الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 62
الاستثناء إخراج بعض الجملة بإلا وهي أم الباب وما قام مقامها وهي غير وليس ولا يكون وحاشا وخلا وعدا وسوى وما عدا وما خلا.
وأما سيّما إذا انتصب بعدها المعرفة فمنع الجمهور النصب وقال ابن برهان لا اعرف له وجها ووجهه بعضهم بأن ما كافة وأن لا سيّما بمنزلة إلا في الاستثناء فعلى هذا تكون من أدوات الاستثناء.
ورد بأن الاستثناء مخرج وما بعدها داخل من باب الأولى.
وأجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها وعلى هذا يكون استثناء منقطعا.
وقد عرف الاستثناء بالإخراج غير واحد من أئمة العربية كابن جني وغيره.
وعند أصحابنا والأكثرين وإخراج ما لولاه لوجب دخوله لغة قاله أبو العباس.
وقال بعض العلماء إخراج ما لولاه لجاز دخوله.
وهذا الإخراج قبل الحكم أو بعده فإذا قال له على عشرة إلا ثلاثة فالأكثرون على أن المراد بالعشرة سبعة وإلا قرينة مبينة لذلك وقال القاضي: عشرة إلا ثلاثة بإزاء اسمين مفرد ومركب.
وقيل المراد بالعشرة مدلولها ثم أخرجت منها ثلاثة وأسندتا إليها بعد الإخراج وصححه ابن الحاجب.
وقد تبين بما ذكرناه أن الاستثناء على قول القاضي: ليس بتخصيص وعلى قول الأكثرين تخصيص لأن اللفظ قد أطلق لبعضه إرادة وإسنادا وعلى الأخير يحتمل لكونه أريد الكل وأسند إلى البعض ويحتمل أنه ليس بتخصيص لأنه أريد تمام مساواته.
وقال القاضي: أبو يعلى الاستثناء كلام ذو صيغ محصورة تدل على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول.
ولا يلزم عليه القول المتصل بلفظ العموم نحو قولهم رأيت المؤمنين وما رأيت زيدا ولم أرى عمرا وخالدا لقولنا كلام ذو صيغ محصورة وحروف الاستثناء محصورة وليس الواو منها.
قال أبو العباس هذا الاستثناء في اصطلاح النحاة وأما الاستثناء في عرف الفقهاء فهذا منه قال ولهذا لو قال له هذه الدار ولى منها هذا البيت كان هذا استثناء عندهم فالاستثناء قد يكون بما هو أعم من ذلك كالجملة كما أن الاستثناء بالمشيئة هو استثناء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والفقهاء وليس استثناء في العرف النحوي.
قلت إن أراد أبو العباس أن قول المقر له هذه الدار ولى منها هذا البيت أنه من الاستثناء العام باعتبار الإخراج من حيث الجملة فظاهر وإن أراد أنه مساو للفظة إلا أو ما قام مقامها ففيه إشكال إذ قد فرق الأصحاب بين قول المقر له هذه الدار وهذا البيت لي فإنه يصح ولو كان البيت معظمها وبين قوله له هذه الدار إلا ثلاثة أرباعها أو إلا ثلثيها فإنه استثناء للأكثر ولا يصح عندنا.
إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بالاستثناء بإلا أو إحدى أخواتها وبالاستثناء بالمشيئة.
منها: أنه لا يجوز أن يستثنى الأكثر من عدد مسمى عند أصحابنا ذكره الخرقى وأبو بكر ونص عليه أحمد في الطلاق وقال به أكثر النحاة من البصريين وغيرهم ونصره ابن الباقلانى في كتاب التقريب من أصول الفقه.
قال أبو البركات وذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين إلى جواز استثناء الأكثر.
قلت وهو وجه لأصحابنا اختاره أبو بكر الخلال.
ولنا في النصف وجهان وذكرهما أبو الفرج وصاحب الروضة روايتين وذكر ابن هبيرة الصحة ظاهر المذهب.
قال أبو البركات ولا خلاف في جواز استثنائه إذا كانت الكثرة مفهومة من دليل خارجي لا من اللفظ.
وحيث قلنا بجواز الاستثناء فلا فرق بين استثناء عقد من العقود أو بعض عقد.
وقال بعض الأدباء لا يستثنى عقد من العقود بل بعض عقد فلا يصح استثناء واحد من عشرة ولا عشر من مائة ولا مائة من ألف بل بعض واحد وبعض عشرة وبعض مائة.
وأما الاستثناء المستغرق فباطل إجماعا ذكره غير واحد ولكن قال ابن طلحة في كتاب المدخل له في الفقه إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا هل يقع الطلاق على قولين.
قال بعض المالكية ومقتضى هذا النقل جواز استثناء الكل من الكل.
قال أبو العباس وليس كذلك وإنما هذا على قول مالك يتمشى وبيض لذلك.
قلت ولقائل أن يقول: إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أنه يقع واحدة إذا قلنا يصح استثناء الأكثر واثنتان على المذهب لأن استثناء الأقل عندنا صحيح ولنا في الأكثر وجه فالمستثنى للثلاث جامع بين ما يجوز وما لا يجوز فيخرج على قاعدة تفريق الصفقة والله أعلم.
ومحل امتناع الاستثناء في غير الصفة أما في الصفة فإنه يجوز استثناء الأكثر والكل.
قال أبو يعلى الصغير وأبو الخطاب وغيرهما من أصحابنا في قوله تعالى:
{إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] أنه استثناء بالصفة وهو في الحقيقة تخصيص وأنه يجوز فيه الكل نحو اقتل من في الدار إلا بني تميم وإلا البيض فيكونون بيضا أو من بني تميم فيحرم قتلهم.
ونقل أبو حيان عن الفراء أن الاستثناء يجوز أن يكون أكثر ومثل بقول المقر له على ألف إلا ألفين قال إلا أنه يكون منقطعا.
وقد تقدم وتقرر أن المذهب لا يصح استثناء الأكثر فكيف صحح الأصحاب في الوصايا استثناء الربع من الثلث والخمس من الربع ونحو ذلك وقد بينه أبو الخطاب لذلك الإشكال في التهذيب1. وأجاب عنه بأن هذا ليس من باب استثناء الأكثر وإنما هو كأنه أوصى بشيء ثم رجع في بعضه وترك البعض.
وفي هذا الجواب نظر إذ هو تحويل للفظ الاستثناء إلى غير معنى الرجوع.
وأيضا فإن الرجوع لا يكون إلا بعد استقرار الحكم والاستثناء مانع من استقرار الحكم وحقيقته إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ فهو مانع من دخول ما يقتضى اللفظ دخوله لا أنه يستقر دخوله ثم يخرج.
اللهم إلا أن يقال في تحريره إنا إنما منعنا استثناء الأكثر لأنه إبطال للفظ الأول لا تخصيص له وهو لا يملك إبطالهما بالرجوع فنزل استثناء الأكثر فيها منزلة الرجوع.
واستشكل الحارثي في مسألة من له ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال فأورد هنا أن الاستثناء مستغرق لأن المثل مع الثلاثة ربع فكيف يستثنى منه الربع؟
وأجاب عنه بأن الاستثناء يتبع به النصيب فيتبع الوصية لأن الحاصل للوارث مع عدم الاستثناء ربع فقط ومع الاستثناء ربع وشيء فالمثل الموصى به كذلك فإذا استثنى منه الربع لم يكن الاستثناء مستغرقا.
