المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القاعدة 59 "العبيد يدخلون في مطلق الخطاب" نص عليه الإمام أحمد رضى - القواعد والفوائد الأصولية وما يتبعها من الأحكام الفرعية

[ابن اللحام]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القاعدة 1

- ‌القاعدة 2

- ‌القاعدة 3

- ‌القاعدة 4

- ‌القاعدة 5

- ‌القاعدة 6

- ‌القاعدة 7

- ‌القاعدة 8

- ‌القاعدة 9

- ‌القاعدة 10

- ‌القاعدة 11

- ‌القاعدة 12

- ‌القاعدة 13

- ‌القاعدة 14

- ‌القاعدة 15

- ‌القاعدة 16

- ‌القاعدة 17

- ‌القاعدة 18

- ‌القاعدة 19

- ‌القاعدة 20

- ‌القاعدة 21

- ‌القاعدة 22

- ‌القاعدة 23

- ‌القاعدة 24

- ‌القاعدة 25

- ‌القاعدة 26

- ‌القاعدة 27

- ‌القاعدة 28

- ‌القاعدة 29

- ‌القاعدة 30

- ‌القاعدة 31

- ‌القاعدة 32

- ‌القاعدة 33

- ‌القاعدة 34

- ‌القاعدة 35

- ‌القاعدة 36

- ‌القاعدة 37

- ‌القاعدة 38

- ‌القاعدة 39

- ‌القاعدة 40

- ‌القاعدة 41

- ‌القاعدة 42

- ‌القاعدة 43

- ‌القاعدة 44

- ‌القاعدة 45

- ‌القاعدة 46

- ‌القاعدة 47

- ‌القاعدة 48

- ‌القاعدة 49

- ‌القاعدة 50

- ‌القاعدة 51

- ‌القاعدة 52

- ‌القاعدة 53

- ‌القاعدة 54

- ‌القاعدة 55

- ‌القاعدة 56

- ‌القاعدة 57

- ‌القاعدة 58

- ‌القاعدة 59

- ‌القاعدة 60

- ‌القاعدة 61

- ‌القاعدة 62

- ‌القاعدة 63

- ‌القاعدة 64

- ‌القاعدة 65

- ‌القاعدة 66

- ‌ الفوائد الملحقة بآخر القواعد

الفصل: ‌ ‌القاعدة 59 "العبيد يدخلون في مطلق الخطاب" نص عليه الإمام أحمد رضى

‌القاعدة 59

"العبيد يدخلون في مطلق الخطاب"

نص عليه الإمام أحمد رضى الله عنه وبه قال جماعة من السلف واختاره أبو بكر بن الباقلانى وأبو عبد الله الجرجانى الحنفي وجماعة من المالكية إلا أن يدل دليل على إخراجهم.

وادعى الأصحاب في صور كثيرة أنها خرجت عن القاعدة بدليل وفي كون ذلك دليلا تخرجا نظر والأظهر جعله كالحر في جميع أحكامه إلا ما أجمع على خلافة أو صح الحديث بخلافه.

وقال بعض المالكية والشافعية لا يدخلون حكاه القاضى أبو الطيب وحكاه الحلوانى أيضا.

وقال الرازى إن ما تعلق بحقوق الآدميين لا يدخلون فيه وإلا دخلوا قال ولهذا لم يجوز أصحابنا شهادة العبيد وحكى المارودى في الحاوى والرويانى1 في البحر2 كلاهما في كتاب القضاء أن الخطاب إن تضمن تعبدا دخلوا وإن تضمن ملكا أو عقدا أو ولاية فلا.

إذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة فروع.

1 هو الفقيه الشافعي: فخر الإسلام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني الطبري [415 – 501هـ] من مصنفاته: "الكافي" في الفقه و"مناصيص الإمام الشافعي" و"حلية المؤمن".

2 وتمامه: "بحر المذهب" وهو مصنف في فروع الشافعية.

ص: 285

منها: عورة الأمة هل هى كالحرة أم لا؟

في المسألة روايتان.

