الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ الزَّوْجُ مُصَدِّقًا لَهَا وَجَبَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَتَكْمُلَ عِدَّةُ الْأَوَّلِ بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي عِدَّةً كَامِلَةً، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا تَزَوَّجَهَا.
[مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ مُصَافِحَةً وَقَعَدَتْ مَعَهُ أَيَّامًا فَطَلَعَ لَهَا زَوْجٌ آخَرُ]
501 -
103 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ مُصَافِحَةً، وَقَعَدَتْ مَعَهُ أَيَّامًا فَطَلَعَ لَهَا زَوْجٌ آخَرُ، فَحَمْلُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَزَوْجُهَا الْأَوَّلُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهَا: تُرِيدِينَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ، فَقَالَتْ: مَا أُرِيدُ إلَّا الزَّوْجَ الثَّانِيَ، فَطَلَّقَهَا الْأَوَّلُ، وَرَسَمَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُوفِيَ عِدَّتَهُ، وَتَمَّ مَعَهَا الزَّوْجُ، فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ لَهَا أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: إذَا تَزَوَّجَتْ بِالثَّانِي قَبْلَ أَنْ تُوفِيَ عِدَّةَ الْأَوَّلِ، وَقَدْ فَارَقَهَا الْأَوَّلُ إمَّا لِفَسَادِ نِكَاحِهِ، وَإِمَّا لِتَطَلُّبِهِ لَهَا، وَإِمَّا لِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا، فَنِكَاحُهَا فَاسِدٌ وَتَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ هِيَ وَهُوَ وَمَنْ زَوَّجَهَا، بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تُتِمَّ عِدَّةَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الثَّانِي قَدْ وَطِئَهَا اعْتَدَّتْ لَهُ عِدَّةً أُخْرَى، فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّتَانِ تَزَوَّجَتْ حِينَئِذٍ بِمَنْ شَاءَتْ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي أَوْ غَيْرِهِمَا.
[بَابُ الرَّضَاعِ]
[مَسْأَلَةٌ الَّذِي يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ]
502 -
104 - مَسْأَلَةٌ:
مَا الَّذِي يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ؟ وَمَا الَّذِي لَا يَحْرُمُ؟ وَمَا دَلِيلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: " إنَّهُ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَلِيَتَبَيَّنُوا جَمِيعَ التَّحْرِيمِ مِنْهُ؟ وَهَلْ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ؟ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ اخْتِلَافٌ فَمَا هُوَ الصَّوَابُ وَالرَّاجِحُ فِيهِ؟ وَهَلْ حُكْمُ رَضَاعِ الصَّبِيِّ الْكَبِيرِ الَّذِي دُونَ الْبُلُوغِ أَوْ الَّذِي يَبْلُغُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّغِيرِ الرَّضِيعِ، فَإِنَّ بَعْضَ النِّسْوَةِ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ خَمْسَ سِنِينَ
وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ؟ وَهَلْ يَقَعُ تَحْرِيمٌ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ الْمُتَزَوِّجَيْنِ بِرَضَاعِ بَعْضِ قَرَابَاتِهِمْ لِبَعْضٍ، وَبَيِّنُوهُ بَيَانًا شَافِيًا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَلَفْظُهُ:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . وَالثَّانِي: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» . وَقَدْ اسْتَثْنَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ صُورَتَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا خَطَأٌ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْحَدِيثِ شَيْءٌ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ فَنَقُولُ: إذَا ارْتَضَعَ الرَّضِيعُ مِنْ الْمَرْأَةِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ مِنْ الْحَوْلَيْنِ، صَارَتْ الْمَرْأَةُ أُمَّهُ، وَصَارَ زَوْجُهَا الَّذِي جَاءَ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ أَبَاهُ، فَصَارَ ابْنًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ جَمِيعُ أَوْلَادِ الْمَرْأَةِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَجَمِيعُ أَوْلَادِ الرَّجُلِ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا إخْوَةً لَهُ، سَوَاءٌ وُلِدُوا قَبْلَ الرَّضَاعِ أَوْ بَعْدَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.
