الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 20
الأعيان المنتفع بها قبل الشرع مباحة عند أبى الحسن التميمى وأبى الفرج المقدسي1 وأبى الخطاب والحنفية والظاهرية ومن الشافعية ابن سريح وأبو حامد الزورى2 واختاره القاضى في مقدمة المجرد وقال وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبى طالب وقد سأله عن قطع النخل فقال لا بأس به لم نسمع في قطع النخل شيئا قيل له فالنبق ليس فيه حديث صحيح وما يعجبنى قطعه قلت: له فإذا لم يكن فيه حديث فلم لا يعجبك قطعه قال لأنه على كل حال قد جاء فيه كراهته والنخل لم يجر فيه شيء.
قال فأسند الإمام أحمد الإباحة في قطع النخل لأنه لم يرد شرع بحظره.
ونازع أبو البركات القاضى في مأخذه من هذه الرواية فقال لا شك أن أحمد أفتى بعدم البأس لكن يجوز أن يكون للعمومات الشرعية ويجوز أن يكون
1 هو تلميذ القاضي أبي يعلى بن الفراء وشيخ حنابلة الشام في وقته: أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي ثم المقدسي ثم الدمشقي [ت 486هـ] من مصنفاته في الفقه: "المبهج" و"الإيضاح" وله في أصول الفقه "مختصر في الحدود" انظر طبقات الحنابلة "2/248" والذيل على طبقات الحنابلة "1/68 – 73" وشذرات الذهب "5/369".
2 كذا في الأصل والصواب "المرورذي [ت 362هـ] ولعل الزوري تصحيف لـ "المروزي" فقد ضبط السبكي في "طبقات الشافعية" بهذه النسبة ومن مصنفاته "شرح مختصر المزني" و"الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" في الفقه وله في أصول الفقه: "الإشراف على أصول الفقه".
مما سكت عنه الشرع فيكون عفوا ويجوز أن يكون استصحابا لعدم التحريم ويجوز أن يكون لأن الأصل إباحة عقلية مع أن هذا من الأفعال لا من الأعيان.
وقيل محرمة وهذا قول ابن حامد والحلوانى وغيرهما وبعض الشافعية واختاره القاضى في العمدة قال وقد أومأ إلى معنى هذا أحمد في رواية أبى صالح1 ويوسف بن أبى موسى2 لا يخمس السلب ما سمعنا أن النبى صلى الله عليه وسلم خمس السلب3.
وهذا يدل على أنه لم يبح تخميس السلب لأنه لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم شرع فيه فيبقى على أصل الحظر.
ونازعه أبو البركات في ذلك وقال لأن السلب قد استحقه القاتل بالشرع فلا يخرج بعضه عن ملكه إلا بدليل وليس هذا من موارد الشرع.
قال القاضى وكذلك نقل الأثرم وابن بدينا4 في الحلى يوجد لقطة فقال إنما جاء الحديث في الدراهم والدنانير قال فاستدام أحمد رضى الله عنه التحريم ومنع الملك على الأصل لأنه لم يرد شرع في غير الدراهم والدنانير.
ونازعه أبو البركات أيضا وقال إن اللقطة لها مالك فنقلها إلى الملتقط يحتاج إلى دليل وليس هذا من جنس الأعيان في شيء.
وقد يحتج للقاضى بأن أحمد منع من التخميس للسلب وملك اللقطة لعدم الإباحة والله أعلم.
1 هو أبو صالح أحمد بن جناح [ت 264هـ] ممن روى عن الإمام أحمد.
2 هو يوسف بن موسى العطار الجربي كان يهوديا ثم أسلم على يدي الإمام أحمد بن حنبل ولازمه ثم روى عنه أشياء ونقلها عنه أبو بكر الخلال انظر طبقات الحنابلة "1/420".
3 السلب: هو ما يؤخذ من العدو في الحرب من ثياب وسلاح ودابة وجاء على صيغة "فعل" بمعنى مفعول أي: مسلوب انظر لسان العرب "3/2057".