إحداهما: عورتها ما لا يظهر غالبا.

والثانية: أنها ما بين السرة والركبة.

وعن أحمد رواية. ثالثة أن عورتها الفرجان فقط كالرجل.

واختلف الأصحاب في هذه الرواية هل هى ثابتة أم لا أثبتها الحلوانى في التبصرة والظاهر أنه أخذها من ظاهر عبارة شيخه أبى الخطاب في الهداية1 وتبعه ابن تميم.

قال أبو البركات ما بين السرة والركبة من الأمة فعورة إجماعا.

وقال أبو العباس قد حكى جماعة من أصحابنا أن السوأتين عورة فقط كالرواية في عورة الرجل قال وهو غلط فاحش قبيح على المذهب خصوصا. وعلى الشريعة عموما فإن هذا لم نعلمه عن أحد من أهل العلم وكلام أحمد أبعد شىء من هذا القول.

ومنها: إذا قلنا بوجوب الصلاة جماعة على المذهب أو باشتراطها على رواية ذكرها في الواضح والإقناع واختارها ابن إبى موسى وأبو العباس فإنه لا فرق بين الحر والعبد على إطلاق الأكثرين من أصحابنا وذكر جماعة روايتين في العبد هل هو كالحر في ذلك أم لا؟

ومنها: صلاة الجمعة هل تجب على العبد أم لا؟

وفي ذلك عن الإمام أحمد ثلاث روايات.

إحداهن: وهى ظاهر المذهب أنها لا تجب عليه لقول النبى صلى الله عليه وسلم في حديث طارق بن شهاب "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا

1 "الهداية" مصنف في الفقه الحنبلي لأبي الخطاب الكلوذاني طبع في الرياض "1995".

ص: 286

أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبى أو مريض"1 رواه أبو داود وقال طارق قيل رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا ورواته ثقات وذكر البيهقى أنه مرسل جيد وله شواهد وأن بعضهم وصله بذكر أبى موسى الأشعرى فيه وليس بمحفوظ.

والرواية الثانية: تجب عليه مطلقا.

والرواية الثالثة: إذا أن له سيده في فعلها وجبت عليه وإلا فلا.

ومنها: إذا ملك السيد عبده مالا وقلنا يملكه فهل تجب زكاته على العبد أم لا؟

قال أكثر الأصحاب منهم أبو بكر والقاضى وفي كلام أحمد إيماء إليه لا زكاة على السيد لانتفاء ملكه له ولا على العبد لأن ملكه مزلزل ولهذا لم تلزم فيه نفقة الأقارب ولا يعتق عليه رحمه بالشراء به وحكى بعض الأصحاب رواية بوجوب زكاته على العبد على القول بأنه ملكه.

ومنهم من اشترط مع ذلك إذن السيد لقول أحمد يزكيه بإذن السيد ومراد أحمد والله أعلم أن المال للسيد وزكاته عليه والعبد كالوكيل والمودع فلا يزكى بدون إذنه.

وحكى بعضهم عن ابن حامد أنه ذكر احتمالا بوجوب زكاته على السيد على كلا القولين لأنه إما ملكه أو في حكم ملكه لتمكنه من التصرف فيه كسائر أمواله.

ومنها: اعتكافه لا يجوز بغير إذن سيده لتفويت المنافع التى للسيد وإن نذره بغير إذن سيده فلسيده تحليله ومنعه من إتمامه هذا المذهب.

وخرج أبو البركات في منتهى الغاية لا يمنع من الاعتكاف المنذور كرواية في المرأة في صوم وحج منذور.

1 رواه أبو داود عن طارق بن شهاب وقال عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا كتاب الصلاة رقم: "1067".

ص: 287

قال ويتخرج وجه ثالث منعه وتحليله من نذر مطلق لأنه على التراخى كوجه لأصحابنا في سقوط نفقة الزوجة بذلك.

