الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبناءً على ما تقدم؛ فإن كثيرًا من الناس الذين يسبون الدين والرب في بلاد المسلمين وتجري هذه الكلمة على ألسنتهم، لا نستطيع أن نحكم عليهم بالكفر وفسخ زواجهم؛ لأن هؤلاء يجهلون ما يترتب على التلفظ بالسب والشتم من نتائج، وكذلك فإن السب والشتم يصدر منهم من غير قصد ولا إرادة، وما كان كذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ عليه كما في يمين اللغو التي يتلفظ بها الإنسان، ولكنه لا يقصد اليمين فهو غير مؤاخذ بذلك، يقول الله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89].
ولا يفهمنَّ أحدٌ أن في هذا الكلام تهوينًا من هذه الجريمة المنكرة والعادة القبيحة ألا وهي سب الدين والذات الإلهية والرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى من وقع منه ذلك أن يتوب إلى الله توبة صادقة، وأن يكثر من الاستغفار ومن فعل الخيرات، فلعل الله أن يتوب عليه، يقول سبحانه وتعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
إرسال طلاق الزوجة برسالة الجوال:
لقد تعددت وسائل الاتصال الحديثة، وتعددت نظرة الناس في الانتفاع بها، فمنهم من استخدمها بطريقة سليمة، فاستفاد منها وأفاد، ومنهم من استخدمها بطريقة غير سليمة فأضر بنفسه وأضر غيره، ومن هذه الوسائل رسائل الجوال، فكم كانت هذه الرسائل وسيلة فعالة في الإصلاح، وعلى العكس من ذلك كم كانت هذه الرسائل سببًا في ضياع الأسر والمجتمعات ومن ذلك مسألة الطلاق، فكم نسمع أن فلانًا قد أرسل رسالة لزوجته على سبيل المزح أنه طلقها، فما أن تقرأ الزوجة رسالة زوجها إلا وتصاب بالفزع والبكاء ظنًّا منها أن زوجها قد فارقها، فبينما هي على هذه الحالة إذا بزوجها يذهب إلى بيته لينظر أثر هذه الرسالة على زوجته، فحينما يرى
حالة زوجته إذا به يقول لها إني كنت أمزح، فما مدى مشروعية هذا الفعل؟ وهل تعد زوجته طلقت بهذا الفعل؟
نقول أولًا: إن من يفعل هذا العمل لا شك أنه أتى بأمر لا يجوز شرعًا وهو ترويع هذه المرأة، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ترويع المسلم لأخيه المسلم، ولو مازحًا، كما في حديث عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَا لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصا أَخِيهِ فَليَرُدَّهَ"(1).
وفي حديث ابن أبي ليلى قال: "حدثنا أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" (2). فإذا كان هذا في حق من ليس بينك وبينه قرابة نسب، فكيف بمن يكون بينك وبينه نسب؟ بل فكيف لو كانت هذه زوجتك؟
ثانيًا: أما عن حكم هذا الطلاق فنقول لا يقع طلاق الرجل لامرأته بمجرد النية، فإذا أظهر نيته على لسانه بالنطق -أو بالإشارة المفهمة للأخرس- أو بالكتابة سواء على ورقة أو على رسائل الجوال أو بالبريد الإلكتروني، فإن كل ذلك يجعل الطلاق واقعًا، على أن تكون الكتابة ثابتة عنه؛ لأن مجال التزوير في هذه الأمور سهل ومتيسر.
ثالثًا: لا خلاف بين العلماء في وقوع طلاق الجاد:
(1) رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح (5003)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2808).
(2)
رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح (5004)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2805).
وأما الهازل، فإذا طلق طلاقًا صريحًا:(أنت طالق) بالقول لا بالكتابة فقد ذهب جمهور العلماء إلى وقوعه، واستدلوا بما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلهُنَّ جِدٌّ: النكِّاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ"(1).
رابعًا: وأما كتابة الطلاق، سواء كتبه الزوج على ورقة أو على رسالة بالهاتف المحمول أو البريد الإلكتروني، فلا يقع بها الطلاق حتى ينويه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل كتب طلاق امرأته على ورقة ثم دفعها إليها.
فأجاب: "هذا الطلاق غير واقع على المرأة المذكورة إذا كان لم يقصد به طلاقها، وإنما مجرد الكتابة أو أراد شيئًا آخر غير الطلاق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" (2) الحديث. وهذا قول جمع كثير من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الجمهور، لأن الكتابة في معنى الكناية، والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية في أصح قولي العلماء، إلا أن يقترن بالكتابة ما يدل على قصد إيقاع الطلاق فيقع بها الطلاق"(3) أ. هـ.
وبناءً على ما ذكرناه يمكننا أن نقول: يشترط لحصول الطلاق عن طريق الجوال أو أجهزة الإرسال الحديثة ما يلي:
1 -
أن يكون الزوج هو مرسل الرسالة، أو من وكله الزوج بذلك وكالةً خاصة.
2 -
أن يكون لدى الزوج النية والعزم على تطليق زوجته كأن تكون الرسالة
(1) رواه أبو داود في الطلاق، باب في الطلاق على الهزل (2194)، والترمذيُّ في الطلاق، باب ما جاء في الجد والهزل والطلاق (1184)، وابن ماجه في الطلاق، باب من طلق أو نكح
…
(2039) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذيُّ:"حسن غريب"، وحسنه الحافظ في التلخيص (3/ 210).
(2)
رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم (1)، ومسلمٌ، كتاب الإِمارة، باب قوله:"إِنما الأعمال بالنيات"، رقم (1907) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3)
فتاوى إسلامية (3/ 278).