ثم قال ولقائل أن يقول: الزيادة على الربع إنما تثبت بالاستثناء والقدر
1 وهو مصنف في الفرائض لأبي الخطاب الكلوذاني انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/117".
الثابت بالاستثناء ولا يثبت قبله فلا يحصل بذلك تخليص عن الإيراد والله أعلم.
وأجاب بعض المتأخرين عن الأول بما ذكره أبو محمد المقدسي وغيره من أن استثناء الأكثر إنما يمنع من العدد خاصة أما من الجموع المستغرقة فلا يمتنع استثناء الأكثر وكذلك اختار ابن عصفور1.
ولقائل أن يقول: الأجزاء تنزل منزلة الأعداد لأنها نصوص فيما دلت عليه فهي كالعدد.
ويجاب عنه بأن الأجزاء هنا غير مصرح بها فإنه لم يقل أوصيت له بالربع إلا الخمس وإنما ذكر ما يقتضى ذلك واستثناء الأكثر إنما يمتنع إذا كانت الكثرة مستفادة من اللفظ نحو له علي عشرة إلا تسعة أما إذا كان الاستثناء مخصصا بوصف واتفق أن الموصوف به أكثر من الباقي لم يكن ذلك من القسم الممنوع وقد تقدم ذلك في استثناء الكل بالصفة ففي الأكثر أولى.
وذكر أبو العباس في مسائل التعداديات الاتفاق على جواز ذلك.
وفي هذه المسائل ليس في اللفظ ما يدل على أن المستثنى أكثر من المستثنى منه وإنما يعلم ذلك بالنظر والفكر.
وأما الثاني: فتحرر الجواب عنها أنها مغلطة فإن قوله أوصى له بالربع2 غير صحيح بل إنما أوصى له بمثل نصيب ابن ونصيب الابن هو ما يستقر له واستثنى من هذا النصيب المستقر ربع المال ولا شك أن النصيب المستقر أزيد من ربع المال كما يظهر ذلك عمل المسألة.
وحينئذ فقوله ولقائل أن يقول: الزيادة على الربع إلى آخره3 غير مستقيم لأن الوصية لم تحصل بالربع وإنما حصلت بنصيب الابن وقد تقرر أن
1 هو النحوي الصرفي اللغوي أبو الحسن علي بن مؤمن بن محمد بن علي الحضرمي الإشبيلي [597 – 663] من مصنفاته: "شرح الجمل" في النحو للزجاج و"الممتع" في المصرف.
2 انظر الصفحة السابقة.
3 انظر الصفحة السابقة.
ذلك أكثر من الربع والله أعلم.
ومنها: لو وصى بثلاثة إلا شيئا أو بألف إلا شيئا فعلى المذهب له النصف وأدنى مقول وعلى القول باستثناء الأكثر له أدنى مقول ولو قال إلا قليلا قال الحارثي: فلذلك ذكروه في الأقارير قال لأنه مبهم أشبه قوله إلا شيئا قال والأظهر أن له الثلثين وزيادة لأن الثلث كثير فلا يدخل تحت استثناء القليل والله أعلم.
ومنها: حيث قلنا بجواز الاستثناء فلا فرق بين الطلاق وغيره هذا المذهب.
وقال أبو بكر عبد العزيز من أصحابنا لا يصح الاستثناء في الطلاق.
قال أبو العباس قول أبى بكر رواية منصوصة عن الإمام أحمد وأكثر الأصحاب خصوا قوله بالاستثناء في عدد الطلاق دون عدد المطلقات ومنهم من حكى عنه إبطال الاستثناء في الطلاق مطلقا وهو ظاهر ولا فرق على إطلاق الأكثرين في الطلاق بين تقدير الإيقاع وتأخيره.
وقال صاحب الترغيب لو قال الزوج لزوجاته أربعتكن طوالق إلا فلانة لم يصح على الأشبه لأنه صرح بالأربعة وأوقع الطلاق عليهن ولو قال أربعتكن إلا فلانة طوالق صح الاستثناء ومقتضى تعليله في الصورة بطلان الاستثناء من الأعداد في الإقرار إذا قال له علي عشرة إلا ثلاثة ومعلوم أنه ليس كذلك.
وعلى إطلاق الأكثرين لا فرق بين كلام الله تعالى وغيره في جواز الاستثناء وحكى بعض المتأخرين قولا أنه إنما يجوز الاستثناء في كلام الله تعالى فقط.
ومنها: حيث قلنا بجواز الاستثناء فيشترط له الاتصال لفظا أو حكما كانقطاعه بتنفس ونحوه عند الأئمة الأربعة وغيرهم والمتكلمين وروى سعيد بن منصور قال حدثنا معاوية حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي
الله عنهما أنه يرى الاستثناء جائزا ولو بعد سنة الأعمش1 مدلس ومعناه قول طاووس2 وحكى عنه أيضا جوازه إلى شهر وحكى عنه أبدا وحكى عن مجاهد جوازه إلى سنتين.
وقال بعض المالكية يصح اتصاله بالنية وانفصاله لفظا فيدين.
قال الآمدي: ولعله مذهب ابن عباس.
قال الإمام أحمد قول ابن عباس إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه ليس هو في الأيمان إنما تأويله قول الله عز وجل {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً*إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23، 24] فهذا استثناء من الكذب لأن الكذب ليس فيه كفارة وهو أشد من اليمين لأن اليمين تكفر والكذب لا يكفر.
قال ابن الجوزي فائدة الاستثناء خروج الكذب قال موسى عليه السلام {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً} [الكهف: 69] ولم يصبر فسلم منه بالاستثناء.
قلت مراد أحمد رضي الله والله أعلم أنه إذا نسى أن يقول: أفعل كذا إن شاء الله تعالى فيقول: متى ذكر وعليه يحمل مذهب ابن عباس.
وعن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى يصح الاستثناء في اليمين منفصلا في زمن يسير ثم هل يشترط اتحاد المجلس أم لا قولان وهل يشترط أن لا يفصل بينهما بكلام قولان.
قال أبو العباس: أحمد لم يعتبر مجلس الأبدان المعتبر في الأفعال فإن هذا قد يطول يوما وأكثر وأقل وإنما قال إذا سكت قليلا وقال إذا كان بالقرب ولم يختلط كلامه بغيره قال: والروايتان عن أحمد في اليمين يجب إجراؤهما في جميع صلات الكلام المعتبرة له من التخصيصات والصفات والأبدال والأحوال ونحو ذلك.
1 هو المحدث المقرئ: أبو محمد سليمان بن مهران الكوفي المعروف بـ "الأعمش"[ت 148هـ] .
2 هو التابعي الفقيه: أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الفارسي ثم اليمني [ت 106هـ] .
قلت ولهذا ذكر ابن الزاغونى في الواضح1 في الإقرار إن سكت المقر عما يمكنه الكلام فيه ثم استثنى فروايتان أصحهما لا يصح استثناؤه والثانية يصح كما لو تقارب ما بينهما ومنع بناءهما مانع.
ويشترط نية الاستثناء هذا المذهب وقال القاضي: في موضع من كلامه في الاستثناء في اليمين يتوجه أن يصح من غير نية وإذا قلنا بالمذهب وهو اشتراط نية الاستثناء فما محلها في ذلك ثلاثة أقوال.