ومنها: الحج لا يجب عليه جزم به الأصحاب لأمره بالإعادة في حديث ابن عباس رضى الله عنهما "أيما صبى حج ولم يبلغ الحنث فعليه حجة أخرى وأيما أعرابى حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى" 1 والأكثرون على وقفة على ابن عباس وانفرد محمد بن المنهال برفعه وهو محتج به في الصحيحين وغيرهما وكان آية في الحفظ ولهذا صححه جماعة منهم ابن حزم وأجاب بنسخه لكونه فيه الأعرابى.

وقال الأصحاب عدم الوجوب على الجهاد والفرق بينهما ظاهر إذ الجهاد المقصود منه الشهادة فيفضى إلى ذهاب مالية السيد بخلاف الحج.

وقال طائفة لا يجب عليه الحج لأنه لا يملك.

قلت: فمفهوم هذا القول إذا قلنا يملك وفي يده مال يمكنه أن يحج فيه وجب عليه وإلا فلا يؤيده أن أبا محمد المقدسي في كتابه المغنى في كتاب الحج قال إذا ملك السيد عبده هديا وقلنا يملكه فهو كالواجد للهدى لا يتحلل إلا به انتهى.

وإنما فرضنا المسألة فيما كان في يده مال يمكنه أن يحج به أما إذا لم يكن في يده مال وأراد السيد تمليكه مالا ليحج به فلا يلزمه هنا جزما.

وعلى هذا ينزل ما ذكره صاحب المغنى من لزوم التكفير بالمال في الحج أو نفي اللزوم في الظهار وأما إذا لم يحتج العبد في حجه إلى راحلة لكونه دون مسافة القصر ويمكنه المشى بلا ضرر يلحقه فظاهر كلام الأصحاب لا يجب عليه الحج ولو أذن له سيده وقد يقال بوجوب الحج عليه في هذه الصورة إذا أذن له سيده إن لحظ في إسقاط الوجوب عنه فيما فوق مسافة القصر حق السيد وإن لحظ أنه لا يملك ما يحج به فيصير كالمعسر فههنا لا يحتاج

1 أورده صاحب "كنز العمال" وقال: رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" والضياء كنز العمال رقم: "12227".

ص: 288

إلى مال فيجب عليه كالمعسر إذا لم يجد راحلة وكانت مسافة سفره دون مسافة القصر.

فإن قلت: أيلزم من هذا القول في هذه الصورة والتى قبلها إسقاط حق السيد من منافع العبد؟

قلت: لا نسلم حق السيد في منافع العبد ثابتة في أوقات العبادات بدليل الصلاة والصوم يؤيد ذلك أنه لو نذر الحج لزمه قال صاحب المحرر لا نعلم فيه خلافا.

وهل لسيده منعه إذا لم يكن نذره بإذنه فيه روايتان وقيل إن كان النذر على الفور لم يمنعه وإلا منعه.

سلمنا لكن ينبغى إذا أذن له سيده في ذلك أنه يجب عليه كرواية سبقت في صلاة الجمعة والله أعلم.

ومنها: الجهاد لا يجب على العبد جزم به الأصحاب ولو أذن سيده وسواء كانت المسافة بعيدة أو قريبة.

واستدل أبو محمد المقدسي لعدم الوجوب على العبد بقوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 91] حرج والعبد لا يجد.

في هذا الدليل بحث. فإن قلت:: هلا قلت في الجهاد نظير ما قلته في الحج؟

قلت: قد يقال يخرج هنا مثله فيما إذا كان دون مسافة القصر وأذن له سيده وفيما إذا كان دون مسافة القصر ومعه مال يمكنه أن يتجهز به للجهاد وقلنا يملك وأذن سيده في الجهاد أنه يجب عليه في هاتين الصورتين لأنا إن لحظنا حق السيد فقد أذن وإن لحظنا ملكه لما يتجهز به فهو مالك لذلك فيجب عليه لوجود المقتضى وعدم المانع ولا بد من إذن السيد في الجهاد لما ذكرنا في مسألة الحج أن الجهاد المقصود منه الشهادة فيفضى إلى ذهاب مالية السسيد والله أعلم.

