الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 6
المكره المحمول كالآلة غير مكلف وهو تكليف بما لا يطاق ولو أكره وباشر بنفسه فمكلف عندنا وعند الشافعية لصحة الفعل منه وتركه ولهذا يأثم المكره على الفعل بلا خلاف قاله صاحب المغنى وغيره.
وقالت المعتزلة لا يجوز تكليفه بعبادة لان من أصلهم وجوب إثابة المكلف والمحمول على الشيء لا يثاب وأطلق جماعة عن المعتزلة أن المكره غير مكلف وألزمهم القاضى أبو بكر على القتل.
قال أبو المعالى وهى هفوة عظيمة لأنهم لم يمنعوا النهى عن الشيء مع الإكراه وإنما الذي منعوه الاضطرار إلى فعل شئ للأمر به.
وهذه القاعدة مختلفة الحكم في الفروع في المذهب بالنسبة إلى الأقوال والأفعال على ما لا يخفي وضابط المذهب أن الإكراه لا يبيح الأقوال وان اختلف في بعض الأفعال واختلف الترجيح.
إذا تقرر هذا فههنا مسائل:
منها: إذا أكره على الوضوء فإنه لا يصح على الصحيح كذا ذكر بعض المتأخرين وحكى قول بالصحة.
ومحل النزاع مشكل على ما ذكره فإنه إذا أكره على الوضوء ونوى وتوضأ بنفسه فإنه يصح بلا تردد وكذلك قال الشيخ أبو محمد وغيره إذا أكره على العبادة وفعلها لداعى الشراع لا لداعى الإكراه صحت وان توضأ ولم ينو فإنه لا يصح إلا على وجه شاذ أنه لا يعتبر لطهارة الحدث نية.
وقد يقال لا يصح ولو نوى لأن الفعل ينسب إلى الغير فبقيت النية مجردة عن فعل فلا يصح وقد ذكروا أن الصحيح من الروايتين في الأيمان أن المكره بالتهديد إذا فعل المحلوف على تركه لا يحنث لأن الفعل ينسب إلى الغير.
ومنها: إذا أوجبنا الكفارة في وطء الحائض على المختار فهل تجب على المكره في المسألة روايتان.
ومنها: لو أكره على الكلام في الصلاة فألحقه بعض أصحابنا بالناسى فيكون فيه الروايات التى في الناسى وقال القاضى بل هو أولى بالعفو من الناسى لأن الفعل لا ينسب إليه بدليل الإتلاف واختار الشيخ أبو محمد الإبطال بكلامه بخلاف الناسى قال كما لو أكره على زيادة ركعة أو ركن.
ومراد الشيخ والله أعلم بالركن الركن الفعلى لا القولى.
ومنها: لو أكره على الحدث في الصلاة فإنه تفسد صلاته.
أجاب به القاضى في الخلاف وذكر معه الإفساد بالإكراه على الكلام في هذا الموضع وهو مخالف لقوله الأول وقاس الأصحاب الرواية فيمن عدم الماء والتراب يعيد كما لو أكره على الحدث في الصلاة.
وأجاب بعضهم بأن هذا لا يعذر فيه بدليل من سبقه الحدث فإذا كان كمن سبقه فيخرج لنا فيما إذا أكره على الحدث فأحدث الخلاف فيمن سبقه الحدث إذا تطهر هل يبنى أو يستأنف ولا يجىء لنا قول انه لا ينقض وضوءه إذا أكره على الحدث يشعر به كلام بعض المتأخرين وان كان الفعل منسوبا إلى الغير ولأن من سبقه الحدث ليس الفعل منسوبا إليه وينقض وضوءه جزما ولكن الخلاف في البناء والاستئناف.
ومنها: إذا أمتنع من أداة الزكاة الواجبة عليه أخذها الإمام منه قهرا وقامت نية الإمام مقام نيته هكذا ذكر غير واحد من الأصحاب وقال أبو الخطاب وابن عقيل إنما تجزىء ظاهرا ولا تجزىء باطنا كالمصلى كرها.
