الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا يعلم حرمة هذا النوع من الأنكحة؛ لأنه مصادم صراحة للشريعة الإسلامية، ومما جاء بخصوص هذا النكاح ما ورد في بيان اللجنة الدائمة وهذا نصه:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية نظرت في البيانات الصادرة عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في لبنان، وعن مجلس المفتين برئاسة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ/ محمد رشيد قباني، المتضمنة رفض مشروع قانون الأحوال الشخصية الاختياري (نظام الزواج المدني) الصادر من رئاسة الجمهورية اللبنانية؛ لما يتضمنه هذا المشروع من أمور كثيرة مخالفة للشريعة الإسلامية بل وللشرائع السماوية كلها؛ حيث يسمح للمسلمة أن تتزوج بغير المسلم، وللأخ أن يتزوج أخته من الرضاع، ولا يسمح للرجل بالطلاق، ولا يجعل اختلاف الدين مانعًا من التوارث بين الزوجين، ويمنع من تعدد الزوجات، إضافة إلى أنه لا يرجع في هذا العقد إلى حكم الشرع، وإنما يرجع فيه إلى القانون المدني. وبناء على ذلك فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية تؤيد ما صدر عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وعن مجلس المفتين في لبنان من رفض هذا القانون وإبطاله شرعًا، وتحذر المسلمين منه؛ لأنه قانون مخالف للشريعة الإسلامية فلا يترتب عليه شيء من أحكام الزواج الشرعي، من حل الوطء والتوارث وإلحاق الأولاد وغير ذلك" (1).
عادة الدوطة التي في الهند:
تعريفها: الدوطة هي عادة عند نصارى الهند وهي: مال تدفعه المرأة للزوج كالمهر عند المسلمين، وإذا ماتت الزوجة تعتبر تركة تقسم قسمة الميراث. وقد صدر
(1) مجلة البحوث الإسلامية (55/ 377).
بخصوص هذه العادة قرار من المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي ومما جاء فيه: قرار رقم: 33 (4/ 7) حول تفشي عادة الدوطة في الهند.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على ترجمة خطاب الأخ عبد القادر الهندي، الذي جاء فيه قيامه في محاربة (الدوطة)، وهو المبلغ الذي تدفعه العروس في مجتمع الهند الإسلامي، مقابل الزواج، وأن يكتفي المسلمون الهنود فقط بتدوين المهر في سجل الزواج، دون أن يدفعوه إلى الزوجة فعلًا، ولقد كتبت الكثير في هذا الصدد في كثير من صحف (التاميل) الإسلامية، ثم يستطرد الأخ عبد القادر في خطابه فيقول:"ومن ثم فإن هذا الزواج حرام، كما أن المواليد الناشئين عن هذا الزواج غير شرعيين، طبقًا للكتاب والسنة".
كما اطلع المجلس على خطاب فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي الموجه إلى معالي الأمين العام للرابطة بتاريخ 16/ 3 / 1404 هـ والذي جاء فيه: "إن قضية الدوري قضية متفشية في سكان الهند، وهي قضية الهندوس بالدرجة الأولي، دخلت على المسلمين بسبب احتكاك بناخهم ببنات الهنود، ويحارب قادة المسلمين هذه العادة، وبدأت الحكومة الهندية كذلك تستبعد هذه العادة أخيرًا .. وأرى أنه يكفي لمجلسنا الفقهي إصدار فتوى وبيان حول هذه القضية، ينهى المسلمين عن اتباع عادة جاهلية ظالمة، مثل الدوري، تسربت إليهم من غيرهم، وأرجو أن قادة المسلمين في الهند جميعًا إذا بذلوا جهودهم في ذلك، لكان نجاحًا كبيرًا في إزالة هذه العادة. والله ولي التوفيق). أهـ كلامه. وبعد أن اطلع المجلس على ما ذكره قرر ما يلي:
أولًا: شكر فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي، وشكر الأخ عبد القادر على ما أبدياه نحو عرض الموضوع، وعلى غيرتهما الدينية، وقيامهما بمحاربة هذه البدعة
والعادة السيئة، والمجلس يرجو منهما مواصلة العمل في محاربة هذه العادة وغيرها من العادات السيئة، ويسأل الله لهما وللمسلمين التوفيق والتسديد، وأن يثيبهما على جدهما واجتهادهما.