ومنها: أمان العبد لآحاد المشركين.

ص: 289

المنصوص عن أحمد يصح وظاهر كلامه أذن له سيده في القتال أم لم يأذن له.

ومنها: هل يجرى الربا بين العبد وبين سيده؟

المذهب المنصوص أنه لا يجرى لأنا إن قلنا لا يملك فواضح وإن قلنا يملك فهو ملك ضعيف في حكم ملك السيد والتزم أبو البركات في موضع جريان الربا بينه وبين سيده إذا قلنا يملك.

ومنها: تصرف العبد بالشراء في الذمة هل هو نافذ صحيح أم لا؟

ذكر أبو البركات في المسألة روايتين وصحح عدم النفوذ وذكر غيره وجهين ووجه البطلان إلحاقه بالسفيه وفيه نظر.

وفائدة الروايتين تظهر في مسألتين.

إحداهما هل يملك البائع الرجوع في عين ماله إن كان باقيا أم لا إن قلنا بعدم الصحة فله الرجوع به سواء كان في يد السيد أو يد العبد.

وإن كان قد تلف في يد العبد فهل يتعلق برقبته أو بذمته فيه روايتان الصحيح أنه يتعلق برقبته.

وإن كان قد أخذه السيد وتلف في يد البائع بالخيار إن شاء رجع على السيد في الحال وإن شاء رجع على ذمة العبد بعد عتقه وإن قلنا بالصحة فللبائع الفسخ للاعتبار بالثمن ويشترى المبيع إن كان في يد العبد.

وإن كان قد أخذه منه السيد صح اخذه كالسيد.

وإذا ملكه السيد صار كما لو تلف في يد العبد هل يتعلق برقبته أو بذمته على الروايتين ولا يملك البائع انتزاعه من السيد سواء قلنا يتعلق برقبة العبد أو بذمته.

قال صاحب التلخيص وعندى أن للبائع الرجوع مع بقائه ولو أخذه السيد على الوجهين لأن الملك واقع للسيد ابتداء فبناه على قاعدة أن العبد إذا

ص: 290

ملكه غير سيده لا يملك به رواية واحدة.

وكلام الأكثرين من الأصحاب يخالفه وقول صاحب التلخيص رحمه الله لأن الملك وقع للسيد ابتداء فيه بحث والله سبحانه وتعالى أعلم.

المسألة الثانية: بم يضمن المبيع إن قلنا بالصحة ضمن بالمسمى وإن قلنا بالبطلان ضمن بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته إن لم يكن مثليا أشار إلى هاتين المسألتين أبو محمد المقدسي وصاحب التلخيص والمستوعب وغيرهم.

ومنها: ضمانه بغير اذن سيده هل يصح أم لا؟

المنصوص أنه لا يصح الحاقا له بالسفيه وفيه نظر.

ولنا وجه بالصحة ذكره بعضهم رواية ويتبع بعد العتق وهى الأظهر.

ومنها: هل يملك العبد بالتمليك أم لا؟

في المسألة روايتان عن الإمام أحمد رضى الله عنه. أشهرهما عند الأصحاب أنه لا يملك وهى اختيار الخرقى وأبى بكر والقاضى والأكثرين.

والثانية يملك اختارها أبو اسحاق بن شاقلا وصححها ابن عقيل وصاحب المغنى وهى الأظهر.

ومنها: توكله هل يصح أم لا إن لم يأذن له سيده لم يصح سواء في النكاح وغيره ولنا وجه بالصحة في النكاح وغيره ولنا وجه بالصحة في النكاح خاصة وإن أذن له سيده صح.

وهل يصح أن يتوكل في شراء نفسه من سيده؟

فيه وجهان الصحيح الصحة وقيل روايتان.

وهل يفتقر إلى إذن السيد في ذلك قيل عقد الشراء مع السيد أو دخول السيد معه في العقد إذن في المسألة قولان.

