المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ الذَّكَاةِ] (بَابُ الذَّكَاةِ) الْأَصْلُ فِيهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى - الغرر البهية في شرح البهجة الوردية - جـ ٥

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ الْجِرَاحِ)

- ‌[فَرْعٌ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَأَذْهَبَ الْبَاءَ وَالْمِيمَ]

- ‌ بَيَانِ مُوجِبِ الْقَوَدِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْفِعْلِ

- ‌[فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ فِي قِصَاصِ غَيْرِ النَّفْسِ التَّأْخِيرُ إلَى الِانْدِمَالِ]

- ‌[فَرْعٌ لَا تُقْطَعُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا عَكْسُهُ]

- ‌[فَرْعٌ جَاءَ وَطَلَبَ مِنْ مُسْتَحِقِّ الْقَطْعِ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَة وَيَتْرُكَ الْقِصَاصَ فَأَخَذَهَا]

- ‌(بَابُ الْبُغَاةِ)

- ‌(بَابُ الرِّدَّةِ)

- ‌(بَابُ الزِّنَا)

- ‌(بَابُ السَّرِقَةِ)

- ‌(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ)

- ‌(بَابُ الشُّرْبِ)لِلْمُسْكِرِ (وَالتَّعْزِيرِ)

- ‌[بَابُ الصِّيَالِ]

- ‌(بَابُ السِّيَرِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي) .بَيَانِ (الْأَمَانِ) لِلْكَافِرِ

- ‌(فَصْلٌ فِي) .بَيَانِ (الْجِزْيَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (الْهُدْنَةِ)

- ‌[خَاتِمَةٌ يَكْتُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَسْمَاءَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَحِلَاهُمْ]

- ‌[بَابُ الذَّكَاةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ]

- ‌(بَابُ الْأُضْحِيَّةِ)

- ‌[بَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌(بَابُ) بَيَانِ حِلِّ (الْأَطْعِمَةِ) وَتَحْرِيمِهَا

- ‌(بَابُ الْمُسَابَقَةِ)

- ‌ صِيغَةَ الْيَمِينِ

- ‌(بَابُ النَّذْرِ)

- ‌(بَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌(بَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌(بَابُ الْعِتْقِ)

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌[أَرْكَانُ التَّدْبِيرِ]

- ‌(بَابُ الْكِتَابَةِ)

- ‌[أَرْكَانُ الْكِتَابَةِ]

- ‌(بَابُ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ)

- ‌[أَسْبَابُ عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ الذَّكَاةِ] (بَابُ الذَّكَاةِ) الْأَصْلُ فِيهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى

[بَابُ الذَّكَاةِ]

(بَابُ الذَّكَاةِ) الْأَصْلُ فِيهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَهِيَ لُغَةً: التَّطْيِيبُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ أَيْ: طَيِّبَةٌ، وَالتَّتْمِيمُ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ ذَكِيٌّ أَيْ: تَامُّ الْفَهْمِ. وَشَرْعًا: قَطْعُ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ ذَابِحٌ وَمَذْبُوحٌ وَآلَةٌ وَذَبْحٌ

(إذَا قَدَرْنَا) عَلَى الْحَيَوَانِ (فَالذَّكَاةُ الصَّالِحَهْ) لَهُ (خَالِصُ قَطْعِ جَائِزِ الْمُنَاكَحَهْ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. قَالَ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5](وَأَمَةِ الْكِتَابِ) أَيْ: وَأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهَا إذْ لَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي الذَّبِيحَةِ بِخِلَافِ الْمُنَاكَحَةِ (حُلْقُومًا) وَ (مَرِيّ) بِالنَّصْبِ بِقَطْعِ، وَالْوَقْفِ عَلَى مَرِيّ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمَرِيءُ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ تَحْتَ الْحُلْقُومِ وَتَرَكَ النَّاظِمُ هَمْزَهُ لِلْوَقْفِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْطَعَ مَعَهُمَا الْوَدَجَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ خَالِصُ قَطْعِ غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ وَثَنِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ نَحْوِهِمْ وَمَا اشْتَرَكَ فِيهِ مَنْ ذُكِرَ وَغَيْرُهُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ نَعَمْ إنْ قَطَعَ الْمَجُوسِيُّ الْبَعْضَ وَبَقِيَتْ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، ثُمَّ قَطَعَ الْمُسْلِمُ الْبَاقِيَ حَلَّ وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا لَوْ أَخَذَ فِي قَطْعِ الْمَذْبَحِ، وَآخَرُ فِي نَزْعِ الْحِثْوَةِ وَمَا لَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَوْلُهُ (كِلَيْهِمَا) تَأْكِيدٌ وَهُوَ بِمَعْنَى تَمَامَ فِي قَوْلِ الْحَاوِي كَالْغَزَالِيِّ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا يَحْتَاجُ لِلَفْظِ تَمَامَ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ بَعْضَهُمَا لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا لَهُمَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَعْمَى وَالصَّبِيَّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَالْمَجْنُونَ وَالسَّكْرَانَ وَالْمُكْرَهَ وَلَوْ بِإِكْرَاهِ الْمَجُوسِيِّ فَتَحِلُّ ذَكَاتُهُمْ كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا، وَإِرَادَةً فِي الْجُمْلَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ يَظُنُّهُ غَيْرَهُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَكَاةُ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ الْمَذْبَحَ

