الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: بيان كون زواج المسيار نازلة:
لم يكن هذا النوع من النكاح معروفًا عند الفقهاء المتقدمين بصيغته الحالية وبمسماه الحالي، وإن كان الفقهاء يبحثون مسائله مفردة، كما في قولهم (نكاح النهاريات والليليات)، وهو أن يتزوج رجل من امرأة تعمل خارج منزلها، وترجع إلى زوجها نهارًا، أو العكس: تعمل نهارًا وترجع إلى منزل زوجها ليلًا.
أما اجتماع صوره، وبهذا الاعتبار فإنه لم يكن موجودًا من قبل، ولذا اعتبر نازلة تحتاج إلى نظر، وإلى دراسة من فقهاء العصر.
ثالثًا: صور هذا الزواج:
لنكاح المسيار صورتان: الأولى: أن يتم عقد الزواج بين الزوجين مستوفيًا جميع الأركان والشروط المطلوبة في العقد من وجود المهر والولي وشاهدي عدل، إلا أن الزوج يشترط في العقد إسقاط النفقة أو المسكن، بحيث تسكن هي في مسكنها ويأتي الزوج إليها في مسكن مخصص لها، فيكون الزوج غير مكلف بالسكنى والنفقة عليها، هذه صورة.
الصورة الثانية: ألا يشترط الزوج إسقاط النفقة، لكن يشترط عدم الالتزام بالقسم في المبيت، وهو الأكثر؛ لأن الحامل على مثل هذا الزواج هو رغبة الزوج في إخفاء أمر هذا الزواج عن أهله وأولاده؛ درءًا للمشاكل المحتملة منهم إذا علموا بذلك، والأول قد يكون الحامل عليه رغبة الزوجة التي لم يتيسر لها زوج ترضى به، في أن ترزق بذرية وأن تحمي نفسها من الوقوع في الحرام.
رابعًا: حكم نكاح المسيار:
قبل الشروع في بيان حكم هذا النوع من الأنكحة نقول:
1 -
ينبغي أن يعلم كل مسلم أن الله قد شرع الزواج لأهداف متعددة منها:
تكاثر النسل، والحفاظ على النوع الإنساني، وإنجاب الذرية، ومنها: تحقيق العفاف، وصون الإنسان عن التورط في الفواحش والمحرّمات، ومنها: التعاون بين الرجل والمرأة على شؤون العيش وظروف الحياة، والمؤانسة، ومنها: إيجاد الود والسكينة والطمأنينة بين الزوجين، ومنها: تربية الأولاد تربية قويمة في مظلة من الحنان والعطف. قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
قال السعدي حول هذه النازلة: "بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة"(1) انتهى.
2 -
أن الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا النوع من الزواج متعددة منها:
أ - كثرة عدد العوانس والمطلقات، والأرامل، وصواحب الظروف الخاصة.
ب - رفض كثير من الزوجات لفكرة التعدد، فيضطر الزوج إلى هذه الطريقة حتى لا تعلم زوجته الأولى بزواجه.
ج - رغبة بعض الرجال في الإعفاف والحصول على المتعة الحلال مع ما يتوافق وظروفهم الخاصة.
د- تهرّب البعض من مسؤوليات الزواج وتكاليفه، ويتضح ذلك في أن نسبة كبيرة ممّن يبحث عن هذا الزواج هم من الشباب صغار السن.
3 -
حكم نكاح المسيار:
(1) تفسير السعدي (1/ 639).
هذا النوع من الأنكحة جائز وصحيح إذا توفرت له شروطه وأركانه، من التراضي، ووجود الولي والشهود
…
إلخ، لكنه ليس هو الصورة المثلى والمطلوبة من الزواج، وهذا هو ما أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (1) رحمه الله: وذلك لأن من حق المرأة أن تتنازل عن حقوقها أو بعضها المُقَرَّرة لها شرعًا، ومنها النفقة والمسكن والقَسْم في المَبيت ليلًا، وقد ورد في الصحيحين أن سَودة وَهَبَتْ يومَها لعائشة رضي الله عنها، ولو كان هذا غيرَ جائز شرعًا، لمَا أقره الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل شرط لا يُؤثر في الغرض الجوهريّ والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يَخِلُّ بعقد الزواج ولا يبطله.
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي برابطة العالم الإِسلامي (2) جاء فيه قرار رقم: 106 (5/ 18): بشأن عقود النكاح المستحدثة:
"يؤكد المجمع أن عقود الزواج المستحدثة وإن اختلفت أسماؤها وأوصافها وصورها لا بد أن تخضع لقواعد الشريعة المقررة وضوابطها من توافر الأركان والشروط وانتفاء الموانع، وقد أحدث الناس في عصرنا الحاضر بعض تلك العقود المبينة أحكامها فيما يأتي:
إبرام عقد زواج تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة والقسم أو بعض منها وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار.
ويتناول ذلك أيضًا إبرام عقد زواج على أن تظل الفتاة في بيت أهلها، ثم يلتقيان متى رغبا في بيت أهلها أو في أي مكان آخر، حيث لا يتوفر سكن لهما ولا نفقة.
(1) مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله (20/ 432).
(2)
قرارات المجمع الفقهي الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي بمكة المكرمة قرار رقم: 106 (5/ 18).