أحدها: وهو ما قاله صاحب الترغيب من عنده أنه يتوجه أن يكون محله في أول الكلام.
والثاني: وهو ما قاله صاحب المغنى وغيره أنه يصح ولو بعده واختاره أبو العباس وقال لا يضر فصل يسير بالنية وبالاستثناء واحتج بالأخبار الواردة في الأيمان.
والثالث: وهو ما قاله صاحب المحرر وغيره أن محله قبل تكميل المستثنى منه وعدى صاحب المحرر الحكم في النية إلى الشرط الملحق والعطف المغير والاستثناء بالمشيئة ونية العدد بحيث يؤثران وهو مراد غيره.
ومنها: أنه لا يجوز تقديم المستثنى في أول الكلام كقولك إلا زيدا قام القوم كحرف العطف إذ لا معنى لقول إلا زيدا واختاره الكوفيون والزجاج2 ولو تقدمه حرف نفي فالمنع أيضا باق كقولك ما إلا زيدا في الدار أحد بخلاف ما لو كان النافي فعلا فإنه يجوز كقولك ليس إلا زيدا فيها الدار أحد وكذلك لم يكن إلا زيدا فيها أحد ويتعلق بذلك إذا قال المقر ليس له على عشرة إلا خمسة وفي المسألة قولان.
أحدهما لا يلزمه شيء لتخبيط اللفظ.
والثاني: وهو الصحيح يلزمه ما أثبته وهي الخمسة لأن التقدير:
1 مصنف في الفقه لأبي الحسن بن الزغوني انظر الذيل على طبقات الحنابلة "1/181".
2 هو العلامة النحوي: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج البغدادي [ت 311هـ] صاحب "معاني القرآن" مطبوع و"الآمالي" مطبوع و"الإشتقاق".
ليس له على عشرة لكن خمسة ولأنه استثناء من نفي فيكون إثباتا.
وإما إذا توسط المستثنى بين المستثنى منه والمنسوب إليه الحكم فيجوز كقولك قام إلا زيدا القوم والقوم إلا زيدا ذاهبون نعم إذا تقدم على المستثنى منه وعلى العامل ففي ذلك مذاهب.
ثالثها وهو مختار أبى حيان إن كان العامل متصرفا كقولك القوم إلا زيدا جاءوا وإن كان غير متصرف نحو الرجال إلا عمرا في الدار فلا يجوز.
ومنها: أنه يصح الاستثناء من الاستثناء جزم به الأصحاب وغيرهم لقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الحجر: 58، 60] فإذا تعقب الاستثناء وحده استثناء باطل فهل يلغى ذلك الاستثناء الباطل وما بعده أو يلغى وحده ويرجع ما بعده إلى ما قبله أو ينظر ما يؤل إليه جملة الاستثناءات في ذلك ثلاثة أوجه.
ولنضرب لذلك مثلا وقس عليه ما يرد عليك من هذا الباب فإذا قال له على عشرة إلا عشرة إلا أربعة إلا واحدا.
فعلى الوجه الأول يلزمه عشرة ويلغو قوله إلا أربعة إلا واحدا لأنه فرع على استثناء باطل.
وعلى الوجه الثاني: يلغو المستغرق وحده تخصيصا للبطلان به ويلزمه سبعة وهذا مبنى على أن الكلام المتخلل بين المستثنى والمستثنى منه غير قاطع للاستثناء.
وعلى الوجه الثالث: ينظر ما تؤل إليه جملة الاستثناءات الباطل منها والصحيح فيلزمه في الصورة المذكورة ثلاثة.
والطريق العام في استخراج الباقي عند تكرر الاستثناءات مبنى على أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي.
فتقول في الصورة المذكورة أثبت عشرة ثم نفاها ثم أثبت من العشرة المنفية أربعة ثم نفي من هذه الأربعة المثبتة واحدا فبقى ثلاثة.
لكن عند كثرة الاستثناءات يصعب سلوك هذه الطريق ويشق ضبطه فلك فيه طريقان سهلان جدا.
أحدهما أن تأخذ شفع الأعداد ووترها وتعرف مقدار كل واحد منهما وتلقى أقلهما من أكثرهما فما بقى فهو الجواب.
وضبط هذا بالشفع والوتر إنما يصح إذا لم يكن في الاستثناءات استثناء مستغرق فإن كان فيها استثناء مستغرق كالصورة المذكورة فضبطه أن تأخذ الأعداد المثبتة فتعرف جملتها ثم المنفية كذلك ثم تلقى أقلها من أكثرها فالباقي هو الجواب.
فنقول في الصورة المذكورة أن تأخذ العشرة والأربعة فيهما شفعان مثبتان وذلك أربعة عشر وتأخذ العشرة الثانية والواحد وهما منفيان وذلك أحد عشر فتلقيها من الأربعة عشر يبقى ثلاثة كما سبق.
ولو اعتبرته ههنا بالشفع والوتر لم يصح إذ ليس معك وتر إلا الواحد والشفع أربعة وعشرون تلقى منها الواحد يبقى ثلاثة وعشرون وليس ذلك بالحق وإنما جاء ذلك من الاستثناء المستغرق لأنه شفع بعد شفع.
وكذا لو كان وترا بعد وتر نحو تسعة إلا تسعة إلا أربعة إلا واحدا فطريق النفي والإثبات تأخذ التسعة الأولى والأربعة وذلك ثلاثة عشر والتسعة الثانية والواحد وذلك عشرة تلقيها من ثلاثة عشر تبقى ثلاثة.
وبطريق الزوج والفرد تحتاج أن تلقى الأربعة من تسعة عشر يبقى خمسة عشر وليس بالصواب.
فبالجملة طريق النفي والإثبات أعم وهي الأصل وطريق الزوج والفرد يصح لمخصوص المادة غالبا بشرط أن لا يكون هناك استثناء مستغرق لأنه يكون مساويا لما قبله في الزوجية والفردية فيختل العمل.
والطريق الثاني: أن تلقى آخر الاستثناءات مما قبله ثم الباقي منه فما قبله كذلك إلى أن يصل إلى المستثنى منه أولا فما بقى فهو الجواب.
ولنضرب لذلك مثالا إذا قال المقر له على عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا.
فبطريق النفي والإثبات أو الزوج أو الفرد نأخذ العشرة والثمانية والستة والأربعة والاثنين وهي الأعداد الشفع المثبتة وجملتها ثلاثون ونأخذ 2التسعة والسبعة والخمسة والثلاثة والواحد وهي الأعداد الوتر المنفية وجملتها خمسة وعشرون نلقيها من الثلاثين يبقى خمسة وهو الجواب.
وبطريق الترقي من آخر الاستثناءات إلى أولها نلقى الواحد من الاثنين يبقى واحد نلقيه من الثلاثة يبقى اثنان نلقيهما من الأربعة قبلها يبقى اثنان نلقيهما من الخمسة يبقى ثلاثة نلقيها من السبعة يبقى أربعة نلقيها من الثمانية يبقى أربعة نلقيها من التسعة يبقى خمسة نلقيها من العشرة يبقى خمسة كالجواب بالطريقين.
ومنها: هل يرجع الاستثناء إلى ما يملكه المكلف كما ذكره القاضي أو إلى ما تلفظ به؟
في المسألة وجهان ذكرهما غير واحد.
