الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 15
الأمر الذي أريد به جواز التراخى بدليل أو بمقتضاه عند من يراه إذا مات المأمور به بعد تمكنه منه وقبل الفعل لم يمت عاصيا عند الأكثرين.
وقال قوم يموت عاصيا واختاره الجوينى في مسألة الفور والتراخى.
وحكى الأول مذهب الشافعى والمحققين من أصحابه.
وحاصل ذلك يرجع إلى من أبيح له فعل شيء أو تركه فإنه لا يترتب عليه شيء إذا تقرر هذا فمن فروعه القاعدة.
إذا مات من أبيح له التأخير في أثناء وقت الصلاة قبل الفعل وقبل ضيق الوقت وتمكن من الأداء فهل يموت عاصيا أم لا في المسألة وجهان للأصحاب أصحهما العصيان وأبداه أبو الخطاب في انتصاره قال لأنه إنما يجوز له التأخير بشرط سلامة العاقبة.
ومنها: إذا ضرب المستأجر الدابة أو الرائض بقدر العادة أو شجها1 فتلفت لم يضمنها وكذلك المعلم إذا ضرب الصبى أو الزوج امرأته في النشوز لإباحة ذلك له ونص أحمد في الرجل يؤدب ولده أو السلطان رعيته بضرب العادة أو ق قطع ولى الصغير سلعة2 لمصلحته إنه لا ضمان عليه كما لو مات المحدود في الحد.
ومنها: لو ذكرت امرأة عند السلطان بسوء فأرسل ليحضرها فماتت
1 أي جرحها: وفي الأصل: كجها. ولا يستقيم المعنى به.
2 هي: زيادة تحدث في الجسد مثل الغدة وقال الأزهري: هي الجدرة تخرج بالرأس وسائر الجسد تمور بين الجلد واللحم إذا حركتها لسان العرب "3/2066".
فزعا فهل يضمنها أم لا؟
في المسألة وجهان ذكرها غير واحد من الأصحاب وكذلك الوجهان لو استعدى عليها رجل بالشرطى في دعوى له فماتت فزعا غهل يضمنها المستعدى أم لا وقال صاحب المغنى يضمنها إن كان ظالما لها وإن كانت هى الظالمة فلا يضمنها.
قلت: والذي قاله المغنى بأنه يضمنها إن كان ظالما لها فلا تردد فيه وإن لم يكن ظالما فهذا ينبغى أن يكون محل الخلاف والله أعلم.
وأما جنينها فمضمون نص عليه الإمام أحمد لأن موت الجنين بسبب المعتدى أو المرسل أشبه ما لو اقتص منها.
ولنا قول بعدم الضمان لأن المرسل غير متعد.
ومنها: لو وقفت دابة في طريق واسع فأتلفت شيئا فهل يضمن مالكها أم لا؟
في المسألة روايتان عدم الضمان لأنه غير متعد بالضمان لأن الوقوف مشروط بسلامة العاقبة.
قلت: هكذا وجه غير واحد من الأصحاب هذه الرواية وليس ذلك بجار على أصولنا والله أعلم.
قال الحارثى والأقوى نظرا عدم الضمان حالة القيام في الطريق كما أورد القاضى وغيره دون حالة الربط وإن كان صاحب التلخيص صرح بالخلاف في الربط فإن الربط عدوان محض لوقوعه في غير ملك ولأن القدر الذي يملكه هو المرور فالربط غير مستحق وأما القيام فليس عدوانا فلا يصير به ضامنا.
هذا ما لم تكن الجناية خلقا للدابة فإن كانت خلقا لها فهى كالعقور.
قلت: قول الحارثى القدر الذي يملكه هو المرور فالربط غير مستحق يرد عليه في القيام فإن القيام ليس بمرور ويصير عدوانا فيضمن.
ومنها: لو حفر بئرا في طريق واسع لنفع المسلمين ففي المسألة طريقان.
