الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ بِنْت بَالِغ خُطِبَتْ لِقَرَابَةٍ لَهَا فَأَبَتْ]
مَسْأَلَةٌ:
فِي بِنْتٍ بَالِغٍ، وَقَدْ خُطِبَتْ لِقَرَابَةٍ لَهَا فَأَبَتْ، وَقَالَ أَهْلُهَا لِلْعَاقِدِ: اعْقِدْ، وَأَبُوهَا حَاضِرٌ، فَهَلْ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا؟
الْجَوَابُ: أَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجُ لَيْسَ كُفُؤًا لَهَا فَلَا تُجْبَرُ عَلَى نِكَاحِهِ بِلَا رَيْبٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ كُفُؤًا، فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهَا أَبُوهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ قُرَشِيّ تَزَوَّجَ جَارِيَة مَمْلُوكِهِ فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا]
439 -
41 - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ قُرَشِيٍّ تَزَوَّجَ بِجَارِيَةِ مَمْلُوكِهِ، فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا، هَلْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا أَمْ يَكُونُ عَبْدًا مَمْلُوكًا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَعَلِمَ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، وَيَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مِمَّنْ يُسْتَرَقُّ جِنْسُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ رَقِيقٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي رِقِّهِ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي رِقِّهِ كَالْعَرَبِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:«لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتهنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا فِيهِمْ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا» ، قَالَ:«وَكَانَتْ سَبِيَّةً مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ:«ثَلَاثُ خِلَالٍ سَمِعْتهنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي تَمِيمٍ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُنَّ بَعْدَهَا، كَانَ عَلَى عَائِشَةَ مُحَرَّرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْتِقِي مِنْ هَؤُلَاءِ وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي، وَقَالَ: هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ قَتْلًا فِي الْمَلَاحِمِ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَنِي إسْمَاعِيلَ يُعْتَقُونَ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الرِّقِّ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُعْتِقَ عَنْ الْمُحَرَّرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ، وَفِيهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِأَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ، وَقَدْ كُنْت اسْتَأْنَيْت بِكُمْ. وَكَانَ انْتَظَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إلَيْهِمْ إلَّا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْلِمِينَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَخِوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْت أَنْ أَرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ. فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا» . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ سَبَى نِسَاءَ هَوَازِنَ وَهُمْ عَرَبٌ، وَقَسَمَهُمْ بَيْنَ
الْغَانِمِينَ، فَصَارُوا رَقِيقًا لَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَ أَخْذَهُمْ مِنْهُمْ، إمَّا تَبَرُّعًا وَإِمَّا مُعَاوَضَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُمْ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ، لَمَّا اعْتَكَفَ وَبَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ السَّبْيَ، فَأَعْتَقَ جَارِيَةً كَانَتْ عِنْدَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَطَئُونَ ذَلِكَ السَّبْيَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ، وَهُوَ مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهِ:«لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» .
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَنَحْوُهَا مَشْهُورٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْبِي الْعَرَبَ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ، كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ وَغَيْرُهُمْ: سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعَرَبَ، وَسَبَى أَبُو بَكْرٍ بَنِي نَاجِيَةَ، كَانَ يُطَارِدُ الْعَرَبَ بِذَلِكَ الِاسْتِرْقَاقِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لَهُمْ:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمَسْبِيَّاتِ، أَبَاحَ اللَّهُ لَهُمْ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِذَا سُبِيَتْ وَاسْتُرِقَّتْ بِدُونِ زَوْجِهَا جَازَ وَطْؤُهَا بِلَا رَيْبٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مِلْكٍ، وَلَهَا زَوْجٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَنَّ نِكَاحَ زَوْجِهَا قَدْ انْفَسَخَ، وَحَلَّ لِمَالِكِهَا وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَمَّا إذَا سُبِيَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَفِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ السَّبْيِ الَّذِي كَانَ يَسْبِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي الْحَرْبِ.
وَقَدْ قَاتَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ لِقِتَالِ النَّصَارَى عَامَ تَبُوكَ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْهِمْ السَّرِيَّةَ الَّتِي أَمَّرَ عَلَيْهَا زَيْدًا ثُمَّ جَعْفَرًا، ثُمَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ فِي النَّصَارَى الْعَرَبُ وَالرُّومُ.