قلت: وهذا أصوب وصححه صاحب المستوعب والله أعلم.
ودل قياسهم عدم الإجزاء على أن الصلاة أصل وهو أنه إذا صلى ولم ينو لا تصح بلا خلاف وان نوى صحت ويتجه لنا خلاف في عدم الصحة إذا نوى بناء على ما ذكرناه في مسألة الوضوء وفرق الأولون بين الصلاة والزكاة بأن الزكاة تدخلها النيابة فقامت نية الإمام مقام نية الممتنع كولى اليتيم والمجنون والصلاة لا تدخلها النيابة فلا بد من نية فاعلها وفي هذا الفرق بحث.
ومنها: إذا أكره الصائم على الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات خلاف الجماع فإنه لا يفطر سواء أكره على الفطر حتى فعله أو فعل به بأن صب في حلقه الماء مكرها.
وفي الرعاية لا قضاء في الأصح وقيل يفطر إن فعل بنفسه كالمريض.
ومنها: إذا أكره المعتكف على الخروج من المسجد فإنه لا يبطل اعتكافه ولو خرج بنفسه وجزم صاحب المحرر لا ينقطع تتابع المكره وأطلق بعضهم فيه وفي الناسى وجهين.
ومنها: إذا أكره على الجماع فجامع فإنه يجب عليه القضاء والكفارة هذا ظاهر المذهب ونقل ابن القاسم1 كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة قال الأصحاب وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه قال ابن عقيل في مفرداته2 الصحيح في الأكل والوطء إذا غلب عليهما لا يفسدان فإنه أخرج في الوطء رواية من الأكل وفي الأكل رواية من الوطء انتهى.
وقيل يقضى من فعل لا من فعل به من نائم وغيره.
ومنها: إذا أكره الحاج على الوطء قبل التحلل الأول فانه يفسد حجه.
1 هو أحمد بن القاسم نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة وصاحب أبا عبيد القاسم بن سلام صاحب "الغريب" و"الأمثال" والمتوفي سنة [224هـ] .
2 هو كتاب "المفردات" في الفقه لأبي الوفاء بن عقيل انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/155".
هذا هو المنصوص عن أحمد الذي نقله الجماعة.
وحكى عن أحمد رواية لا يفسد واختارها أبو العباس.
وأما المكرهة على الوطء في الحج والصيام إذا أفسدنا حجها وصيامها فهل تجب عليها الكفارة في مالها أو لا يجب عليها شىء أو يجب على الزوج أن يتحملها عنها على ثلاث روايات وتأول في منتهى الغاية الرواية الأولى على أنها ترجع بها على الزوج.
والفرق بين الجماع وغيره أن الجماع ينزل منزلة الإتلاف ولهذا يستوى عمده وسهوه بخلاف غيره وفيه بحث.
وقال في الروضة المكرهة على الوطء يفسد صومها ولا يلزمها كفارة ولا يفسد حجها وعليها بدنة1 وما قاله فرق بين متماثلين والله أعلم.
ومنها: لو أكره المحرم على حلق رأسه فان الفدية تجب على الحالق في أشهر الوجهين قاله أبو بكر والثانى تجب على المحلوق يرجع بها على الحالق ذكره ابن أبى موسى في الإرشاد وجها وعلل بعضهم هذا الوجه بأن حلق الشعر كالإتلاف ولهذا يستوى عمده وسهوه وفيه بحث فإن حلق الشعر ليس كالإتلاف بل هو إتلاف حقيقة والمحلوق رأسه لم يتلف وانما أتلفه الحالق.
ولو أكره على الحلق والتقليم وباشر بنفسه وجبت عليه الفدية وعزى إلى نص أحمد واختار أبو محمد الجوزي لا كفارة على مكره وحكى رواية عن أحمد.
ومنها: إذا أكره على البيع بغير حق فإنه لا يصح البيع جزما وإن أكره على وزن مال بغير حق فباع ماله في ذلك فإنه يصح على الصحيح من الروايتين.
