الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ كَالطَّحَاوِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، «عَنْ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَنْكِهُوهُ لِيَعْلَمُوا هَلْ هُوَ سَكْرَانٌ أَمْ لَا» ، فَإِنْ كَانَ سَكْرَانًا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ عُلِمَ أَنَّ أَقْوَالَهُ بَاطِلَةٌ كَأَقْوَالِ الْمَجْنُونِ؛ وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ - وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ:«وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مُحَرَّمًا جَعَلَهُ مَجْنُونًا. فَإِنَّ جُنُونَهُ وَإِنْ حَصَلَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ وَمَقَاصِدَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ.
وَإِنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالسَّكْرَانِ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، كَأَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ، وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ، يَجْعَلُونَ الشَّرَائِعَ فِي النَّشْوَانِ، فَأَمَّا الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِلَا رَيْبٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا مِمَّنْ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، كَمَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَمَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ]
548 -
11 - مَسْأَلَةٌ:
فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ: هَذَا مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِيمَا يَجْرِي غَالِبًا عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ عَلَى سَبِيلِ اللَّجَاجِ وَاللَّغْوِ وَالْيَمِينِ وَالتَّغْلِيظِ طَلَبًا لِإِبْعَادِ مَا يَكْرَهُونَ فِعْلَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ الْمَحْلُوفَ فِيهِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: وَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَقْصِدُ فِعْلَهُ فَيَفْعَلُهُ وَيَجْرِي قَوْلُهُ ذَلِكَ
مَجْرَى الْقَسَمِ وَالْيَمِينِ لِدُخُولِ وَاوِ الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ: وَالطَّلَاقُ وَالِالْتِزَامُ بِمَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِطَرِيقِهِ.
أَجَابَ رحمه الله: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا؛ أَوْ لَا أَفْعَلُهُ. أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي لَأَفْعَلَنَّهُ، أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي. أَوْ لَازِمٌ، وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْتِزَامَ الطَّلَاقِ فِي يَمِينِهِ، ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ: فَهَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَذَاهِبِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: كَالْقَفَّالِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي صَاحِبِ " التَّتِمَّةِ " وَبِهِ يُفْتِي وَيَقْضِي فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ فِي بِلَادِ الشَّرْقِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَالْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَالْحِجَازِ، وَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا.
وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ - كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ - كَانُوا يُفْتُونَ وَيَقْضُونَ فِي بِلَادِ فَارِسَ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ إلَى الْيَوْمِ، فَإِنَّهُمْ خَلْقٌ عَظِيمٌ، وَفِيهِمْ قُضَاةٌ وَمُفْتُونَ عَدَدٌ كَثِيرٌ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: كَطَاوُسٍ وَغَيْرِ طَاوُسٍ. وَبِهِ يُفْتِي كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَغْرِبِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِ مِصْرَ يُفْتِي بِذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ وَأُصُولُ مَذْهَبِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وَلَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ، فَقَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثَلَاثًا لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ، فَكَانَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ يُفْتُونَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثَ؛ لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُوقِعُ بِهِ وَاحِدَةً، وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي التَّنْجِيزِ؛ فَضْلًا عَنْ التَّعْلِيقِ وَالْيَمِينِ.
وَهَذَا قَوْلُ مَنْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد فِي التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ، وَالْحَلِفِ. وَمِنْ السَّلَفِ طَائِفَةٌ مِنْ أَعْيَانِهِمْ فَرَّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا.
وَاَلَّذِينَ لَمْ يُوقِعُوا طَلَاقًا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا: مِنْهُمْ مَنْ لَا يُوقِعُ بِهِ طَلَاقًا؛ وَلَا يَأْمُرُهُ بِكَفَّارَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْمُرُهُ بِكَفَّارَةٍ. وَبِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ بَسَطْتُ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَلْفَاظَهُمْ، وَمَنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ وَالْكُتُبَ الْمَوْجُودُ ذَلِكَ فِيهَا؛ وَالْأَدِلَّةَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ تَبْلُغُ عِدَّةَ مُجَلَّدَاتٍ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ وَهُوَ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِصِيغَةِ اللُّزُومِ مِثْلُ قَوْلِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا النِّزَاعُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا، أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، أَوْ مَحْلُوفًا بِهِ: فَفِي الْمَذْهَبَيْنِ: هَلْ ذَلِكَ صَرِيحٌ؟ أَوْ كِنَايَةٌ؟ أَوْ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ قَوْلَانِ هَلْ ذَلِكَ صَرِيحٌ؛ أَوْ كِنَايَةٌ وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ التَّعْلِيقِ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْحَلِفَ: فَالنِّزَاعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ هَذِهِ الصِّيغَةِ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَخَالَفَ كُلَّ قَوْلٍ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ؛ وَاقْتَفَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] . بَلْ أَجْمَعَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ مِثْلُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَنْ قَضَى بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ حُكْمِهِ.