ثانيًا: ينبه المجلس الأخ عبد القادر وغيره، بأن هذا الزواج -وإن كان مخالفًا للزواج الشرعي من هذا الوجه- إلا أنه زواج صحيح، معتبر شرعًا عند جمهور علماء المسلمين، ولم يخالف في صحته إلا بعض العلماء في حالة اشتراط عدم المهر. أما الأولاد الناشئون عن هذا الزواج، فهم أولاد شرعيون، منسوبون لآبائهم وأمهاتهم، نسبة شرعية صحيحة، وهذا بإجماع العلماء، حتى عند الذين لا يرون صحة هذا النكاح، المشروط فيه عدم المهر، فقد صرحوا في كتبهم بإلحاق الأولاد بآبائهم وأمهاتهم بهذا الزواج المذكور.
ثالثًا: يقرر المجلس: أن هذه العادة سيئة منكرة، وبدعة قبيحة، مخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع العلماء، ومخالِفة لعمل المسلمين في جميع أزمانهم. أما الكتاب؛ فقد قال تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]. وقال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10]. وقال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]. وغير ذلك من الآيات. وأما السنة؛ فقد جاءت مشروعية المهر في قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره؛ فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود، عن جابر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَو أنَّ رجلًا أَعطَى امرأةً صَدَاقًا مِلءَ يَدَيْهِ طَعَامًا، كانت له حَلالًا"(1). فهذا من أقواله.
وأما فعله؛ فقد جاء في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن عن عائشة قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونصف أوقية .. فهذا فعله. وأما تقريره؛ فقد
(1) رواه أحمد (3/ 355)، وأبو داود (2110) ورجح وقفه، والدارقطني (3/ 243)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 365)، والبيهقيُّ في الكبرى (7/ 238) (14149). وانظر: تلخيص الحبير (3/ 190)(1551).
جاء في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة. فقال:"ما هذا؟ ". قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. قال: "بارك الله لك". فهذا من تقريره، وهو إجماع المسلمين وعملهم، في كل زمان ومكان، ولله الحمد.
وبناء عليه فإن المجلس يقرر: أنه يجب أن يدفع الزوج لزوجته صداقًا سواء كان الصداق معجَّلًا، أو مؤجلًا، أو بعضه معجل وبعضه مؤجل، على أن يكون تأجيلًا حقيقيًّا يراد دفعه عند تيسره، وأنه يحرم أن يجرى الزواج بدون صداق من الزوج لزوجته. ويوصي المجلس بأن السنة: تخفيف الصداق وتسهيله، وتيسير أمر النكاح، وذلك بترك التكاليف والنفقات الزائدة، ويحذر من الإسراف والتبذير؛ لما في ذلك من الفوائد الكبيرة.
رابعًا: يناشد المجلس العلماء والأعيان والمسؤولين في الهند وغيرهم، محاربة هذه العادة السيئة (الدوطة)، وأن يجدوا ويجتهدوا في إبطالها وإزالتها من بلادهم، وعن ديارهم، فإنها مخالفة للشرائع السماوية، ومخالفة للعقول السليمة، والنظر المستقيم.
خامسًا: أن هذه العادة السيئة -علاوة على مخالفتها للشرع الإسلامي- هي مضرة بالنساء ضررًا حيويًّا، فالشباب لا يتزوجون عندئذ إلا الفتاة التي يقدم أهلها لهم مبلغًا من المال يرغبهم ويغريهم، فتحظى بنات الأغنياء بالزواج، وتقعد بنات الفقراء دون زواج، ولا يخفي ما في ذلك من محاذير ومفاسد، كما أن الزواج عندئذ يصبح مبنيًّا على الأغراض والمطامع المالية، لا على أساس اختيار الفتاة الأفضل والشاب الأفضل.
والمشاهد اليوم في العالم الغربي أن الفتاة غير الغنية تحتاج أن تقضي ربيع شبابها، في العمل والاكتساب، حتى تجمع المبلغ الذي يمكن به ترغيب الرجال في الزواج منها،