الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَلْحِقُونَ وَلَدَ الزِّنَا أَعْظَمَ مِمَّا يَسْتَلْحِقُونَ وَلَدَ الْمُتَبَنِّي، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:{مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] عُلِمَ أَنَّ لَفْظَ " الْبَنَاتِ " وَنَحْوِهَا يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِمْ دَاخِلًا فِي الِاسْمِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا الْمِيرَاثُ، وَنَحْوُهُ. فَجَوَابُهُ أَنَّ النَّسَبَ تَتَبَعَّضُ أَحْكَامُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ دُونَ بَعْضٍ، كَمَا وَافَقَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعِينَ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَلَاعِنِ وَلَا يَرِثُهُ.
[اسْتِلْحَاق وَلَدِ الزِّنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشًا]
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِلْحَاقِ وَلَدِ الزِّنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. كَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ «صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَلْحَقَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَكَانَ قَدْ أَحْبَلَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَاخْتَصَمَ فِيهِ سَعْدٌ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: ابْنُ أَخِي. عَهِدَ إلَيَّ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ هَذَا ابْنِي. فَقَالَ عَبْدٌ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي؛ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ؛ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ الْبَيِّنِ بِعُتْبَةَ، فَجَعَلَهُ أَخَاهَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْحُرْمَةِ.
[وَلَد الزِّنَا هَلْ يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ]
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي وَلَدِ الزِّنَا: هَلْ يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا بَسْطٌ لَا تَسَعُهُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّعِيفَةِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكِيَهَا عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَدْحِ فِيهِ، وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لَهُ فِيهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَئِمَّةِ وَاتِّبَاعِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ صَارَ وَزِيرُ التَّتَرِ يُلْقِي الْفِتْنَةَ بَيْنَ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَيُوقِعَهُمْ فِي مَذَاهِبِ الرَّافِضَةِ وَأَهْلِ الْإِلْحَادِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَنْ زَنَى بِأُخْتِهِ]
533 -
135 - وَسُئِلَ عَمَّنْ زَنَى بِأُخْتِهِ، مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟
أَجَابَ: أَمَّا مَنْ زَنَى بِأُخْتِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَجَبَ قَتْلُهُ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، قَالَ:«مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ وَمَعَهُ رَايَةٌ، فَقُلْت لَهُ: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا خَالِي؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَأُخَمِّسَ مَالَهُ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
534 -
136 - سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ أَقْوَامٍ يُعَاشِرُونَ " الْمُرْدَانَ " وَقَدْ يَقَعُ مِنْ أَحَدِهِمْ قُبْلَةٌ وَمُضَاجَعَةٌ لِلصَّبِيِّ وَيَدْعُونَ أَنَّهُ يُصْحَبُونَ لِلَّهِ؛ وَلَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ ذَنْبًا وَلَا عَارًا؛ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَصْحَبُهُمْ بِغَيْرِ خَنَا؛ وَيَعْلَمُ أَبُو الصَّبِيِّ بِذَلِكَ وَعَمُّهُ وَأَخُوهُ فَلَا يُنْكِرُونَ: فَمَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَؤُلَاءِ؟ وَمَاذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَامِلَهُمْ بِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟ .
أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. الصَّبِيُّ الْأَمْرَدُ الْمَلِيحُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْبِيلُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ؛ بَلْ لَا يُقَبِّلُهُ إلَّا مَنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ: كَالْأَبِ؛ وَالْإِخْوَةِ. وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِاتِّفَاقٍ لِلنَّاسِ؛ بَلْ يَحْرُمُ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ النَّظَرُ إلَيْهِ عِنْدَ خَوْفِ ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِحَاجَةٍ بِلَا رِيبَةٍ مِثْلُ مُعَامَلَتِهِ؛ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ لِلْحَاجَةِ.
وَأَمَّا " مُضَاجَعَتُهُ ": فَهَذَا أَفْحَشُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ؛ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ؛ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ وَلَمْ يَحْتَلِمُوا بَعْدُ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ:«لَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ» وَقَالَ: «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ» فَإِذَا كَانَتْ الْخَلْوَةُ مُحَرَّمَةً لِمَا يُخَافُ مِنْهَا فَكَيْفَ بِالْمُضَاجَعَةِ؟ ،
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِلَّهِ. فَهَذَا أَكْثَرُهُ كَذِبٌ، وَقَدْ يَكُونُ لِلَّهِ مَعَ هَوَى النَّفْسِ، كَمَا يَدَّعِي مَنْ يَدَّعِي مِثْلَ ذَلِكَ فِي صُحْبَةِ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ؛ فَيَبْقَى كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْخَمْرِ:{فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ فِيهِمْ غُلَامٌ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ أَجْلَسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ؛ وَقَالَ: إنَّمَا كَانَتْ خَطِيئَةُ دَاوُد عليه السلام النَّظَرَ» . هَذَا وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُزَوَّجٌ بِتِسْعِ نِسْوَةٍ؛ وَالْوَفْدُ قَوْمٌ صَالِحُونَ، وَلَمْ تَكُنْ الْفَاحِشَةُ مَعْرُوفَةً فِي الْعَرَبِ؟ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّحْذِيرِ عَنْ صُحْبَةِ " الْأَحْدَاثِ " مَا يَطُولُ وَصْفُهُ.
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُفْضِي إلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِنْ ضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَأْدِيبٍ؛ فَإِنَّ " الْمُرْدَانَ " يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُمْ وَتَأْدِيبُهُمْ بِدُونِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الَّتِي فِيهَا مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى مَنْ يَصْحَبُهُمْ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ: بِسُوءِ الظَّنِّ تَارَةً، وَبِالشُّبْهَةِ أُخْرَى؛ بَلْ رُوِيَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَجْلِسُ إلَيْهِ الْمُرْدَانُ، فَنَهَى عُمَرُ رضي الله عنه عَنْ مُجَالَسَتِهِ. وَلَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شَابًّا فَقَطَعَ شَعْرَهُ، لِمَيْلِ بَعْضِ النِّسَاءِ إلَيْهِ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ وَطَنِهِ؛ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ.
وَمَنْ أَقَرَّ صَبِيًّا يَتَوَلَّاهُ: مِثْلُ ابْنِهِ، وَأَخَاهُ، أَوْ مَمْلُوكِهِ، أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: فَهُوَ دَيُّوثٌ مَلْعُونٌ، «وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ» فَإِنَّ الْفَاحِشَةَ الْبَاطِنَةَ مَا يَقُومُ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ فِي الْعَادَةِ؛ وَإِنَّمَا تَقُومُ عَلَى الظَّاهِرَةِ، وَهَذِهِ الْعِشْرَةُ الْقَبِيحَةُ مِنْ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] . فَلَوْ ذَكَرْنَا مَا حَصَلَ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الضَّرَرِ وَالْمَفَاسِدِ، وَمَا ذَكَرُوهُ الْعُلَمَاءُ: لَطَالَ. سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ تَقِيًّا أَوْ فَاجِرًا؛ فَإِنَّ التَّقِيَّ يُعَالِجُ مَرَارَةً فِي مُجَاهَدَةِ هَوَاهُ وَخِلَافِ نَفْسِهِ؛ وَكَثِيرًا مَا يَغْلِبُهُ شَيْطَانُهُ وَنَفْسُهُ؛ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَحْمِلُ حِمْلًا لَا يُطِيقُهُ فَيُعَذِّبُهُ أَوْ يَقْتُلُهُ؛ وَالْفَاجِرُ يَكْمُلُ فُجُورُهُ بِذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.