الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 49
إذا طلب الفعل الواجب في كل واحد بخصوصه أو من واحد معين كخصائص النبي صلى الله عليه وسلم فهو فرض العين وإن كان المقصود من الوجوب إنما هو إيقاع الفعل مع قطع النظر عن الفاعل فيسمى فرضا على الكفاية وسمى بذلك لأن فعل البعض فيه يكفي في سقوط الإثم عن الباقين.
وتحرير الفرق بين فرض العين والكفاية أشار إليه القرافي وهو أن فرض العين ما تكررت مصلحته بتكريره كالصلوات الخمس فإن مصلحتها الخضوع لله وتعظيمه ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه وهذه الآداب تكثر كلما كررت الصلاة.
وفرض الكفاية مالا تتكرر مصلحته بتكريره كإنقاذ الغريق إذا سأله إنسان فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا يحصل شيئا فجعله صاحب الشرع على الكفاية نفيا للعبث في الأفعال.
وأشار القرافي أيضا إلى أن فرض الكفاية والأعيان كما يتصور في الواجبات يتصور في المندوبات كالأذان والإقامة والتشميت والتسليم وما يفعل بالأموات من المندوبات فهذه على الكفاية والذي على الأعيان كالوتر وصيام الأيام الفاضلة وصلاة العيدين والطواف في غير النسك والصدقات والله أعلم.
وكلام القرافي يقتضي أن فرض الكفاية لا يشرع تكرار فعله مرة بعد أخرى وهذا على عمومه فيه نظر ظاهر والله أعلم.
إذا تقرر هذا فهنا مسائل تتعلق بفرض الكفاية.
منها: أنه هل هو واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض أم على بعض غير معين؟
في المسألة قولان.
أحدهما وهو الذي نص عليه أحمد أنه واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض قال في رواية حنبل الغزو واجب على الناس فإذا غزا بعضهم أجزأ عنهم.
قال القاضي أبو يعلى في الكفاية فقد نص أحمد على أن المخاطبة بالغزو واجبة على الناس وإنما تسقط عن بقيتهم في الثاني وذكر صاحب المغنى قريبا من هذا وهذا هو الصحيح عن الآمدي وابن الحاجب وغيرهما.
والثاني وهو منسوب الى المعتزلة وهو مقتضى كلام المحصول أنه واجب على بعض غير معين.
وإذا قلنا بالأول فلا فرق بين فرض الكفاية وفرض العين في الابتداء وإنما يفترقان في ثاني الحال قاله أبو محمد المقدسي وهو فرق حكمى وفرض الكفاية إذا فعله الكل كان كله فرضا ذكره ابن عقيل محل وفاق.
وقال أبو العباس لعله إذا فعلوه جميعا فإنه لا خلاف فيه.
قلت: هذا ظاهر إذا قلنا فرض الكفاية واجب على الجميع وإن قلنا على بعض غير معين فيتجه خلاف وقد حكى ابن الرفعة1 من متأخرى الشافعية عن الذخائر للقاضي2 تحكى حكاية وجه أن الزائد على ما سقط به فرض
1 هو الفقيه الشافعي نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس بن الرفعةالأنصاري البخاري المصري [645 – 710هـ] من مصنفاته: "الكفاية في شرح التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي و"مطالب المعالي في شرح وسيط الغزالي".
2 "الذخائر" أحد الكتب المعتبرة في الفقه الشافعي وهو من تصنيف أبي المعالي محلى بن جميع القرشي المخزومي [ت 550] نظر كشف الظنون "1/822".
صلاة الجنازة في الصلاة الواحدة يقع نفلا وهو احتمال أبداه الإمام من الشافعية وهو يوافق القائل بأن الفرض يتعلق بالبعض.
وأما إذا فعل البعض بعد البعض ففي كون الثاني فرضا وجهان وينبني عليها جواز فعل صلاة الجنازة بعد الفجر والعصر مرة ثانية.
ومنها: أيما أفضل فاعل فرض العين أو فاعل فرض الكفاية؟
نقل الطوفي في شرحه قولين.
أحدهما: ولم يسم قائله أن فاعل فرض العين أفضل لأن فرضه أهم ولذلك وجب على الأعيان.
والثاني: فاعل فرض الكفاية أفضل لأن نفعه أعم إذ هو يسقط الفرض عن نفسه وعن غيره قال وهذا منسوب إلى إمام الحرمين.
واقتصار الطوفي على النقل عن إمام الحرمين يوهم أن ذلك لا يعرف لغيره وليس كذلك فقد سبقه إلى هذه المقالة والده1 في المحيط وكذا الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائينى نقله عنهما ابن الصلاح2 في فوائد رحلته3 والله أعلم.
ومنها: أن فرض الكفاية هل يلزم بالشروع أم لا قال بعض شيوخنا في المسألة قولان أخذا من احتمالين قالهما صاحب التلخيص في اللقيط إذا أراد الملتقط رده إلى الحاكم مع قدرته لكن قاس احتمال الجواز على اللقطة واحتمال المنع علله بأنه فرض كفاية وقد شرع فيه وقدر عليه فصار متعينا.
ويظهر لي أخذ القولين من مسألة أخرى وهي أن حفظ القرآن فرض كفاية
1 والده: أي ولد إمام الحرمين وهو الفقيه الشافعي أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني [ت 438هـ] ومن مصنفاته: "التذكرة" و"التعليقة" و"مختصر" في فروع الشافعية و"الوسائل في فروق المسائل".
2 هو الفقيه المحدث الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الشهرزوري الموصلي الشافعي [577 – 643هـ] من أشهر مصنفاته: "معرفة أنواع علوم الحديث" المعروف بـ "مقدمة ابن الصلاح" و"الفتاوى" على المذهب الشافعي.
3 وتمام العنوان "الرحلة الشرقية" انظر كشف الظنون "5/654".
إجماعا فإذا حفظه وأخر تلاوته بحيث ينساه ولا عذر حرم على الصحيح قال الإمام أحمد ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه وفيه وجه يكره وقدمه بعضهم والله أعلم.
ومنها: أنه يكفي في سقوط فرض الكفاية غلبة الظن فإذا غلب على ظن طائفة أن غيرها قام به سقط عنها قاله القاضى وأبو العباس وغيرهما والله أعلم.
ومنها: أن فاعل فرض الكفاية أفضل من غير فاعله ضرورة أنه حصل مصلحته دون غيره نعم هما شيئان في الخروج عن العهدة لكن هذا خرج بفعله وذاك خرج لانتفاء القابل لفعله والله أعلم.