4 هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا الموصلي [ت 303هـ] ممن روى عن الإمام أحمد روى عنه أبو بكر الخلال ولازمه عبد العزيز بن جعفر المعروف بـ "غلام الخلال" انظر طبقات الحنابلة "1/288 – 290".
فعلى هذا القول يباح ما يحتاج إليه كالنفس وسد الرمق ذكره بعضهم إجماعا وحكى في المسودة قولين والمنع مبنى على القول بتكليف المحال وقال أبو الحسن الجزرى1 من أصحابنا لا حكم لها.
قال أبو الخطاب وأراه أقوى على أصل من يقول العقل لا يحرم ولا يبيح وقال في الروضة هو اللائق بالمذهب وهو مذهب عند ابن عقيل وغيره بناء منهم على عدم القول بالتحسين والتقبيح.
فعلى هذا القول لا إثم عليه بالتناول كفعل البهيمة في إفتائه بالتناول خلافا لنا.
ومن العلماء من قال لله فيما لا نعلم ما هو فيقف حتى يظهر لنا.
وفرض ابن عقيل المسألة في الأفعال والأقوال قبل السمع.
وأما المعتزلة فحكى أبو حامد الغزالى عنهم فيما لا يقضى العقل فيه من الأفعال بحسن ولا قبح ضرورة أو نظرا ثلاثة أقوال الإباحة والحظر والوقف باعتبار تعدد فرقهم.
والآمدي حقق هذا النقل وفصله فقال المعتزلة قسموا الأفعال الاختيارية إلى ما حسنه العقل فمنه واجب ومنه مندوب ومنه مباح وإلى ما قبحه العقل فمنه حرام ومنه مكروه وإلى ما لم يقض فيه العقل بحسن ولا قبح فمنهم من قال إنه واجب ومنهم من قال إنه محرم ومنهم من توقف.
إذا تقرر هذا فقال القاضى قد قال بعض من تكلم في هذه المسألة إن الكلام فيها تكلف وعناء لأن الأشياء قد عرف حكمها واستقر أمرها بالشرع.
وقال آخرون الوقت ما خلا من شرع قط لأن الله لا يخلى الوقت من شرع يعمل الناس عليه لأنه أول ما خلق آدم قال له: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [الأعراف: 19] فأمرهما ونهاهما عقب ما خلقهما
1 هو الفقيه الحنبلي أبو الحسن الجزري البغدادي تاريخ وفاته مجهول إلا أنه من أصحاب أبي علي النجاد المتوفي سنة [360هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/167".
وكذلك في كل زمان وإذا كان كذلك بطل أن يقال ما حكمها قبل ورود الشرع بها والشرع ما أخل بحكمها قط.
فعلى هذا لا يتصور الخلاف إلا في تقدير أن الأشياء لو لم يرد بها شرع ما حكمها فالحكم عندنا على الحظر وعند قوم على الإباحة وعند آخرين على الوقف.
وهذه الطريقة ظاهر كلام أحمد لأنه قال في رواية عبد الله فيما خرجه في محنته الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم فأخبر أن كل زمان فيه بقايا من أهل العلم وكذا قال أبو الحسن الجزرى.
وذكر القاضى في موضع آخر أن هذه المسألة تتصور في شخص خلقه الله تعالى في برية لا يعرف شيئا من الشرعيات وهناك فواكه وأطعمة هل تكون الأشياء عنده على الحظر حتى يرد الشرع أو على الإباحة وكذا ذكر أبو الخطاب.
وذكر القاضى وأبو الخطاب في التمهيد والمقدسي في الروضة ما يفيد في الفقه أن من حرم شيئا أو أباحه يبقى على حكم أصله من حظر أو إباحة عند عدم الأدلة والله أعلم.
وفي هذا الكلام بحث ونظر والله أعلم.