الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالضوابط التي سبق بيانها؛ لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل، فليس لمخلوق المنع، أو الإلزام به على وجه العموم والإطلاق. وللقاضي التدخل في الحالات التي يقع فيها إشكال، فيمنع ما يراه غير مناسب، ويمضي ما يراه مناسبًا.
اشتراط الولي على الزوج ألا يتزوج على ابنته زوجة ثانية:
قد تشترط المرأة أو يشترط وليها على الزوج ألا يتزوج على ابنته زوجة ثانية، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فذهب بعضهم إلى ثبوت هذا الشرط، فمتى اشترطت الزوجة عند الخطبة مثلًا أو عند العقد أن لا يتزوج عليها أخرى فلها ذلك، ووجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم:"أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلتُمْ بِهِ الفُرُوجَ"(1). فإذا خالف الزوج فتزوج عليها أخرى فإنه من حقها أن تفسخ النكاح، ويكون المهر لها، ويمضي العقد على الوجه الذي تمّ بينهما.
وقال بعض أهل العلم: هذا الشرط باطل والعقد صحيح، لما فيه من مخالفة ما أباح الله من التعدد، فالله تعالى أحل للمسلم تعدد الزوجات، قال الله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ في كِتَابِ اللهِ فَهْوَ بَاطِلٌ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِئة شَرْطٍ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وأوثَقُ"(2)
فالله ندب إلى تعدد الزوجات ورغب في ذلك؛ لأن هذا من الرفق بالنساء، فالمرأة قد تكون عانسة، أو مطلقة، أو مات عنها زوجها فتضم إلى بيت من البيوت
(1) رواه البخاري في الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح (2721)، ومسلمٌ في النكاح، باب الوفاء بالشروط في النكاح (1418)، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري، كتاب الشَّروط: باب الشرط في الولاء، رقم (2561، 2562)، ومسلمٌ، كتاب العتق: باب إنما الولاء لمن أعتق، رقم (1504)، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
تحت رجل يستر عرضها، ويقوم على شأنها ويرفق بها، فإذا اشترطت عليه هذه المرأة أو وليها مثل هذا الشرط فقد آذت المسلمين وأضرت بهم، بل وأضرّت بالزوج أيضًا فقد يقع في الحرام، وهذا موجود في بعض البيئات التي يرون نفاذ هذا الشرط فإنها تقع فيهم مصائب عظيمة، ثم إن الرجل يتزوج المرأة وتشترط عليه ذلك ثم تنجب له الأولاد، وقد يذهب جمالها فيخاف على نفسه الحرام وقد يصيبها شيء من العاهات والآفات فيخاف على نفسه الحرام، فلا يستطيع أن يطلقها ولا يستطيع أن يتزوج عليها، وإذا بقي ربما يقع في الحرام، فهذا الشرط لا شك أنه يضر بالزوج ويضر بالمرأة ويضر بالنساء، فمن باب الرفق بالجميع أنه لا يعتبر هذا الشرط ولا يعتد به، وإن كان هناك من خالف.
ومع ذلك فإننا نرى أنه إذا رضي الزوج بهذا الشرط فيلتزم به ويحاول إقناع زوجته بالتنازل عنه؛ لا سيما إذا حصلت عوارض تقتضي ذلك ليتم الأمر برضاها وموافقتها؛ لئلا تحصل مشاكل تضر بالأسرة وتنقلب الراحة والسكن إلى جحيم لا يطاق، فإن لم ترض ولم توافق فيثبت لها حق الفسخ وزواجه صحيح.
وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: "أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلتُمْ بِهِ الفُرُوجَ"(1)، فالجواب عليه بأن هذا إنما يكون بشرط أن يكون موافقًا لشرع الله لا معارضًا له، فمثلًا: لو اشترطت عليه أن يكون لها بيت داخل المدينة، فهذا شرط استحلَّ به الفرج فلا بد أن يفي لها، أو يشترط وليها فيقول: أشترط أن تؤثث بيتها من الفراش الفلاني، أو أن تكون لها شقة، فيشترط شروطًا في كتاب الله وفيها رفق بالمرأة، وفيها أيضًا رفق بالزوج، فإذا كان على هذا الوجه فهذا من كتاب الله وموافق لشرع الله.
(1) سبق تخريجه، (ص: 58).