الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَوَابُ: إذَا ارْتَضَعَ الرَّضَاعَ الْمُحَرَّمَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذِهِ الْبِنْتَ فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ اللَّبَنَ لِلْفَحْلِ.
وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا طِفْلًا وَالْأُخْرَى طِفْلَةً، فَهَلْ يَتَزَوَّجُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؟ فَقَالَ: لَا، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، قَالَتْ:«اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ، وَكَانَتْ قَدْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَقُلْت: لَا آذَنُ لَك حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْته فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك. فَقَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي، فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك، يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» .
وَإِذَا تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ مَعَ وَلَدِهَا رَضْعَةً أَوْ بَعْضَ رَضْعَةٍ]
515 -
117 - مَسْأَلَةٌ:
فِي طِفْلٍ ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ مَعَ وَلَدِهَا رَضْعَةً أَوْ بَعْضَ رَضْعَةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ فَرُزِقَتْ مِنْهُ ابْنَةٌ، فَهَلْ يَحِلُّ لِلطِّفْلِ الْمُرْتَضِعِ تَزْوِيجُ الِابْنَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، أَمْ لَا؟ وَمَا دَلِيلُ مَالِكٍ رحمه الله وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْمَصَّةَ الْوَاحِدَةَ أَوْ الرَّضْعَةَ الْوَاحِدَةَ تُحَرِّمُ مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» .
وَمِنْهَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . وَمِنْهَا أَنَّ «رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ تَحْرُمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ لَا» . وَمِنْهَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، نُسِخَتْ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» وَمَا حُجَّتُهُمَا مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ؟
الْجَوَابُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يُحَرِّمُ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ، وَحَدِيثِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا، فَيَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُحَرِّمْ، فَيَحْتَاجُ إلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ، وَقِيلَ: يُحَرِّمُ الثَّلَاثُ فَصَاعِدًا وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحِ:«لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» قَالُوا مَفْهُومُهُ: أَنَّ الثَّلَاثَ تَحْرُمُ، وَلَمْ يَحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قُرْآنٌ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُتَوَاتِرٍ، فَقَالَ لَهُمْ الْأَوَّلُونَ مَعَنَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ مُثْبَتَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ حُكْمًا، وَكَوْنُهُ قُرْآنًا، فَمَا ثَبَتَ مِنْ الْحُكْمِ يَثْبُتُ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا فَهَذَا لَمْ نُثْبِتْهُ وَلَمْ نَتَصَوَّرْ أَنَّ ذَلِكَ قُرْآنٌ إنَّمَا نُسِخَ رَسْمُهُ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ، فَقَالَ أُولَئِكَ: هَذَا تَنَاقُضٌ وَقِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ بِالتَّوَاتُرِ كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا فِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ صَحِيحٌ، وَأَيْضًا فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ نَفَى قُرْآنًا لَكِنْ بَيَّنَ حُكْمَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ لَا يَقُولُ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، بَلْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ إذَا صَحَّ النَّقْلُ بِهَا عَنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَا فِي الْأَحْكَامِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَقَالَ: اسْمُ الرَّضَاعَةِ فِي الْقُرْآنِ مُطْلَقٌ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا تُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَتَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ. فَقَالَ الْأَوَّلُونَ: هَذِهِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَكَوْنُهَا لَمْ تَبْلُغْ بَعْضَ السَّلَفِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ صِحَّتَهَا.
وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: فَكَمَا أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ مُقَيَّدَةٌ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ، فَكَذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ عُلِمَ بِالسُّنَّةِ مِقْدَارُ الْفِدْيَةِ فِي قَوْلِهِ:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ خَبَرًا وَاحِدًا، بَلْ كَمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ أَنَّهُ:«لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا» .
وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ يُظَاهِرُ الْقُرْآنَ، وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَكَذَلِكَ فُسِّرَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَغَيْرِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِحَمْلِ قَوْلِهِ:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَفُسِّرَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أُمُورٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ مَا هُوَ مُطْلَقٌ مِنْ الْقُرْآنِ، فَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَتُبَيِّنُهُ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْخَمْسِ لَهُ أُصُولٌ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ، وَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ صَدَقَةٌ، وَالْأَوْقَاصُ بَيْنَ النُّصُبِ خَمْسٌ أَوْ عَشْرٌ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَأَنْوَاعُ الْبِرِّ خَمْسٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] .