ص: 291

ومنها: الوصية إليه هل تصح أم لا؟

مذهبنا تصح الوصية إليه سواء كان عبده أو عبد غيره ذكره أبو عبد الله بن حامد قال القاضى وقياس المذهب يقتضى صحتها قال لأنه تجوز شهادته.

إذا ثبت هذا فتصرف عبد الغير يقف على إذن السيد ذكره القاضى في التعليق لأن المنافع له فلا بد من إذنه فيها.

ومنها: هبته هل تصح أم لا؟

المنصوص عن أحمد في رواية حنبل أنها تصح بإذن سيده لا بدونها قال الحارثى وهذا على كلتا الروايتين الملك وعدمه.

ومنها: الوقف على العبد والمذهب أنه لا يصح إن قلنا لا يملك فواضح وإن قلنا يملك فملكه غير مستقر والوقف من شأنه الاستقرار على الدوام وهذا تفريع على أن الموقوف عليه يملك الرقبة أما على أنه لا يملكه فلا يعتبر لأن أكثر ما فيه انتقال ما يتجدد من ملك المنفعة إلى السيد وذلك لا يقدح في دوام الوقف.

قال الحارثى وعندى أن ما قالوا: من الاعتبار لا يحتاج إليه أيضا مع القول بملك الموقوف عليه أيضا للرقبة لأن إزالة السيد للملك نقل للملك فلأن يكون الشىء المتملك قابلا للنقل والوقف غير قابل فالوقف مستمر الدوام.

ومنها: إذا التقط العبد شيئا فإنه يصح في الجملة نص عليه في رواية حنبل وعليه الأصحاب ولا يفتقر إلى إذن السيد في الالتقاط على المذهب وعن أبى بكر خلافه ذكره السامرى أخذا من قوله في التنبيه1 "إذا التقط العبد فضاعت منه أو أتلفها ضمنها" قال فسوى بين الإتلاف والضياع ولم يفرق بين الحول وبعده فدل على عدم الصحة بدون إذن.

قال الحارثى وفي استنباط السامرى نظر ومتى انقضى التعريف الواجب

1 "التنبيه" مصنف في فروع الفقه الحنبلي لأبي بكر عبد العزيز المعروف بـ "غلام الخلال".

ص: 292

كيف كان ملك السيد عن المذهب لوجود التسبب.

وإن عرف العبد فهل يملك بتعريفه قال جمهور الأصحاب يخرج على الروايتين في ملكه بالتمليك وفي التلخيص الروايتان فيما ملكه السيد وهنا لم يملكه فلا ملك بحال وجزم في الهداية والمغنى والكافي بأنها ملك السيد من غير تعرض إلى البناء على الملك وعدمه.

وظاهر كلام ابن أبى موسى أنه يملك اللقطة وإن لم يملك بتمليك سيده لأنه تمليك شرعى ثبت قهرا فثبت له حكما وفارق الميراث لأن العبد ليس من أهله.

تنبيه:

إذا أتلف العبد اللقطة أو فرط فيها لذلك صورتان.

إحداهما أن يوجد ذلك قبل الحول ولا إشكال في تعلق الضمان برقبته ونص عليه إمامنا رضى الله عنه في رواية حنبل لوجود الجناية على مال الغير.

والثانية أن يوجد ذلك بعد الحول فمشهور المذهب الوجوب في ذمة العبد يتبع به بعد العتق لانتفاء العدوان وبه علل أحمد رحمه الله تعالى في نصه من رواية حنبل وهذا مبنى على القول بملك السيد لها قاله أبو البركات وأبو الفرج بن أبى عمر1 قالا: وإن قلنا لا يملكها ففي رقبته.

قال الحارثى وهذا إنما يتجه على تقدير أن السيد لم يتملك لكونه لم يتملك استنادا على توقف الملك على التمليك فتكون الجناية واقعة على مال المالك لاستمرار ملكه لكن فيه بعد حيث لم نقل بمثله في مقابله وهو ملك العبد.

