الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ
؟
فِيهِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:"مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ، وَمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَتَّى يَصُومَهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ1 مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْقَضَاءِ عَنْهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي2: فِي سِيَاقِهِ مَا هُوَ مَتْرُوكٌ، يَعْنِي: مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ شَيْءٌ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ. وَكَالْحَجِّ.
وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ "م 4""وَ" لِلْعُمُومِ، وَكَالتَّطَوُّعِ بِصَلَاةٍ في وقت فرض
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنْتَخَبِ، وَأَطْلَقَ الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي3 وَالْكَافِي4 وَالْمُقْنِعِ5 وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ5 وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى هنا، والزركشي والحاوي الكبير وغيرهم.
"مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: وَهَلْ "يَجُوزُ" لِمَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ، انْتَهَى. وأطلقهما في الهداية
1 في مسنده "8621".
2 "4/402".
3 "4/427".
4 "2/269".
5 5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/543".
مُتَّسَعٍ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَكَذَا يَخْرُجُ فِي التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ عَدَمَ الصِّحَّةِ، لِوُجُوبِهَا عَلَى الْفَوْرِ. وَسَبَقَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ1. وَيَبْدَأُ بِفَرْضِ الصَّوْمِ قَبْلَ نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ.
نَقَلَ حَنْبَلٌ وَأَبُو الْحَارِثِ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيَّامٌ: يَبْدَأُ بِالنَّذْرِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ النَّذْرُ مُعَيَّنًا بِوَقْتٍ يَخَافُ فَوْتَهُ، وَقَضَاءُ رَمَضَانَ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ، كَمَنْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ2 الزَّوَالِ، يَبْدَأُ بِهِمَا قَبْلَ الظُّهْرِ، لِسَعَةِ وَقْتِهَا، وَتَعْيِينِ النَّذْرِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ. وَيَبْدَأُ بِالْقَضَاءِ إنْ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا، وَقَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ بِتَقْدِيمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى النَّذْرِ وَالنَّفَلِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: تِلْكَ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ وَهَذِهِ عَلَى سِعَةِ الْوَقْتِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قبل فرضه لم يكره قضاء رمضان في عشر "ذي" الحجة، بل
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْمُغْنِي وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ.
إحْدَاهُمَا لا يجوز ولا يصح، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ، قَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، "قلت" وهو الصواب.
1 "1/438".
2 في "س""قبل".
يُسْتَحَبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ. فَعَنْهُ: يُكْرَهُ، كَقَوْلِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِيَنَالَ فَضِيلَتَهَا. وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ "م 5""وَ" رُوِيَ عن عمر، لظاهر الآية، وكعشر الْمُحَرَّمِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى إبْرَاءِ الذِّمَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأُولَى بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَصَحُّ، لِأَنَّا إذَا حَرَّمْنَا التَّطَوُّعَ قَبْلَ الفرض كان أبلغ من الكراهة فلا يصح تفريعها عليه، والله أعلم.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
"مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ فَرْضِهِ لَمْ يكره قضاء رمضان في عشر ذي الحجة بَلْ يُسْتَحَبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاهُ قَبْلَهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَعَنْهُ: يُكْرَهْ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ، انْتَهَى.
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي1 وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَالشَّرْحِ2 وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقِيلَ يُكْرَهُ الْقَضَاءُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأُولَى بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَصَحُّ، لِأَنَّا إذَا حرمنا التطوع قبل الفرض كان أبلغ من الْكَرَاهَةِ، فَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهَا عَلَيْهِ، انْتَهَى.
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ، لِمَا عَلَّلَهُ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمَجْدَ، قَالَ فِي الْمُغْنِي3: وَهَذَا أَقْوَى عِنْدِي، فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَطْلَقَ المصنف الروايتين على القول بالجواز.
1 "2/402".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "7/505".
3 "4/403".
فَصْلٌ مَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُ وَلَمْ يَجِبْ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يلزمه قضاء، نص عليه، وهو المذهب "وش" لِقَوْلِ عَائِشَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ: "أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا" وَفِي أوله أنه دخل عَلَيْهَا يَوْمًا فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ"؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ:"فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْخَمْسَةُ1. وَزَادَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّمَا مِثْلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِثْلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا". وَلَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: "إنَّمَا مَنْزِلَةُ مَنْ صَامَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي التَّطَوُّعِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ، وَبَخِلَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْسَكَهُ" 2 وَسَبَقَ فِي الْجُمُعَةِ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ3. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ أَمَّا إنِّي كُنْت صَائِمَةً، فَقَالَ: "الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صام وإن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا لَا يُكْرَهُ "قُلْت": وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيُبَاحُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، انْتَهَى. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يُكْرَهُ، وَقَدْ عُلِّلَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ يَفُوتُ بِهِ فَضْلُ صِيَامِهِ تَطَوُّعًا، وَبِهَذَا عَلَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي اللَّطَائِفِ، وَقَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَحْصُلُ به فضيلة صيام التطوع أيضا، انتهى.
1 مسلم "169 – 170" وأبو داود "2455" والترمذي "733 – 734" والنسائي "4/193" وابن ماجه "1701".
2 أخرجه النسائي "4/193".
3 ص "104".
شَاءَ أَفْطَرَ" لَهُ طُرُقٌ، فِيهِ كَلَامٌ يَطُولُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَضَعَّفَهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ1 وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ، كَصَوْمِ مُسَافِرٍ فِي رَمَضَانَ لَهُ الْخُرُوجُ لِكَوْنِهِ كَانَ مُخَيَّرًا حَالَةَ دُخُولِهِ فِيهِ. وَكَفِعْلِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ، سَلَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْهُ، وَكَشُرُوعِهِ فِي أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ، لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ "وَ" خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ، وَكَدُخُولِهِ فِيهِ ظَانًّا أَنَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ، سَلَّمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَشْهَبُ وَعَنْ أَحْمَدَ: يَجِبُ إتْمَامُ الصَّوْمِ وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ. وَفِي الْكَافِي2 "وهـ م" لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلِقَوْلِهِ عليه السلام لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَقَدْ أَفْطَرَتَا "لَا عَلَيْكُمَا صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ3، وَضَعَّفُوهُ، ثُمَّ هُوَ لِلِاسْتِحْبَابِ، لِقَوْلِهِ: "لَا عَلَيْكُمَا" وَعَنْ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا "أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ" وَفِيهِ: "وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ: أَنْ يُصْبِحَ أحدهم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أحمد "26893" وأبو داود "2456" والترمذي "732" والنسائي في السنن الكبرى "3302".
2 "2/271".
3 أبو داود "2457" بلفظ "لا عليكما صوما مكانه يوما آخر" وابن حبان "3517".
صَائِمًا فَتَعْرِضَ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَيَتْرُكَ صَوْمَهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ1 مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ مَتْرُوكٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَسَبَقَ مَا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ، وَلِأَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ كَفَرْضِهِ فِي الْكَفَّارَةِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ مَعَهُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ.
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: إنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَ، قَالَ الْقَاضِي: أَيْ نَذْرَهُ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّفْلِ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْضِي، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِي الْمَعْذُورُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَقْضِي، وَعَنْ مَالِكٍ: فيمن أفطر
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في مسنده "17120".
لِسَفَرٍ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عِنْدَهُمَا، لِصِحَّةِ صَوْمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعُذْرِهِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَقْضِي مَعْذُورٌ إجْمَاعًا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عُذْرٌ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ كَالْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ حَكَاهُ إجْمَاعًا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: هَلْ يُكْرَهُ خُرُوجُهُ؟ يَتَوَجَّهُ لَا يُكْرَهُ لِعُذْرٍ، وَإِلَّا كُرِهَ، فِي الْأَصَحِّ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَهَلْ يَفْطُرُ لِضَيْفِهِ؟ يَتَوَجَّهُ كَصَائِمٍ دُعِيَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَفْطُرُ، وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي الِاعْتِكَافِ: يُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ. وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ كَصَوْمِ التَّطَوُّعِ "وَ" وَعَنْهُ: تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، قَالَ فِي الْكَافِي1: وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ وَقَالَ: الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ كَالْحَجِّ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَلِلرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الصَّوْمِ تَدُلُّ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ خَصَّهُ وَعَلَّلَ رِوَايَةَ لُزُومِهِ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى كَالْحَجِّ، وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ سِوَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 "2/271".
وَقِيلَ: الِاعْتِكَافُ كَالصَّوْمِ، عَلَى الْخِلَافِ، يَعْنِي "أَنَّهُ" إذَا دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ نَوَاهُ مُدَّةً لَزِمَتْهُ وَيَقْضِيهَا "وم" وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، لَا بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الْمُعْتَكِفُ يُجَامِعُ يَبْطُلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ مِنْ قَابِلٍ، وَلَعَلَّهُ فِي النَّذْرِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا، وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ، وَعَنْهُ أَيْضًا: يَلْزَمُهُ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ عِنْدَهُ يَوْمٌ، وَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَالْمُغْنِي عَلَى كَلَامِ ابْنِ عبد البر: وصلى صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ مُرِيدًا لِلِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكُلُّهُ مَوْضِعٌ لَهُ، ثُمَّ قَطَعَهُ لَمَّا رَأَى أَخْبِيَةَ نِسَائِهِ قَدْ ضُرِبَتْ فِيهِ وَلَمْ يَقْضِينَ1، وَمُجَرَّدُ قَضَائِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ، بِدَلِيلِ قَطْعِهِ، وَمَا فِي السُّنَنِ2 أَنَّهُ كَانَ إذَا تَرَكَ الِاعْتِكَافَ لِسَفَرٍ اعْتَكَفَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِشْرِينَ.
وَلَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ وَشَرَعَ فِي الصَّدَقَةِ فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ، إجْمَاعًا، قاله الشيخ وغيره "قال: " وهو نظير
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 رواه البخاري "2041".
2 أبو داود "2463" وابن ماجه "1770" عن أبي بن كعب.
الِاعْتِكَافِ، قَالُوا: وَمَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ لَا يَبْطُلُ "بِتَرْكِ" اعْتِكَافِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي1: وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِمَا كَالصَّوْمِ إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ2، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ قَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ "وَ" خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَام إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ هُنَا "وم" وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنَّ فِي طَوَافِ شَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ أَجْرًا، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ تَمَامُ الْأُسْبُوعِ، كَالصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: رَأَيْت سُفْيَانَ يَفِرُّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، إذَا كَثَرُوا عَلَيْهِ دَخَلَ الطَّوَافَ فَطَافَ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ وَيَدْعُهُمْ.
وَلَا تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ وِفَاقًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} الآية [الحديد: 27] : قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَالِابْتِدَاعُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَبِمَا يُنْذِرُهُ وَيُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ بِالدُّخُولِ فِيهِ، وَعُمُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ابْتَدَعَ قُرْبَةً قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَعَلَيْهِ رِعَايَتُهَا وَإِتْمَامُهَا، كَذَا قَالَ. وَيَلْزَمُ إتْمَامُ نَفْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ "وَ" لِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ لَازِمًا، لِظَاهِرِ آيَةِ الْإِحْصَارِ، فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا أَوْ فَسَدَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ "وَ"
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 "2/270".
2 ص "115".