الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 21
البطلان والفساد مترادفان عندنا وعند الشافعية وقال أبو حنيفة إنهما متباينان فـ الباطل عنده ما لم يشرع بالكلية كبيع المضامين1 والملاقيح2 والفاسد ما شرع أصله ولكن امتنع لاشتماله على وصف محرم كالربا.
إذا تقرر هذا فذكر أصحابنا مسائل فرقوا فيها بين الفاسد والباطل ظن بعض المتأخرين أنها مخالفة للقاعدة.
والذي يظهر والله أعلم أن ذلك ليس بمخالفة للقاعدة.
وبيانه أن الأصحاب إنما قالوا: البطلان والفساد مترادفان في مقابلة قول أبى حنيفة حيث قال ما لم يشرع بالكلية هو الباطل وما شرع أصله وامتنع لاشتماله على وصف محرم هو الفاسد.
فعندنا كل ما كان منهيا عنه إما لعينه أو لوصفه ففاسد وباطل ولم يفرق الأصحاب في صورة من الصورتين بين الفاسد والباطل في المنهى عنه وإنما فرقوا بين الفاسد والباطل في مسائل الدليل.
منها: إذا أحرم الواطىء حال وطئه هل ينعقد إحرامه أم لا؟
كلام أبى البركات صريح في انعقاده وقال بعض أصحابنا في مسألة البيع الفاسد إنه لا يجب مضيه فيه فدل على أنه لا ينعقد فيكون باطلا.
1 بيع المضامين هو بيع في أصلاب الفحول من ماء انظر المغني لابن قدامة "4/312".
2 بيع الملاقيح: هو بيع ما في الأجنة دون الأمهات انظر المغني لابن قدامة "4/312".
ولو جامع قبل التحلل الأول فسد حجه وحكم الباطل لا يجب المضى فيه والفاسد يجب المضى فيه.
ومنها: الكتابة فإنه إذا كاتب من لا يصح العقد منه فإنها تكون كتابة باطلة ولا يتريب عليها العتق وسواء كان السيد أو العبد.
وقال القاضى إذا كاتب عبده الطفل المجنون فإنه يعتق بالأداء والمذهب خلافه وكذا لو كاتبه على عوض غير منجم1 فالعقد باطل ذكره القاضى والشريف وأبو الخطاب.
وصرح ابن عقيل بأن الإخلال بشرط النجوم يبطل العقد.
وذكر صاحب التلخيص أن الكتابة تصير فاسدة ولا تبطل من أصلها.
وأما إذا كاتبه بعوض مجهول فهى فاسدة ولا تبطل من أصلها.
ولكل واحد منهما فسخها ويحصل العتق فيها بالأداء دون الإبراء والمغلب فيها التعليق وصرح به القاضى في المجرد وابن عقيل وأبو الخطاب والأكثرون.
وفي الخلاف الكبير المغلب المعاوضة بدليل أنه يعتق بالأداء إلى الوارث.
قلت: هذا على أحد القولين.
وأما إن كان على خمر أو خنزير فقال القاضى وأصحابه حكمها حكم المكاتبة الفاسدة والمنصوص عن أحمد أن العقد يبطل من أصله ولا يقع فيه عتق قال أحمد في رواية الميمونى إذا كاتبه كتابة فاسدة فأدى ما كوتب
1 غير منجم: أي غير مقسم أقساطا ومنه: "نجمت المال" إذا أديته أقساطا مفرقة على فترات معلومة منه: تنجم الدين وهو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعات مشاهرة أو مساناة وكذا: "تنجم المكاتب" و"تنجم الكتابة" وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول ديونها وغيرها يقال: جعلت مالي على فلان نجوما منجمة أي يؤدي كل نجم "قسط" عند انقضاء كل شهر انظر لسان العرب "6/4358".
عليه عتق ما لم تكن الكتابة محرمة معناه على محرم كالخمر والخنزير وهذا اختيار أبى بكر وابن عقيل وأول القاضى وأبو الخطاب النص.
سؤال:
قول الأكثرين إن الكتابة إذا لم تكن منجمة باطلة من أصلها مع قولهم في الكتابة على عوض مجهول يتغلب فيها حكم الصفة مشكل جدا.
وكان الأولى إذا كان العوض معلوما أن يغلب فيه حكم الصفة أيضا والله أعلم.
ومنها: إذا قبض العين في العقد الباطل فإنها تكون مضمونة عليه على كل حال سواء كانت صحيحة العين مضمونة فيه أو غير مضمونة وإن قبضها في الفاسد وكانت صحيحة العين فيه غير مضمونة ففاسد كذلك ذكره صاحب المغنى وغيره.