فيظهر أثرها إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق خمسا إلا واحدة فإن قلنا يرجع إلى ما تلفظ به فيقع الثلاث كأنه قال أنت طالق أربعا وإن قلنا يرجع إلى ما يملكه فيقع اثنان كأنه استثناء واحدة من ثلاث وإن قال أنت طالق أربعة إلا اثنتين فعلى الوجه الأول يصح الاستثناء ويقع اثنتان إذا قلنا بصحة استثناء النصف وعلى قول القاضي لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى ثلاث فيكون استثناء للأكثر وعندنا لا يصح على الصحيح.
ومنها: الاستثناء من غير الجنس لا يصح عند أحمد وأصحابه وزفر ومحمد1 وذكره الآمدي عن الأكثر وذكر التميمي أن أصحاب أحمد اختلفوا فيه وعن أحمد يصح استثناء نقد من آخر.
1 أي محمد ين الحسن الشيباني.
قال صاحب الروضة روضة الفقه من أصحابنا بناء على أنهما جنس واحد أو أو جنسان.
وما قاله غلط إلا أن يريد ما قاله القاضي في العدة وابن عقيل في الواضح أنهما كالجنس الواحد في أشياء وفي المغنى يمكن حمل الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفي ذلك.
فعلى قول صاحب الروضة والعدة والواضح يختص الخلاف بالتقدير.
وعلى ما حمله صاحب المغنى ينبغي الخلاف.
وقال بعض أصحابنا يلزم من هذه الرواية صحة استثناء نوع من نوع آخر وقال أبو الخطاب يلزم من هذه الرواية صحة الاستثناء من غير الجنس وقالت المالكية وابن الباقلانى وجماعة من المتكلمين والنحاة بالصحة وللشافعية كالقولين.
وقال ابن برهان عدم صحته قول عامة أصحابنا والفقهاء قاطبة وحكاه جماعة عن أبى حنيفة والأشهر عنه صحته في مكيل أو موزون من أحدهما فقط.
ومنها: الاستثناء إذا تعقب جملا عطف بعضها على بعض الواو ويصلح عوده إلى كل واحد منها فإنه يعود إلى جميعها إلى أن يرد دليل بخلافه عند أصحابنا والشافعية والمالكية.
قال أحمد في رواية ابن منصور قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن الرجل الرجل في أهله ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" 1 قال أرجو أن يكون الاستثناء عائدا
1 نص الحديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة فإن كانت قراءتهم سواء فيؤمهم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ولا يؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك أو بإذن" رواه مسلم عن أبي مسعود الأنصاري وأورد رواية أخرى منها: "....... ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذن" والتكرمة الفراش........................................==
== ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به مسلم كتاب المساجد "673" وفي الترمذي "لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" كتاب الأدب رقم: "2772".
على كله.
وقالت الحنفية يعود إلى الأخيرة وقال جماعة من المعتزلة منهم عبد الجبار وأبو الحسين ومعناه قول القاضي في الكفاية إن تبين إضراب عن الأولى فللأخيرة وإلا فللجميع.
والإضراب أن يختلفا نوعا كالأمر والخبر نحو أكرم بني تميم وجاء القوم إلا الطوال أو يتحدا نوعا أو يتحد نوعا وحكما ويختلفا اسما وحكما بني تميم وسلم على ربيعة إلا الطوال أو يختلفا نوعا واسما لا حكما لكن لا يشتركان في عوض واحد نحو سلم على بني تميم واستأجر بني تميم إلا الطوال.
وتوقف ابن الباقلاى والغزالى وجماعة من الشافعية وحكاه القاضي عن الأشعرية لتعارض الأدلة.
قال أبو البركات وعندى أن حاصل قول الأشاعرة يرجع إلى قول الحنفية قال ابن عقيل وغيره قول الأشعرية محدث بعد الإجماع.
وقال المرتضى1 الشيعي بالاشتراك كالقرء والعين لأنه ورد للأخيرة وللكل ولبعض الجمل المتقدمة.
قلت فحاصل قول المرتضى يرجع إلى أن يكون ذاك مجملا.
وقيل إن كان بينهما تعلق كأكرم العلماء والزهاد وأنفق عليهم إلا المبتدعة وإلا فللأخيرة قال أبو البركات ولفظ الجمل يراد به لما فيه شمول لا يراد به الجمل النحوية ولهذا ذكر القاضي وغيره الأعداد من صورها وسوى
1 هو العلامة الأصولي الفقيه المتكلم الأديب الشاعر: الشريف أبو القاسم علي بن الحسين ابن موسى بن محمد بن إبراهيم المعروف بـ الشريف "المرتضى"[355 – 436هـ] له تصانيف عدة منها في الأصول: "الذخيرة" وفي الفقه "الإنتصار" و"المسائل الناصرية".
بين قوله رجل ورجل وبين قوله: رجلان.
وقد ذكر أصحابنا في الاستثناء في الإقرار إذا تعقب جملتين هل يعود إليهما أو إلى الثانية على وجهين كما لو عطف المستثنى فهل يصير المعطوف والمعطوف عليه جملة واحدة أو هما جملتان على وجهين.
وقال أبو العباس وكثير من الناس يدخلون في هذه المسألة الاستثناء المتعقب أسماء فيريدون بقولهم جملا الجملة التي تقبل الاستثناء لا يريدون بها الجملة من الكلام قال وهذا موضع يحتاج إلى الفرق لأنه فرق بين أن يقال أكرم هؤلاء وهؤلاء إلا الفساق والله أعلم.
وقولنا في فرض المسألة الاستثناء إذا تعقب جملا وعطف بعضها على بعض بالواو وكذا ذكره القاضي في العدة وأبو الخطاب في التمهيد وغيرهما في بحث المسألة أن واو العطف تجعل الجملة كجملة واحدة وكذا بحثوا في الواو وأنها للجمع المطلق لا ترتيب فيها وأنه هو المعنى الموجب لجعل الجمل كجملة واحدة وبنوا على ذلك أنت طالق وطالق وطالق إلا واحدة هل يصح الاستثناء وأنه لو أتى بالفاء أو بثم لم يصح لأن الترتيب إفراد الأخيرة عما قبلها فاختص بها الاستثناء فلم يصح وكذا فرض المسألة الآمدي وابن الحاجب واستدلال الإمام فخر الدين وأتباعه يقتضيه.
وقال أبو العباس موجب ما ذكره أصحابنا وغيرهم أنه لا فرق بين العطف بالواو أو بالفاء أو بثم على عموم كلامهم وقد ذكروا في قوله أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار وجهين وفي هذا التنظير بحث.
قال وذكره أبو المعالي فرقا بين الحرف المرتب وغيره في الاستثناء والصفة في شروط الوقف وهو بعيد جدا.
قلت ما ذكره أبو العباس عن أبى المعالي الشرطين اللذين اشترطهما لعود الاستثناء إلى الجميع.
والشرط الثاني: الذي اشترطه أبو المعالي في عود الاستثناء إلى الجميع هو أن لا يتخلل بين الجملتين كلام طويل فإن تخلل كقول الواقف على قوم على
أن من مات منهم وأعقب فنصيبه بين أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يعقب فنصيبه للذين في درجته فإذا انقرضوا فهو مصروف إلى إخوتي إلا أن يفسق أحدهم فالاستثناء يختص بإخوته.
