الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 47
إذا قلنا الأمر المطلق يقتضي التكرار فيقتضي الفور اتفاقا.
وإن قلنا لا يقتضي التكرار فهل يقتضي الفور أم لا؟
في ذلك مذاهب.
أحدها: أنه يقتضي الفور وهذا قول أصحابنا قال أبو البركات وهو ظاهر كلام أحمد ويعزى إلى أبي حنيفة ومتبعيه وحكاه الحلواني من أصحابنا عن المالكية.
قلت: وقال القوضي عبد الوهاب المالكي الذي ينصره أصحابنا أنه على الفور وحكاه القرافي عن مالك ثم قال خلافا لأصحابه المغاربة وحكاه في المسودة عن أبي بكر الصيرفي والقاضي وأبي حامد وطائفة من الشافعية.
والمذهب الثاني: أنه لا يقتضي الفور ولا التراخي بل يدل على طلب الفعل قاله في البرهان وهذا ينسب إلى الشافعي وأصحابه وقال في المحصول إنه الحق.
قلت: اختاره الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي قال القاضي أبو يعلى وقد أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم وقد سأله عن قضاء رمضان يفرق قال نعم إنما قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] .
وقال السرخسي1 من الحنفية: الذي يصح عندى من مذهب علمائنا أنه
1 القاضي شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل السرخسي [ت 483هـ] صاحب "المبسوط" في الفقه الحنفي وله أيضا "الأصول" في أصول الفقه.
يعنى الأمر المطلق على التراخي وذكر عن أبي حنيفة ما يدل على ذلك قال وأشار الكرخي إلى أن موجب الأمر الفور قال ومن أصحابنا من جعل هذا الفعل على الخلاف بين أصحابنا في الحج هل هو على الفور أو التراخي قال وعندي أن هذا غلط لأن الحج مؤقت بأشهره فأبو يوسف1 يقول تتعين السنة الأولى ومحمد2 يقول لا تتعين وعن أبي حنيفة روايتان.
والمذهب الثالث: أنه يفيد التراخي أي جوازا قال الشيخ أبو إسحاق والتعبير بكونه يفيد التراخي غلط.
وقال في البرهان إنه لفظ مدخول فإن مقتضى إفادة التراخى أنه لو فرض الامتثال على الفور لم يعتد به وليس هذا معتقد أحد.
وقد حكى ابن برهان عن غلاة الواقفية أنا لا نقطع بامتثاله بل نتوقف عليه فيه إلى ظهور الدليل لاحتمال إرادة التأخير.
قلت: وهذا على قول الوقف بكونه لأحدهما ولا نعرفه.
وذهب المقتصدون منهم إلى القطع بامتثاله وحكى في البرهان أيضا كونه مشتركا بين الفور والتراخى وأشار أبو البركات إلى أن عنده أن مذهب الوقف والتراخى شىء واحد على قول المقتصدين من الواقفية أما على قول غلاتهم فيتحقق الوقف مذهبا والله أعلم.
إذا تقرر هذا فقال القرافي في شرح التنقيح واختلف القائلون بالفور فقيل لا يتصور ذلك إلا إذا تعلق الأمر بفعل واحد.
وقيل يتصور إذا تعلق بجملة أفعال.
ثم اختلف القائلون بأنه يقتضى فعلا واحدا فتركه فمذهبنا ومذهب
1 هو العلامة الفقيه المجتهد القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن جبيب الأنصاري الكوفي صاحب أبي حنيفة [113 – 183هـ] صاحب "الخراج" مطبوع.
2 هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الكوفي صاحب أبي حنيفة فقيه العراق [132 – 189هـ] من مصنفاته: "الأصل" أو "المبسوط" و"الجامع الكبير" و"الجامع الصغير".
الجمهور أنه يجب عليه الإتيان ببدله بنفس الأمر الأول وقال الكرخى وغيره من الحنفية وأبو الفرج المالكى1 لا يجب قضاؤه إلا بأمر جديد كالوقت عندهم.
واختلف القائلون بالتراخى هل يجوز تأخيره إلى غاية بشرط السلامة فإن مات قبل الفعل أثم وقيل لا إثم عليه إلا أن يغلب فواته ولم يفعله.
وفصل آخرون وقالوا: إن غلب على ظنه أنه لا يموت فمات لم يأثم.
واختلف القائلون بالتراخى فمنهم من قال لا يجوز التأخير إلا ألى بدل هو العزم على أدائه في المستقبل ليفارق المندوب.
وقيل العزم ليس بدلا بل شرط في جواز التأخير.
والقائلون بأنه بدل اختلفوا فمنهم من قال هو بدل من نفس الفعل وقيل بدل من تقديمه.
والقائلون بالتراخى اختلفوا هل هو في الواجب خاصة أو يعم الواجب والمندوب قال القاضى أبو بكر والصحيح أنه يعمها.
ووجه الفرق أن التراخى معناه أنه لا يأثم بالتأخير وذلك متعذر في المندوب لتعذر الإثم في نفسه في المندوب.
ويرد هذا الفرق أنه قد يندب على التراخى كما في صدقة التطوع وقد يكون على الفور كتحية المسجد انتهى ما قاله القرافي ملخصا.