وَإِذَا كَانَ أَوْلَادُهُمَا إخْوَتَهُ، كَانَ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِمَا أَوْلَادَ إخْوَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَضِعِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِمَا، وَلَا أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا، فَإِنَّهُمَا إمَّا إخْوَتُهُ وَإِمَّا أَوْلَادُ إخْوَتِهِ، وَذَلِكَ يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ. وَإِخْوَةُ الْمَرْأَةِ وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأَبُوهَا وَأُمُّهَا أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدًا مِنْ إخْوَتِهَا، وَلَا مِنْ أَخَوَاتِهَا، وَإِخْوَةُ الرَّجُلِ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ، وَأَبُو الرَّجُلِ وَأُمَّهَاتُهُ أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ، فَلَا يَتَزَوَّجُ بِأَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ، وَلَا بِأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ، لَكِنْ يَتَزَوَّجُ بِأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ. فَإِنَّ جَمِيعَ أَقَارِبِ الرَّجُلِ حَرَامٌ عَلَيْهِ. إلَّا أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَأَوْلَادُ الْخَالِ وَالْخَالَاتِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] .
فَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ، فَيُبَحْنَ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَإِذَا
كَانَ الْمُرْتَضِعُ ابْنًا لِلْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فَأَوْلَادُهُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِمَا، وَيَحْرُمُ عَلَى أَوْلَادِهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَوْلَادِ مِنْ النَّسَبِ، فَهَذِهِ الْجِهَاتُ الثَّلَاثُ مِنْهَا تَنْتَشِرُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ.
وَأَمَّا إخْوَةُ الْمُرْتَضِعِ مِنْ النَّسَبِ، وَأَبُوهُ مِنْ النَّسَبِ، وَأُمُّهُ مِنْ النَّسَبِ، فَهُمْ أُجَانِبُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، لَيْسَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ صِلَةٌ وَلَا نَسَبٌ وَلَا رَضَاعٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبِيهِ، وَأُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ، وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَجُوزُ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ أُمِّهِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ أَخٌ مِنْ النَّسَبِ وَأُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِهَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذَا، وَلِهَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذَا.
وَبِهَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَضِعِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ بِأُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ، كَمَا يَتَزَوَّجُ بِأُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ وَيَجُوزُ لِأَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ.
وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي النَّسَبِ، فَإِنَّ أَخَا الرَّجُلِ مِنْ النَّسَبِ لَا يَتَزَوَّجُ بِأُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ، وَأُخْتَه مِنْ الرَّضَاعِ لَيْسَتْ بِنْتَ أَبِيهِ مِنْ النَّسَبِ وَلَا رَبِيبَتَهُ، فَلِهَذَا جَازَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ فَيَقُولُ مَنْ لَا يُحَقِّقُ: يَحْرُمُ فِي النَّسَبِ عَلَى أَخِي أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمِّي وَلَا يَحْرُمُ مِثْلُ هَذَا فِي الرَّضَاعِ. وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ نَظِيرُ الْمُحَرَّمِ مِنْ النَّسَبِ أَنْ تَتَزَوَّجَ أُخْتُهُ أَوْ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ بِابْنِ هَذَا الْأَخِ أَوْ بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، كَمَا لَوْ ارْتَضَعَ هُوَ وَآخَرُ مِنْ امْرَأَةٍ، وَاللَّبَنُ لِفَحْلٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَخَاهُ وَأُخْتَه مِنْ الرَّضَاعَةِ، لِكَوْنِهِمَا أَخَوَيْنِ لِلْمُرْتَضِعِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا أَبَاهُ وَأُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لِكَوْنِهِمَا وَلَدَيْهِمَا مِنْ الرَّضَاعَةِ لَا لِكَوْنِهِمَا أَخَوَيْ وَلَدَيْهِمَا، فَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَنَحْوَهُ زَالَتْ عَنْهُ الشُّبْهَةُ.
وَأَمَّا رَضَاعُ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِي مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ لَا يَحْرُمُ إلَّا رَضَاعُ الصَّغِيرِ كَاَلَّذِي رَضَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَفِيمَنْ رَضَعَ قَرِيبًا مِنْ الْحَوْلَيْنِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، لَكِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ.
فَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ فَلَا يَحْرُمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِرَضَاعِ الْقَرَائِبِ، مِثْلُ أَنْ تُرْضِعَ زَوْجَتُهُ لِأَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ، فَهُنَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِاَلَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لِأَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ، إذْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا صِلَةُ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ.
وَإِنَّمَا حَرُمَتْ عَلَى أَخِيهَا لِأَنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَيْسَتْ أُمَّ نَفْسِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأُمُّ الْمُرْتَضِعِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَكُونُ أُمًّا لِإِخْوَتِهِ مِنْ النَّسَبِ، لِأَنَّهَا إنَّمَا أَرْضَعَتْ الرَّضِيعَ وَلَمْ تُرْضِعْ غَيْرَهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