الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا يتعلق بذلك
مدخل
…
بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وَمَا يتعلق بذلك
أفضل صوم التطوع 1صيام داود1 نص عليه قوله صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد عليه السلام وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ". فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2، وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ "وَ" وَأَيَّامُ الْبِيضِ أَفْضَلُ "وش" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ صَوْمُ الدَّهْرِ3، وَفِي بَعْضِهَا: كَصَوْمِ الدَّهْرِ4.
قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ: مُرَادُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا حَصَلَ لَهُ أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ بِتَضْعِيفِ الْأَجْرِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَيَّامُ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِابْيِضَاضِ لَيْلِهَا، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ اللَّهَ تَابَ فِيهَا عَلَى آدَمَ وبيض صحيفته. وعن مالك: يكره صومها.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 1ليست في الأصل.
2 البخاري "1976" ومسلم "1159""181".
3 أخرجه البخاري "3419" ومسلم "1162""197" من حديث عبد الله بن عمرو.
4 أخرجه البخاري "3419" من حديث عبد الله ين عمرو.
وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، نَصَّ عَلَيْهِ. 1وَيُسْتَحَبُّ إتْبَاعُ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ1 وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ2 مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ" سَعْدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد3 عَنْ النُّفَيْلِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَسَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ4 عَنْ خَلَّادِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَرَوَاهُ أَيْضًا5 مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ، لَكِنْ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ6 أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَفِيهِ:"وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ" 7 فَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِصَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ: وَإِنَّمَا كُرِهَ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّعْفِ وَالتَّشَبُّهِ بِالتَّبَتُّلِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، لِاسْتِغْرَاقِ الزَّمَانِ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، والمراد بالخبر التشبيه به في
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 1ليست في الأصل.
2 مسلم "1164""204" وأحمد "23533" والترمذي "759" وابن ماجه "1716".
3 في سننه "2433".
4 في السنن الكبرى "2863".
5 النسائي في السنن الكبرى "2866".
6 في المسند "14302".
7 أحمد "22412".
حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، كَمَا قَالَ عليه السلام فِي أَيَّامِ الْبِيضِ1. وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، قَالَ فِي الْمُغْنِي2: بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَ: وَكَذَا نَهَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ3، وَقَالَ: "مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ"4 أَرَادَ التَّشْبِيهَ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ فِي الْفَضْلِ لَا فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ: فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ تَتَابُعُهَا، وَهُوَ ظاهر الخرقي وغيره،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه الترمذي "762" والنسائي في المجتبى "4/219" وابن ماجه "1708" عن أبي ذر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فذلك صوم الدهر".
2 "4/445".
3 أخرجه أبو داود "1390" والترمذي "2949" وَابْنِ مَاجَهْ "1347" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث".
4 أخرجه البخاري "5013" من حديث أبي سعيد الخدري ومسلم "811""259" من حديث أبي الدرداء بنحوه.
وَبَعْضُهُمْ: عَقِبَ الْعِيدِ، وَاسْتَحَبَّهُمَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ بِغَيْرِهِ، وَسَمَّى بَعْضُ النَّاسِ الثَّامِنَ عِيدَ الْأَبْرَارِ.
وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَذَكَرَهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ ثَامِنِ شَوَّالٍ عِيدًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعِيدٍ إجْمَاعًا وَلَا شَعَائِرُهُ شَعَائِرَ الْعِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصَوْمِهَا1 فِي غَيْرِ شَوَّالٍ، وِفَاقًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، لِأَنَّ فَضِيلَتَهَا كَوْنُ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، كَمَا فِي خَبَرِ ثَوْبَانَ، وَيَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِشَوَّالٍ لِسُهُولَةِ الصَّوْمِ لِاعْتِيَادِهِ2 رُخْصَةً، وَالرُّخْصَةُ أَوْلَى. وَيَتَوَجَّهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَتِهَا لِمَنْ صَامَهَا وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَقَدْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ، وَمَا ظَاهِرُهُ خِلَافُهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ صَوْمَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَذَكَرَ مَالِكٌ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحَقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ، قال
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في "س""بغيرها".
2 في الأصل و"س" و"ط""لعتياده".
أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: يَوْمُ الْفِطْرِ فَاصِلٌ، بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ. وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ1، وَآكَدُهُ التَّاسِعُ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إجْمَاعًا. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِيهِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عليهما السلام، فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ؟ 2قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ2 وَقِيلَ: لتعارف آدم وحواء بها "م 1" ثم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 1" قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَآكَدُهَا التَّاسِعُ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إجْمَاعًا. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ حَجَّ بِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ قال: قد عرفت، وقيل: لتعارف آدم وحواء بِهَا، انْتَهَى.
هَذِهِ الْأَقْوَالُ لِلْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةٌ بِمَذْهَبٍ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا أَتَى بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِيَدُلَّ عَلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَمَّى الْمَوْقِفَ عَرَفَاتٍ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةُ، فَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ جِبْرِيلُ يُرِي إبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِك وَيَقُولُ: عَرَفْت، فَيَقُولُ: عَرَفْت. فَسَمَّى ذَلِكَ الْمَكَانَ عَرَفَاتٍ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا أُهْبِطَ آدَم عليه السلام وَقَعَ بِالْهِنْدِ وَحَوَّاءَ بِجُدَّةِ، فَاجْتَمَعَا بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَتَعَارَفَا، فَسُمِّيَ الْيَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا أَذَّنَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى عَرَفَاتٍ، وَنَعَتَهَا لَهُ، فَخَرَجَ إلَى أَنْ وَقَفَ بعرفات،
1 المراد به الأيام التسعة التي آخرها يوم عرفة وسميت التسع عشرا من إطلاق الكل على الأكثر لأن العاشر لا يصام المطلع ص "154".
2 2ليست في "ب" و"س" والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه الجزء العمري ص "291".
الثَّامِنُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ، فَكَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَأَصْبَحَ يتروى هل هو من الله أو حلم "م 2" فَلَمَّا رَآهُ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ. وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: آكَدُهُ الثَّامِنُ ثُمَّ التَّاسِعُ. وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: آكَدُهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَعَرَفَةَ.
وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَةَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ "وم ش"1 وفطره أفضل، وكرهه جماعة، "لفطره صلى الله عليه وسلم بعرفة وهو يخطب الناس". متفق عليه2،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَعَرَفَهَا بِالنَّعْتِ، فَسُمِّيَ الْوَقْتُ عَرَفَةَ، وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه السلام رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى يَوْمَهُ أَجْمَعَ، ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ ثَانِيًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ عَرَفَ أَنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ، فَسَمَّى الْيَوْمَ عَرَفَةَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ الْعَرْفِ وَهُوَ الطِّيبُ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَرِفُونَ فِي ذلك اليوم بذنوبهم، انتهى.
"مَسْأَلَةٌ 2" قَوْلُهُ: ثُمَّ الثَّامِنُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ عَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَاءٌ وَكَانُوا3 يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ إلَيْهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه السلام رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ الْأَمْرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ فَأَصْبَحَ يَتَرَوَّى هَلْ هُوَ مِنْ اللَّه أَوْ حُلْمٍ، انْتَهَى. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ جِنْسِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَغَيْرَهُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلهَا.
1 ليست في الأصل.
2 البخاري "5636" ومسلم "1123""110" من حديث أم الفضل.
3 في النسخ الخطية و"ط""وكانوا" والمثبت من الفروع.
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ1 النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ وَفِيهِ جَهَالَةٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَلِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ، وَعَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا "يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ2.
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُرَادُ بِهِ كَرَاهَةُ صَوْمِهِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ، وَاسْتَحَبَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ، إلَّا أَنْ يُضْعِفَهُ عَنْ الدُّعَاءِ. وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ إمَامِنَا نَحْوَهُ، وَجَزَمَ فِي الدُّعَاءِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْحَاجِّ الْفِطْرُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ بِهَا.
وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ، قال صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصلاة بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ3 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَعَلَّهُ عليه السلام لَمْ يُكْثِرْ الصَّوْمَ فِيهِ لِعُذْرٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا، كَقَوْلِهِمْ بَيْتُ اللَّهِ، وَآلُ اللَّهِ لِقُرَيْشٍ، قَالَ: وَالشَّهْرُ: الْهِلَالُ، سُمِّيَ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَظُهُورِهِ، وَأَفْضَلُهُ عَاشُورَاءُ وَهُوَ الْعَاشِرُ، وِفَاقًا لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ تَاسُوعَاءُ وهو
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أحمد "8031" وابن ماجه "1732".
2 أحمد "17379" وأبو داود "2419" والنسائي في المجتبى "5/252" والترمذي "773".
3 مسلم "1163""202" ورواه النسائي في الكبرى "1312" وهو في مسند أحمد "8026".
التَّاسِعُ مَمْدُودَانِ وَحُكِيَ قَصْرُهُمَا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: يُكْرَهُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: فَرْضٌ. وَهُمَا آكَدُهُ، ثُمَّ الْعَشْرُ، رَوَى مُسْلِمٌ1 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا فِي صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ "إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".
وَقَالَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ: "إنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" 2 وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ، حَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ "لَهُ" صَغَائِرُ رَجَا التَّخْفِيفَ مِنْ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَفَعَتْ دَرَجَاتٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ. إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: مُرْسَلَاتُ الْحَسَنِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الثِّقَاتُ صِحَاحٌ، وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِ: يَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ صَوْمِهِ أَيَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: إذَا رَأَيْت هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ، فَإِذَا أَصْبَحْت مِنْ تَاسِعِهِ فَأَصْبِحْ مِنْهَا صَائِمًا، قُلْت: أَكَذَلِكَ كَانَ يَصُومُهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ4، ومعناه: أهكذا كان يأمر بصيامه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في صحيحه "1162""196".
2 رواه مسلم "1162""196".
3 في سننه "755" و"من المحرم" ليست من لفظ الحديث.
4 في صحيحه "1133""132".
أَوْ يَحُثُّ عَلَيْهِ؟ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ، وَاخْتَارَتْ طَائِفَةٌ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ، صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: خَالِفُوا الْيَهُودَ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد: تَصُومُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ" فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد1، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ التَّاسِعَ بَلْ الْعَاشِرَ وَأَنَّهُ عَاشُورَاءُ، وَقَصَدَ صَوْمَ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى التَّاسِعِ، وَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ فِي الْعِلَلِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ" 2 إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ. وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصَّوْمِ. وَقَدْ أَمَرَ أَحْمَدُ بِصَوْمِهِمَا، وَوَافَقَ شَيْخُنَا الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ: مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ "وهـ" وَلَمْ يَجِبْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 مسلم "1134" وأبو داود "2445".
2 رواه مسلم "1134""134" بلفظ "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا "وش" وَعَنْ أَحْمَدَ: وَجَبَ ثُمَّ نُسِخَ، اخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّيْخُ "وهـ" لِلْأَمْرِ به، وقد روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ1، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَضَاءِ عَدَمُ وُجُوبِهِ، بِدَلِيلِ الْخِلَافِ فِيمَنْ صَارَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ "مِنْ رَمَضَانَ" وَحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ "لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ" 2 فَمُعَاوِيَةُ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ. وَقِيلَ: فِي عُمْرَة الْقَضِيَّةِ، وَقِيلَ: زَمَنُ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّمَا سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا، وَعَاشُورَاءُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ الْهِجْرَةِ، فَوَجَبَ يَوْمًا ثُمَّ نُسِخَ بِرَمَضَانِ ذَلِكَ الْعَامِ، وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ وَمَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ حَمَلَ الْأَمْرَ قَبْلَ رَمَضَانَ عَلَى تَأْكِيدِهِ وَكَرَاهَةِ تَرْكِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ بَقِيَ أَصْلُ الِاسْتِحْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَحْمَدَ: هَلْ سَمِعْت فِي الْحَدِيثِ "مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ" 3 "فَقَالَ: نَعَمْ، رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ".
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَدْ جَرَّبْنَاهُ مُنْذُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً فَمَا رَأَيْنَاهُ إلَّا خَيْرًا، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ المتناهية من حديث ابن عمر، قال
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أبو داود "2447".
2 رواه البخاري "2003".
3 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان "3791".