أحدهما إن كان بإذن الإمام جاز وإن كان بدون إذنه فروايتان على الإطلاق قاله أبو الخطاب وصاحب المغنى إذ البئر مظنة العطب وحيث قلنا بالجواز فلا ضمان صرح به القائلون بالجواز.
ومنها: لو فعل بالمسجد ما تعم مصلحته كبسط حصير وتعليق قنديل أو نصب عمد أو باب فلا ضمان لما تلف به أذن الإمام أو متولى المسجد أو جيرانه أم لا هذا ما حكاه القاضى في الجامع الصغير1 وأبو الخطاب والشريفان أبو جعفر2 وأبو القاسم3 والسامرى في آخرين عن المذهب.
وأصله ما نص عليه الإمام أحمد من رواية ابن سنان في مسألة حفر البئر إلا أن يكون بئرا أحدثها لماء المطر فإن هذا منفعة للمسلمين فأرجوا أن لا يضمن وكذلك نصه في رواية إسحاق بن منصور كل من لم يكن له شيء يفعله في طريق المسلمين ففعله فأصاب شيئا فهو ضامن فإن المفهوم منه انتفاء الضمان بما ينشأ عن الفعل المباح وخرج أبو الخطاب وأبو الحسن بن بكروش رواية بالضمان بناء على الضمان في البئر.
قال الحارثى ولا يصح هذا التخريج لأن الحفر عدوان لإبطال حق المرور وليس كذلك ما نحن فيه.
قلت: وجه من قال بالضمان مطلقا في رواية البئر مظنة العطب.
وذكر القاضى في المجرد وكتاب الروايتين4 إن أذن الإمام فلا
1 مصنف في الفقه الحنبلي للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/206".
2 الشريف أبو جعفر: هو الفقيه الحنبلي الشريف أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد الهاشمي العباسي "421 – 470" مما صنف: "رؤوس المسائل" و"شرح المذهب" على طريقة القاضي في "الجامع الكبير" انظر طبقات الحنابلة "2/237 – 241" والذيل على طبقات الحنابلة "1/25 – 26" وشذرات الذهب "3/336".
3 وهو الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي الهاشمي العلوي الحسيني الحراني المقرئ [ت 433هـ] انظر شذرات الذهب "5/160".
4 وتمامه: "كتاب الروايتين والوجهين" للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205".
ضمان وإن لم يأذن فعلى وجهين بناء على الروايتين في البئر وتبعه ابن عقيل في الفصول على ذلك.
وقد مر الكلام في البئر مع أنهما قالا وقال أصحابنا في بوارى المسجد لا ضمان على فاعله وجها واحدا بأذن الإمام وغير إذنه لأن هذا من تمام مصلحته.
ومنها: لو جلس إنسان في المسجد أو طريق واسع وعثر به حيوان فمات فهل يضمنه أم لا؟
في المسألة وجهان أوردهما أبو الخطاب وتبعه أبو محمد المقدسي قال الحارثى ولم أر لأحد قبله هذا الخلاف.
وأصله ما مر من الروايتين في ربط الدابة بالطريق الواسع ومحله ما لم يكن الجلوس مباحا كالجلوس في المسجد مع الجنابة والحيض أو للبيع والشراء ونحو ذلك أما ما هو مطلوب كالاعتكاف والصلاة والجلوس لتعليم القرآن والسنة فلا يتأتى الخلاف فيه بوجه وكذلك ما هو مباح من الجلوس في جوانب الطرق الواسعة كبيع مأكول ونحوه لامتناع الخلاف في عدم جوازه لأنه جلس فيما يستحقه بالاختصاص فهو كالجلوس في ملكه من غير فرق وقد حكى القاضى الجزم في مسألة الطريق الواسع.
قال الحارثى وهذا التقييد حكاه بعض شيوخنا في كتبه عن بعض الأصحاب إذ لا بد منه لكنه يقتضى اختصاص الخلاف بالمسجد دون الطريق لأن الجلوس بالطريق الواسع إما مباح كما ذكرنا فلا ضمان وإما غير مباح كالجلوس وسط الحارة فالضمان واجب ولا بد.