1 هو الفقيه الحنبلي قاضي القضاة شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل [597 – 682هـ] انتهت إليه رئاسة الحنابلة في عصره انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/304" وشذرات الذهب "7/675".

ص: 293

قال ابن أبى عمر أيضا ويصلح أن ينبنى على استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته على روايتين.

قال أبو بكر في ضمانه بالإتلاف قولان أى روايتان إحداهما أنه على السيد كالجناية على الأنفس. والأخرى على العبد يتبع به بعد العتق قال السامرى لم يفرق قبل الحول وبعده.

وقال ابن عقيل لا يتجه الفرق في التعليق بالرقبة بين ما قبل الحلول وبعده لأن الضمان إنما وجب لإتلاف مال الغير وفيما بعده عند الظهور تبين أنه أتلف مال الغير فهو كما قبله.

وهذا ضعيف جدا فإنها باقية قبل الحول على ملك المالك وفيما بعده تعلق بها حق الغير فامتنع التساوى في الضمان.

وعلل صاحب التلخيص وجوب الضمان في ذمة العبد بعد الحول بأنها بعد الحول للسيد والعبد مضمونة في الذمة.

وهذا تصريح بثبوت الحكم على كلا التقديرين من ملك السيد وملك العبد. وليس كذلك فإن الإتلاف إذا حصل في ملك السيد فلا ضمان على العبد والذي تقتضيه أصول المذهب انتفاء الضمان عن العبد وثبوته على السيد لكونها ملكا له.

أما إنها ملكه فلما تقدم من أن تعريف العبد موجب له.

وأما انتفاء الضمان فلأن عدوانه إنما وقع في ملك السيد ولا شىء للسيد على عبده.

وأما ثبوته على السيد فلأن التلف حصل على ملكه وتحت يده فلزمه البدل كمباشرة تلفه وبيان كونه تحت يده من أن يد العبد الملتقط كيد سيده.

وقد يقال إذا أتلفها العبد بعد حول التعريف وثبت ملك السيد لها أنه يثبت غرما للسيد في ذمة عبده يرجع عليه به بعد العتق أخذا من نص الإمام أحمد

ص: 294

رضى الله عنه إذا زوج عبده أمة فإنه يجب عليه مهرها يرجع به عليه سيده بعد العتق.

وإذا تعلق الضمان برقبة العبد فهل على الواحد بينة بالتقاط العبد ما لم يصدقه السيد في المسألة وجهان ذكرهما ابن أبى موسى وغيره قال أوجههما يلزمه لأن إقرار العبد لا ينفذ فيما يتعلق برقبته.

والثانى لا لأن الوصف كالبينة هنا والله أعلم.

ومنها: الوصية لعبد غيره صحيحة.

ذكره القاضى وأبو الخطاب وغيرهما ونص عليه أحمد في الهبة من رواية حنبل والوصية في معناها.

ثم قال الأصحاب أيضا الوصية للسيد ونص عليه أحمد في الهبة وسواء استمر في رق الموجود أو انتقل إلى آخر.

قال الحارثي ويتخرج أنها للعبد من نص أحمد فيمن أوصى لعبده بمائة تدفع المائة إليه فإن باعه الورثة بعد فهي لهم إلا أن يشترط المبتاع فأثبت للعبد ملكا.

قال إلا أن يكون مبنيا على أنه إنما يملك بتمليك السيد فقط فلا يخرج.

وبالجملة فاختصاص العبد أظهر ولهذا يكون له إذا عتق بالاتفاق.

وأيضا فلو كانت للسيد لاختصت بالموجود حين الوصية إذ كان معلوما للموصى ولما كانت لسيد آخر لأنه ليس معلوما للموصى ولا مرادا له فتعين كونها للعبد.

وأيضا فإنه لا يقبل إلا للعبد ولو قبل السيد لنفسه لم يصح جزم به في الترغيب ولا يفتقر قبول العبد إلى إذن السيد فيه على الصحيح وهو المنصوص من رواية حنبل في الهبة.

