الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عودتها إليه أمر بعيد، ولعل الخير في غيرها ونحو ذلك مما يدفع الزوج إلى مفارقتها، فإن أصر على إمساكها وامتنع من مفارقتها، واستمر الشقاق بينهما، بعث القاضي حكمين عدلين ممّن يعرف حالة الزوجين من أهلهما حيث أمكن ذلك، فإن لم يتيسر فمن غير أهلهما ممّن يصلح لهذا الشأن، فإن تيسر الصلح بين الزوجين على أيديهما فبها، وإلا أفهم القاضي الزوج أنه يجب عليه مخالعتها، على أن تسلمه الزوجة ما أصدقها، فإن أبى أن يطلق حكم القاضي بما رآه الحكمان من التفريق بعوض أو بغير عوض، فإن لم يتفق الحكمان، أو لم يوجدا وتعذرت العشرة بالمعروف بين الزوجين نظر القاضي في أمرهما، وفسخ النكاح حسبما يراه شرعًا بعوض أو بغير عوض
…
" إلى أن قالوا: "فإن بقاءها ناشزًا مع طول المدة أمر غير محمود شرعًا؛ لأنه ينافي المودة والإخاء، وما أمر الله من الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، مع ما يترتب على الإمساك من المضار والمفاسد والظلم والإثم، وما ينشأ عنه من القطيعة بين الأسر، وتوليد العداوة والبغضاء".
سب الدين وأثره على النكاح:
من الأمور المقلقة والمنكرة انتشار سب الدين وسب الرب في بعض البلاد الإِسلامية، وهذه الظاهرة المنكرة تحتاج إلى علاج شامل لتستأصل من أوساط الناس وعلاج هذه الظاهرة يحتاج إلى تضافر الجهود من أئمة المساجد والخطباء والمربين والمدرسين والآباء والأمهات وغيرهم.
ولا بد أن نغرس معاني الإيمان في نفوس أبنائنا وبناتنا، ونعلمهم أن سب الدين وشتم الذات الإلهية من نواقض الإيمان.
والأسرة والبيت لهما دوركبير في ذلك وكذلك المدرسة؛ فالمربون من المدرسين والمدرسات عليهم واجب كبير في هذه القضية، خاصة نحو صغار الأطفال الذين
قد يسمعون هذه الشتائم لأول مرة في المدرسة من زملائهم أو في الشارع.
ويجب أن يعلم أن العلماء قد بينوا أن سب الدين أو سب الرب أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم يُعد كفرًا مخرجًا من الملة وهو ردة عن دين الإِسلام إذا كان الساب يعلم ما يصدر عنه حتى لو كان مستهزئًا. يقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66].
قال القاضي عياض رحمه الله: "لا خلاف أن سابَّ الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم"(1).
ونقل شيخ الإِسلام عن إسحق بن راهوية قوله: "أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئًا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيًّا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك، وإن كان مقرًّا بكل ما أنزل الله"(2).
إذا تقرر أن سب الذات الإلهية وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الدين كفر مخرج من الملة، فيجب الانتباه إلى الفرق بين كون الشيء كفرًا وتكفير الشخص الذي حصل منه ذلك بعينه، فلا نستطيع أن نحكم بكفر إنسان إذا صدر منه ما يقتضي كفره إلا بعد أن نتثبت من عدم وجود موانع التكفير وهي الخطأ والجهل والعجز والإكراه.
وخلاصة الأمر أن سب الدين والرب ردة في حق من ارتكبه عامدًا قاصدًا عالمًا به غير جاهل ولا مكره. وأما من لم يتحقق فيه ذلك فهو مرتكب لذنب عظيم وعليه التوبة بشروطها ولا يفسخ زواجه (3).
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 267).
(2)
الصارم المسلول على شاتم الرسول، (ص: 9).
(3)
للمزيد من الحصول عن فقه هذه النازلة: يمكن الرجوع إلى كتاب إسلام أحد الزوجين ومدى تأثيره على عقد النكاح، عبد الله بن يوسف الجديع.