وَمَنْ أَفْتَى بِهِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفُتْيَا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَلَى مَنْ قَلَّدَهُ. وَلَوْ قَضَى أَوْ أَفْتَى بِقَوْلٍ سَائِغٍ يَخْرُجُ عَنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا ثَبَتَ فِيهِ النِّزَاعُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُخَالِفْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا مَعْنَى ذَلِكَ؛ بَلْ كَانَ الْقَاضِي بِهِ وَالْمُفْتِي بِهِ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ - كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - فَإِنَّ هَذَا يُسَوَّغُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيُفْتِيَ بِهِ.
وَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ نَقْضُ حُكْمِهِ إذَا حَكَمَ، وَلَا مَنْعُهُ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ، وَلَا مِنْ الْفُتْيَا بِهِ، وَلَا مَنْعُ أَحَدٍ مِنْ تَقْلِيدِهِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَسُوغُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ بَلْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [النساء: 59] . فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّدِّ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَهُوَ الرَّدُّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: بَلْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُ قَوْلِنَا دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقِيمَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا - كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ، فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ مِثْلِ هَذَا وَعُقُوبَتُهُ، كَمَا يُعَاقَبُ أَمْثَالُهُ. فَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَتَمَسَّكَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لَمْ يُحْتَجَّ عَلَى قَوْلِهِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ - كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - وَلَيْسَ مَعَ صَاحِبِ الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ الَّذِي يَحْتَجُّ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ جَوَّزَ أَنْ يُمْنَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ الْقَوْلِ الَّذِي يُنَاقِضُهُ بِلَا حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ تُوجِبُ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ هَذَا الْقَوْلِ، وَتُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ ذَلِكَ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ انْسَلَخَ مِنْ الدِّينِ تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ وَعُقُوبَتُهُ كَأَمْثَالِهِ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ أَوَّلًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَدَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنْ أَصَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ: فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَكُلُّ يَمِينٍ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عز وجل: مِثْلُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَالظِّهَارِ، وَالْحَرَامِ، وَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ، وَالْمَشْيِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالصِّيَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، سَوَاءٌ حَلَفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ فَقَالَ: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي: أَوْ الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي: لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. أَوْ حَلَفَ بِصِيغَةِ الْعِتْقِ فَقَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ الْحَرَامُ، وَنِسَائِي طَوَالِقُ، أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ، وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَاتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ
فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ جَمِيعِهَا بِأَنَّهُ إذَا حَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ مَا حَلَفَ بِهِ؛ بَلْ إمَّا أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَإِمَّا أَنْ تَجْزِيَهُ الْكَفَّارَةُ. وَيَسُوغُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ. وَمَا زَالَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُفْتِي بِذَلِكَ مِنْ حِينِ حَدَثَ الْحَلِفُ بِهَا. وَإِلَى هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ؛ مِنْهُمْ مَنْ يُفْتِي بِالْكَفَّارَةِ فِيهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَلَا لُزُومَ الْمَحْلُوفِ بِهِ كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفْتِي بِلُزُومِ الْمَحْلُوفِ بِهِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يُفْتِي بِهَا بِالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَرَامِ وَالنَّذْرِ. وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالْكَعْبَةِ، وَالْمَلَائِكَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. فَالْأَيْمَانُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
أَمَّا الْحَلِفُ بِاَللَّهِ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ إلَّا الْحَلِفَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَقَدْ عَدَّى بَعْضُ أَصْحَابِ ذَلِكَ إلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ.
وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا عُقِدَ مِنْ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ هَذِهِ الْأَيْمَانُ فَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي بَعْضِهَا: فَهَذَا كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ النِّزَاعِ يَدَّعِي فِيهَا الْإِجْمَاعَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ النِّزَاعَ، وَمَقْصُودُهُ أَنِّي لَا أَعْلَمُ نِزَاعًا. فَمَنْ عَلِمَ النِّزَاعَ وَأَثْبَتَهُ كَانَ مُثْبِتًا عَالِمًا، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ نِزَاعٍ فِي السَّلَفِ وَالْخَلْفِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ مَنْ أَلْزَمَ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرَهُ نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ؛ كَانَ الْقَوْلُ يَنْفِي لُزُومَهُ سَائِغًا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ قَاضِيًا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ، وَلَا يَمْنَعَ مُفْتِيًا يَصْلُحُ لِلْفُتْيَا أَنْ يُفْتِيَ بِذَلِكَ؛ بَلْ هُمْ يُسَوِّغُونَ الْفُتْيَا وَالْقَضَاءَ فِي أَقْوَالٍ ضَعِيفَةٍ؛ لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِيهَا، فَكَيْفَ يَمْنَعُونَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الشَّرْعِيُّ، وَالْقَوْلُ بِهِ ثَابِتٌ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ بَلْ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَبَتَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ الَّذِي هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِهِ؛ بَلْ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُمْ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ؟ ، وَهَلْ يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ حَلَفَ بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْ الطَّاعَاتِ - كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْحَجِّ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ
هَذِهِ الطَّاعَاتِ، بَلْ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ وَيَقُولُونَ فِيمَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ؛ بَلْ يُبْغِضُهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ حَلَفَ بِهِ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كُفْرٌ وَلَا إسْلَامٌ؛ فَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ وَفَعَلَهُ لَمْ يَصِرْ يَهُودِيًّا بِالِاتِّفَاقِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ.
وَالثَّانِي:
لَا يَلْزَمُهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا إذَا حَنِثَ وَحَلَفَ بِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ.
قَالُوا: لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِلْكُفْرِ، وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ؛ فَلِبُغْضِهِ لَهُ حَلَفَ بِهِ. وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِفَرْطِ بُغْضِهِ لَهُ.
وَبِهَذَا فَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ، وَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَصْدُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ؛ بِخِلَافِ الثَّانِي. فَإِذَا قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ. أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ: لَزِمَهُ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ. أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ. وَقَصْدُهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَهَذَا مَوْضِعُ النِّزَاعِ؛ هَلْ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ فِي الصُّورَتَيْنِ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ؟ أَوْ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ أَوْ يَجْزِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي تَعْلِيقِ الْوُجُوبِ دُونَ تَعْلِيقِ الْوُقُوعِ؟ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ الْيَهُودِيُّ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ وَفَعَلَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْحَالِفَ حَلَفَ بِمَا يَلْزَمُهُ وُقُوعُهُ.
وَهَكَذَا إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَنِسَائِي طَوَالِقُ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ؛ وَأَنَا يَهُودِيٌّ، وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ نِسَاءَهُ، وَيُعْتِقَ عَبِيدَهُ، وَيُفَارِقُ دِينَهُ، مَعَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وُقُوعُ الْعِتْقِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، مِثْلُ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ رَبِيبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَجَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا قَالُوا هُمْ وَأَئِمَّةُ التَّابِعِينَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ الْمَحْلُوفُ بِهِ؛ بَلْ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ - مَعَ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ أَنْ يُلْزِمَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ الشَّرْعِيَّةِ، مَعَ مَا لَهُمْ [مِنْ] مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ صِيَانَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَحَرِيمِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَعْرَاضِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، وَصِلَةِ أَرْحَامِهِمْ؛ وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: مَا يُوجِبُ تَرْجِيحَهُ لِمَنْ لَا يَكُونُ عَارِفًا بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ عَارِفًا بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَإِنَّ الْقَائِلَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْحُجَّةِ مَا يُقَاوِمُ قَوْلَ مَنْ نَفَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ.
[وَلَوْ] اجْتَهَدَ مَنْ اجْتَهَدَ فِي إقَامَةِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ سَالِمٍ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْحَالِفِ لَعَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا عَجَزَ عَنْ تَحْدِيدِ ذَلِكَ. فَهَلْ يَسُوغُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُخَالِفُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَخْرُجَ عَنْ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ لَمْ يُعَارِضْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ لَيْسَ لِأَحَدٍ الْمَنْعُ مِنْ الْفُتْيَا بِهِ وَالْقَضَاءِ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رُجْحَانُهُ، فَكَيْفَ إذَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَبَيَّنَ مَا لِلَّهِ فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ.
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ:«إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتهَا» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ» . وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا. فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " يَلِجُّ " مِنْ اللَّجَاجِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ " نَذْرُ اللَّجَاجِ، وَالْغَضَبِ ". وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: صِيغَةُ التَّنْجِيزِ، وَالْإِرْسَالِ: كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ، فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
الثَّانِي صِيغَةُ قَسَمٍ: كَقَوْلِهِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا. فَهَذَا يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَاتِّفَاقِ طَوَائِفِ الْفُقَهَاءِ، وَاتِّفَاقِ الْعَامَّةِ، وَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَرْضِ.