(وَ) الذَّكَاةُ أَيْضًا خَالِصُ (جَرْحِ مَا لَمْ يُقْدَرْ) عَلَيْهِ عِنْدَ الرَّمْيِ أَوْ نَحْوِهِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ مِنْ جَائِزِ الْمُنَاكَحَةِ أَوْ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ (كَإِبِلٍ يَشْرُدُ) بِضَمِّ الرَّاءِ (أَوْ) يَتَرَدَّى (فِي حُفْرَهْ) وَعَجَزَ عَنْ ذَبْحِهِ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعِيرٍ نَدَّ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ أَنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْأَوَابِدُ النُّفُورُ، وَالتَّوَحُّشُ وَقَالَ شَيْخُنَا حَافِظُ عَصْرِهِ ابْنُ حَجَرٍ: هِيَ النَّوَافِرُ وَيُعْتَبَرُ فِي مُرْسِلِ السَّهْمِ، أَوْ نَحْوِهِ الْبَصَرُ فَلَا يَصِحُّ إرْسَالُ الْأَعْمَى لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَاسْتِرْسَالِ الْكَلْبِ بِنَفْسِهِ (الْمُزْهِقِ) أَيْ: كُلٍّ مِنْ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ (الْحَيَاةَ) حَالَةَ كَوْنِهَا (مُسْتَقِرَّةً) إمَّا (قَطْعًا وَ) إمَّا (ظَنًّا) وَيَحْصُلُ الظَّنُّ (بِدَمٍ قَدْ انْفَجَرْ) أَيْ: بِانْفِجَارِهِ وَتَدَفُّقِهِ (وَبِاشْتِدَادِ الْحَرَكَاتِ) بَعْدَ الْقَطْعِ أَوْ الْجَرْحِ (وَ) بِعَلَامَاتٍ (أُخَرْ) كَصَوْتِ الْحَلْقِ وَقَوَامِ الدَّمِ عَلَى طَبِيعَتِهِ، وَشَرَطَ الْإِمَامُ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ مِنْهَا وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شِدَّةِ الْحَرَكَةِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ فِيهَا وَاعْتُبِرَتْ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ لِيَخْرُجَ مَا إذَا فُقِدَتْ وَكَانَ فَقْدُهَا لِسَبَبٍ مِنْ جَرْحٍ أَوْ انْهِدَامِ سَقْفٍ أَوْ أَكْلِ نَبَاتٍ ضَارٍّ أَوْ نَحْوِهَا لِوُجُودِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، أَمَّا

ــ

[حاشية العبادي]

بَابُ الذَّكَاةِ) (قَوْلُهُ: حُلْقُومًا وَمَرِيّ) لَوْ تَعَدَّدَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا وَكَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَائِدًا وَاشْتَبَهَ وَإِنْ تَمَيَّزَ الزَّائِدُ لَمْ يُشْتَرَطْ قَطْعُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَالْوَقْفُ عَلَى مَرِيءِ) وَحُذِفَ عَاطِفُهُ

(قَوْلُهُ: كَإِبِلٍ تَشْرُدُ) أَيْ: وَلَا يُكَلَّفُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ تَسْكُنَ أَوْ تَحْصُلَ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الذَّبْحَ فِي الْحَالِ نَعَمْ لَوْ أَمْكَنَ اللَّحَاقُ بِعَدْوٍ، أَوْ اسْتِغَاثَةٍ وَجَبَ بِرّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ، أَمَّا إذَا تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ مِمَّنْ يُمْسِكُهُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَوَحِّشًا. اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

بَابُ الذَّكَاةِ) (قَوْلُهُ: قَطْعُ إلَخْ) سَوَاءٌ فِي مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يَكُونُ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. اهـ.

ق ل عَلَى الْجَلَالِ إلَّا فِيمَا لَوْ تَأَنَّى أَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ إلَى قَطْعِ الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي

(قَوْلُهُ: جَرَحَ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ) أَيْ: بِسَهْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ وَلَوْ غَيْرَ حَدِيدٍ. اهـ.

شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ فَلَوْ رَمَاهُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ كَالْبُنْدُقِ وَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ، وَأَمَّا جَوَازُ الرَّمْيِ بِهِ فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَازُ رَمْيِ الطُّيُورِ الْكِبَارِ الَّتِي لَا يَقْتُلُهَا الْبُنْدُقُ غَالِبًا كَالْإِوَزِّ وَالْكُرْكِيِّ دُونَ الصِّغَارِ كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ، وَأَشَارَ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَيَّدَ ع ش الْجَوَازَ بِكَوْنِهِ طَرِيقًا لِلِاصْطِيَادِ وَإِلَّا حَرُمَ لِتَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ قَالَ وَكَالرَّمْيِ بِالْبُنْدُقَةِ ضَرْبُ الْحَيَوَانِ بِعَصَا كَمَا يَقَعُ فِي إمْسَاكِ نَحْوِ الدَّجَاجِ فَإِنَّهُ يَشُقُّ إمْسَاكُهَا فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُبِيحُ ضَرْبَهَا حَيْثُ قَدَرَ عَلَى الْإِمْسَاكِ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ.

قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَالْكَلَامُ فِي الْبُنْدُقِ الْمُعْتَادِ قَدِيمًا وَهُوَ مَا يُصْنَعُ مِنْ الطِّينِ أَمَّا الْبُنْدُقُ الْآنَ وَهُوَ مَا يُصْنَعُ مِنْ الْحَدِيدِ وَيَرْمِي بِالنَّارِ فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِقٌ مُذَفِّفٌ غَالِبًا وَلَوْ فِي الْكَبِيرِ نَعَمْ إنْ عَلِمَ حَاذِقٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُ نَحْوَ جَنَاحٍ كَبِيرٍ فَيُثْبِتُهُ فَقَطْ اُحْتُمِلَ الْحِلُّ. اهـ.