ولنا وجه بافتقار القبول إلى إذن السيد اختاره أبو الخطاب في الانتصار.

ومنها: الميراث لا يورث العبد نص عليه إمامنا رضي الله عنه وعليه

ص: 295

الأصحاب ولو كان له مال وقلنا يملكه ذكره الأصحاب أيضا ولو عند عدم وارث على المذهب وذكر في المذهب وأبو البقاء1 في الناهض2 رواية يرث عند العدم.

ومنها: هل يكون العبد وليا في النكاح على موليته أم لا؟

المذهب المنصوص في رواية ابنيه عبد الله وصالح وإسحاق بن هانيء أنه لا يكون وليا وذكر صاحب الروضة رواية أنه يكون وليا وهي الأظهر.

وفي الانتصار في شهادة العبد لما أورد عليه أن الشهادة ولاية فليس العبد من أهلها كالقضاء وولايته على ابنته.

أجاب بأن القضاء وولايته على ابنته لا يعرف فيه رواية فيحتمل أن يصح قضاؤه وولايته على ابنته ثم سلم وفرق وأجاز قضاءه وولايته على ابنته بإذن سيده في جواب آخر.

ومنها: هل للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين أم لا؟

المذهب المنصوص في رواية الجماعة منهم صالح وابن منصور ويعقوب بن بختان أنه لا يجوز لما روى البهقي بسنده عن الحاكم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعوا على أن المملوك لا يجمع من النساء أكثر من اثنتين ولم يتناوله عموم قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] لوجهين.

أحدهما أنه أضاف النكاح إلى المخاطبين من غير توقف على إذن أحد والعبد لا ينكح إلا بإذن سيده.

الثاني أنه تعالى قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] والعبد لا يملك والله أعلم.

1 هو الفقيه والنحوي الفرضي محب الدين أبو البقاء بن الحسين العكبري الحنبلي الضرير [538 – 616هـ] من مصنفاته "اللباب في علل الأبنية والأعراب".

2 وتمامه: "الناهض في علم الفرائض" انظر كشف الطنون "4/617".

ص: 296

ومنها: تسرى العبد هل يجوز أم لا؟

وفيه طريقان.

أحدهما بناؤه على الخلاف في ملكه فإن قلنا يملك جاز تسريه وإلا فلا لأن الوطء بغير نكاح ولا ملك يمين محرم بالكتاب والسنة وهي طريقة القاضي والأصحاب بعده.

والطريق الثاني أنه يجوز تسريه على كلا الروايتين في الملك وعدمه وهي طريقة الخرقى وأبي بكر وابن أبي موسى ورجحها صاحب المغنى وشيخنا أبو الفرج فإن نصوص أحمد لا تختلف في إباحة التسرى له فتارة علل بأنه يملك وتارة اعترف بأنه خلاف القياس وأنه جاز لإجماع الصحابة عليه وهذا يقتضي أنه أجاز له التسرى وإن قيل أنه لا يملك اتباعا للصحابة في ذلك.

ووجه أن العبد وإن قيل إنه لا يملك فلا بد من أن يثبت له ملك ما يحتاج إلى الانتفاع به وكذلك يملك بعقد النكاح منفعة البضع.

ولا يجوز تسريه بدون إذن نص عليه في رواية جماعة كنكاحه ولأنه لا يملك التصرف في ماله بما يتلف ماليته ويضر به لتعلق حق السيد والتسري فيه إضرار بالجارية وتنقيص لماليتها بالوطء والحمل وربما أدى إلى تلفها.

ونقل عنه أبو طالب وإبراهيم بن هانىء يتسرى العبد في ماله كان ابن عمر رضي الله عنهما يتسرى عبيده في ماله فلا يعيب عليهم.

قال القاضي فيما علقه على حواشي الجامع للخلال ظاهر هذا يعني رواية أبي طالب وابن هانئ أنه يجوز تسريه بدون إذن لأنه مالك له انتهى.