ومنها: جميع عقود المكره وإقراره فإنها لا تصح.
1 البدنة: ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت كذلك لأنهم كانوا يسمونها لسان العرب "1/233".
ومنها: إذا ثبت خيار المجلس في صورة فأكره أحد المتعاقدين على مفارقة صاحبه أبدى الشيخ أبو محمد وغيره احتمالا ببطلان الخيار لأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه ومحل هذا الاحتمال عند صاحب التلخيص إذا كان المكره قادرا على الكلام وقال القاضى وصاحب المستوعب والتلخيص وغيرهما لا يبطل.
فعلى قول من لا يرى انقطاع الخيار وان أكره أحدهما على فرقة صاحبه انقطع خيار صاحبه كما لو هرب منه ويبقى الخيار للمكره منهما في المجلس الذي يزول عنه الإكراه فيه حتى يفارقه وان أكرها جميعا انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه.
وذكر ابن عقيل من صور الإكراه ما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا فزعا منه أو حملهما سيل أو فرقت بينهما ريح.
ومنها: لو أكره على إتلاف مال الغير فأتلف ففي الضمان وجهان أحدهما أنه على المكره بكسر الراء وحده لكن للمستحق مطالبة المتلف ويرجع به على المكره لأنه معذور في ذلك الفعل فلم يلزمه الضمان بخلاف المكره على القتل فإنه غير معذور فلهذا شاركه في الضمان.
وهذا التعليل يقتضى أن الإكراه يبيح إتلاف مال الغير وبهذا جزم القاضى في كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وابن عقيل في عمد الأدلة1.
والثانى عليهما الضمان كالدية صرح به في التلخيص وذكره القاضى في بعض تعاليقه احتمالا وعلل باشتراكهما في الإثم وهذا تصريح بأن الإكراه لا يبيح إتلاف مال الغير.
وحكى إحتمالا آخر أن الضمان على المتلف وحده كما لو اضطر إلى طعام الغير فأكله ولا يصح ما ذكره من القياس على المضطر لأن المضطر لم
1 وفي الذيل: "عمدة الأدلة" لأبي الوفاء بن عقيل انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/155".
يلجئه إلى الإتلاف من مال الضمان عليه ذكر هذا الفرق شيخنا1.
ومنها: لو أكره على تسليم الوديعة إلى غير المالك فقال القاضى لا ضمان عليه لأنه ليس بإتلاف ذكره القاضى في بعض تعاليقه وذكره في المجرد مفرقا بينه وبين الإكراه على القتل بأن القتل لا يعذر فيه بالإكراه بخلاف هذا.
قال شيخنا وهذا التعليل يشمل الإتلاف أيضا انتهى.
وقد يقال هو معذور في التسليم دون المباشرة لأنها أغلظ ولهذا فرق ابن عقيل والقاضى بين الإكراه على القتل والإكراه على الإتلاف كما تقدم لأن القتل أغلظ.
وقد يقال انه لا يضمن إذا أكره على التسليم ويضمن إذا أكره على الإتلاف بأن هذا إكراه على سبب وذاك إكراه على مباشرة.
يؤيده نص الإمام أحمد في رواية ابن ثواب2 على أن حافر البئر عدوانا إذا أكرهه السلطان على الحفر لم يضمن وتابع ابن عقيل في الفصول وصاحب المغنى والقاضى في المجرد وفي شرح الهداية3 لأبى البركات أنه لا يضمن كما لو حلف لا يدخل الدار فدخلها مكرها.
قلت: هذا القياس إنما يأتى على إحدى الروايتين في عدم الحنث فلا يصح وفي الفتاوى الرحبيات4 عن أبى الخطاب وابن عقيل الضمان مطلقا لانه افتدى بها ضرره.
قلت: وهذا التعليل يطرد في كل ما أكره عليه وأجاب إليه أنه يترتب عليه مقتضاه لأنه افتدى به ضرره والله أعلم.
1 المقصود جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب وقد تقدمت ترجمته.