قلت قريب من هذا الذي قاله أبو المعالي ما قاله بعض أصحابنا إذا وقف الواقف على أولاده وأولاد فلان ثم المساكين على أن لا يعطى منهم إلا صاحب عيال أنه يختص الشرط بالجملة الأخيرة قال لأنها أجنبية من الأولى.
تنبيه
مثل قول القائل بني تميم وربيعة أكرمهم إلا الطوال للجميع وجعله في التمهيد أصلا لمسألة الخلاف.
ومما يتعلق بعود الاستثناء إلى الجميع أو الجملة الأخيرة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] تضمنت الآية الكريمة أن القذف يتعلق به ثلاثة أحكام وجوب الجلد ورد الشهادة وثبوت الفسق.
فمن رأى أن الاستثناء يعود إلى الأخيرة فقط وهو أبو حنيفة قال إذا تاب القاذف زال فسقه ولم تقبل شهادته إذا جلد لأن الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] لم يتعلق بقوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [النور: 4] فيبقى على عمومه في الزمان.
وقد يقال في الآية الكريمة إنها تضمنت حكمين وجوب الحد وثبوت الفسق أما رد الشهادة فهو من آثار الفسق ومن لوازمه ومترتب عليه فإذا زال الفسق الذي هو المؤثر بالتوبة زال أثره الذي هو رد الشهادة.
وأما من رأى عوده إلى الجميع فقال جماعة منهم مقتضى هذا الأصل أن يعود إلى الفسق ورد الشهادة والحد لكن منع من عوده إلى الجلد الإجماع فإن حد القذف لا يسقط بالتوبة بالإجماع فيبقى الباقي على مقتضى الأصل.
قلت ودعوى الإجماع لا تصح فإن ابن الجوزى جزم بعوده إلى الجلد
وأنه قول أحمد وجزم به صاحب المغنى أيضا في أول مسألة شهادة القاذف لما بحث مع الحنفية المسألة وأنهم قالوا الاستثناء لا يعود إلى الجلد ومنعهم وقال بل يعود إليه أيضا انتهى.
يؤيد أن حد القذف يسقط بالتوبة لو قذف شخص شخصا لا يجب عليه إعلامه والتحلل منه وهو أصح الروايتين عن الإمام أحمد حتى إنه يحرم عليه إعلامه بذلك ذكره القاضي أبو يعلى والشيخ عبد القادر1 يقبل ههنا لا ينبغي أن يعلمه.
وأما الشرط إذا قيد به أحد المتعاطفين فقد ذكر الإمام في الحصول أن الحنفية قد وافقونا على عوده إلى الجميع وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى وأبو العباس وذكره في التمهيد إجماعا وذكر أبو محمد المقدسي في الروضة أن أكثر المخالفين سلموا أن الشرط يعود إلى الجميع ونقض عليهم بذلك وذكر في المغنى في الظهار وإذا قال أنت حرام والله لا أكلمك إن شاء الله تعالى أن الاستثناء يعود إليهما في أحد الوجهين لأن الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها ولم يوجه الثاني ولعل وجهه والله أعلم اختلاف اليمين.
ونقل الإمام في المحصول في الكلام على التخصيص بالشرط عن بعض الأدباء أن الشرط يختص بالجملة التي تليه فإن تقدم اختص بالأولى وإن تأخر اختص بالثانية وإن قلنا بعوده إلى الجميع فأطلق الجميع العطف لكن أحالوه على الاستثناء وصرح بعضهم بالواو.
وفي كلام بعض أصحابنا لو حلف لأضر بن زيدا ثم عمرا ثم بكرا إن شاء الله أنه للجميع وإن قال لمدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق فدخلت وقع ثلاثا إجماعا وإن أتى بثم فكذلك عند جماعة من أصحابنا.
وذكر القاضي وجماعة من أصحابنا تقع الثانية والثالثة في الحال وتتعلق الأولى بالدخول لأن ثم للتراخى فكأنه سكت ثم قال أنت طالق.
1 هو الشيخ الصوفي الفقيه محيى الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي [471 – 561] .
وغير المدخول بها إن دخلت وقع بالفاء واحدة فقط للترتيب وكذا يقع بغير المدخول بها بثم واحدة عند جماعة من أصحابنا وعند القاضي وجماعة إن أخر الشرط فواحدة في الحال وبطل ما بعدها وإن قدمه تعلقت الأولى بالدخول ووقعت الثانية في بالحال وبطلت الثالثة بناء على أن ثم كسكتته.
وأما التخصيص بالصفة نحو أكرم بنى تميم الداخلين فيقصر عليهم قال بعض أصحابنا والآمدي وغيرهم وهي كالاستثناء في العود إلى الجملتين وفي الروضة لأبى محمد سلم الأكثر أن التخصيص بالصفة يعود إلى الجميع ويقصر على المخالفين في الاستثناء بذلك والأظهر في عود الصفة لا فرق بين أن تكون متقدمة أو متأخرة.
قال بعض المتأخرين والمتوسطة المختار اختصاصها بما وليته.
واشترط إمام الحرمين في عود الصفة إلى الجميع الشرطين اللذين ذكرهما في الاستثناء والأكثرون أطلقوا ذلك.
وأما قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فأنه يعود إلى الأخيرة فقط لأن الأولى مجرورة بالإضافة والثانية مجرورة بمن فتمتنع الصفة لاختلاف الخبر باختلاف العامل كذا ذكره بعضهم وفيه بحث.
قال أبو العباس عطف البيان والتوكيد والبدل ونحو ذلك من الأسماء المخصصة ينبغي أن تكون بمنزلة الاستثناء قال وأما الجار والمجرور مثل أن يقول: على أنه أو بشرط أنه ونحو ذلك فإنه ينبغي أن يتعلق بالجميع قولا واحدا لأن هذه الأشياء متعلقة بالكلام لا بالاسم فهي بمنزلة الشرط اللفظي فإذا قال أكرم بني تميم أو بني أسد أو بني غطفان المجاهدين أمكن أن يكون المجاهدون غطفان فقط وإذا قال بشرط أن يكونوا مؤمنين أو على أن يكونوا مؤمنين فإن هذا متعلق بالأكثر أحرى وهو متناول للجميع تناولا واحدا بمنزلة قوله إن كانوا مؤمنين فيجب أن يفرق بين أن يكون متعلقا بالاسم وبين أن يكون متعلقا بالكلام وهذا فرق محقق يجب اعتباره.
وأما التخصيص بالغاية كأكرم بني تميم حتى يدخلوا فيقضى على غيرهم لأن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها قال بعض أصحابنا والآمدي وغيرهم وهي كالاستثناء بعد جمل في العود.
وأما الإشارة بلفظ ذلك بعد الجمل فإنه يعود إلى الجميع ذكره القاضي وابن عقيل وأبو يعلى الصغير وأبو البقاء.
وأما التقييد بعد العطف فمقتضى كلام النحاة وجماعة من الأصوليين عوده إلى الجميع.
واختلف أصحابنا في الفروع على وجهين أصحهما أن الأمر كذلك فإذا قال له على مثلا ألف وخمسون درهما فالجميع دراهم على الصحيح وقال أبو الحسن التميمي يرجع في تفسير الألف إليه.
