الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ وَهُوَ] يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ جَائِزٍ - وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَنَّهَا بَالِغًا فَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْ زَوَّجَهَا، فَلَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بِنْت الزِّنَا هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا]
532 -
134 - سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ بِنْتِ الزِّنَا: هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا؟
أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِهَا، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ؛ حَتَّى تَنَازَعَ الْجُمْهُورُ: هَلْ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَأَوِّلًا. وَأَمَّا " الْمُتَأَوِّلُ " فَلَا يُقْتَلُ؛ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا. وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا مُطْلَقًا، كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: إنَّهُ يُجْلَدُ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مُتَأَوِّلًا؛ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفَسَّقَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الْمَعْذُورَ لَا يُفَسَّقُ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ. وَأَحْمَدُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا إنَّمَا ظَهَرَ فِي زَمَنِهِ، لَمْ يَظْهَرْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ.
وَاَلَّذِينَ سَوَّغُوا " نِكَاحَ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا " حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا: لَيْسَتْ هَذِهِ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ؛ وَلَا يَجِبُ نَفَقَتُهَا؛ وَلَا يَلِي نِكَاحَهَا، وَلَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ، فَتَبْقَى دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] .
وَأَمَّا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ شَمِلَهُ هَذَا اللَّفْظُ، سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؛
وَسَوَاءٌ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ التَّوَارُثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ أَمْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا التَّحْرِيمُ خَاصَّةً، لَيْسَ الْعُمُومُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ كَالْعُمُومِ فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: " أَحَدُهَا " أَنَّ آيَةَ التَّحْرِيمِ تَتَنَاوَلُ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَبِنْتَ الْبِنْتِ؛ كَمَا يَتَنَاوَلُ لَفْظَ " الْعَمَّةِ " عَمَّةِ الْأَبِ؛ وَالْأُمِّ، وَالْجَدِّ. وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْأُخْتِ، وَبِنْتُ ابْنِ الْأُخْتِ. وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ. وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ، لَا فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ، وَلَا نَحْوِهَا مِنْ الْآيَاتِ، وَالنُّصُوصِ الَّتِي عَلَّقَ فِيهَا الْأَحْكَامَ بِالْأَنْسَابِ.
" الثَّانِي " إنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّضَاعَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» وَفِي لَفْظٍ «مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَعَمِلَ الْأَئِمَّةُ بِهِ: فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِطِفْلٍ غَذَّتْهُ مِنْ لَبَنِهَا، أَوْ أَنْ تَنْكِحَ أَوْلَادَهُ، وَحَرَّمَ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَتِهَا؛ بَلْ حَرَّمَ عَلَى الطِّفْلَةِ الْمُرْتَضِعَةِ مِنْ امْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْفَحْلِ صَاحِبِ اللَّبَنِ، وَهُوَ الَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ حَتَّى دَرَّ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ. فَإِذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَه مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ - سِوَى التَّحْرِيمِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْحُرْمَةِ - فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ بِنْتٍ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ؟ ، وَأَيْنَ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الْمُتَغَذِّيَةِ بِلَبَنٍ دُرَّ بِوَطْئِهِ؟ ، فَهَذَا يُبَيِّنُ التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْخِطَابِ، وَمِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَالْفَحْوَى، وَقِيَاسِ الْأَوْلَى.
" الثَّالِثُ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] قَالَ الْعُلَمَاءُ: احْتِرَازٌ عَنْ ابْنِهِ الَّذِي تَبَنَّاهُ، كَمَا قَالَ:{لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: 37]