الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ أَهْلُ الْقَوْلِ الْآخَرِ. قِيلَ: هَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» هَذَا خِطَابٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ لَفْظٌ مُذَكَّرٌ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالذُّكُورِ، أَوْ مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِ. فَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِمْ فَلَا ذِكْرَ لِلنِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِهِمْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ عَامًّا، وَقَوْلُهُ:«لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ:«لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» فَاَلَّذِي يَتَّخِذُونَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ، سَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا، وَأَمَّا الَّذِينَ يَزُورُونَ فَإِنَّمَا لَعَنَ النِّسَاءَ الزَّوَّارَاتِ دُونَ الرِّجَالِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا خَاصًّا وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الرُّخْصَةِ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَذَلِكَ لَوْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَهَا.
وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ» فَهَذَا عَامٌّ وَالنِّسَاءُ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَهَى النِّسَاءَ عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:«سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي نُشَيِّعُ مَيِّتًا، فَلَمَّا فَرَغْنَا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْصَرَفْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا تَوَسَّطْنَا الطَّرِيقَ إذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ، فَلَمَّا دَنَتْ إذَا هِيَ فَاطِمَةُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَخْرَجَك يَا فَاطِمَةُ مِنْ بَيْتِك؟ ، قَالَتْ: أَتَيْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ فَعَزَّيْنَاهُمْ بِمَيِّتِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّك بَلَغْت مَعَهُمْ الْكُدَى، أَمَا إنَّك لَوْ بَلَغْت مَعَهُمْ الْكُدَى مَا رَأَيْت الْجَنَّةَ، حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيك» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ فَسَّرَ " الْكُدَى " بِالْقُبُورِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[هَلْ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ كَلَامَ زَائِرِهِ وَيَرَى شَخْصَهُ]
393 -
33 - سُئِلَ: هَلْ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ كَلَامَ زَائِرِهِ، وَيَرَى شَخْصَهُ؟ وَهَلْ تُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَمْ تَكُونُ تُرَفْرِفُ عَلَى قَبْرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ؟ وَهَلْ تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ نَاحِلِيهِ وَغَيْرِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ؟ وَهَلْ تُجْمَعُ رُوحُهُ مَعَ أَرْوَاحِ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا قَرِيبًا مِنْهُمْ أَوْ بَعِيدًا؟ وَهَلْ تُنْقَلُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ يَكُونُ بَدَنُهُ إذَا
مَاتَ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ؟ وَدُفِنَ بِهَا يُنْقَلُ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا، وَهَلْ يَتَأَذَّى بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟ وَالْمَسْئُولُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رضي الله عنهم الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْفُصُولِ - فَصْلًا، فَصْلًا - جَوَابًا وَاضِحًا، مُسْتَوْعِبًا لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا نُقِلَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَشَرْحِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ: أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ، وَاخْتِلَافِهِمْ، وَمَا الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ. مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَعَمْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ فِي الْجُمْلَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ» .
وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ رضي الله عنه ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْمَعُونَ، وَأَنَّى يُجِيبُونَ، وَقَدْ جُيِّفُوا؟ ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتَ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ» ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ وَقَالَ: إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْآنَ مَا أَقُولُ» .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ. وَيَقُولُ: «قُولُوا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» فَهَذَا خِطَابٌ لَهُمْ، وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ مَنْ يَسْمَعُ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عليه السلام» .
وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك؟ وَقَدْ أَرِمْت - يَعْنِي صِرْتُ رَمِيمًا - فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ
الْأَنْبِيَاءِ» . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» .
فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ فِي الْجُمْلَةِ كَلَامَ الْحَيِّ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ لَهُ دَائِمًا، بَلْ قَدْ يَسْمَعُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ كَمَا قَدْ يُعْرَضُ لِلْحَيِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ أَحْيَانًا خِطَابَ مَنْ يُخَاطِبُهُ، وَقَدْ لَا يَسْمَعُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ، وَهَذَا السَّمْعُ سَمْعُ إدْرَاكٍ، لَيْسَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، وَلَا هُوَ السَّمْعُ الْمَنْفِيُّ بِقَوْلِهِ:{إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ سَمْعُ الْقُبُورِ وَالِامْتِثَالِ. فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْكَافِرَ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَاهُ، وَكَالْبَهَائِمِ الَّتِي تَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَلَا تَفْقَهُ الْمَعْنَى.