وقد يقال هذا المعنى موجود بعينه في المسجد فالخلاف منتف أيضا.
فنقول الفرق بينهما أن المنع ثبت في الحارة لذات الجلوس فتمحض السبب بكليته عدوانا والمسجد المنع فيه لم يكن لذات المسجد بل المعنى قارنه وهو إما البيع أو الجنابة أو الحيض فلم يكن ذات السبب عدوانا وصار كمن جلس في ملكه بعد النداء للجمعة وعثر به حيوان فإنا لا نعلم قائلا بالضمان مع أن الجلوس ممنوع منه.
قلت: ويمكن أن يقال بالضمان ولو قلنا بإباحة ذلك له بناء على ما وجه به غير واحد من الأصحاب رواية الضمان إذا أوقف دابة في طريق واسع بأنه مشروط بسلامة العاقبة وهذا كذلك لكنه مخالف لأصولنا والله أعلم.
ومنها: إخراج الأجنحة والساباطات1 والخشب والحجارة من الجدر إلى الطريق إذا لم يضر به هل يجوز ذلك أم لا نص الإمام أحمد في رواية أبى طالب وابن منصور ومهنا2 وغيرهم أنه لا يجوز ويضمن ولم يعتبر إذن الإمام في ذلك كذا ذكر القاضى في المجرد وصاحب المغنى.
وقال القاضى في خلافه الأكثرون يجوزون ذلك بإذن الإمام مع انتفاء الضرر وفي شرح الهداية لأبى البركات في كتاب الصلاة إن كان لا يضر بالمارة جاز وهل يفتقر إلى إذن الإمام على روايتين.
وأما الميازيب3 ومسايل المياه فكذلك عند الأصحاب وفي المغنى احتمال بجوازه مطلقا مع انتفاء الضرر واختاره طائفة من المتأخرين.
وقال أبو العباس إخراج الميازيب إلى الدرب النافذ هو السنة.
وحيث قلنا بالجواز إما مطلقا أو بإذن الإمام فلا ضمان صرح به القائلون الجواز.
ومنها: أن سراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا ضمان جزم به الأصحاب.
ومنها: لو أريدت نفسه أو ماله أو حرمته دفع عن ذلك بأسهل ما يعلم أنه يندفع به قاله أبو محمد المقدسي والسامرى.
1 الساباط: سقيفة بين حائطين أو دارين من تحتها طريق نافذ لسان العرب "3/1923".
2 هو أبو عبد الله مهنا بن يحيى الشامي من كبار أصحاب الإمام أحمد لازمه ثلاثا وأربعين سنة إلى أن مات وروى عنه كثيرا من المسائل وهو راوي رسالة "الصلاة" عن أحمد بن حنبل والذي أورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة "1/348 – 380" انظر ترجمته في طبقات الحنابلة "1/345 – 381".
3 جميع ميزاب.
وقال في الترغيب والمحرر يدفعه بأسهل ما يعلم أنه يندفع به.
واختار أبو محمد المقدسي وغيره له دفعة بالأسهل إن خاف أن يبدره فإن قتل الدافع فهو شهيد وإن قتل المدفوع فلا ضمان فيه.
ولنا احتمال وجه قاله في الترغيب إن أمكن المدفوع الخلاص من الدافع بدخول حصن أو صعود قلعة أو جبل أو الاختفاء بزحمة وماشا كل ذلك لم يجز له دفعه بالقتل والضرب جزم به صاحب المستوعب.
وسواء كان الصائل1 آدميا أو بهيمة هكذا جزم الأصحاب به في باب الصائل فيما وقفت عليه من كتبهم وأنه حيث أبحنا له القتل فلا ضمان.
وقال أبو بكر عبد العزيز في تنبيهه إنه إذا قتل صيدا صائلا عليه الجزاء وذكر صاحب الترغيب فرعين.