2 المقصود هو: الحسن بن ثواب الثعلبي [ت 268هـ] .
3 "شرح الهداية" لفخر الدين محمد بن تيمية [542 – 622هـ] وهو شرح لكتاب "الهداية في الفقه" لأبي الخطاب الكلوذاني.
4 في الذيل على طبقات الحنابلة "1/182""الفتاوى الرحبية" لأبي الحين علي بن عبيد الله بن الزغوني.
وفي الفتاوى الرحبيات أيضا عن ابن الزاغونى1 أنه إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد فعليه الضمان والاثم وان ناله العذاب فلا إثم ولا ضمان.
ومنها: المحرم إذا أكره على قتل الصيد فقتله فالضمان على المكره له ذكره صاحب المغنى في الأيمان في موضوعين وجزم به ابن الجوزي.
قلت: ولكن نصر القاضى وأصحابه رواية عن أحمد أن من لبس مكرها أنه تجب به عليه الفدية قالوا: كالحلق وقتل الصيد فهذا يقتضى أن الضمان على المكره دون المكره له.
ومنها: إذا أكره من بيده الطلاق على الطلاق بغير حق فنطق به بقصد دفع الإكراه عن نفسه لم يقع الطلاق وكذلك نص عليه الإمام أحمد رضى الله عنه في العتاق2 رواية الجماعة منهم صالح وعبد الله وحنبل وابن منصور والحسن بن ثواب وإبراهيم بن هانىء3 وحرب والاثرم وأبو طالب وأبو عبد الله النيسابورى4 وأبو الحارث وعلى بن سعيد والفضل بن زياد والمروذى.
ولو قصد إيقاع الطلاق دون دفع الإكراه أبدى القاضى في الجامع الكبير احتمالين وصحح الوقوع وتبعه على التصحيح جماعة من المتأخرين لأنا إنما قلنا طلاق المكره لا يقع لعدم رضاه فإذا رضى وقع.
ووجه عدم الوقوع أن لفظه ملغى وتبقى النية مجردة عن لفظ معتبر والنية بمجردها لا يقع بها طلاق.
1 هو أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السري ابن الزغوني [455 – 567هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/180" شذرات الذهب "4/133" وسير أعلام النبلاء "19/605".
2 أي العتق وهو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق المغني "12/233".
3 هو أبو إسحاق إبراهيم بن هانيء النيسابوري [ت 265هـ] صاحب الإمام أحمد. ونقل عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/97 – 98".
4 هو أبو عبد الله محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي ممن روى عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "1/327 – 328".
وإن ترك التأويل بلا عذر أو أكره على طلاق مبهم فطلق معينة فوجهان.
ولو أكره على طلقة فطلق ثلاثا أو على طلاق امرأة فطلقها وغيرها لزمه الطلاق.
ومنها: لو أكره مكلفا على قتل إنسان يكافئه وقال طائفة معين فقتل فالقود عليهما هذا هو المذهب المشهور.
وذكر القاضى في المجرد وابن عقيل في باب الرهن أن أبا بكر ذكر أن القود على المكره المباشر ولم. يذكر على المكره قودا قالا والمذهب وجوبه عليهما كما نص أحمد في الشهود الراجعين إذا اعترفوا بالعمد.
وقد بين القاضى في خلافه أبى بكر وأنه قال في الأسير إذا أكره على قتل مسلم فقتله فعليه القود فان أخذ قول أبى بكر من هذا فإنه لا يصح لأن المكره ههنا ليس من أهل الضمان لأنه حربى فلذلك لم يذكر تضمينه.
وذكر ابن الصيرفي1 أن أبا بكر السمرقندى2 من أصحابنا خرج وجها أنه لا قود على واحد منهما من رواية امتناع قتل الجماعة بالواحد وأولى لأن السبب هنا غير صالح في كل واحد لأن أحدهما متسبب والآخر ملجأ وفي صورة الاشتراك ههنا مباشران مختاران.