ص: 152

إذَا كَانَ لِمَرَضٍ فَيَحِلُّ مَعَ فَقْدِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَرْحِ كَوْنُهُ مُذَفِّفًا بَلْ يَكْفِي الْإِزْهَاقُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُزْهِقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ، وَمَاتَ بِلَا ذَبْحٍ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ، وَكَانَ مُقَصِّرًا بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ غُصِبَ مِنْهُ أَوْ نَشِبَ فِي الْغِمْدِ حَرُمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا لِقِصَرِ الزَّمَنِ أَوْ امْتِنَاعِ الصَّيْدِ حَتَّى مَاتَ حَلَّ، وَقَوْلُهُ:(بِجَارِحٍ) أَيْ: وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ حَجَرٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَطْعِ وَالْجَرْحِ أَوْ بِالْمُزْهِقِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ أَوْ قَتَلَهُ بِبُنْدُقَةٍ أَوْ بِعَرْضِ الْمُحَدَّدِ وَإِنْ أَبَانَ رَأْسَهُ

(وَمَا الْعِظَامُ) كَسِنٍّ وَظُفْرٍ (صَالِحَهْ لَهَا) أَيْ: لِلذَّكَاةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا مُلَاقُو الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ. قَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَأُلْحِقَ بِهِمَا بَاقِي الْعِظَامِ وَمَعْلُومٌ بِمَا سَيَأْتِي حِلُّ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ، أَوْ نَحْوُهُ بِظُفْرِهِ أَوْ نَابِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ قِيلَ تَعَبُّدٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ لَا تَذْبَحُوا بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُنَجَّسُ بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا زَادَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ

(وَ) ذَكَاةُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ أَيْضًا خَالِصُ (إرْسَالِ) أَيْ: إغْرَاءِ (بَصِيرٍ) نُنَاكِحُهُ أَوْ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ عَلَيْهِ (جَارِحَهْ) مِنْ السِّبَاعِ أَوْ الطُّيُورِ (اسْتَرْسَلَتْ) أَيْ: هَاجَتْ (وَانْزَجَرَتْ) أَيْ: امْتَنَعَتْ وَلَوْ بَعْدَ شِدَّةِ عَدْوِهَا (بِهِ) أَيْ: بِإِرْسَالِ صَاحِبِهَا وَبِزَجْرِهِ فَقَوْلُهُ بِهِ تَنَازَعَهُ الْفِعْلَانِ قَبْلَهُ (وَلَا نَأْكُلُ مِنْ صَيْدٍ) أَمْسَكَتْهُ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَيُعْتَبَرُ وُقُوعُ هَذِهِ الْخِصَالِ مِنْهَا (مِرَارًا) مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحَيْثُ يُظَنُّ تَأَدُّبُهَا، وَالرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ، وَدَلِيلُ الْحِلِّ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] الْآيَةَ «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ لَمَّا قَالَ لَهُ إنِّي أَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَبِغَيْرِهِ: مَا صِدْتَ بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَا يَحِلُّ الْمُتَرَدِّي بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ، أَوْ نَحْوِهِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ النَّظْمِ خِلَافَهُ، وَفَارَقَ إرْسَالَ السَّهْمِ بِأَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ عَقْرِ الْكَلْبِ وَخَرَجَ بِالْبَصِيرِ الْأَعْمَى فَلَا يَصِحُّ إرْسَالُهُ وَإِنْ دَلَّهُ بَصِيرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَلَّهُ عَلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَقَدْ (أَغْفَلَا) أَيْ: الْحَاوِي خَصْلَةً (رَابِعَةً لَمْ تَكْتَمِلْ) أَيْ: الْجَارِحَةُ تَعْلِيمًا (إلَّا بِهَا) وَهِيَ (أَنْ تُمْسِكَ الصَّيْدَ عَلَى أَصْحَابِهَا) يَعْنِي فَلَا تُخَلِّيهِ يَذْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4](قُلْتُ وَقَدْ أَوْهَمَ) كَلَامُهُ (أَنْ نُرَاعِي) نَحْنُ (الْكُلَّ) أَيْ: كُلَّ الْخِصَالِ (فِي الطُّيُورِ وَالسِّبَاعِ وَمَا كَذَا الْأَمْرُ فَفِي الطُّيُورِ) مُسَلَّمٌ أَنَّهُ (يُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ) أَيْ: أَكْلِهَا مِنْ الصَّيْدِ (فِي الْمَشْهُورِ وَأَنْ يَهِيجَ) أَيْ: الطَّيْرُ (عِنْدَ الْإِغْرَاءِ) كَمَا فِي جَارِحَةِ السِّبَاعِ (وَ) لَكِنْ (لَا مَطْمَعَ) كَمَا قَالَ الْإِمَامُ (فِي انْزِجَارِهِ مُسْتَرْسِلَا) أَيْ: بَعْدَ طَيَرَانِهِ بِخِلَافِ جَارِحَةِ السِّبَاعِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدْ اعْتَبَرَهُ فِي الْبَسِيطِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَقَالَةَ الْإِمَامِ بِلَفْظِ قِيلَ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَرْكُ أَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ لِيُعَلَّم تَرْكَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ جَارِحَةِ السِّبَاعِ

