الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقوق الأيتام على الأوصياء:
حينما كانت الشريعة الإِسلامية هي السائدة في المجتمعات الإِسلامية كانت حقوق الأوصياء من الأيتام وغيرهم محفوظة مصانة، وهذا ناتج عن وجود الوازع الديني عند الأوصياء أو لوجود الحكومات الرادعة للأوصياء الذين يجنون على حقوق الأيتام، ولكثرة المشاكل بخصوص هذا الأمر فلا بد من بيان بعض ما يلزم الأوصياء تجاه القصر والأيتام؛ فمن هذه الأمور:
أولًا: من مقتضيات الولاية على النفس: أن الولي أو الوصي مسؤول عن رعاية من هم تحت ولايته من تعليم، وتأديب، وتطبيب، وتزويج، وتعلم حرفة، أو صنعة ونحو ذلك.
ثانيًا: من مقتضيات الولاية على المال: الحفاظ على أموال القصّر والأيتام، وتنميتها بالطرق المشروعة، والحرص على استثمارها بنفسه، أو بأيد أمينة، والنفقة على القاصر تكون من ماله -إن كان له مال- وإلا فنفقته على من تجب عليه نفقته.
ولا تقف المسؤولية عند هذا الحد، ولكن الولي أو الوصي مسؤول عن تصرفات الصغير وما ينشأ عنها من أضرار تلحق بالآخرين، والمسؤولية تعني: التزام الولي أو الوصي بالتعويض عن ضرر يصيب الآخرين ضررًا ماليًّا واقعًا فعلًا، يمس المال أو النفس أو الأعضاء؛ بسبب فعل الذين تحت الولاية أو الوصاية.
هذا خلاصة ما جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة (1).
تفضيل الابن الذي يعمل في تجارة أبيه دون إخوته:
يحدث كثيرًا أن أحد الأبناء يعمل مع والده في تجارته أو مصنعه أو مزرعته
(1) قرارات المجمع الفقهي الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي بمكة المكرمة قرار رقم: 75 (1/ 14).
أو غير ذلك، ويكون لهذا الابن دور واضح في تنمية أموال أبيه دون بقية إخوته، فهل يجوز لهذا الوالد أن يخص هذا الولد بشيء من المال في مقابل عمله معه؟
نقول: الوالد في هذه المسألة مخيّر بين واحد من ثلاثة أمور هذا في حال وقوع الحالة، ولكن الأولى هو الاتفاق على ما للابن من نسبة بحيث يكون شريكًا منذ البداية، ويكون ذلك مكتوبًا لئلا يقع الاختلاف:
الأول: أن يعامل الابن في هذه الحالة معاملة الأجنبي بدون محاباة، فيقدر لهذا الابن جهد أمثاله في عمل مشابه لعمل أبيه، فيقوم اثنان أو أكثر من أهل الخبرة والمعرفة بتقدير جهد المثل للابن عن اشتغاله مع أبيه، وبالتالي يكون الابن شريكًا لأبيه في المحل التجاري حسب النسبة التي يقدرها أهل الخبرة كالربع أو الثلث أو غير ذلك، وبناءً على ذلك إذا توفي الأب فإن حصة الأب من المحل التجاري تكون حقًّا للورثة، ويكون الابن الأكبر أحد الوارثين.
الثاني: أن يقدر أهل الخبرة والمعرفة للابن الذي عمل مع أبيه أجر المثل فيعامل مثل العامل الأجنبي، فيعطى الابن أجرًا مماثلًا لأجر عامل يقوم بمثل عمله، فيصرف له ذلك الأجر، وفي حال وفاة الأب كان الابن الذي عمل مع أبيه كغيره من الورثة.
الثالث: أن ينصف الأب ابنه الذي عمل معه بأن يخصه بعطية من المال تقابل عمل الابن معه بشرط أن تنفذ العطية حال حياة الأب ولا تكون مضافة لما بعد الموت، وهذا الأمر جائز شرعًا على القول الصحيح، وهو قول جماعة من أهل العلم وغير مخالف لمبدأ العدل في العطايا والهبات للأبناء، فقد قرر جماعة من الفقهاء جواز تخصيص أحد الأبناء بالهبة لسبب مشروع، قال ابن قدامة رحمه الله: "يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل
…
فإن خص بعضهم لمعنىً يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى، أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها.
فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل أو التخصيص على كل حال؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل بشيرًا في عطيته، والأول أولى إن شاء الله؛ لحديث أبي بكر رضي الله عنه، ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية، فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة
…
" (1).
ومما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة السعودية: "المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي؛ لكون أحدهم مقعدًا أو صاحب عائلة كبيرة أو لاشتغاله بالعلم، أو صرف عطية عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه
…
" (2).
فالقول بجواز تفضيل بعض الأولاد لمسوغ شرعي لا بأس به، ولا يخالف الأدلة الواردة في وجوب العدل بين الأولاد في العطية، أما حديث النعمان بن بشير وقول النبي صلى الله عليه وسلم له:"اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا في أَوْلَادِكُمْ"(3). فهذا الحديث وغيره من الأحاديث الأخرى تحمل على التفضيل بين الأولاد لغير مسوغ شرعي، أما إذا وجد مسوغ شرعي فلا حرج.
(1) المغني (6/ 51 - 53).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة (16/ 193).
(3)
رواه البخاري في كتاب الهبة، باب الإشهاد في الهبة (2587)، ومسلمٌ في الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة (1623) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.