ومنها: أن الظاهر من كلام كثير من الأصحاب أن المخالفة من الوكيل تقتضى فساد الوكالة لا بطلانها فيفسد عقد الوكالة ويصير الوكيل متصرفا بمجرد الإذن.
وحكى ابن عقيل في نظرياته1 وأبو البركات وجها آخر وجزم القاضى في خلافه أن الوكالة تبطل بذلك كالوديعة.
ومنها: ما قاله طائفة من أصحابنا في كتاب النكاح الفاسد من النكاح ما كان يسوغ فيه الاجتهاد والباطل ما كان مجمعا على بطلانه وعبر طائفة بالباطل عن النكاح الذي يسوغ فيه الاجتهاد أيضا.
فالباطل المجمع على بطلانه لا يترتب عليه شيء من أحكام الصحيح إلا في الطلاق إذا تزوجها في عدة من غيره هل يقع فيه روايتان نقل ابن منصور عدم الوقوع ونقل أبو طالب إذا طلقها ثلاثا لا يعجبنى أن يراجعها حتى تنكح زوجا غيره قال أبو بكر قد تابعه على ذلك ههنا واختار ذلك في
1 هو "المجالس النظريات" لابن عقيل.
كتاب المقنع.
قلت: اختار عامة الأصحاب خلاف قوله والله أعلم.
وأما الفاسد المختلف فيه فيثبت فيه أحكام الصحيح.
ومنها: اللعان فيصح فيه لإسقاط الحد ونفي النسب لأن بالزوج حاجة إلى هذا القذف لأن نسبه لاحق به كالصحيح.
ومنها: حيث جعلنا العقد محرما فلو كان فاسدا قال القاضى التحريم غير ممتنع وفي الأنتصار وغيره في العقد الفاسد خلاف فالمجمع على بطلانه لا يحرم شيئا جزم به الأصحاب.
وخرج شيخنا في تعليقه على المحرر رواية بالتحريم من الرواية التى يقول فيها بوقوع الطلاق في نكاح المعتدة وقد تقدمت.
ومنها: الخلوة في الفاسد فإنها محل الصداق كالصحيح نص عليه أحمد في رواية أبى طالب وفي الأنتصار والمذهب رواية لا شيء بها واختار ذلك أبو محمد المقدسي.
ومنها: عدة الوفاة فإنها تجب في النكاح الفاسد نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد وقال ابن حامد لا عدة عليها.
ومنها: في المطلقة في النكاح الفاسد فإنها تجتنب ما تجتنبه المطلقة في النكاح الصحيح نص عليه أحمد في رواية أحمد بن محمد البرثى1 والقاضى ومحمد بن أبى موسى.
ومنها: الميراث فلا يتوارث الزوجان في النكاح الفاسد نص عليه في رواية جعفر بن محمد.
وفي رواية المروذى إذا تزوج ولم يشهد ثم مات لم يتوارثا وكذلك نقل أبو طالب.
1 كذا في الأصل والصواب البرتي نسبة إلى "برت" وهي قرية بنواحي بغداد وهو القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر البرتي [ت 280هـ] نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/66".
وقد توقف في رواية ابن منصور فقال لا أرى للولى ولا للقاضى أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين قيل له فإن ماتا يتوارثان قال لا أدرى.
ومنها: إذا وطئت في النكاح الفاسد فلا يحصل به الإحلال للأول على أصح الوجهين تغليبا للتحريم الحاصل بالطلاق.
ومنها: الإحصان هل يحصل به أم لا المجزوم به عند الأصحاب لا يحصل لأن طريق الإحصان الكمال والزوج والزوجة في النكاح الفاسد ليسا بكاملين.
ومنها: الطلاق في النكاح الفاسد فإنه يقع في قول أكثر أصحابنا واختار أبو الخطاب لا يقع حتى يعتقد صحته.
ومنها: من نكاحها فاسد لا يصح تزويجها قبل طلاق الزوج فإن امتنع فسخه الحاكم هذا المذهب.
وفي الإرشاد فإن زوجت نفسها بلا شهود ففي تزويجها قبل فرقته روايتان وهما في الرعاية إذا تزوجت بلا ولى أو بدونهما.
وفي تعليق ابن المنى1 في انعقاد النكاح برجل وامرأتين إذا عقد عليها عقدا فاسدا لا يجوز صحيح حتى يقض بفسخ الأول ولو سلمناه فلأنه حرام والحرام في حكم العدم.
1 هو فقيه حنابلة العراق في وقته أبو الفتح نصر بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي المعروف بـ "ابن المني"[501 – 583هـ] و"التعليق" أو"التعليقة" مصنف له في الخلاف انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/358 – 365" وشذرات الذهب "6/455" والبداية والنهاية "12/329".