الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ- إذا كان النكاح العرفي قد تم بإيجاب من الولي وقبول من الزوج، وشهد عليه شاهدان على الأقل، وجرى الإعلان عنه، فهذا زواج شرعي صحيح وإن لم يسجل في الدوائر الرسمية، ولم تصدر به وثيقة رسمية.
ب- العقد العرفي الذي تمّ بإيجاب وقبول بين الرجل والمرأة من غير ولي ولا شهود ولا إعلان فهو زواج باطل باتفاق أهل العلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما نكاح السر الذي يتواصون بكتمانه ولا يشهدون عليه أحدًا؛ فهو باطل عند عامة العلماء، وهو من جنس السفاح، قال الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] "(1). وهذا النوع لا يجوز في هذه الحالة تسميته بالزواج العرفي.
ج- إذا تم عقد النكاح العرفي بإيجاب من الولي وقبول من الزوج، وشهد عليه شاهدان، وتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم إذاعته، فهذا زواج باطل عند بعض الفقهاء، وذهب الجمهور إلى صحة العقد الذي شهد عليه شاهدان وإن تواصى الجميع بكتمانه؛ لأن السرية عندهم تزول بالإشهاد، وإشهاد رجلين هو الحد الأدنى للإعلان الذي يصح به النكاح.
ثالثًا: نظرة في تاريخ توثيق العقود بالكتابة:
اكتفى المسلمون في سابق عصورهم بعقد الزواج بألفاظ مخصوصة، وتوثيقه بالشهادة، ولم يروا آنذاك حاجة لتوثيقه بالكتابة، ومع تطور الحياة وتغير الأحوال، وما يحتمل أن يطرأ على الشهود من عوارض الغفلة والنسيان والموت، وما يقتضيه واقع الحال في تدوين كافة العقود المتعلقة بأحوال الناس وتوثيقها أصبحت هناك حاجة لتوثيق عقود الزواج بالكتابة، مما اقتضى النص في العديد من القوانين على
(1) مجموع الفتاوى (33/ 158).
الإلزام بالتوثيق، وفق تنظيم معين.
ابتدأت كتابة العقود عند المسلمين عندما بدؤوا يؤخرون المهر أو شيئًا منه، وأصبحت هذه الوثائق التي يدون فيها مؤخر الصداق أحيانًا وثيقة لإثبات الزواج.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لم يكن الصحابة يكتبون (صداقات) لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخّروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة تطول وينسى صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له"(1).
وفي العصر الحاضر ألزمت قوانين الأحوال الشخصية بتسجيل عقود الزواج.
ولتوثيق العقود عمومًا منافع كبيرة، وقد شرعه الله لمصلحة عباده حفظًا لحقوقهم، وقد وثّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من معاملاته ومراسلاته، وأمر بالكتابة في الصلح مع المشركين، وتوالى التوثيق بالإشهاد والكتابة منذ عهده، وعهد من بعده صلى الله عليه وسلم استشعارًا منهم لأهميته.
أما عن توثيق عقد الزواج فقد دلت السنة على وجوب توثيقه بالشهادة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، وقد أخذ بهذا جمهور الفقهاء، أي أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، والعلة في وجود الإشهاد على الزواج واضحة في كونها تدل على إشهاره وإعلانه عن طريق النقل والتسامع بين الناس مما ينفي التهمة ويحفظ حقوق الزوجة والأولاد، ودفع احتمالات الإنكار. ومما سبق يظهر بجلاء أهمية التوثيق في الشريعة الإسلامية سواء منه ما كان بالشهود أو بالكتابة. وإذا كان التوثيق بالشهود سببًا لإشهار الزواج وإعلانه فإن توثيقه بالكتابة سبب أيضًا لإشهاره وإعلانه.
(1) مجموع الفتاوى (32/ 131).