فَالْمَيِّتُ وَإِنْ سَمِعَ الْكَلَامَ وَفَقِهَ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إجَابَةُ الدَّاعِي، وَلَا امْتِثَالَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَنُهِيَ عَنْهُ، فَلَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِنْ سَمِعَ الْخِطَابَ، وَفَهِمَ الْمَعْنَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23]
وَأَمَّا رُؤْيَةُ الْمَيِّتِ: فَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا.
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: هَلْ تُعَادُ رُوحُهُ إلَى بَدَنِهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، أَمْ تَكُونُ تُرَفْرِفُ عَلَى قَبْرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ؟ فَإِنَّ رُوحَهُ تُعَادُ إلَى الْبَدَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. وَتُعَادُ أَيْضًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ:«أَنَّ نَسَمَةَ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» وَفِي لَفْظٍ «ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ» وَمَعَ ذَلِكَ فَتَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ مَتَى شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ فِي اللَّحْظَةِ بِمَنْزِلَةِ
نُزُولِ الْمَلَكِ، وَظُهُورِ الشُّعَاعِ فِي الْأَرْضِ، وَانْتِبَاهِ النَّائِمِ.
وَهَذَا جَاءَ فِي عِدَّةِ آثَارٍ، أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَكُونُ فِي أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَرْوَاحُ تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دَفْنِ الْمَيِّتِ لَا تُفَارِقُهُ، فَهَذَا يَكُونُ أَحْيَانًا، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَرْوَاحَ مُرْسَلَةٌ، تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ، وَالصَّدَقَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي وُصُولِ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ، كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، كَمَا يَصِلُ إلَيْهِ أَيْضًا الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَالدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ.
وَتَنَازَعُوا فِي وُصُولِ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ: كَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْجَمِيعَ يَصِلُ إلَيْهِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَثَبَتَ أَيْضًا: «أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةً مَاتَتْ أُمُّهَا، وَعَلَيْهَا صَوْمٌ، أَنْ تَصُومَ عَنْ أُمِّهَا» . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «لَوْ أَنَّ أَبَاك أَسْلَمَ فَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ، أَوْ صُمْتَ، أَوْ أَعْتَقْتَ عَنْهُ، نَفَعَهُ ذَلِكَ» وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَيُقَالُ لَهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ: أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لَهُ، وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ وَهَذَا مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَالْعِتْقِ، وَهُوَ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ. وَمَا كَانَ مِنْ جَوَابِهِمْ فِي مَوَارِدِ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ جَوَابُ الْبَاقِينَ فِي مَوَاقِعِ النِّزَاعِ. وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
لَكِنَّ الْجَوَابَ الْمُحَقَّقَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِسَعْيِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا سَعْيَهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَ ذَلِكَ. وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مَالَ نَفْسِهِ،
وَنَفْعَ نَفْسِهِ. فَمَالُ غَيْرِهِ وَنَفْعُ غَيْرِهِ هُوَ كَذَلِكَ لِلْغَيْرِ؛ لَكِنْ إذَا تَبَرَّعَ لَهُ الْغَيْرُ بِذَلِكَ جَازَ.
وَهَكَذَا هَذَا إذَا تَبَرَّعَ لَهُ الْغَيْرُ بِسَعْيِهِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، كَمَا يَنْفَعُهُ بِدُعَائِهِ لَهُ، وَالصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَهُوَ يَنْتَفِعُ بِكُلِّ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَقَارِبِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ، كَمَا يَنْتَفِعُ بِصَلَاةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَدُعَائِهِمْ لَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ.
فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ: هَلْ تَجْتَمِعُ رُوحُهُ مَعَ أَرْوَاحِ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ؟ فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا عُرِجَ بِرُوحِهِ تَلَقَّتْهُ الْأَرْوَاحُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْأَحْيَاءِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: دَعُوهُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ: عَمِلَ عَمَلَ صَلَاحٍ، فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ: أَلَمْ يَقْدَمْ عَلَيْكُمْ؟ ، فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُونَ ذُهِبَ بِهِ إلَى الْهَاوِيَةِ» .