أحدهما لو حال بين المضطر وبين الطعام بهيمة لا تندفع إلا بالقتل جاز له قتلها وهل يضمنها على وجهين.
الفرع الثانى لو تدحرج إناء من علو على رأسه فكسره دفعا عن نفسه بشيء تلقاه به فهل يضمنه على وجهين مع جواز دفعه.
وجزم صاحب الترغيب في باب الأطعمة أن المضطر إلى طعام الغير وصاحبه مستغن عنه إذا قتله المضطر فلا ضمان عليه إذا قلنا بجواز مقاتلته وحكى في جواز المقاتلة وجهين.
قلت: والمنع قول ابن أبى موسى والجواز قول أبى الخطاب والشيخ أبى محمد وغيرهما.
ونقل عبد الله عن أبيه أنه كره المقاتلة فهذا مشكل فإنه يلزمه على قول أبى بكر تخريج قول أنه إذا قتل إنسانا صائلا عليه أنه يضمنه كالصيد.
ثم وجدت الحارثى في كتاب الغصب خرج ضمان الصائل على قول أبى بكر في ضمان الصيد الصائل على المحرم.
1 هو المعتمد على غيره الذي يضرب الناس ويتطاول عليهم لسان العرب "4/2528".
ويلزم على الفرعين اللذين ذكرهما صاحب الترغيب أنه يخرج لنا وجه أنه إذا قتل المضطر صاحب الطعام المستغنى عنه أنه يضمنه إلا أن يفرق بفرق مؤثر فيمتنع التخريج والله أعلم.
ومنها: لو عض إنسان أنسانا فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا هذا هو المذهب وقال جماعة من الأصحاب يدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل.
ومنها: لو نظر إنسان في البيت إنسان فحذف عينه ففقأها فلا شيء عليه.
وقال بعض أصحابنا وسواء كان الباب مفتوحا أو نظر من خصاص1 الباب ونحوه وكان مغلوقا ظاهر كلام الإمام أحمد أنه يعتبر من هذا أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك وقال ابن حامد يدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل.
وقال بعض أصحابنا إذا كان في الدار نساء من محارمه ولم يكن متجردات ليس لصاحب الدار رميه وخالف صاحب المغنى في ذلك وقال ولو خلت من نساء فحذف2 عينه ونحو ذلك فهدر.
ولو كان أعمى وتسمع لم يجز طعن أذنه وأجازه ابن عقيل وقال لا ضمان فيه هكذا ذكر الأصحاب الأعمى إذا تسمع وحكوا فيه القولين.
والذي يظهر أن المتسمع البصير يلحق بالناظر على قول ابن عقيل سواء كان أعمى أو بصيرا.
ومنها: لو وطىء زوجته الكبيرة المحتملة للوطء وفتقها فإنه لا يضمنها جزم به في الهداية والمغنى والترغيب والمستوعب وغيرهم.
وههنا مسألة مشكلة وهى أن قضاء رمضان على التراخى جزم به غير واحد من الأصحاب وعزاه في الخلاف إلى نص أحمد وذكره القاضى في الخلاف في الزكاة على الفور واحتج بنصه في الكفارة.
1 خصاص الباب: كوة أو خلل أو ثقب بالباب لسان العرب "2/1173".
2 أي ضرب أو أصاب عينه لسان العرب "2/810".
فعلى قول القاضى لا إشكال وعلى قول الجمهور القضاء على التراخى ومع هذا قالوا: إذا أمكنه القضاء فلم يقض فإنه يلزمه الإطعام لكل مسكين يوم.
ومقتضى ما تقرر من قاعدة المذهب أنه لا يلزمه شيء لكن روى الإطعام عن ابن عباس باسناد جيد ورواه البيهقى بإسناد صححه عن أبى هريرة رضى الله عنه ورواه مرفوعا بإسناد ضعيف وكذلك روى طائفة من الأصحاب.