الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْحُدُودِ] [
الْجِنَايَاتُ] [
مَسْأَلَةٌ حُكْم قَتْلِ الْمُتَعَمِّدِ]
ِ الْجِنَايَاتُ 647 - 1 مَسْأَلَةٌ:
فِي حُكْمِ قَتْلِ الْمُتَعَمِّدِ؟ وَمَا هُوَ: هَلْ إنْ قَتَلَهُ عَلَى مَالٍ؟ أَوْ حِقْدٍ؟ أَوْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ قَتْلُ الْمُتَعَمِّدِ؟ وَقَالَ قَائِلٌ: إنْ كَانَ قَتَلَ عَلَى مَالٍ فَمَا هُوَ هَذَا، أَوْ عَلَى حِقْدٍ؛ أَوْ عَلَى دِينٍ: فَمَا هُوَ مُتَعَمِّدٌ. فَقَالَ الْقَائِلُ: فَالْمُتَعَمِّدُ؟ قَالَ: إذَا قَتَلَهُ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا.
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا إذَا قَتَلَهُ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ: مِثْلُ مَا يُقَاتِلُ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دِينِهِمْ: فَهَذَا كَافِرٌ شَرٌّ مِنْ الْكَافِرِ الْمُعَاهِدِ، فَإِنَّ هَذَا كَافِرٌ مُحَارِبٌ بِمَنْزِلَةِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ وَهَؤُلَاءِ مُخَلَّدُونَ فِي جَهَنَّمَ، كَتَخْلِيدِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ.
وَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ قَتْلًا مُحَرَّمًا، لِعَدَاوَةٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ خُصُومَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ؛ وَلَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بِمِثْلِ هَذَا الْخَوَارِجُ؛ وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَحَدٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِتَخْلِيدِ فُسَّاقِ الْمِلَّةِ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] .
وَجَوَابُهُمْ: عَلَى أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِقَتْلِهِ عَلَى إيمَانِهِ. وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَمْ يَحْمِلُوهَا عَلَى هَذَا؛ بَلْ قَالُوا: هَذَا وَعِيدٌ مُطْلَقٌ قَدْ فَسَّرَهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَفِي ذَلِكَ حِكَايَةٌ عَنْ بَعْضِ
أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالَ عَمْرٌو: يُؤْتَى بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لِي: يَا عَمْرُو مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: إنِّي لَا أَغْفِرُ لِقَاتِلٍ؟ فَأَقُولُ أَنْتَ يَا رَبِّ قُلْتَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] . قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنْ قَالَ لَكَ: فَإِنِّي قُلْتَ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . فَمِنْ أَيْنَ عَلِمْت أَنِّي لَا أَشَاءُ أَنْ أَغْفِرَ لِهَذَا؟ فَسَكَتَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ،
648 -
2 سُئِلَ عَنْ الْقَاتِلِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً: هَلْ تُدْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ؟ أَوْ يُطَالَبُ بِدِيَةِ الْقَاتِلِ؟
الْجَوَابُ: قَتْلُ الْخَطَأِ: لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَلَا إثْمَ فِيهِ. وَأَمَّا الْقَاتِلُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْإِثْمُ، فَإِذَا عَفَى عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، أَوْ أَخَذُوا الدِّيَةَ: لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ حَقُّ الْمَقْتُولِ فِي الْآخِرَةِ. وَإِذَا قَتَلُوهُ فَفِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا يَسْقُطَ؛ لَكِنَّ الْقَاتِلَ إذَا كَثُرَتْ حَسَنَاتُهُ أُخِذَ مِنْهُ بَعْضُهَا مَا يُرْضِي بِهِ الْمَقْتُولَ، أَوْ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ مِنْ عِنْدِهِ إذَا تَابَ الْقَاتِلُ تَوْبَةً نَصُوحًا.
وَقَاتِلُ الْخَطَأِ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهَدِ كَمَا قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ؛ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ مُتَقَدِّمٌ؛ لَكِنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي الظَّاهِرِيَّةِ زَعَمَ أَنَّهُ الَّذِي لَا دِيَةَ لَهُ.
وَأَمَّا " الْقَاتِلُ عَمْدًا " فَفِيهِ الْقَوَدُ، فَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى الدِّيَةِ جَازَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَكَانَتْ الدِّيَةُ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ؛ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَأَمَّا " الْكَفَّارَةُ " فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ: قَتْلُ الْعَمْدِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفَّرَ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ. هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، كَمَا اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الزِّنَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفَّرَ؛ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِوَطْءِ الْمُظَاهِرِ، وَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: بَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْعَمْدِ، وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِثْمَ لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الْكَفَّارَةِ.