الثَّالِثُ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ: كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. فَهَذِهِ إنْ كَانَ قَصْدُهُ بِهِ الْيَمِينَ - وَهُوَ الَّذِي يَكْرَهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا كَمَا يَكْرَهُ الِانْتِقَالَ عَنْ دِينِهِ - إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ. أَوْ يَقُولُ الْيَهُودِيُّ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ؛ فَهُوَ يَمِينٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
فَإِنَّ الْيَمِينَ هِيَ مَا تَضَمَّنَتْ حَضًّا، أَوْ مَنْعًا، أَوْ تَصْدِيقًا، أَوْ تَكْذِيبًا بِالْتِزَامِ مَا يَكْرَهُ الْحَالِفُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ. فَالْحَالِفُ لَا يَكُونُ حَالِفًا إلَّا إذَا كَرِهَ وُقُوعَ الْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ. فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا، سَوَاءٌ كَانَ يُرِيدُ الشَّرْطَ وَحْدَهُ وَلَا يَكْرَهُ الْجَزَاءَ عِنْدَ وُقُوعِهِ، أَوْ كَانَ يُرِيدُ الْجَزَاءَ عِنْدَ وُقُوعِهِ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهُ، أَوْ كَانَ مُرِيدًا لَهُمَا. فَأَمَّا إذَا كَانَ كَارِهًا لِلشَّرْطِ وَكَارِهًا لِلْجَزَاءِ مُطْلَقًا - يَكْرَهُ وُقُوعَهُ؛ وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الشَّرْطِ؛ أَوْ لِيَحُضَّ بِذَلِكَ - فَهَذَا يَمِينٌ.
وَإِنْ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ: إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا زَنَيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ.
الْفَاحِشَةِ؛ لَا مُجَرَّدُ الْحَلِفِ عَلَيْهَا؛ فَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ؛ وَلَا كَفَّارَةَ فِي هَذَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ؛ بَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ عِنْدَ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. فَالْيَمِينُ الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا الْحَضَّ، أَوْ الْمَنْعَ، أَوْ التَّصْدِيقَ؛ أَوْ التَّكْذِيبَ بِالْتِزَامِهِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ مَا يَكْرَهُ وُقُوعَهُ - سَوَاءٌ كَانَتْ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ؛ أَوْ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ: يَمِينٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ يَمِينًا مِثْلُ كَوْنِهِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا وَخَبَرًا.
وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ: الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تَتَنَوَّعُ اللُّغَاتُ فِي الْأَلْفَاظِ؛ لَا فِي الْمَعَانِي؛ بَلْ مَا كَانَ مَعْنَاهُ يَمِينًا أَوْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا عِنْدَ الْعَجَمِ، فَكَذَلِكَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ أَوْ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ عِنْدَ الْعَرَبِ.
وَهَذَا أَيْضًا يَمِينُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -؛ وَهُوَ يَمِينٌ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ، وَيَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كُلِّهِمْ.
وَإِذَا كَانَ يَمِينًا فَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلْيَمِينِ إلَّا حُكْمَانِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً مُحْتَرَمَةً فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ. وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ مُنْعَقِدَةً مُحْتَرَمَةً - كَالْحَلِفِ بِالْمَخْلُوقَاتِ: مِثْلُ الْكَعْبَةِ، وَالْمَلَائِكَةِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَهَذَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. فَأَمَّا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ، مُحْتَرَمَةٌ، غَيْرُ مُكَفَّرَةٍ: فَهَذَا حُكْمٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَقُومُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ سَالِمٌ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمَقَامَ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَيْمَانِهِمْ؛ بَلْ كَانَتْ مِنْ الْحَلِفِ بِالْمَخْلُوقَاتِ: فَلَا يَجِبُ بِالْحِنْثِ لَا كَفَّارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا، فَتَكُونُ مُهْدَرَةً.
فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالِاعْتِبَارُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِلْزَامَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِلْحَالِفِ مِنْ يَمِينِهِ حُكْمٌ يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَحَسَبُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ. فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ: فَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ مَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ النِّزَاعِ وَالْأَدِلَّةِ. وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَأَنْ حَسِبَهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ سَائِغًا لَا يُمْنَعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ وَالْفُتْيَا بِهِ.
أَمَّا إلْزَامُ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَمَنْعِهِمْ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ: فَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. فَمَنْ مَنَعَ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَتَقْلِيدِ مَنْ نَفَى بِذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ، فَهَذَا حَسْبُهُ أَنْ يُعْذَرَ؛ لَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَمُعَانِدٌ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ إذَا ظَهَرَ لَهُ، وَلَا يُصْغِي لِمَنْ يَقُولُهُ لِيَعْرِفَ مَا قَالَ؛ بَلْ يَتَّبِعُ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]