وإذا أريد بالأمر الندب فإنه يقتضى الفور إلى فعل المندوب كالأمر الواجب ذكره القاضى أبو يعلى ملتزما له على قوله أمر حقيقة بما يقتضى أن الحنفية لا يقولون بالفور فيه.
ومما يتعلق بالقاعدة من الفروع مسائل.
منها: قضاء الصلوات المفروضات فإنه يجب على الفور لإطلاق الأمر
1 هو عمرو بن محمد بن عمرو الليثي البغدادي [ت 331هـ] صاحب "الحاوي" في الفقه و"اللمع" في أصول الفقه.
به هذا هو المذهب المنصوص عن أحمد لكن محل ذلك إن لم يتضرر في بدنه أو معيشة يحتاجها نص عليه الإمام أحمد أيضا.
ولنا وجه لا يجب القضاء على الفور فأوجب القاضى في موضع من كلامه الفور فيما زاد على خمس صلوات.
ومنها: أداء الزكاة مع القدرة فإنه يجب على الفور نص عليه الإمام أحمد قال الشيخ أبو محمد وغيره لو لم يكن الأمر بالفور قلنا به هنا ولنا قول لا تجب على الفور وعلى المنصوص يجوز للمالك التأخير إذا خشى ضررا من عود ساع أو خاف على نفسه أو ماله أو نحوه.
وللإمام والساعى التأخير لعذر قحط ونحوه.
وكذا يجوز للمالك تأخير الإخراج لحاجته إلى زكاته نص عليه.
وهل يجوز للمالك التأخير لانتظار قريب ذى حاجة في المسألة وجهان وقيد بعضهم ذلك بالزمن اليسير وأطلق القاضى وابن عقيل روايتين في القريب ونقل يعقوب بن بختان1 عن الإمام أحمد أنه قال لا أحب أن تؤخر الزكاة إلا لقوم لا يجد مثلهم في الحاجة.
ومنها: أداء النذر والكفارة.
وفي لزوم الفورية وجهان المذهب المنصوص عن الإمام أحمد اللزوم.
وقد ذكر غير واحد من أصحابنا من الصور المسقطة لنفقة الزوجة فعل النذر الذي في الذمة والصوم للكفارة قبل ضيق وقته ولم يكن ذلك بإذن الزوج وهذا مشكل إذ قد تقرر أن المذهب المنصوص لزوم الفورية فهو كالعين أشار إلى ذلك أبو العباس رضى الله عنه.
ومنها: أداء الحج والعمرة والمنصوص عن الإمام أحمد رضى الله عنه لزوم الفورية لإطلاق الأمر وهو المذهب عند الأصحاب وذكر ابن أبى موسى وجها أنه على التراخى وذكره ابن حامد رواية زاد أبو البركات مع
1 هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن بختان لازم الإمام أحمد وكان جارا له وصديقا وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/415".
العزم على فعله في الجملة وقد تقدم الكلام على العزم في قاعدة الواجب الموسع.
ومنها: أداء ديون الآدميين عند المطالبة فإنه واجب على الفور جزم به الأصحاب وبدون المطالبة هل يجب على الفور أم لا؟
في المسألة وجهان.
أحدهما: ما قاله أبو المعالى والسامرى وغيرهما وهو المذهب أنه لا يجب قال شيخنا أبو الفرج محل هذا إذا لم يكن عين له وقت للوفاء فأما إن عين له وقتا للوفاء كيوم كذا فلا ينبغى أن يجوز تأخيره لأنه لا فائدة للتوقيت إلا وجوب الوفاء فيه أولا كالمطالبة به والله أعلم.
قلت: وينبغي أن يكون محل جواز التأخير إذا كان صاحب المال عالما بأنه يستحق في ذمة المدين الدين أما إذا لم يكن عالما فيجب اعلامه والله أعلم.
والثاني: ما قاله القاضي في الجامع والشيخ أبو محمد في المغنى في قسم الزوجات أنه يجب على الفور ذكراه محل وفاق.
ومنها: إذا أودع شخص شخصا وديعة في السوق إلى وقت المصير إلى منزله فاستعملها فتلفت فإنه يضمن قاله الأصحاب بناء على القاعدة وأبدى في المغنى احتمالا ومال إليه وصححه الحارثي أنه لا ضمان إذ عادة الإيداع في السوق إمساكها في حانوته إلى وقت المصير إلى منزله فصار كالمأذون فيه نطقا.
ومنها: الأمر بتعريف اللقطة حولا فإنه يجب على الفور جزم به غير واحد من الأصحاب قال القاضي لا خلاف أن التعريف معتبر عقب التقاطها.
قلت: فلو أخر مع الإمكان فلا إشكال في الإثم واستقرار الضمان ذكره في التلخيص وغيره وهل يسقط التعريف ذكر القاضي أبو يعلى وأبو محمد أنه يسقط في ظاهر كلام أحمد ولنا وجه بانتفاء السقوط.
قال الحارثي هو الصحيح قال في المغنى وعلى كلا القولين لا
يملكها بالتعريف لأن شرط الملك التعريف في الحول الأول ولم يوجد وكذا لو قطع التعريف في الأول وأكمله في الثاني لايملك بذلك.
وهل يحبسها المالك أم يتصدق بها على روايتين ذكرهما القاضي وأبو محمد وإن أخر التعريف لحبس أو مرض أو نسيان ونحو ذلك فوجهان ذكرهما أبو محمد.