وَلَمَّا كَانَتْ أَعْمَالُ الْأَحْيَاءِ تُعْرَضُ عَلَى الْمَوْتَى، كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا أُخْزَى بِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ". فَهَذَا اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ قُدُومِهِ يَسْأَلُونَهُ فَيُجِيبُهُمْ.
وَأَمَّا اسْتِقْرَارُهُمْ فَبِحَسَبِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ كَانَتْ مَنْزِلَتُهُ أَعْلَى مِنْ مَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ؛ لَكِنَّ الْأَعْلَى يَنْزِلُ إلَى الْأَسْفَلِ، وَالْأَسْفَلُ لَا يَصْعَدُ إلَى الْأَعْلَى، فَيَجْتَمِعُونَ إذَا شَاءَ اللَّهُ، كَمَا يَجْتَمِعُونَ فِي الدُّنْيَا مَعَ تَفَاوُتِ مَنَازِلِهِمْ، وَيَتَزَاوَرُونَ.
وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَدَافِنُ مُتَبَاعِدَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ مُتَقَارِبَةً. قَدْ تَجْتَمِعُ الْأَرْوَاحُ مَعَ تَبَاعُدِ الْمَدَافِنِ، وَقَدْ تَفْتَرِقُ مَعَ تَقَارُبِ الْمَدَافِنِ، يُدْفَنُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَ الْكَافِرِ، وَرُوحُ هَذَا فِي الْجَنَّةِ، وَرُوحُ هَذَا فِي النَّارِ، وَالرَّجُلَانِ يَكُونَانِ جَالِسَيْنِ أَوْ نَائِمَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَقَلْبُ هَذَا يُنَعَّمُ، وَقَلْبُ هَذَا يُعَذَّبُ. وَلَيْسَ بَيْنَ الرُّوحَيْنِ اتِّصَالٌ. فَالْأَرْوَاحُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ: فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» .
وَالْبَدَنُ لَا يُنْقَلُ إلَى مَوْضِعِ الْوِلَادَةِ، بَلْ قَدْ جَاءَ: «إنَّ الْمَيِّتَ يُذَرُّ عَلَيْهِ مِنْ تُرَابِ
حُفْرَتِهِ» وَمِثْلُ هَذَا لَا يُجْزَمُ بِهِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. بَلْ أَجْوَدُ مِنْهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ:«إنَّهُ مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ إلَّا قِيسَ لَهُ مِنْ مَسْقَطِ رَأْسِهِ إلَى مُنْقَطِعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ» .
وَالْإِنْسَانُ يُبْعَثُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ، وَبَدَنُهُ فِي قَبْرِهِ مُشَاهَدٌ، فَلَا تُدْفَعُ الْمُشَاهَدَةُ، بِظُنُونٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ فِي الْعَقْلِ، وَالنَّقْلِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ: هَلْ يُؤْذِيهِ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ؟ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْعُلَمَاءِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَتَأَذَّى بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ، كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» - وَفِي لَفْظٍ - «مَنْ يُنَحْ عَلَيْهِ يُعَذَّبْ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ لَمَّا أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَعَلَتْ أُخْتُهُ تَنْدُبُ، وَتَقُولُ: وَاعَضُدَاهُ، وَانَاصِرَاهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: مَا قُلْت لِي شَيْئًا إلَّا قِيلَ لِي: أَكَذَلِكَ أَنْتَ؟ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] ثُمَّ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّطِ الرُّوَاةَ لَهَا، كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَائِشَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ فَيُعَذَّبُ عَلَى إيصَائِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ: كَالْمُزَنِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ، فَيُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ: مِنْهُمْ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا.
وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ
عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ لَا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا. وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها لَهَا مِثْلُ هَذَا نَظَائِرُ تَرُدُّ الْحَدِيثَ بِنَوْعٍ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ لِاعْتِقَادِهَا بُطْلَانَ مَعْنَاهُ، وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا الْبَابَ وَجَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الصَّرِيحَ الَّذِي يَرْوِيهِ الثِّقَةُ لَا يَرُدُّهُ أَحَدٌ بِمِثْلِ هَذَا إلَّا كَانَ مُخْطِئًا.
