّةِ صُلْحِهَا «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهَا فَعَقَدَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَمَانَ وَهُوَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَقَالَ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَاسْتَثْنَى مِنْهُمْ صلى الله عليه وسلم أُنَاسًا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَمَنْ قَالَ فُتِحَتْ عَنْوَةً مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ
، ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ الْجِهَادِ فَقَالَ (وَمَهْمَا عَبَرُوا) أَيْ: الْكُفَّارُ دَارَنَا (وَلَوْ إلَى خَرَابِنَا) أَوْ مَوَاتِنَا (أَوْ أَسَرُوا مَرْجُوَّ فَكٍّ مُسْلِمًا) أَيْ: مُسْلِمًا نَرْجُو فَكَّهُ (يُفْرَضْ لِكُلِّ ذِي قُوَّةٍ) أَيْ: يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ قَوِيٍّ عَلَى الْقِتَالِ لِعِظَمِ الْأَمْرِ وَخَرَجَ بِمَرْجُوِّ الْفَكِّ مَنْ لَا يُرْجَى فَكُّهُ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الْخُرُوجَ لَا يُفِيدُ فَلَا يَجِبُ بَلْ يُنْتَظَرُ كَمَا لَوْ دَخَلَ مَلَكَ عَظِيمٌ مِنْهُمْ طَرَفَ بِلَادِنَا لَا يَتَسَارَعُ لِدَفْعِهِ الْآحَادُ وَالطَّوَائِفُ لِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْخَطَرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَالْمِنْهَاجِ الْوُجُوبُ إذَا رَجَوْنَا فَكَّهُ مَعَ تَوَغُّلِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وَعَدَمِ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ نَرْجُ فَكَّهُ مَعَ قُرْبِهِمْ، وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا فَكُّ مَنْ أُسِرَ مِنْ الذِّمِّيِّينَ (وَالْحَجَرُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ كُلِّ قَوِيٍّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ بِبِلَادِهِمْ مِنْ قِنٍّ وَامْرَأَةٍ نَافِعَةٍ فِي الْحَرْبِ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ (فَلْيَنْزِلْ) هُنَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ وَإِنْ كَفَى غَيْرُهُ لِعِظَمِ الْأَمْرِ (كَظَاهِرِ) أَيْ: كَمَا يُفْرَضُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ تَعَلُّمُ ظَاهِرِ عِلْمِ (الْأَحْكَامِ فِي الصَّنَائِعِ) الَّتِي يُعَانِيهَا دُونَ عِلْمِ دَقَائِقِهَا وَالْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مُتَعَاطِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ تَعَلُّمُ أَحْكَامِهِمَا حَتَّى يَتَعَيَّنَ عَلَى الْخَبَّازِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَلَا بِدَقِيقِهِ، وَالصَّيْرَفِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَدَاءِ قَلْبٍ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: وَكَتَعَلُّمِ ظَاهِرِ عِلْمِ دَاءِ الْقَلْبِ أَيْ: مَرَضِهِ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ فَيَعْلَمَ حَدَّهُ وَسَبَبَهُ وَعِلَاجَهُ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ، ثُمَّ. قَالَ وَخَصَّهُ غَيْرُهُ بِالْحَاجَةِ فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمًا أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ تَطْهِيرِهِ بِغَيْرِ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعَلُّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ (وَ) كَتَعَلُّمِ ظَاهِرِ عِلْمِ (صِفَاتِ الصَّانِعِ) تَعَالَى (وَ) ظَاهِرِ (صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ التَّوْحِيدَا) وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْعِلْمُ بِالدَّلِيلِ بَلْ يَكْفِي فِيهِمَا الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّوَغُّلُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ بَقِيَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا التَّشَاغُلَ بِهِ كَمَا لَمْ تَشْتَغِلْ بِهِ الصَّحَابَةُ وَرُبَّمَا نُهِينَا عَنْهُ فَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ ثَارَتْ الْبِدَعُ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهَا تَلْتَطِمُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِ مَا يُدْعَى بِهِ إلَى الْمَسْلَكِ الْحَقِّ، وَتَزُولُ بِهِ الشُّبْهَةُ فَصَارَ الِاشْتِغَالُ بِأَدِلَّةِ الْمَعْقُولِ فَرْضَ كِفَايَةٍ (لَا) أَيْ: إنَّمَا يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ قَوِيٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَإِنْ كَفَاهُمْ غَيْرُهُ لَا عَلَى (مَنْ يَكُونُ عَنْهُمْ بَعِيدَا مَسَافَةَ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرَ (إذَا) كَانَ ثَمَّ (كَافٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ كَافٍ فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (نَشِطَ لِلْحَرْبِ) أَيْ: أَسْرَعَ إلَيْهَا إيضَاحٌ (قُلْتُ زَادُ كُلٍّ) مِنْ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ (مُشْتَرَطٌ) فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ إذْ لَا اسْتِقْلَالَ بِدُونِهِ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِمْ الْخُرُوجَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَهْلَكُونَ؛ وَيَشْتَرِطُ وُجُودَ الْمَرْكُوبِ لِمَنْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْحَجِّ
(وَبِالْمُلَاقَاةِ) أَيْ: عِنْدَهَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ (السَّلَامُ) يُسَنُّ. قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] أَيْ: لِيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالْأَمْرُ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ مُؤَكَّدَةٌ (لَا عَلَى مَنْ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِهَا وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ (أَوْ بِأَكْلٍ) أَيْ: وَلَا عَلَى مَنْ (شُغِلَا) بِأَكْلٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِحَالَةِ الْمَضْغِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ كَمَا فِي التَّعْلِيقَةِ (وَ) لَا عَلَى (مَنْ بِحَمَّامٍ) .
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِالْغُسْلِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ الْأَوَّلِ دُخُولُ مَحَلِّ نَزْعِ الثِّيَابِ، وَالثَّانِيَ خُرُوجُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ (وَ) لَا عَلَى (ذِي اسْتَطَابَهْ) أَيْ: قَاضِي الْحَاجَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي هَذِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
هُوَ فِي الْمَوْجُودِ حَالَ الْفَتْحِ وَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِوَقْفٍ قَطْعًا سَوَاءٌ الدُّورُ وَالْغِرَاسُ صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِرّ وَقَوْلُهُ: لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً ظَاهِرُهُ نَفْيُ الْوَقْفِ عَنْ أَرْضِهَا وَبِنَائِهَا وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ الدُّورُ إلَخْ لَعَلَّ الْمُرَادَ مُجَرَّدُ الْأَبْنِيَةِ وَالشَّجَرِ وَإِلَّا فَأَرْضُ ذَلِكَ قَدْ شَمِلَهَا الْوَقْفُ
(قَوْلُهُ: لَا عَلَى مَنْ فِي الصَّلَاةِ) وَيُسَنُّ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَ السَّلَامِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي خُرُوجُهُ) وَإِنْ الْمُغْتَسِلُ فِي غَيْرِ الْحَمَّامِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَسَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَمُغْتَسِلٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) وَحَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يُسَنُّ لَهُ بِاللَّفْظِ وَكَذَلِكَ الْآكِلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ اللُّقْمَةُ فِي فَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيُسَنُّ لَهُ الرَّدُّ حَجَرٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
وَالْإِجَارَةُ شَامِلَةٌ لِلْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَجَرِيبِ الشَّجَرِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: عِلْمِ الْأَحْكَامِ) أَيْ: مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ النَّسَبُ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ صِحَّةِ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ ظَاهِرُ مَسَائِلَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ اعْتِقَادِهِ التَّوْحِيدَ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ وَظَاهِرِ عِلْمِ تَوْحِيدٍ وَصِفَاتٍ (قَوْلُهُ: إيضَاحٌ) عِبَارَةُ