الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوازل في الفرقة بين الزوجين
نشوز المرأة من أجل طلب الخلع:
قد يحصل سوء معاشرة من الرجل لزوجته فلا يعاشرها بالمعروف وذلك بأن جفاها أو ترفع عليها، أو قصر فيما وجب لها عليه من نفقة أو بيت مثلًا، أو توقع من نفسه حصول ما يسوؤها، فإن لم يكن ذلك عن إساءة منها إليه، فهذا نوع نشوز منه لها، والواجب عليه أن يمسك عن ذلك، ويعاشرها بمعروف أو يفارقها بإحسان، ولا يجوز له أن يعضلها أو يضارها ليأخذ منها شيئًا أو لتتنازل له عن بعض حقوقها، لقوله تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، وقوله:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]. وللزوجة إذا تحققت من زوجها النشوز أو الإعراض عنها، أو توقعت ذلك منه، ورغبت في البقاء معه لمصلحة تراها: أن تصالح زوجها على التنازل عن بعض حقوقها عليه، أو على مال تدفعه إليه ليبقيها في عصمته، لقوله تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]. ولقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. ولأن سودة تنازلت عن ليلتها لعائشة لتبقى زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأقر ذلك، ولا حرج على الزوج فيما تصالحا عليه إلا أن يكون عن مضارة منه لها (1).
فإذا كانت المرأة هي التي نشزت فتركت الحقوق التي ألزمها الله بها لزوجها دون أن يكون منه إليها ما يسوؤها وعظها ثم هجرها ثم أدبها، فإن أطاعته عاشرها بالمعروف، وإلا جاز له أن يضارها حتى تفتدي نفسها منه، فيطلقها أو يخالعها على
(1) أحكام الخلع في الفقه الإِسلامي، تقي الدين الهلالي، (ص: 62).
عوض، سواء كان نشوزها ترفعًا عليه، أم امتناعها من فراشه، أم قولها له: لا أغتسل لك من جنابة، ولا أطأ لك فراشًا، ولا أبر لك قسمًا، أم كان خروجًا من بيته بغير إذنه، أم تمكينًا لأحد من فراشه، أم زناها، إلى غير هذا مما يدل على سوء العشرة. لكن قد تسوء العشرة بين الزوجين ولا تتمكن المرأة من التخلص من زوجها إلا عن طريق المحاكم الشرعية، فما الذي ينبغي على القاضي مراعاته عند وصول الأمر إليه؟ نقول: لقد صدر بذلك قرار من هيئة كبار العلماء (1)؛ ومما جاء فيه بخصوص هذه النازلة:
قرار هيئة كبار العلماء رقم (26)، وتاريخ: 21/ 8 / 1394 هـ:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فبناء على ما تقرر في الدورة الرابعة لهيئة كبار العلماء من اختيار موضوع النشوز ليكون من جملة الموضوعات التي تعد فيها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحوثًا، أعدت في ذلك بحثًا، وعرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الخامسة المنعقدة بمدينة الطائف فيما بين الخامس من شهر شعبان عام 1394 هـ والثاني والعشرين منه.
وبعد اطلاع المجلس على ما أعد من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها، وبعد تداول الرأي في ذلك قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
أن يبدأ القاضي بنصح الزوجة، وترغيبها في الانقياد لزوجها، وطاعته، وتخويفها من إثم النشوز وعقوبته، وأنها إن أصرت فلا نفقة لها عليه، ولا كسوة، ولا سكنى، ونحو ذلك من الأمور التي يرى أنها تكون دافعة للزوجة إلى العودة لزوجها، ورادعة لها من الاستمرار في نشوزها، فإن استمرت على نفرتها وعدم الاستجابة عرض عليهما الصلح، فإن لم يقبلا ذلك نصح الزوج بمفارقتها، وبين له أن
(1) أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (1/ 655).