وَإِنَّمَا تَصِحُّ الذَّكَاةُ (إنْ أَمَّهُ) أَيْ: الْقَطْعَ أَوْ الْجَرْحَ أَوْ الْإِرْسَالَ أَيْ: قَصَدَهُ فَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ أَوْ نَصَبَهُ فَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ وَمَاتَ أَوْ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ بِيَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَقَتَلَ لَمْ يَحِلَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَنَحْوَهَا خَارِجَةٌ بِتَعْبِيرِهِ بِقَطْعِ جَائِزِ الْمُنَاكَحَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ فِي إخْرَاجِهَا لِقَوْلِهِ إنْ أَمَّهُ نَعَمْ يَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ وُجِدَ الْقَطْعُ، أَوْ الْجَرْحُ، أَوْ الْإِرْسَالُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُزْهِقًا إلَخْ) قَضِيَّةُ الْحِلِّ إذَا كَانَ الْجُرْحُ مُزْهِقًا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ فَصْلٌ: وَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَأَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ اُسْتُحِبَّ ذَبْحُهُ أَوْ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَمْ يَذْبَحْهُ لِتَقْصِيرٍ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِعُرْضِ الْمَحْدُودِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ: جَانِبِهِ

(قَوْلُهُ: وَقَالَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) قَدْ يَقْتَضِي مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ امْتِنَاعَ تَنْجِيسِهَا فِي غَيْرِ الذَّبْحِ وَالِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ} [المائدة: 4] أَيْ: وَمَصِيدُ مَا عَلَّمْتُمْ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: الْإِزْهَاقُ) أَيْ: كَوْنُهُ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ غَالِبًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَلَا يُشْتَرَطُ التَّذْفِيفُ عَلَى الْأَصَحِّ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ) أَيْ: لِمَعْنًى ذَاتِيٍّ فِي الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ التَّشَبُّهُ بِهَا فَلَا يُقَالُ مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بَلْ وَلَا الْحُرْمَةَ فِي نَحْوِ النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ وَاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ. اهـ. شَرْحُ م ر وَحَجَرٌ

(قَوْلُهُ: فَلَا تُخَلِّيهِ إلَخْ) وَلَا تَقْتُلُهُ (قَوْلُهُ: فِي الْمَشْهُورِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لَا مَطْمَعَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ

ص: 153

مِنْ نَائِمٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْحِلِّ (وَالْعَيْنَ) أَيْ: إنْ أَمَّ مَا ذُكِرَ وَأَمَّ مَعَهُ عَيْنَ الْحَيَوَانِ فَقَتَلَهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالْعَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِقَوْلِهِ وَعَيْنَهُ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فِيهِ غَيْرُ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ الَّذِي قَبْلَهُ (أَوْ لِلنَّوْعِ) مِنْ الصَّيْدِ بِزِيَادَةِ اللَّامِ لِتَقْوِيَةِ الْعَامِلِ الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ (أَمْ) كَأَنْ رَمَى إلَى سِرْبِ ظِبَاءٍ فَقَتَلَ أَحَدَهَا (أَوْ وَاحِدٍ) أَيْ: أَوْ لِوَاحِدٍ (مِنْهُ) أَمْ كَأَنْ قَصَدَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا فَقَتَلَ غَيْرَهَا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ أَجَالَ بِسَيْفِهِ فَأَصَابَ مَذْبَحَ شَاةٍ فَقَطَعَهُ بِلَا عِلْمٍ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا حَيْثُ لَا صَيْدَ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ أَوْ جَارِحَتَهُ فِي ظُلْمَةٍ رَاجِيًا صَيْدًا فَقَتَلَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَهُ أَوْ ظَنَّهُ فَفِي الْبَحْرِ لَوْ أَحَسَّ الْبَصِيرُ بِصَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ شَجَرَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَرَمَاهُ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ نَوْعَ عِلْمٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا

فَإِنْ قُلْت هَذَا يَقْدَحُ فِي عَدَمِ الْحِلِّ بِإِرْسَالِ الْأَعْمَى قُلْتُ لَا إذْ الْبَصِيرُ يَصِحُّ إرْسَالُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ إرْسَالِ السَّهْمِ، وَإِرْسَالِ الْجَارِحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ جِهَةِ الْإِرْسَالِ بِأَنْ كَانَ فِيهَا صُيُودٌ فَقَتَلَ غَيْرَ مَا أَغْرَاهُ عَلَيْهِ حَلَّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي السَّهْمِ؛ وَإِنْ عَدَلَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَأَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْحِلُّ أَيْضًا إذْ يَعْسُرُ تَكْلِيفُهُ تَرْكَ الْعُدُولِ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ خَرَجَ عَادِلًا عَنْ الْجِهَةِ حَرُمَ وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهَا فَفَاتَهُ الصَّيْدُ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهَا وَصَادَ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حِذْقِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْجِعْ خَائِبًا وَقَطَعَ الْإِمَامُ بِالتَّحْرِيمِ إذَا عَدَلَ وَظَهَرَ مِنْ عُدُولِهِ اخْتِيَارُهُ بِأَنْ امْتَدَّ فِي جِهَةِ الْإِرْسَالِ زَمَانًا، ثُمَّ ثَارَ صَيْدٌ آخَرُ فَاسْتَدْبَرَ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ وَقَصَدَ الْآخَرَ. اهـ.

