الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 51
النهى صيغة لا تفعل من الأعلى للأدنى إذا تجردت عن قرينة فهى نهى.
وقد تقدم في الأمر هل يشترط العلو والاستعلاء أو لا يشترطان فالنهى مثله.
وإطلاق النهى ماذا يقتضى؟
في المسألة مذاهب.
أحدها: الأصل في إطلاقه التحريم ثم هذا مذهبنا ونص عليه الشافعى في الرسالة في باب العلل في الأحاديث واختاره أصحابه وهو الحق.
والثانى: كراهة التنزيه وبالغ الشافعى في إنكار ذلك ذكره الجوينى في مسألة مفردة في التأويلات.
والثالث: الإباحة.
والرابع: الوقف.
والخامس: أنه للقدر المشترك بين التحريم والكراهة وهو مطلق الترك. والفرق بين هذا وبين القول بأنه للكراهة أن جواز الفعل هنا مستفاد من الأصل وفيما إذا جعل للكراهة يكون جواز الفعل مستفادا من اللفظ أيضا.
والسادس: بين التحريم والكراهة.
والسابع أنه لأحدهما لا بعينه قال بعضهم فيكون محمولا على هذا القول والقول الذي قبله.
وقد يقال على هذين القولين يرجع إلى القول بالتحريم لأن ترك الحرام واجب وهذا اللفظ مشترك بين الحرام وغيره فيجب الكف لأنه من ناب مالا يتم الواجب إلا به والله أعلم.
فوائد أصولية:
منها: نقل علي بن سعيد عن الإمام أحمد أنه قال ما أمر به النبى صلى الله عليه وسلم عندى أسهل مما نهى عنه وكذلك نقل عنه الجوينى الأمر أسهل من النهى.
قال أبو الخطاب هذا يدل على أن إطلاق الأمر يقتضى الندب وهذا احتمال أبداه أبو البركات قال وهو بعيد لمخالفته منصوصاته الكثيرة.
قال أبو البركات ويحتمل وهو الأظهر أنه قصد أنه أسهل بمعنى أن جماعة من الفقهاء فرقوا بأن الأمر للندب والنهى للتحريم والنهى للدوام والأمر لا يقتضى التكرار والله أعلم.
قلت: قال القاضى في المجرد في باب الصلاة بالنجاسة إن صلاة المأموم تبطل بترك الإمام ركنا رواية واحدة وهل تبطل بفعل الإمام منهيا عنه طرأ عليه كالحدث والكلام ونحوه على روايتين إحداهما تبطل كما تبطل بترك ركن والثانية لا تبطل قال لأن فعل المنهى عنه أخف من ترك المأمور به ألا ترى أن ترك القراءة في الصلاة يبطلها رواية واحدة؟
واختلف قوله في الكلام ساهيا هل يبطل صلاة المتكلم وإذا سبقه الحدث هل يستقبل الصلاة أم يبنى وإذا كبر دون الصف جاهلا بذلك عفي عنه وكان المنهى عنه أخف من ترك المأمور به انتهى.
قلت: وهذا عكس نص أحمد في رواية الميمونى وعلى بن سعيد والله أعلم.
ومنها: إذا قيل: الأمر يقتضي تكرار فالنهي أولى وإن قيل لا
يقتضيه الأمر فالمشهور من مذاهب العلماء أن النهي يقتضيه ونسب إلى الإمام فخر الدين أن النهي لا يقتضي التكرار كالأمر والله أعلم.
ومنها: إذا قال لا تفعل هذا مرة قال القاضى أبو يعلى يقتضى الكف مرة فإذا ترك مرة سقط وقال غيره يقتضى تكرار الترك ذكره في المسودة.
ومنها: صيغة النهى بعد سابقة الوجوب إذا قلنا إن صيغة الأمر بعد الحصر للإباحة؟
فيه وجهان:
أحدهما أنه يفيد التنزيه دون التحريم والثانى التحريم ذكرهما القاضى أبو يعلى والثانى اختاره الحلوانى وغيره وقيل الإباحة والله أعلم.
إذا تقرر هذا فإطلاق النهى هل يدل على الفساد أم لا؟
في ذلك مذاهب.
