الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ، لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ، وَلَا يَحِلُّ لِلْكَوْكَبِ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ فِيهَا شُعَاعٌ، مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجُ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ1.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسَنُّ أَنْ يَنَامَ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَيَأْتِي "إنْ شَاءَ الله تعالى" في المعتكف2.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 رواية عمر بن عبد الرحمن في المسند "22713" ورواية خالد بن معدان: في المسند "22765".
2 ص "193".
فَصْلٌ: وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي
،
وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، لِلْآيَةِ، وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ إجْمَاعًا وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا هَذَا، وَالثَّانِيَةُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ، وَبِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَهِيَ اخْتِيَارُ ابْنِ بَطَّةَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْخَرَزِيِّ
وَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّيْلَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِهَا، وَفِيهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي فَضْلِ يَوْمِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلِبَقَاءِ فَضْلِهَا فِي الْجَنَّةِ، لِأَنَّ فِي قَدْرِ يَوْمِهَا تَقَعُ الزِّيَارَةُ إلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1 مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي أُنْزِلَ فِيهَا الْقُرْآنُ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، فَأَمَّا أَمْثَالُهَا مِنْ لَيَالِي الْقَدْرِ فَلَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي الْمُعَارَضَةِ وَذَكَرَ غَيْرَهُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا، وَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ "أَيَّامِ" الْعَامِ، وَكَذَا ذَكَرَ جَدُّهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ شَرْحِهِ مُنْتَهَى الْغَايَةِ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمٍ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَتَوَجَّهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِنَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَوْمُ الْقَرِّ الَّذِي يَلِيهِ، لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 الترمذي "2549" ابن ماجه "4336" بلفظ "إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا الدنيا فيزورون ربهم....." الحديث.
يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ" 1 قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الْأَيَّامِ أَرْبَعَةً: الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى وَعَرَفَةَ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَاخْتَارَ مِنْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِلْحُسَيْنِ الشَّهَادَةَ فِي أَشْرَفِ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمِهَا وَأَجَلِّهَا وَأَرْفَعِهَا عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ، عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْعُمْدَةِ وَغَيْرِهَا وَسَبَقَ كَلَامُ شَيْخِنَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ2. وَقَالَ أَيْضًا: قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ وَأَيَّامُ ذَلِكَ أَفْضَلُ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِوُجُودِهِ، وَذَكَرَهَا. وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ، وَذَكَرُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ فِيهِ أَفْضَلُ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ.
قَالَ شَيْخُنَا وَيَكْفُرُ مَنْ فَضَّلَ رَجَبًا عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ: إنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ الشُّهُورِ أَرْبَعَةً: رَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَالْمُحَرَّمَ، وَاخْتَارَ مِنْهَا شَعْبَانَ، وَجَعَلَهُ شَهْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَمَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ فَشَهْرُهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، كَذَا قَالَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] إنَّمَا سَمَّاهَا حُرُمًا لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهَا، وَلِتَعْظِيمِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ تَعْظِيمِهِ فِي غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ تَعْظِيمُ الطَّاعَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى:{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] أَيْ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ أَنَّ الظُّلْمَ الْمَعَاصِي، قَالَ فَتَكُونُ فَائِدَةُ تخصيص بها أن شأن
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أحمد "19075" عن عبد الله بن قرط.
2 "2/338".
تَعْظِيمِ الْمَعَاصِي فِيهَا أَشَدُّ مِنْ تَعْظِيمِهِ فِي غَيْرِهَا، وَذَلِكَ لِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا، كَتَخْصِيصِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَقَوْلِهِ:{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَكَمَا أَمَرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَقَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الأكثرين. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .