الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا مراء في أن هذا التوثيق أدعى في هذا العصر الذي تعقدت فيه المشكلات، وتعددت فيه أسباب النزاع مما يقتضي توثيق العقود بالكتابة، ولا مراء في أن لهذا التوثيق منافع عدة، منها إمكانية حفظ العقد المكتوب مدة طويلة وغير محدودة، ومنها سهولة الرجوع إليه عند النزاع مما لا يتوافر في الشهود، ومن هذه المنافع أيضًا معرفة الأمة لتاريخها وتسلسل أجيالها، وحفظ أنسابها، ناهيك عما يستلزمه تخطيط تنميتها واقتصادها من توثيق زيجاتها.
فالإلزام بتسجيل عقود الزواج هو من "باب السياسة الشرعية" التي يمكن لولي الأمر إلزام رعيته بها لما يراه في ذلك من مصالح، فالتوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية؛ خشية الجحود وحفظًا للحقوق، وحذرت من مخالفته لما له من نتائج خطيرة من النكران.
وإذا كان الزواج العرفي زواجًا صحيحًا استوفى شروطه، فللحاكم المعاقبة على عدم توثيق عقد الزواج؛ لأنه خالف أمرًا أوجب الله طاعته فيه لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
رابعًا: حكم الزواج العرفي:
من مقاصد الشريعة المطهرة العظمى حماية حقوق الفرد والمجتمع، والمحافظة على الأنساب، وأخذ كل الاحتياطات لمنع اختلاطها. من أجل كل ذلك وضعت للزواج الشرعي شروطا وضوابط؛ لحماية حق الرجل والمرأة والولد.
فاشتراط الولي والشهود والإشهار للزواج هو لحماية الزوج أن ينسب إليه ولد هو منه براء في الحقيقة، وحماية للمرأة أن ينكر الرجل -متى شاء- ولده منها، وحماية للولد أن ينتفي منه أبوه متى حلا له ذلك. ولعل الحكمة من هذه الشروط والضوابط
الشرعية يدركها جليًّا من تساهلوا في الأخذ بها، فحصل ما حصل من مشاكل متشابكة وضياع للحقوق وظلم للآخرين.
لذلك فالواجب على المسلمين جميعًا أن يلتزموا بشرع الله تعالى، ويحكموه في كل أمور حياتهم ليسعدوا في الدنيا والآخرة.
فالزواج الصحيح شرعًا: هو ما اجتمعت فيه شروط الصحة، وانتفت عنه موانعها، وبناءً على ذلك نقول:
1 -
إذا كان الزواج قد حصل بدون علم الولي وموافقته فهو باطل على الصحيح خلافًا للحنفية الذين لم يشترطوا وجود الولي في الزواج؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ
…
" (1). فالواجب أَن يفرّق بين الرجل والمرأة، ويفسخ العقد لبطلان هذا النكاح، فإن وافق الولي على زواج هذا الرجل من تلك المرأة بعد ذلك، فليكن بعقد جديد بعد ما تستبرئ المرأة، إن كان هذا الرجل قد وطئها.
2 -
إذا اكتملت الشروط المطلوبة لصحة النكاح إلا أنه لم يحصل إعلان وإشهار له، فإن كان ذلك عن غير تواطؤ من الأطراف المعنية فهو صحيح، وعليهم أن يعلنوه ويشهروه؛ ليبتعد عن مشابهة الزنا في صفاته. أما إن كان عدم الإشهار حاصلًا عن تواطؤ، فإن النكاح مختلف فيه بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يفسخ لمشابهته للزنا من حيث التواطؤ على الكتمان. ومنهم من قال: إنه صحيح لا يفسخ لتوافر شروط الصحة فيه، فهو مثل ما لم يحصل فيه تواطؤ على كتمانه.
(1) رواه الإمام أحمد (6/ 47)، وأبو داود في النكاح، باب في الولي (2083) والترمذيُّ في النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (1102)، وابن ماجه في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي (1879)، عن عائشة رضي الله عنها، وحسنه الترمذيُّ، وصححه ابن حبان (4074)، والحاكم (2/ 168)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.