وَكَذَلِكَ قَاتَلَ الْيَهُودَ بِخَيْبَرَ، وَالنَّضِيرِ، وَقَيْنُقَاعَ، وَكَانَ فِي يَهُودِ الْعَرَبِ وَبَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَذَلِكَ يَهُودُ الْيَمَنِ كَانَ فِيهِمْ الْعَرَبُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ.
وَأَيْضًا فَسَبَبُ الِاسْتِرْقَاقِ هُوَ الْكُفْرُ بِشَرْطِ الْحَرْبِ، فَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ لَا يُسْتَرَقُّ بِحَالٍ، وَالْمُعَاهَدُ لَا يُسْتَرَقُّ، وَالْكُفْرُ مَعَ الْمُحَارَبَةِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ كَافِرٍ، فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ، كَمَا يَجُوزُ قِتَالُهُ، فَكُلُّ مَا أَبَاحَ قَتْلَ الْمُقَاتِلَةِ أَبَاحَ سَبْيَ الذُّرِّيَّةِ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِنْ قَوْلَيْهِ، وَأَحْمَدُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ الْعَرَبِ، كَمَا لَا يَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ اخْتَصُّوا بِشَرَفِ النَّسَبِ، لِكَوْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ، وَاخْتَصَّ كُفَّارُهُمْ بِفَرْطِ عَدَاوَتِهِ، فَصَارَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ.
كَمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لِلتَّغْلِيظِ، وَلِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّرَفِ بِالْإِسْلَامِ السَّابِقِ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى عَرَبِيٍّ مِلْكٌ، وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُ لَهُمْ قَوْلَانِ فِي جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ كَأَخْذِ الْجِزْيَةِ، فَمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ لَا يُسْتَرَقُّ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ كَافِرٍ إلَّا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِكَوْنِ الْجِزْيَةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مُشْرِكِي الْعَجَمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْعَرَبَ لَا يُسْتَرَقُّونَ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس، كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ أَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَا مِنْ الْعَرَبِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، كَاخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمْ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ لَا يَمْنَعُ فِيهِ الرِّقَّ لِأَجْلِ النَّسَبِ، لَكِنْ لِأَجْلِ الدِّينِ فَإِذَا سَبَى عَرَبِيَّةً فَأَسْلَمَتْ اسْتَرَقَّهَا، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ أَجْبَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا يَحْمِلُونَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَهُ مِنْ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ.
وَأَمَّا الرَّقِيقُ الْوَثَنِيُّ، فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عِنْدَهُمْ بِرِقٍّ، كَمَا يَجُوزُ بِجِزْيَةٍ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ سَبَوْا الْعَرَبِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ وَوَطِئُوهُمْ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» . ثُمَّ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ وَطْءَ الْوَثَنِيَّةِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَرَقُّوهُمْ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ أَجْبَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِرْقَاقِهِمْ، وَالرِّقُّ فِيهِ مِنْ الْغِلِّ مَا لَيْسَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ، وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ إذَا كَانَ صَحِيحًا صَرِيحًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ، فَإِنَّهُمْ سَبَوْا الْعَرَبَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُسْتَرَقَّ رِجَالُهُمْ، فَلَا يُضْرَبَ عَلَيْهِمْ رِقٌّ، كَمَا أَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، فَلَمْ يُضْرَبْ عَلَيْهِمْ رِقٌّ، لِأَجْلِ إسْلَامِهِمْ لَا لِأَجْلِ النَّسَبِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الصَّحَابَةُ مِنْ سَبْيِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، كَمَا تَمَكَّنُوا مِنْ سَبْيِ نِسَاءِ طَوَائِفَ مِنْ الْعَرَبِ، وَلِهَذَا لَمْ يُسْتَرَقَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهْيِ عَنْ سَبْيِهِمْ شَيْءٌ.
وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَ الْعَرَبِيُّ مَمْلُوكَةً، فَنِكَاحُ الْحُرِّ لِلْمَمْلُوكَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: خَوْفِ الْعَنَتِ، وَعَدَمِ الطَّوْلِ إلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعَلَّلُوا