الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا مات الوالد المرابي وجب على ورثته التخلص من المال الربوي بإرجاعه إلى أهله إن عرفوهم، وإلا فعليهم التخلص منه بتوزيعه في المصارف العامة والخاصة، فإن تعسر عليهم تحديد المبلغ الربوي في مال والدهم: قسموه نصفين فيأخذون النصف ويوزعون النصف الآخر، وقد سئل شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل مرابٍ خلف مالًا وولدًا، وهو يعلم بحاله، فهل يكون المال حلالًا للولد بالميراث أم لا؟
فأجاب: "أما القدْر الذي يعلم الولد أنه ربًّا: فيخرجه، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به، والباقي لا يحرم عليه، لكن القدْر المشتبه يستحب له تركه إذا لم يجب صرفه في قضاء دين أو نفقة عيال، وإن كان الأب قبضه بالمعاملات الربوية التي يرخص فيها بعض الفقهاء، جاز للوارث الانتفاع به، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما، جعل ذلك نصفين"(1).
حق الرجل في راتب زوجته وما يجب على الزوج من النفقة:
أولًا: ذكر الله تعالى في كتابه أن القوامة إنما تكون للرجال، قال تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، أي: قوَّامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد وإلزامهن بذلك، وقوَّامون عليهن أيضًا، بالإنفاق عليهن، والكسوة، والمسكن.
فالزوج هو المسؤول عن الإنفاق على أسرته، حتى ولو كانت الزوجة غنية، إلا في حالة العجز؛ فإذا عجز الرجل عن الإنفاق وكانت المرأة غنية لزمها أن تنفق عليه وعلى الأسرة؛ لأن الحقوق بينهما متبادلة، قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
(1) مجموع الفتاوى (29/ 307).
لكن الأصل في هذه النازلة أنه لا يجب على الزوجة أن تُنفِق على بيتها ولا على زوجها وأولادها، وإن فَعَلَتْ فهي محُسِنة. فعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيَكُنَّ". قالت: فَرَجَعتُ إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزي عنّي وإلَّا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت.
قالت: فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بِبَاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها. قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُلقِيَت عليه المهابة. قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من هما؟ "، فقال: امرأة من الأنصار وزينب "مَنْ هُمَا". فَقَالَ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَزينَبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَىُّ الزَّيَانِبِ". قَالَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَة"(1).
ثانيًا: لا يجب على الزوج ما زاد عن النفقة الواجبة، مثل: العلاج، وفواتير الهاتف، وقيمة المواصلات، ولو كان ذلك مِن أجل زيارة أهلها، والنفقة الواجبة تكون في المأكل والمشرَب والسُّكَنى والكسوة.
فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكتَسَيْتَ -أَوِ اكتَسَبْتَ -وَلَا تَضْرِبِ الوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا في البَيْتِ"(2).
(1) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب (1466)، ومسلمٌ، كتاب الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين (1000).
(2)
رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب في حق المرأة على زوجها (2144) وصححه الألباني في صحيح سنن
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وَلَا تُقَبِّحْ" أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللهُ.
وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم عرفة، فقال:"وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ"(1).
ثالثًا: إذا كان خروج المرأة للعمل كأن تكون موظفة وخروجها يكلِّف الزوج جهدًا ووقتًا وغيره، ففي هذه الحالة يمكن أن تساهم في نفقة البيت، كما هو الحال في كثير من البلاد، فإن الزوج يتزوج الزوجة الموظفة ليتعاونا جميعًا في تكوين بيت مسلم؛ وذلك لأن الرجل لا يستطيع وحده أن ينفق على الأسرة ولا الزوجة وحدها فهما يتفقان على ذلك. ومما جاء في قرارات (2) مجلس مجمع الفقه الإِسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإِسلامي ما يلي:
رابعًا: مشاركة الزوجة في نفقات الأسرة:
1 -
لا يجب على الزوجة شرعًا المشاركة في النفقات الواجبة على الزوج ابتداء، ولا يجوز إلزامها بذلك.
2 -
تطوع الزوجة بالمشاركة في نفقات الأسرة أمر مندوب إليه شرعًا؛ لما يترتب عليه من تحقيق معنى التعاون والتآزر والتآلف بين الزوجين.
3 -
يجوز أن يتم تفاهم الزوجين واتفاقهما الرضائي على مصير الراتب أو الأجر الذي تكسبه الزوجة.
4 -
إذا ترتب على خروج الزوجة للعمل نفقات إضافية تخصها فإنها تتحمل تلك النفقات.
= أبي داود (2/ 402).
(1)
رواه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه.
(2)
قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإِسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي. قرار رقم: 144 (2/ 16).