أحدها: أنه يدل على الفساد مطلقا قال أبو البركات نص عليه في مواضع تمسك فيها بالنهى المطلق على الفساد وهذا قول جماعة من الفقهاء حكاه القاضى أبو يعلى.
قال الخطابى ظاهر النهى يوجب فساد المنهى عنه إلا أن تقوم دلالة على خلافه قال وهذا هو مذهب العلماء في قديم الدهر وحديثه ذكره في الأعلام في النهى عن بيع الكلب.
والثانى: لا يدل عليه مطلقا ونقله في المحصول عن أكثر الفقهاء والآمدي عن المحققين.
والثالث: وهو المختار في الحصول والمنتخب1 وغيرهما وقاله
1 مصنف في الفقه الحنبلي لأبي الحسن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس [504 – 576هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/348".
أبو الحسين البصرى يدل عليه في العبادات دون المعاملات.
والرابع أنه يدل مطلقا في العبادات كما ذكرناه وكذلك في المعاملات إلا إذا رجع إلى أمر مقارن للعقد غير لازم له بل ينفك عنه كالنهى عن البيع يوم الجمعة وقت النداء فإن النهى إنما هو لخوف تفويت الصلاة لا لخصوص البيع إذ الأعمال كلها كذلك والتفويت غير لازم لماهية البيع.
وهذا القول قد نقله ابن برهان في الوجيز1 عن الشافعى واختاره الرازى في المعالم في أثناء الاستدلال ونقله الآمدي بالمعنى عن أكثر أصحاب الشافعى.
وحيث قلنا يدل على الفساد فقيل يدل من جهة اللغة والصحيح عند الآمدي وابن الحاجب أنه لا يدل إلا من جهة الشرع.
وفي كلام أبى البركات ما يقتضى أنه قد قيل إنه بالفعل.
وإذا قلنا النهى لا يدل على الفساد فبالغ بعضهم وقال يدل على الصحة واختار الغزالى في موضع من المستصفى هذا القول ثم قال بعد ذلك في هذا إنه فاسد والله أعلم.
فائدة:
إذا قام دليل على أن النهى ليس للفساد لم يكن مجازا لأنه لم ينتقل عن جميع موجبه وإنما انتقل عن بعض موجبه فصار كالعموم الذي خرج بعضه فإنه يبقى حقيقة فيما بقى قاله ابن عقيل.
قال وكذلك إذا قامت الدلالة على نقله عن التحريم فإنه يبقى نهيا حقيقة عن التنزيه كما إذا قامت دلالة الأمر على أنه ليس على الوجوب.
قال أبو البركات الأول مبنى على أن الفساد مدلول عليه بلفظ النهى وإلا فإن كان معلوما بالعقل أو بالشرع لم يكن انتفاؤه مجازا ولا إخراج بعض مدلول اللفظ وهكذا كل دلالة لزومية فإن تخلفها هل يجعل اللفظ مجازا أو يكون
1 "الوجيز" مصنف في أصول الفقه لأبي الفتح أحمد بن علي بن برهان الشافعي.
بمنزلة التخصيص والله أعلم انتهى.
إذا تقرر هذا فالتفريع على دلالة النهى عنه كثيرة في المذهب جدا في العبادات والمعاملات وغيرهما وفي المذهب فروع منهى عنها لم يقولوا فيها بالفساد ادعى الأصحاب أنها خرجت بدليل وفيه نظر والله أعلم.
فصل: العموم والخصوص.
جمهور العلماء على أن العرب وضعت للعموم صيغا تخصه فإن استعملت في الخصوص كان مجازا وعكس آخرون وقالوا: تلك الصيغ حقيقة في الخصوص مجاز في العموم.
وقال القاضى أبو بكر اللفظ مشترك بينهما وذهب إليه الأشعرى تارة واختار الآمدي الوقف وذهب إليه الأشعرى تارة أخرى.
وقيل بالتوقف في الأخبار والوعد والوعيد دون الأمر والنهى.
فالتوقف إما على معنى لا ندرى هل وضع له صيغة أم لا؟ وإما على معنى إنا نعلم أنه وضع إلا أنا لا ندرى أهو حقيقة في العموم والخصوص أم مجاز في أحدهما والله أعلم.