وأما الضمير فذكر طائفة من أصحابنا أنه يعود إلى جميع ما تقدم كقولك أدخل بنى هاشم ثم بنى المطلب ثم سائر قريش وأكرمهم.
ومن مسائل الاستثناء:
الاستثناء من الإثبات كقولك قام القوم إلا زيدا فإنه يكون نفيا للقيام عن زيد بالاتفاق كما قاله الإمام في المعالم وصاحب الحاصل وغيرهما وإن اختلف الناس في مدرك ذلك.
وأما الاستثناء من النفي نحو ما قام أحد إلا زيدا فعندنا وعند الجمهور يكون إثباتا لقيام زيد.
وقال أبو حنيفة لا يكون إثباتا بلا دليل على إخراجه عن المحكوم عليهم وحينئذ فلا يلزم منه الحكم بالقيام أما من جهة اللفظ فلأنه ليس فيه على هذا التقدير ما يدل على الثانية كما قلنا وأما من جهة المعنى فلأن الأصل عدمه قالوا بخلاف الاستثناء من الإثبات فإنه يكون نفيا لأنه لما كان مسكوتا عنه وكان الأصل هو النفي حكمنا به فحكموا من جهة أن الأصل عدمه لا من جهة اللفظ.
فعلى هذا لا فرق عندهم في دلالة اللفظ بين الاستثناء من النفي والاستثناء من الإثبات وأن اللفظ لا دلالة له على إثبات المستثنى ولا نفيه.
وعليه يحمل القول الذي حكاه في المسودة وغيره عنهم أن الاستثناء من الإثبات لا يكون نفيا ومن النفي لا يكون إثباتا.
ومن فروع هذه المسألة:
إذا قال المقر ماله عندي عشرة إلا واحدا فإنه يكون مقرا بواحد في أحد الوجهين لنا لأن الاستثناء من النفي إثبات.
قال أبو العباس وعندي هذا ليس بجيد وإنما مقصوده أنه ليس له عندي تسعة ولك لأنه لو قصد الإثبات لقال ما له عندي إلا واحد ككلام العرب فيفرق بين العدد والعموم.
قلت وقد يوجه أحد الوجهين أنه لا يلزمه شيء في مسألتنا هذه ليس له عندي عشرة إلا واحد أن العشرة إلا واحد مدلولها تسعة.
ومن فروع هذه المسألة أيضا:
إذا حلف الحالف لا يلبس إلا الكتان فهل الكتان محلوف على لبسه فإذا جلس عريانا حنث بناء على قاعدة الاستثناء من النفي إثبات أو لا يحنث لأن المقصود أنه يمتنع من لبس كل شيء إلا الكتان فإنه لا يمتنع من لبسه فلا يكون محلوفا عليه في المسألة قولان للعلماء اختيار ابن عقيل الثاني.
ومن فروعها أيضا:
إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا أو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة فشاءت الثلاث أو الواحدة لم تطلق في أحد الوجهين بناء على أن الاستثناء من الإثبات نفي.
والوجه الثاني: واختاره أبو بكر تطلق في الصورة الأولى ثلاثا وفي الثانية
واحدة لأن المتبادر إلى الفهم أن ذلك تخيير بين الواحدة والثلاث والله أعلم.
ومنها: ما ذكره صاحب المغنى لو قال: امرأتي طالق إن كنت أملك إلا مائة ولم ينو شيئا وكان يملك أكثر أو أقل حنث.
تنبيه قد تقدم الاستثناء إلا في صور:
منها: الطلاق والعتاق وذلك واحد في صورها والكلام عليها إلا في الاستثناء بالمشيئة وذلك نوعان:
أحدهما أن يكون بصيغة التخيير كقوله لامرأته أنت طالق إن شاء الله ولعبده أنت حر إن شاء الله فالمذهب عندنا المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة منهم ابن منصور وحنبل والحسن بن ثواب وأبو النضر والأثرم وأبو طالب وقد توقف أحمد أيضا عن الجواب فيها في رواية جماعة منهم عبد الله وصالح وإسحاق بن هانيء وأبو الحارث والفضل بن زياد وإسماعيل بن إسحاق فمن الأصحاب من حكى ههنا رواية أخرى بعدم الوقوع كالقاضي أبى الحسين وصاحب المغنى وغيرهما.
واختار أبو العباس في هذه المسألة تحقيقا حسنا وتفصيلا بينا وهو أن الزوج إن أراد بقوله أنت طالق إن شاء الله وقوع الطلاق عليها بهذا التطليق طلقت لأن هذا كقوله أنت طالق بمشيئة الله وهذا مريد للطلاق قاصد لإيقاعه فعلمنا أن الله قد شاء وقوع طلاقه بذلك وليس قوله إن شاء الله تعليقا بل هو توكيد للوقوع وتحقيق له وإن أراد بقوله إن شاء الله حقيقة التعليق على مشيئة مستقبلة لم يقع به الطلاق حتى تطلق بعد ذلك لأنه لم يرد إيقاع هذا الطلاق عليها الآن وإنما قصد تأخير وقوع الطلاق عليها إلى أن يشاء الله وقوع طلاق عليها في المستقبل فلا تطلق حتى يطلقها الزوج لأن الله لا يشاء وقوع طلاقها حتى يطلقها الزوج فإذا طلقها الزوج بعد ذلك فقد شاء الله وقوع طلاقها حينئذ.
وكذلك إن قصد بقوله إن شاء الله أن يقع هذا الطلاق الآن فإنه يكون معلقا أيضا على المشيئة فإذا شاء الله وقوعه فقد وجد شرط وقوعه فيقع حينئذ ولا يشاء الله وقوعه حتى يوقعه هو ثانيا ومتى كان مقصوده تعليق وقوع هذا
الطلاق على وقوع طلاق آخر بها فهو كقوله إن طلقت فأنت طالق يقصد التعليق وإن كان مقصوده إخبارها أنها لا تطلق حتى يشاء الله طلاقها بعد ذلك ومتى طلقها بعد ذلك فهي طلقة واحدة.
وقد حكى طائفة من الشافعية كأبي حامد الاسفرائينى1 عن الإمام أحمد رضي الله عنه أن العتاق المستثنى فيه بالمشيئة دون الطلاق وهذا لا يثبت عن الإمام أحمد ذكره المحققون من الأصحاب منهم القاضي في خلافه وصاحب المحرر وغيرهما فإن مأخذ هذا من كلام أحمد ما روى عنه الميموني أنه إذا قال لامرأة أنت طالق يوم أتزوجك إن شاء الله ثم تزوجها لم يلزمه شيء ولو قال لأمة أنت حرة يوم أشتريك إن شاء الله تعالى ثم اشتراها صارت حرة.
فظن من لا خبرة له بأصول الإمام أحمد أنه فرق لأجل الاستثناء وإنما فرق بين الطلاق والعتاق لأجل التعليق قبل الملك فإن نصوصه بالتفريق بينهما فيصح تعليق العتق على الملك دون تعليق الطلاق على النكاح وهذا النص من جملتها.