وَعَائِشَةُ رضي الله عنها رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَفْظَيْنِ - وَهِيَ الصَّادِقَةُ فِيمَا نَقَلَتْهُ - فَرَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: «إنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَزِيدَهُ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ، جَازَ أَنْ يُعَذَّبَ غَيْرُهُ ابْتِدَاءً بِبُكَاءِ أَهْلِهِ؛ وَلِهَذَا رَدَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَلَفِ الْحَدِيثِ هَذَا الْحَدِيثَ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى. وَقَالَ: الْأَشْبَهُ رِوَايَتُهَا الْأُخْرَى: «إنَّهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ» .
وَاَلَّذِينَ أَقَرُّوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُقْتَضَاهُ، ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عُقُوبَةِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَاعْتَقَدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الْإِنْسَانَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، فَجَوَّزُوا أَنْ يُدْخِلُوا أَوْلَادَ الْكُفَّارِ النَّارَ بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ طَوَائِفُ مُنْتَسِبَةٌ إلَى السُّنَّةِ، فَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ النَّارَ إلَّا مَنْ عَصَاهُ. كَمَا قَالَ:{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْلَأَ جَهَنَّمَ مِنْ أَتْبَاعِ إبْلِيسَ، فَإِذَا امْتَلَأَتْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ فِيهَا مَوْضِعٌ، فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ إبْلِيسَ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ.
وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِيهِمْ: أَنْ يُقَالَ فِيهِمْ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ.
كَمَا قَدْ أَجَابَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: إنَّهُمْ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ غَلَطٌ عَلَى أَحْمَدَ. وَطَائِفَةٌ جَزَمُوا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ فِيهِ رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا رَأَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ، وَعِنْدَهُ أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ» .
وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمْ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، وَلَا يُحْكَمُ لِمُعَيَّنٍ مِنْهُمْ
بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ يُؤْمَرُونَ وَيُنْهَوْنَ، فَمَنْ أَطَاعَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَى دَخَلَ النَّارَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَنْقَطِعُ بِدُخُولِ دَارِ الْجَزَاءِ وَهِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، وَأَمَّا عَرَصَاتُ الْقِيَامَةِ فَيُمْتَحَنُونَ فِيهَا كَمَا يُمْتَحَنُونَ فِي الْبَرْزَخِ، فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ: مَنْ رَبُّك؟ وَمَا دِينُك؟ وَمَنْ نَبِيُّك؟ وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42]{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43] وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَتَجَلَّى اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي الْمَوْقِفِ، إذَا قِيلَ: لِيَتْبَعَ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَتْبَعُ الْمُشْرِكُونَ آلِهَتَهُمْ، وَتَبَقَّى الْمُؤْمِنُونَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ الرَّبُّ الْحَقُّ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْرِفُونَ فَيُنْكِرُونَهُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ كَقُرُونِ الْبَقَرِ، فَيُرِيدُونَ أَنْ يَسْجُدُوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] الْآيَةَ» وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْمَقْصُودُ هَهُنَا أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِذَنْبِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَقَوْلِهِ:«إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّائِحَةَ لَا تُعَاقَبُ، بَلْ النَّائِحَةُ تُعَاقَبُ عَلَى النِّيَاحَةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«أَنَّ النَّائِحَةَ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تَلْبَسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دِرْعًا مِنْ جَرَبٍ وَسِرْبَالًا مِنْ قَطِرَانٍ» فَلَا يُحْمَلُ عَمَلٌ يَنُوحُ وِزْرُهُ أَحَدٌ.
وَأَمَّا تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ: فَهُوَ لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْمَيِّتَ يُعَاقَبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. بَلْ قَالَ: " يُعَذَّبُ " وَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ، فَإِنَّ الْعَذَابَ هُوَ الْأَلَمُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَأَلَّمَ بِسَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ عِقَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» فَسَمَّى السَّفَرَ عَذَابًا، وَلَيْسَ هُوَ عِقَابًا عَلَى ذَنْبٍ.