قال أبو الخطاب في الانتصار لو أكره على القتل بأخذ المال فالقود وان أكره بقتل النفس فلا قود. وإن قال اقتل نفسك وإلا قتلتك فليس بإكراه واختار في الرعاية وحده أنه يكون إكراها كاحتمال في اقتل زيدا أو
1 هو جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور أبي الفتح بن رافع بن علي بن إبراهيم الحراني ويعرف بـ "ابن الحبيشي"[583 – 678هـ] أحد مشايخ تقي الدين بن تيمية. انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/295" شذرات الذهب "7/632" والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص "211" من تصانيفه: "نوادر المذهب" و"انتهاز الفرص في من أفتى بالرخص" وجزء من "عقوبات الجرائم".
2 هو النجيب بن عبد الله السمرقندي تاريخ وفاته مجهول وهو من تلاميذ ابن عقيل وهذه المسألة نفسها أوردها على أنها من تخاريجه الحسنة في المذهب انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/207 – 208".
عمرا وإلا قتلتك.
ومنها: لو حلف لا تأخذ حقك منى فأكره على دفعه إليه أو أخذه منه قهرا حنث جزم به أبو محمد المقدسي وغيره لأن المحلوف عليه فعل الأخذ مختارا وان أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الخلاف إذا حلف لا يفعل شيئا ففعله مكرها خرجه الأصحاب على ذلك والله أعلم.
ومنها: لو أكره على السرقة أو تناول المسكر ففعل فهل يجب عليه الحد أم لا؟
في المسألة روايتان ذكرهما القاضى أبو يعلى.
قال أبو العباس يرخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات لحق الله تعالى كأكل الميتة وشرب الخمر وهو ظاهر مذهب أحمد انتهى.
واختار أبو بكر في التنبيه1 أنه يحد بشرب الخمر مكرها وذكر ابن أبى موسى إن أكره على شرب الخمر خاصة لم يحد بشربها قال وان أكره على شربها وترك العبادات ببذل دمه لم يشربها ولم يدع شيئا من العبادات كما لو أكره على ترك العبادات وحدها فإنه يبذل دمه ولا يتركها.
ومنها: لو أكره المكلف بالتهديد ونحوه على الزنا ففعل فهل يجب عليه الحد أم لا؟
في المسألة ثلاث روايات:
ظاهر المذهب المنصوص عن أحمد الذي اختاره الأكثر أنه يجب على الرجل دون المرأة بناء على أن الإكراه على الزنا لا يتصور في الرجل ويتصور في المرأة ولزوم الحد لهما بناء على الإكراه إنما يبيح الأقوال دون الأفعال وهو ظاهر كلامه في رواية صالح وهو مروى عن ابن عباس.
ومنها: لو أكره على الرضاع فانه يثبت حكمه مع الإكراه ذكره القاضى في الجامع الكبير محل وفاق.
1 "التنبيه" لأبي بكر عبد العزيز المعروف بـ "غلام الخلال" وهو مصنف في فروع المذهب الحنبلي انظر طبقات الحنابلة "2/119".
ومنها: لو أكره المولي على وطء المولى1 منها فوطىء فقد فاء إليها قال في الترغيب إذ الإكراه على الوطء لا يتصور.
ومنها: لو أكره المرتد والحربى على التلفظ بالشهادتين فتلفظ فانه يصير مسلما بذلك لانه أكره على حق فأداه ثم إن قصد التقية بلفظه ولم يقصد في الباطن الإسلام فحكمه حكم الكفار باطنا وان وافق الباطن الظاهر صار مسلما ظاهرا وباطنا.
ومنها: لو أكره على الكفر فكفر مكرها غير مختار فإنه لا يكفر.
ومنها: لو أكره الذمى على الإسلام فأسلم لم يصح إسلامه لانه ظلم له وفي الانتصار لأبى الخطاب احتمال أنه يصير مسلما لان الإسلام واجب عليه في الجملة.
تنبيه:
حيث قلنا لا يترتب على فعل المكره أو قوله شىء فما صفة الإكراه المانع من الترتيب.
اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رضى الله عنه في ذلك فالذي نقله الجماعة عنه أن ذلك هو الضرب والحبس أو أخذ المال نص على. ذلك في رواية حنبل وصالح والحسن بن ثواب والاثرم وأبى طالب وأبى عبد الله النيسابورى.
وعنه رواية أخرى أن التوعد بذلك إكراه إذا خاف أنه يفعل به ما توعده به نص عليه في رواية ابن منصور فقال حد الإكراه إذا خاف القتل أو ضربا شديدا ونقله عن أحمد أيضا محمد بن عبد الرحمن2 من ولد أسامة بن زيد.
وقال أبو العباس ابن تيمية رضى الله عنه إذا غلب على ظنه أنه يضره في
1 من الإيلاء وهو: حلف الزوج على ترك وطء زوجته.
2 لعله: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الدينوري انظر طبقات الحنابلة "1/305".
نفسه أو أهله أو ماله فانه يكون مكرها ولا فرق بين أن يكون الإكراه من السلطان أو من لص أو من متغلب نص عليه أحمد في رواية المروذى في المتغلب ونص عليه في السلطان في رواية الحسن بن ثواب وحكى عن أحمد رواية أنه لا يكون الإكراه من غير السلطان وحكى عنه رواية إن هدده بقتل أو قطع عضو فإكراه وإلا فلا.
وأما الشتم والسب فقال القاضى في الجامع الكبير لا يكون إكراها رواية واحدة في حق كل أحد ممن يتألم بالشتم أو لا يتألم.
وقال في المغنى فأما السب والشتم فليس بإكراه وان كان من ذوى المروءات على وجه يكون اخراقا بصاحبه وغضا له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره.
إذا تقرر هذا فظاهر كلام طائفة من الأصحاب أنا إذا جعلنا الضرب ألم والحبس والقيد الطويلين إكراها فانه لا يختلف باختلاف المكره وقال القاضى في الجامع الكبير الضرب والحبس والقيد مختلف باختلاف المكره فإن من الناس الذين لا يتألمون بالضرب والحبس والقيد فالاكراه إكراه له بالقتل وأخذ المال لا غير فأما الضرب والحبس فان هؤلاء لا يعدونه إكراها بل يجدون للضرب حلاوة وان كان من أهل المروءات فالضرب والحبس والقيد إكراه في حقهم لأن هذا فيهم كالقتل والقطع وأخذ المال في العين واستحسنه ابن عقيل.
قلت: ويلزم على ما فرقه القاضى في الضرب والحبس والقيد بين من لم يؤلمه من ذوى المروءات وبين غيرهم أن يفرق في الشتم كما قاله صاحب المغنى ليس إلا.
وان أكرهه بتعذيب ولده فقال طائفة انه لا يكون إكراها والصحيح في المذهب أنه يكون إكراها ويتوجه بتعذيبه إلى كل من يشق عليه تعذيبه مشقة عظيمة من والد وزوجة وصديق.
خاتمة.
هل الأفضل في الإكراه على شىء من المحرمات أن يجيب إلى ما أكره عليه أو يصبر.
هذه المسألة فيها نزاع بين العلماء والمنصوص عن أحمد رضى الله عنه في رواية جعفر بن محمد1 في الأسير يخير بين القتل وشرب الخمر فقال إن صبر فله الشرف وان لم يصبر فله الرخصة وقال القاضى أبو يعلى في أحكام القرآن2 الأفضل أن لا يعطى التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل واحتج بقصة عمار وخبيب بن عدى3 حيث لم يعط خبيب أهل مكة التقية حتى قتل فكان عند المسلمين أفضل من عمار والله أعلم.
1 هو أبو محمد بن محمد النسائي الشعراني من أجلة أصحاب الإمام أحمد روى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/124".
2 "أحكام القرآن" للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/105".
3 إشارة إلى صبر خبيب بن عدي واستشهاده انظر الخبر كاملا في البخاري كتاب الجهاد رقم: "3045".