قال أبو العباس وإنما هذا قول القدرية لأن المشيئة عندهم بمعنى الأمر والله تعالى يأمر بالعتق ولا يأمر بالطلاق قال وقد وضعوا في ذلك حديثا مسندا من رواية أهل الشام عن معاذ وأشار إلى حديث رواه ابن عدى وغيره من حديث حميد بن مالك عن مكحول عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قال لمملوكه أنت حر فهو حر ولا استثناء له وإذا قال لامرأته أنت طالق فله استثناؤه ولا طلاق عليه وهذا باطل فإن حميد بن مالك ضعيف ومكحول2 لم يلق معاذا وقد حكى الغزالى عن مالك مثل ما حكاه الاسفرائينى عن أحمد وغلطه في ذلك أبو البركات في تعليقه على الهداية.
النوع الثاني: صيغة التعليق والقسم كقوله أنت طالق إن دخلت الدار
1 هو الفقيه الشافعي أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني [344 – 406هـ] من مصنفاته: "شرح المزني" و"التعليقة" في أصول الفقه.
2 هو الفقيه أبو عبد الله مكحول بن أبي مسلم شهراب شاذل الشامي [ت 112هـ] .
إن شاء الله تعالى أو أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله أو أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله ونحو ذلك فهذا فيه نزاع معروف في مذهب الإمام أحمد.
وصور شيحنا أبو الفرج في ذلك سبع طرق للأصحاب.
الطريقة الأولى أن في المسألة روايتين مطلقا سواء كان الحلف بصيغة الجزاء أو القسم وهذه الطريقة مقتضى كلام أكثر المتقدمين من الأصحاب كأبي بكر عبد العزيز والقاضي وابن عقيل وغيرهم.
ومأخذ هذا الخلاف عند المحققين من الأصحاب وغيرهم أن الطلاق المعلق بشرط ونحوه قد تضمن شيئين إطلاقا ملتزما عند وجود شرطه وفعلا ملتزما بالطلاق بقصد الحض عليه أو المنع منه فإن غلبنا عليه جهة الطلاق قلنا هو طلاق ملتزم بشرطه وجد شرطه صار كالطلاق المنجز في حينه فلا ينفع فيه الاستثناء لاسيما ومن الناس من يمنع كونه يمينا وإنما يقول: هو طلاق معلق.
ويؤيده أنه لا تدخله الكفارة فلا ينفع فيه الاستثناء بطريق الأولى.
وإن غلبنا عليه جهة اليمين قلنا هو يمين من الأيمان فإن المقصود به الحض على فعل أو المنع منه دون وقوع الطلاق.
وإذا كان بينا دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى أو فلا حنث عليه"1.
وقد ذكر مضمون هذا المأخذ القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما وصاحب المغنى وغيرهم.
وأما أبو بكر عبد العزيز ففرق بين الاستثناء في الطلاق والاستثناء في تعليقه لأن الطلاق المنجز ماض فلا ينفع فيه الاستثناء وإن لم يكن معلقا على
1 أحمد المسند رقم: "8069" ابن ماجه كتاب الكفارات رقم: "2104 – 2105" النسائي كتاب لأيمان رقم: "3828 – 3830" أبو داود كتاب الأيمان "3261، 3292".
شرط كقوله أنت طالق غدا أو إلى سنة إن شاء الله وهو ضعيف.
الطريقة الثانية أن الروايتين في الحلف بالطلاق بصيغة القسم وفي التعليق على شرط يقصد به الحض والمنع دون التعليق على شرط يقصد به وقوع الطلاق بنية.
وهذه الطريقة اختيار أبى العباس وهي مقتضى كلام جماعة من الأصحاب لأنهم عللوا رواية صحة الاستثناء في التعليق بأن التعليق يمين والطلاق إنما يكون يمينا وحلفا إذا علق على شرط يقصد منه الحض أو المنع لدخول الدار وكلام زيد دون ما يقصد منه الوقوع كطلوع الشمس وقدوم الحاج في أصح الوجهين للأصحاب وهو اختيار القاضي في المجرد وابن عقيل وصاحبي التلخيص والمحرر وغيرهم.
فعلى هذا لو كان الطلاق معلقا بشرط يقصد به الوقوع لم ينفع فيه الاستثناء قولا واحدا كقوله أنت طالق إذا طلعت الشمس إن شاء الله تعالى فإن هذا ليس بيمين وإنما هو توقيت للطلاق بوقت معين فهو كقوله أنت طالق غدا إن شاء الله فإذا جاء وقته فقد شاء الله وقوعه فيه.
وأيضا فالاستثناء ههنا عائد إلى الإيقاع بلا ريب لا إلى وجود الوقت وعدمه ومتى كان الاستثناء عائدا إلى الطلاق لا إلى الفعل فإنه كالاستثناء في الطلاق المنجز بلا نزاع على طريقة المحققين.
والطريقة الثالثة: أن الروايتين في صيغة التعليق إذا قصد رد المشيئة إلى الطلاق أو طلق فأما إن رد المشيئة إلى الفعل فإنه ينفعه قولا واحدا وكذلك إن حلف بصيغة القسم فإنه ينفعه الإستثناء قولا واحدا وهذه طريقة صاحب المحرر.
وتوجيه هذه الطريقة أنه إذا أطلق المشيئة أوردها إلى الطلاق فإنه يخرج على الخلاف في تغليب جهة اليمين أو جهة الطلاق المعلق فحيث غلبه على جهة الحلف نفع فيه لأنه يمين ولا يخرج برد الاستثناء إلى الطلاق عن كون الصيغة يمينا فأما صيغة القسم فهي يمين محضرة لأن المشيئة فيها راجعة إلى الفعل لا تحتمل غير ذلك فينفع فيها الاستثناء.
وكذلك إذا رد المشيئة إلى الفعل في صيغة الشرط نحو أن يقول: أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله ونوى إن شاء الله دخولها فإن هذا كقوله أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله فإن صيغة القسم كصيغة الشرط غير أن المثبت في الشرط يكون منفيا في القسم وبالعكس.
وبيان أن الاستثناء ههنا ينفع أنه إذا قال أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله فقد أقسم والتزم بطلاقها أنها لا تدخل الدار إن شاء الله ذلك أي إن شاء الله لا تدخل فإن لم يشأ الله ذلك بل شاء أنها تدخل فلم يلتزم الطلاق حينئذ فإذا لم تدخل فلم يوجد المحلوف عليه فلا يحنث وإن دخلت تبينا أن الله شاء دخولها وهو لم يلتزم الطلاق إذا شاء الله دخولها بل التزم طلاقها بدخولها إلا أن يشاء الله أن لا تدخل فإن لم تدخل فلم يلتزم طلاقها حينئذ.
يوضع هذا أن قوله لا تدخلين الدار إن شاء الله معناه إن شاء الله أن لا تدخلي1 لا أن معناه أنا ألتزم بطلاقك أن لا تدخل هذه الدار إن شاء الله فإن دخلت تبينا أن الله لم يشأ ذلك وهو لم يلتزم بطلاقها حينئذ فلا تطلق.
وأما في صيغة الشرط إذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله أي أن شاء الله دخولك فهو في معنى القسم لأنه التزم بطلاقها أن لا تدخل الدار إن شاء الله أن لا تدخل فالمشيئة في المعنى عائدة إلى عدم الدخول وإن كانت في صورة اللفظ عائدة إلى الدخول فإن مقصود هذه اليمين هو عدم الدخول الذي التزمه بالطلاق فالمقصود عدمه وعدم الطلاق ليس المقصود وجوده ووجود الطلاق بخلاف ما إذا كان الشرط يقصد وجوده ووجود الطلاق عنده فإن الاستثناء ثم يعود في عادة الناس إلى وقوع الطلاق عند وجود شرطه المقصود فصار كالاستثناء في نفس الطلاق المنجز.