وَالْإِنْسَانُ يُعَذَّبُ بِالْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي يَشْعُرُ بِهَا، مِثْلُ الْأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ، وَالْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ، وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ، فَهُوَ يَتَعَذَّبُ بِسَمَاعِ هَذَا وَشَمِّ هَذَا، وَرُؤْيَةِ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَمَلًا لَهُ عُوقِبَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يُعَذَّبَ الْمَيِّتُ بِالنِّيَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النِّيَاحَةُ عَمَلًا لَهُ، يُعَاقَبُ عَلَيْهِ؟ وَالْإِنْسَانُ فِي قَبْرِهِ يُعَذَّبُ بِكَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ، وَيَتَأَلَّمُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ، وَبِسَمَاعِ كَلَامِهِ. وَلِهَذَا أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: بِأَنَّ الْمَوْتَى إنَّمَا عُمِلَ عِنْدَهُمْ الْمَعَاصِي فَإِنَّهُمْ يَتَأَلَّمُونَ بِهَا، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ، فَتَعْذِيبُهُمْ بِعَمَلِ الْمَعَاصِي عِنْدَ قُبُورِهِمْ كَتَعْذِيبِهِمْ بِنِيَاحَةِ مَنْ يَنُوحُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ النِّيَاحَةُ سَبَبُ الْعَذَابِ.
وَقَدْ يَنْدَفِعُ حُكْمُ السَّبَبِ بِمَا يُعَارِضُهُ، فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَيِّتِ مِنْ قُوَّةِ الْكَرَامَةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْعَذَابِ، كَمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَدْفَعُ ضَرَرَ الْأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ، وَالْأَرْوَاحِ وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ.
وَأَحَادِيثُ الْوَعِيدِ يُذْكَرُ فِيهَا السَّبَبُ. وَقَدْ يَتَخَلَّفُ مُوجِبُهُ لِمَوَانِعَ تَدْفَعُ ذَلِكَ: إمَّا بِتَوْبَةٍ مَقْبُولَةٍ، وَإِمَّا بِحَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ، وَإِمَّا بِمَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ، وَإِمَّا بِشَفَاعَةِ شَفِيعٍ مُطَاعٍ، وَإِمَّا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، فَإِنَّهُ {لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .
وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ الْأَلَمِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزْنٍ، وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» .
وَفِي الْمُسْنَدِ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ، وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا؟ ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ ، أَلَسْتَ يُصِيبُك الْأَذَى؟ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا طَيِّبٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] » . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَنَّهُمْ إذَا عَبَرُوا
عَلَى الصِّرَاطِ، وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنَقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ» . وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَمَا ذَكَرْنَا فِي أَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ الْخِطَابَ، وَيَصِلُ إلَيْهِمْ الثَّوَابُ، وَيُعَذَّبُونَ بِالنِّيَاحَةِ، بَلْ وَمَا لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ السَّائِلُ مِنْ عِقَابِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ يُكْشَفُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَبْنَاءِ زَمَانِنَا يَقَظَةً وَمَنَامًا، وَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَيَتَحَقَّقُونَهُ، وَعِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ الْجَوَابَ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَمَا كُشِفَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ مَنْ هُوَ صَادِقٌ عِنْدَهُ، فَهَذَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ عِلْمِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْإِيمَانُ بِغَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْجَبَ التَّصْدِيقَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] الْآيَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» . فَالْمُحَدِّثُ الْمُلْهَمُ الْمُكَاشِفُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَزِنَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ صَدَقَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَفَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. كَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ سَيِّدُ الْمُحَدِّثِينَ إذَا أُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْصُومًا، وَإِنَّمَا الْعِصْمَةُ لِلنُّبُوَّةِ.
وَلِهَذَا كَانَ الصِّدِّيقُ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ لَا يَتَلَقَّى مِنْ قَلْبِهِ، بَلْ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ مَعْصُومَةٌ، وَالْمُحَدِّثُ يَتَلَقَّى تَارَةً عَنْ قَلْبِهِ، وَتَارَةً عَنْ النُّبُوَّةِ، فَمَا تَلَقَّاهُ عَنْ النُّبُوَّةِ فَهُوَ مَعْصُومٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَمَا أُلْهِمَ فِي قَلْبِهِ: فَإِنْ وَافَقَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ فَهُوَ حَقٌّ، وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ.
فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِدُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فِي مِثْلِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ إلَّا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ شَوَاهِدُ