(وَإِنْ مَاتَ) الصَّيْدُ (بِفَمْ) أَيْ: بِفَمِ الْجَارِحَةِ وَثِقَلِهَا عَلَيْهِ بِلَا جَرْحٍ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَيُخَالِفُ عَرْضَ السَّهْمِ فَإِنَّهُ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا جَوَارِحَ فَلِكَوْنِهَا كَاسِبَةً أَيْ: صَائِدَةً لَا لِكَوْنِهَا تَجْرَحُ. قَالَ تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] أَيْ: كَسَبْتُمْ (وَشَرِكَةِ) أَيْ:، وَكَذَا إنْ مَاتَ بِمُشَارَكَةِ (انْصِدَامِ أَرْضٍ) لِجَرْحِ السَّهْمِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَيْهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيُعْفَى عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ فَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ لَمَّا أَصَابَهُ السَّهْمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْصَدَمَ بِغُصْنٍ، أَوْ طَرَفِ جَبَلٍ، أَوْ سَطْحٍ أَوْ تَدَهْوَرَ مِنْ جَبَلٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ وَقَعَ فِي مَاءِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَازِمًا وَلَا غَالِبًا نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ طُيُورِ الْمَاءِ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ أَوْ خَارِجَهُ فَوَقَعَ فِيهِ فَوَجْهَانِ قَطَعَ الْجُوَيْنِيُّ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا فَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ وَالْبَغَوِيِّ بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَعْدَ الْجَرْحِ يُعِينُ عَلَى التَّلَفِ.

قَالَ نَعَمْ إنْ كَانَ فِي هَوَاءِ الْمَاءِ وَالرَّامِي بِسَفِينَةٍ فِيهِ حَلَّ (وَاعْتِنَا) أَيْ: أَوْ بِشَرِكَةِ إعَانَةِ (رِيحٍ) السَّهْمَ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هُبُوبِهَا بِخِلَافِ حَمْلِهَا الْكَلَامَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهَا الْحِنْثُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ (وَبِانْصِدَامِ) أَيْ: أَوْ بِشَرِكَةِ انْصِدَامِ (سَهْمٍ لِلْبِنَا) بِأَنْ أَصَابَهُ فَارْتَدَّ عَنْهُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ مَا يَتَوَلَّدُ بِفِعْلِ الرَّامِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ (أَوْ ارْتَمَى) أَيْ: السَّهْمُ بِنَفْسِهِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ (بَعْدَ انْقِطَاعٍ) حَصَلَ (فِي الْوَتَرِ) عِنْدَ نَزْعِ الْقَوْسِ فَيَحِلُّ نَظَرًا إلَى ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ وَحُصُولِ الْإِصَابَةِ كَمَا قَصَدَ (وَظَنَّ خِنْزِيرًا وَثَوْبًا وَبَشَرْ) الْوَقْفُ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ أَيْ: أَوْ ظَنَّ مَا رَمَى إلَيْهِ خِنْزِيرًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ بَشَرًا أَوْ نَحْوَهَا فَبَانَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا فَيَحِلُّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ وَلَوْ رَمَى شَاةً مَرْبُوطَةً بِآلَةٍ جَارِحَةٍ فَقَطَعَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ فِي إخْرَاجِهَا إلَخْ) أَقُولُ بَلْ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَهُوَ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ قَطْعَ جَائِزِ الْمُنَاكَحَةِ تَصْوِيرٌ، وَأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْحِلِّ) هَذَا مُسَلَّمٌ فِي الْجُرْحِ وَالْإِرْسَالِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِرّ

(قَوْلُهُ: مَا لَوْ انْصَدَمَ بِغُصْنٍ أَوْ طَرَفِ جَبَلٍ إلَخْ) مَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ بِالْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ وَإِلَّا فَيَحِلُّ وَلَا أَثَرَ لِمَا يَعْرِضُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ غُصْنٍ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ يَحِلُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ أَنْ يَصْدِمَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَسْقُطَ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ ذَكَرَهُ بِرّ (قَوْلُهُ: مِنْ طُيُورِ الْمَاءِ) الْمُرَادُ بِطُيُورِهِ مَنْ فِي الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طُيُورِهِ فَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي مَرَّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ كَانَ فِي هَوَاءِ الْمَاءِ إلَخْ) وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الزَّازِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الطَّيْرُ فِي هَوَاءِ الْمَاءِ حَلَّ وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِي الْبَرِّ وَاعْتَمَدَهُ وَحَمَلَ الْخَبَرَ الظَّاهِرَ فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى غَيْرِ طَيْرِ الْمَاءِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّامِي بِسَفِينَةٍ فِيهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي الْبَرِّ م ر (قَوْلُهُ: وَأَصَابَ الصَّيْدَ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ يَقْصُرُ عَنْ الصَّيْدِ لَوْلَا الْإِعَانَةُ الْمَذْكُورَةُ بِرّ (قَوْلُهُ: فَبَانَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا) أَيْ: بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصَابَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا فَلَا يَحِلُّ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَكَذَا لَوْ قَصَدَهُ وَأَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْإِصَابَةِ مَعًا كَمَنْ رَأَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: أَصَحُّهَا الْحِلُّ) وَلَوْ خَرَجَ عَادِلًا عَنْ الْجِهَةِ م ر (قَوْلُهُ: وَقَطَعَ الْإِمَامُ إلَخْ) ظَاهِرُ م ر اعْتِمَادُهُ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ) خَرَجَ مَا لَوْ انْغَمَسَ فِيهِ وَمَاتَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا ق ل (قَوْلُهُ: فَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ) فَيَحِلُّ وَلَوْ كَانَ الرَّامِي خَارِجَ الْمَاءِ مَا لَمْ يَغُصْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالسَّهْمِ فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا طَيْرُ الْبَرِّ أَوْ الْمَاءِ إذَا كَانَ فِي هَوَاءِ الْبَرِّ فَيَحِلُّ بِرَمْيِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّامِي فِي الْبَرِّ أَوْ الْمَاءِ. اهـ.

مِنْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ م ر (قَوْلُهُ: أَوْ خَارِجَهُ) أَيْ: كَانَ فِي هَوَائِهِ لَا عَلَى وَجْهِهِ. اهـ.

بج (قَوْلُهُ: فَوَقَعَ فِيهِ) خَرَجَ مَا لَوْ وَقَعَ خَارِجَهُ فَيَحِلُّ سَوَاءٌ كَانَ الرَّامِي فِيهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَالرَّامِي بِسَفِينَةٍ إلَخْ) اُنْظُرْ الْفَرْقَ بج (قَوْلُهُ:

ص: 154

الْمَذْبَحَ وِفَاقًا فَفِي حِلِّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبْحِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ. قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْمَذْبَحَ وَأَنْ يَقْصِدَ الشَّاةَ فَيُصِيبَ الْمَذْبَحَ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْأَرْجَحُ الْحِلُّ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ (أَوْ رَدَّهُ كَلْبُ الْمَجُوسِ) وَقَدْ هَرَبَ كَلْبُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ فَيَحِلُّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ شَاةً أَمْسَكَهَا مَجُوسِيٌّ (وَلِمَا بَانَ بِمَا ذَفَّفَ) أَيْ: الذَّكَاةُ لِلْحَيَوَانِ بِمَا مَرَّ وَلِلْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ أَيْ: مُسْرِعٍ لِقَتْلِهِ فَيَحِلُّ الْعُضْوُ كَبَاقِي الْبَدَنِ فَإِنْ أُبِينَ مِنْهُ بِغَيْرِ مُذَفِّفٍ حَرُمَ سَوَاءٌ ذُبِحَ أَمْ مَاتَ بِذَلِكَ الْجَرْحِ أَوْ بِجَرْحٍ آخَرَ مُذَفِّفٍ أَوْ غَيْرِ مُذَفِّفٍ؛ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ، وَحَلَّ الْبَاقِي وَمَحَلُّ حِلِّهِ فِي غَيْرِ الْأُولَى إذَا لَمْ يَثْبُتْهُ بِالْجَرْحِ الْأَوَّلِ فَإِنْ أَثْبَتَهُ بِهِ تَعَيَّنَ ذَبْحُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ تَحْرِيمُ الْمُبَانِ بِغَيْرِ مُذَفِّفٍ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِمَا مَرَّ وَوَقَعَ فِي الْمَنَاهِجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ حِلِّهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُذَفِّفًا وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمَيْنِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَاهُ فَإِنْ أَصَابَاهُ مَعًا فَحَلَالٌ، أَوْ أَصَابَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَإِنْ أَزْمَنَهُ وَلَمْ يُصِبْ الثَّانِي مَذْبَحَهُ لَمْ يَحِلَّ، وَإِنْ أَصَابَهُ حَلَّ وَإِنْ لَمْ يُزْمِنْهُ الْأَوَّلُ وَقَتَلَهُ الثَّانِي حَلَّ (لَا مَا طَعِمَا) أَيْ: يَحِلُّ مَا مَرَّ لَا مَا أَكَلَ (مِنْهُ) الْجَارِحَةُ بَعْدَ الْإِمْسَاكِ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ حَشْوَتَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ عَقِبَ قَتْلِهِ وَإِلَّا فَيَحِلُّ قَطْعًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ كُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» مَعَ أَنَّ فِي رِجَالِهِ رَجُلًا مُتَكَلَّمًا فِيهِ، وَخَرَجَ بِطَعْمِهَا لَعْقُهَا الدَّمَ فَلَا يُؤَثِّرُ (وَعُلِّمَتْ) بَعْدَ أَكْلِهَا؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ غَيْرَ مُعَلَّمَةٍ (وَمَا مِنْ قَبْلِهِ تَقْتُلُ) أَيْ: وَلَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ قَبْلَ أَكْلِهَا (لَكِنْ) هَذَا مُقَيَّدٌ (بِاعْتِيَادِ أَكْلِهِ) أَيْ: بِالصَّيْدِ بِأَنْ أَكَلَتْ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ التَّعْلِيمِ وَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَكْلُ وَصَارَ عَادَةً فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ مَا أَكَلَ مِنْهُ آخِرًا وَفِيمَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلُ وَجْهَانِ الْأَقْوَى التَّحْرِيمُ. اهـ.

(وَلَا) يَحِلُّ (الَّذِي يُثْخِنُهُ) الْمُسْلِمُ بِكَلْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ (ثُمَّ قَتَلْ) أَيْ: قَتَلَهُ (كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ) تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ (وَغُرْمَهُ حَمَلْ) أَيْ: وَحَمَلَ الْمَجُوسِيُّ إنْ وُجِدَ مِنْهُ إغْرَاءٌ أَوْ تَقْصِيرٌ قِيمَةَ الصَّيْدِ مُثْخَنًا لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ (أَوْ) الَّذِي (غَابَ) بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ وَلَمْ يُنْهِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ (ثُمَّ مَاتَ) أَيْ: لَا يَحِلُّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ يَحِلُّ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْجَرْحِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك فَأَدْرَكْته فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ أَصَحُّ دَلِيلًا، وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ وَثَبَتَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ دُونَ التَّحْرِيمِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ التَّحْرِيمُ فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ بِطُرُقٍ حَسَنَةٍ فِي حَدِيثِ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ. قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ، وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَيَجِدْهُ مَيِّتًا فَقَالَ إذَا وَجَدْت فِيهِ أَثَرَ سَهْمِك وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرُ سَبُعٍ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ» فَكُلْ فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَدَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ

. (وَالْإِغْرَاءُ) لِلْجَارِحِ (فِي أَثْنَاءِ عَدْوِهِ كَمِثْلِ الْمُنْتَفِي) أَيْ: كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ إغْرَائِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا فَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ حَلَّ وَإِنْ زَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَائِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَلَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَغْرَاهُ مُسْلِمٌ حَرُمَ وَإِنْ زَادَ بِهِ عَدْوُهُ

(وَاَللَّهَ نَدْبًا وَحْدَهُ يُسَمِّي) أَيْ: الْمُذَكِّي بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] وَلِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَإِنَّمَا لَمْ

ــ

[حاشية العبادي]

حَرُمَ. قَالَ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا فَلَا يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ. اهـ.

، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّوْضِ لَا عَكْسَهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ بِأَنْ رَمَى حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا وَمَاتَ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُبَاحًا. اهـ.

وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا قَدْ يُقَالُ قَدْ قَصَدَ مُحَرَّمًا فِيمَا إذَا أَصَابَهُ وَبَانَ حَيَوَانًا مَأْكُولًا لَا فَكَأَنَّ قَصْدَ الْمُحَرَّمِ إنَّمَا يَضُرُّ إذَا كَانَتْ الْإِصَابَةُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْأُولَى) خَرَجَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا هَذَا التَّقْيِيدُ لِوُجُودِ الذَّبْحِ فِيهَا (قَوْله بِاعْتِيَادِ أَكْلِهِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَادَتْ الْجَارِحَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَثَلًا وَلَمْ تَأْكُلْ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ، ثُمَّ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مَثَلًا، وَأَكَلَتْ مِنْهُ فِيهِمَا فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُرْمَةُ الصَّيْدِ فِي الْمَرَّتَيْنِ وَفِي الثَّلَاثِ قَبْلَهَا أَيْضًا وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ الْمَذْكُورِ الْحُرْمَةُ فِي الْمَرَّتَيْنِ دُونَ الثَّلَاثِ قَبْلَهَا فَاتَّضَحَ قَوْلُهُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ صِفَةِ الْجَارِحَةِ كَتَبَدُّلِ صِفَةِ الصَّائِدِ إلَى رِدَّةٍ وَنَحْوِهَا وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ تُوهِمُ أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّكَرُّرِ وَجَرَيَانَ الْوَجْهَيْنِ مُفَرَّعٌ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ تَحْرِيمِ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ مَرَّةً بَعْدَ التَّعْلِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَأَيْت فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ بِرّ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ: فَقَطْ كَمَا فِي الْخَادِمِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّتَهَا لَا تُنَاسِبُ الْمَقَامَ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصَ هَذَا اللَّفْظِ بَلْ لَوْ قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَانَ حَسَنًا، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) قَالَ م ر وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: آخِرًا) أَيْ: مَا حَصَلَ بِهِ التَّكْرَارُ، وَقَوْلُهُ: وَفِيمَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلُ أَيْ: قَبْلَ ذَلِكَ الْآخَرِ مِمَّا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ التَّكْرَارُ

(قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ ق ل عَلَى

ص: 155

يَجِبْ ذَلِكَ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَأْكُلُ مِنْهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إذْ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَيَتَقَيَّدُ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ عَلَيْهَا فَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ لِإِيهَامِهِ التَّشْرِيكَ وَكَمَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ غَيْرِ اللَّهِ بِالذِّكْرِ عَلَيْهَا.

قَالَ الشَّيْخَانِ وَأَفْتَى أَهْلُ بُخَارَى بِتَحْرِيمِ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ لِقَاءِ السُّلْطَانِ تَقَرُّبًا إلَيْهِ، ثُمَّ. قَالَا وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْمَعْبُودِ أَوْ بِاسْمِهِ كَالسُّجُودِ لَهُ فَمَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْعِبَادَةِ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ وَكَفَرَ بِذَلِكَ كَمَنْ سَجَدَ لِغَيْرِهِ سَجْدَةَ عِبَادَةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ كَأَنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا بَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ اسْتِبْشَارًا لِقُدُومِ السُّلْطَانِ حَلَّتْ وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَكْفُرُ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَذَلُّلًا وَخُضُوعًا وَإِنْ حَرُمَ وَعَلَى هَذَا لَوْ. قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ وَأَرَادَ أَذْبَحُ بِسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى الْجَوَازَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ عَنْهُ (لِلْفِعْلِ أَوْ عَضٍّ وَصَيْبِ السَّهْمِ) أَيْ: يُسَمِّي عِنْدَ فِعْلِهِ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ الْجَرْحِ أَوْ إرْسَالِ الْجَارِحَةِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ عِنْدَ عَضِّ الْجَارِحَةِ الصَّيْدَ أَوْ إصَابَةِ

ــ

[حاشية العبادي]

مَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ خَيْرٌ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ جَوَابًا) أَيْ: لِلنَّهْيِ وَقَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ إلَخْ لَا يُقَالُ التَّعَيُّنُ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَاوِ اسْتِئْنَافِيَّةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ اسْتِئْنَافِيَّةُ الْوَاوِ نَادِرَةٌ، وَحَالِيَّتُهَا كَثِيرَةٌ فَهِيَ أَكْثَرُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَكْثَرِ أَرْجَحُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَرْجَحِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ: فِي قَوْلِهِ {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] لَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جُمْلَةَ أُهِلَّ إلَخْ مُفَسِّرَةٌ لِلْفِسْقِ لِجَوَازِ كَوْنِهَا صِفَةً لَهُ مُخَصِّصَةً فَلَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّخْصِيصُ مَعَ صِحَّةِ التَّعْمِيمِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ بَلْ مَعَ دَاعِي التَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ مِنْ الْحَرَامِ الَّذِي يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُرْتَكَبُ بِلَا دَلِيلٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) قَضِيَّتُهُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى التَّشْرِيكِ وَلَا مَعْنَى أَذْبَحُ بِسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ وَانْظُرْ الْفَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْحُرْمَةِ هُنَا وَالْكَرَاهَةِ فَقَطْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِقُوَّةِ الْإِيهَامِ هُنَا إذْ لِلنَّبِيِّ مِنْ الْعَظَمَةِ مَا يَقْوَى مَعَهُ التَّوَهُّمُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَا ذَبِيحَةَ أَيْ: وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِلْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سِوَى اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ إنْ ذَبَحَ لِذَلِكَ تَعْظِيمًا وَعِبَادَةً كَفَرَ كَمَا لَوْ سَجَدَ لِذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِلرُّسُلِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ جَازَ وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ إذَا ذُبِحَتْ تَقَرُّبًا إلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ عِنْدَ لِقَائِهِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِبْشَارَ بِقُدُومِهِ فَلَا بَأْسَ. اهـ.

فَأَفَادَ قَوْلُهُ: وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّ لِلْحُرْمَةِ صُورَتَيْنِ مَا يُجَامِعُ الْكُفْرَ، وَمَا لَا فَلْيُحَرَّرْ مَا يُمَيِّزُ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى وَأَنَّ الذَّبْحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِلرُّسُلِ لِكَوْنِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ خَارِجٌ عَنْ الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّ الذَّبْحَ بِقَصْدِ الِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِ السُّلْطَانِ لَا يَحْرُمُ فَلْتُمَيِّزْ هَذِهِ الصُّوَرَ فِي الْمَعْنَى بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِجَمْعِ صُورَتَيْ الْحُرْمَةِ الذَّبْحِ عَلَى وَجْهِ أَنَّ الْمَذْبُوحَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لِذَاتِهِ وَتَتَمَيَّزُ صُورَةُ الْكُفْرِ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَمُجَرَّدُ الْحُرْمَةِ بِعَدَمِ قَصْدِهَا فَلْيُحَرَّرْ جِدًّا (قَوْلُهُ: أَيْ: يُسَمِّي عِنْدَ فِعْلِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَالتَّسْمِيَةُ أَيْ: وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الذَّبْحِ وَإِرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ. اهـ.

قَالَ فِي شَرْحِهِ لَكِنْ مَا بَعْدَ لَوْلَا يَصْلُحُ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا فَلَوْ قَالَ: وَكَذَا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ كَانَ أَوْلَى. اهـ.

وَقَضِيَّتُهُ نَدْبُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالْإِصَابَةِ وَالْعَضِّ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْجَلَالِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا إلَخْ) هَلَّا قِيلَ بِالْجَوَازِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَمَّى كَمَا صَحَّحُوا الِاقْتِدَاءَ بِحَنَفِيٍّ بِنَاءً عَلَى إتْيَانِهِ بِالْبَسْمَلَةِ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ شَرْحَ الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقَدْ يُقَالُ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا الْحِلِّ قُرْبُ الْعَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ: إذْ الْأُولَى إلَخْ) قَدْ يُدْفَعُ بِعَطْفِ الْمَضْمُونِ عَلَى الْمَضْمُونِ أَوْ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِحِلِّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهَا أَوْلَى وَالْمُرَادُ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَذْبُوحُ لِلْأَصْنَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] إذْ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِسْقًا هِيَ تِلْكَ بِدَلِيلِ {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] وَقَدْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِإِنَّ وَاللَّامِ يَمْنَعُ الْحَالِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْسُنُ فِيمَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ بِتَحَقُّقِهِ وَالرَّدِّ عَلَى مُنْكِرٍ وَالْحَالُ الْوَاقِعِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَبْنَاهُ عَلَى التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَأْكُلُوا إنْ كَانَ فِسْقًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالْفِسْقِ الْإِهْلَالَ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَ التَّأْكِيدُ مُنَاسِبًا كَأَنَّهُ قِيلَ لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْفِسْقِ الَّذِي الْحُكْمُ بِهِ مُتَحَقِّقٌ وَالْمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَهُ، وَقَالَ الْيَمَنِيُّ لَا امْتِنَاعَ فِي تَصْدِيرِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ بِإِنَّ. اهـ.

مِنْ الشِّهَابِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ: مَعَ حِلِّ الذَّبِيحَةِ ع ش وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إنْ أُطْلِقَ فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْمَذْبُوحَ لَمْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ لِذَاتِهِ حَرُمَتْ وَكَذَا إنْ قَصَدَ الْعِبَادَةَ بَلْ يَكْفُرُ حِينَئِذٍ كَمَا يُفِيدُهُ الْمُحَشِّي (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَرُمَ) ؛ لِأَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ عِبَادَةٍ

ص: 156