فتبين بذلك أن لا فرق بين صورة القسم وصورة التعليق إذا قصد رد المشيئة فيها إلى الفعل وهذا هو التحقيق والله أعلم.
والطريقة الرابعة: طريقة صاحب المغنى وهي أن الروايتين في صورة
1 في الأصل: لا تدخلين. والصواب ما أثبتناه.
التعليق بالشرط إذا لم يرد المشيئة إلى الطلاق فإن ردها إلى الطلاق فهو كما لو نجز الطلاق واستثنى فيه وإن أطلق النية فالظاهر رجوعه إلى الفعل دون الطلاق لأنه المعهود في مقاصد الحالفين بالطلاق ويحتمل عوده إلى الطلاق ولو رد المشيئة إلى الفعل نفعه قولا واحدا كما ينفعه في صيغة القسم.
وهذه توافق طريقة صاحب المحرر إلا أنها مخالفة لها في أنه إذا أعاد الاستثناء إلى الطلاق لم ينفع كما لا ينفع في المنجز وهو الذي ذكره ابن عقيل وغيره أيضا وهو أصح لأنه منع من ذلك مطلقا من غير استثناء فالتزم الامتناع منه بالطلاق إن شاء الله ذلك الالتزام ولا تنفعه المشيئة شيئا لأن حكم الالتزام أمر شرعي قد شاءه الله كما شاء وقوع الطلاق المنجز عند إيقاعه.
والطريقة الخامسة: طريقة صاحب التلخيص وهي حمل الروايتين على اختلاف حالين فإن كان الشرط نفيا لم تطلق نحو إن قال أنت طالق إن لم أفعل كذا إن شاء الله فلم يفعله فلا يحنث وإن كان إثباتا حنث نحو إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء الله ففعلته فإنه يحنث.
وهذه الطريقة مخالفة للمذهب المنصوص لأن نص أحمد إنما هو في صورة الشرط الثبوتي وقد اختلف قوله فيه على روايتين فكيف يصح تنزيل الروايتين على اختلاف حالين ولكن شبهة صاحب هذه الطريقة أنه إذا كان الشرط نفيا وقد استثنى فيه بالمشيئة فلم يلتزم الطلاق عند انتفائه بخلاف ما إذا كان الشرط ثبوتيا فإنه التزم الطلاق عند وجوده.
والطريقة السادسة: طريقة القاضي أبي يعلى في الجامع الكبير أنه قال عندي في هذه المسألة تفصيل ثم ذكر ما مضمونه أنه إذا لم توجد الصفة التي هي الشرط المعلق عليه الطلاق انبنى الحكم على علة وقوع الطلاق المنجز المستثنى منه فإن قلنا العلة أنه علقه بمشيئة لا يتوصل إليها لم يقع الطلاق رواية واحدة لأنه علقه بصفتين إحداهما دخول الدار مثلا والأخرى المشيئة وقد وجدتاه فلا يحنث.
وإن قلنا العلة علمنا بوجود مشيئة الله لوجود لفظ الطلاق انبنى على أصل آخر وهو ما إذا علق الطلاق بصفتين فوجدت إحداهما مثل أن يقول: أنت
طالق إن دخلت الدار وشاء زيد فدخلت الدار ولم يشأ زيد فهل يقع الطلاق على روايتين كذلك ههنا يخرج على روايتين.
وأما إن وجدت الصفة وهي دخول الدار فإنه ينبني التعليلين أيضا فإن قلنا قد علمنا مشيئة الطلاق وقع رواية واحدة لوجود الصفتين جميعا.
وإن قلنا لم نعلم مشيئته انبنى على ما إذا علقه على صفتين فوجدت إحداهما ويخرج على روايتين.
والطريقة السابعة: طريقة ابن عقيل في المفردات فإنه جعل الروايتين في وقوع الطلاق بدون وجود الصفة فأما مع وجودها فيقع الطلاق قولا واحدا.
وجعل مأخذ الروايتين في وقوعه قبل الصفة أن المشيئة إن عادت إلى الطلاق كما شاء وقع المنجز وإن عادت إلى الفعل لم يقع الطلاق حتى توجد.
قال لأن المعنى في قوله: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله أنت طالق إن شاء الله دخولك الدار فمتى دخلت وقع بغير خلاف.
وهذه أضعف الطرق وفسادها من وجهين:
أحدهما قوله: إن عادت المشيئة إلى الطلاق فقد شاءه الله فيقع فيقال هذا طلاق معلق بشرط فكيف يقال إن الله شاءه قبل وجود شرطه وهذا بخلاف المنجز فإن الله شاء وقوعه عند تنجيزه؟
والثاني: قوله: وإن عادت إلى الفعل وقع الطلاق لأن المعنى أنت طالق إن شاء الله ذلك الفعل فإذا شاءه الله وقع طلاقها فهذا إنما يسلم له لو قصد المعلق هذا المعنى وهو أن يعلق طلاقها بمشيئة الله وهذا في الشرط المختص الذي لا يقصد به الحض والمنع قد يتوجه فأما في الشرط الذي يقصد به الحض والمنع فإن الحالف في العرف إنما يقصد بالحلف المنع من ذلك الفعل إن شاء الله المنع منه أو الحض على ذلك الفعل إن شاء الله وجوده فمتى وقع الأمر بخلاف ما وقع حلفه عليه علم أن الله لم يشأ ما حلف عليه وهو إنما التزم المحلوف عليه بشرط أن يشاءه الله وقد تبين أن الله لم يشأه فلم تتناول يمينه هذه
الصورة بخلاف ما إذا كانت يمينه مطلقة غير متعلقة بمشيئة فإنها كانت تتناول هذه الصورة فيحنث بها.
تنبيه:
حيث قلنا يفيد الاستثناء بالمشيئة فسواء كان متقدما على الجزاء أو متأخرا عنه ومقتضى كلام القاضي في الجامع ولو تقدم على الشرط والجزاء لأنه قال إذا قال لزوجته إن شاء زيد فأنت طالق فالاستثناء صحيح لأنه عطف عليه بالفاء فصار كأنه قدم الطلاق قال: وكذلك إذا قال: إن شاء زيد أنت طالق انتهى.
ولا بد في الاستثناء من نطقه إلا أن يكون مظلوما خائفا فيصح استثناؤه في نفسه وعزى إلى نص أحمد وكذلك قال في المستوعب إلا أنه لم يقل خائفا وذكره عن ابن أبي موسى.
وحيث قلنا يجب نطقه فهل يجب إسماع نفسه ومع عذر بحيث يحصل السماع مع عدمه أو يكفي الإتيان بالحروف وإن لم يسمعها ولا يعتبر سماع المتكلم. وتعتبر نية الاستثناء على الصحيح وقال القاضي أبو يعلى يتوجه أن يصح من غير نية.
وتظهر فائدة الخلاف فيمن سبق الاستثناء على لسانه عادة أو أتى به تبركا.
وقد تقدم إذا قلنا باشتراط نية الاستثناء أين يكون محلها؟
وإذا شك الحالف في الاستثناء فالأصل عدمه.
وقال ابو العباس: إلا من عادته الاستثناء واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولا تجلس أقل الحيض والأصل وجوب العادة.