الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوَدُ، فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَا؟ ، وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ؛ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْقَاتِلِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا لِبَيْتِ الْمَالِ؛ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ.
[مَسْأَلَةٌ ضَرَبَ رَجُلًا ضَرْبَةً فَمَكَثَ زَمَانًا ثُمَّ مَاتَ]
657 -
11 - مَسْأَلَةٌ:
فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا ضَرْبَةً فَمَكَثَ زَمَانًا ثُمَّ مَاتَ، وَالْمُدَّةُ الَّتِي مَكَثَ فِيهَا كَانَ ضَعِيفًا مِنْ الضَّرْبَةِ: مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إذَا ضَرَبَهُ عُدْوَانًا فَهَذَا شِبْهُ عَمْدٍ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، وَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مِنْ الضَّرْبَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ يَهُودِيّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ]
658 -
12 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ يَهُودِيٍّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ: فَهَلْ يُقْتَلُ بِهِ؟ أَوْ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ .
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ الذِّمِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . وَلَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. فَقِيلَ: الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. وَقِيلَ: ثُلُثُ دِيَتِهِ. وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَيَجِبُ فِي الْعَمْدِ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ ذِمِّيًّا فَغَلَّظَ عَلَيْهِ. وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ كَمَالَ الدِّيَةِ. وَفِي الْخَطَأِ نِصْفُ الدِّيَةِ. فَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ جَعَلَ دِيَةَ الذِّمِّيِّ نِصْفَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» . وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ أَيْضًا، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
مَسْأَلَةٌ:
فِي طَائِفَةٍ تُسَمَّى " الْعَشِيرَةِ قَيْسٌ وَيَمَنٌ " يَكْثُرُ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ، وَلَا يُبَالُونَ بِهِ وَإِذَا طُلِبَ مِنْهُمْ الْقَاتِلُ أَحْضَرُوا شَخْصًا غَيْرَ الْقَاتِلِ يَتَّفِقُونَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْقَتْلِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ، فَإِذَا اعْتَرَفَ جَهَّزُوا إلَى الْمُتَوَلِّي مِنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ قَرَابَةِ الْمَقْتُولِ، وَيَقُولُ: أَنَا قَدْ أَبَرَيْت هَذَا الْقَاتِلَ مِمَّا اسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ، وَإِقَامَةِ الْفِتَنِ، فَإِذَا رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ وَضْعَ دِيَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ مِنْ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ أَثْبَتَ أَسْمَاءَهُمْ فِي الدِّيوَانِ عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مِنْهُمْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَوْ رَأَى وَضْعَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةِ الْقَاتِلِ، كَمَا نُقِلَ [عَنْ] بَعْضِ الْأَئِمَّةِ رضي الله عنهم؟ أَوْ رَأَى تَعْزِيرَ هَؤُلَاءِ الْعَشِيرِ عِنْدَ إظْهَارِهِمْ الْفِتَنَ وَسَفْكَ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادَ بِوَضْعِ مَالٍ عَلَيْهِمْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، لِيَكُفَّ نُفُوسِهِمْ الْعَادِيَةَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
الْجَوَابُ: أَيَّدَهُ اللَّهُ. الْحَمْدُ لِلَّهِ: أَمَّا إذَا عُرِفَ الْقَاتِلُ فَلَا تُوضَعُ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ مَكَانِ الْمَقْتُولِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ لَا بِبَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ: فَفِي مِثْلِ هَذَا تُشْرَعُ الْقَسَامَةُ. فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، كَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بِخَيْبَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ أَوَّلًا؛ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ هِيَ فِي جَنْبِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ.
فَأَمَّا إذَا عُرِفَ الْقَاتِلُ فَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ لِأَخْذِ مَالِ فَهُوَ مُحَارِبٌ يَقْتُلُهُ الْإِمَامُ حَدًّا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ؛ لَا أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، وَلَا غَيْرِهِمْ. وَإِنْ قَتَلَ لِأَمْرٍ خَاصٍّ فَهَذَا أَمْرُهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ. وَلِلْإِمَامِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَجْلِدَهُ مِائَةً، وَيَحْبِسَهُ سَنَةً. فَهَذَا التَّعْزِيرُ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ قَدْ رَضُوا بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَلَا أَرْغَمَ اللَّهُ إلَّا بِآنَافِهِمْ. وَإِذَا قِيلَ: تُوضَعُ الدِّيَةُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى أَهْلِ الْمَكَانِ مَعَ الْقَسَامَةِ فِي الدِّيَةِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لَا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ: إنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ لَا تُوضَعُ الدِّيَةُ بِدُونِ قَسَامَةٍ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.
وَهَؤُلَاءِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْفِتَنِ وَالْفَسَادِ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُمْ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