قال شيخنا أبو الفرج ويمكن أن يحمل نصه باشتراط الإذن على التسرى من مال سيده إذا كان مأذونا له ونصه بعدم اشتراطه على تسريه من مال نفسه الذي يملكه وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية جماعة وهو الأظهر.

ص: 297

ولكن نقل عنه1 الأثرم في الرجل يهب لعبده جارية لا يطؤها ولكن يتسرى في ماله إذا أن له سيده وفسر ماله بمال العبد الذي في يديه.

وهذا نص باعتبار الإذن في التسرى من مال نفسه فيكون ذلك منه اشتراطا للإذن بكل حال وتفريقه بين ذلك وبين الأمة التي يملكه السيد فيه إشكال.

تنبيه:

الإمام أحمد رضي الله عنه متردد في تسري العبد لأمة سيده ونكاحه لها هل هما جنس واحد أم لا فقال في رواية حنبل لا يبتاع أمة مزوجة بعبده حتى يطلقها العبد فجعله ملكا لازما ونقل عنه الأكثرون جوازه.

واختلف عنه في بيع سرية عبده فنقل عنه الميموني الجواز ونقل عنه جعفر ابن محمد المنع معللا بأن التسرى بمنزلة النكاح يريد أنه لازم لا يجوز الرجوع فيه وكذا نقل عنه ابن ماهان وغيره.

واختلف عنه في جواز تسرى العبد بأكثر من اثنتين فنقل عنه الميمونى الجواز ونقل أبو الحرث المنع كالنكاح ولم يختلف عنه في أن العبد وسريته يوجب تحريمها عليه.

واختلف عنه في عتق العبد وزوجته هل ينفسخ به النكاح؟

على روايتين بناء على جهة تغليب التمليك فيه أو جهة النكاح.

وقد استشكل أكثر هذا النصوص من القاضي وربما تأولها ونزلها أبو العباس رضي الله عنه على ما كرنا.

ومنها: إذا خالعت الأمة بإذن سيدها صح وحكم العوض حكم استدانتها بإذن السيد وإن كان بغير إذنه على شيء غير معلوم في ذمتها فالذي جزم به في المغنى والمستوعب والترغيب وغيرهم صحته وتتبع به بعد العتق وهو مشكل إذ المذهب لا يصح تصرف العبد في ذمته بغير إذن

1 أي: عن الإمام أحمد بن حنبل.

ص: 298

سيده ولهذا قدم صاحب المحرر عدم الصحة.

وأما إذا خالع العبد فإنه لا يصح بإذن وبغير إذن لأنه يملك أن يطلق مجانا فملك بعوض بطريق الأولى ولكن تعليقه بالعبد أو السيد في المسألة قولان المنصوص عن أحمد أن العبد يقضبه.

ومنها: تزوجه ولذلك صورتان.

إحداهما أن يكون بغير إذن سيده وذلك باطل نقله الجماعة ولو أذن سيده بعد ذلك لما روى أبو داود وأحمد والترمذى وحسنه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" 1 ولكن هو من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل ورواه ابن ماجة من روايته من حديث ابن عمر وحديثه حسن كان أحمد وإسحاق حنبل عن أحمد أن هذا الحديث منكر.

وعن أحمد رواية أخرى أنه إن أجازه السيد جاز وإلا فهو باطل بناء على تصرف الفضولى.

فعلى هذه الرواية لو أعتقه السيد عقب النكاح من غيرإجازة قال أبو الخطاب في انتصاره يصح نكاحه وينفذ بخلاف ما لو اشترى شيئا بغير إذن السيد ثم أعتقه عقب الشراء لم ينفذ شراؤه وما قاله فيه نظر.

فإذا وطىء في هذا النكاح فإنه يتعلق برقبته وقيل بذمته مهر المثل.

وعن أحمد رواية أخرى يتعلق بالمسمى وقيل يجب خمسا مهر المثل.

وعن أحمد رواية أخرى يجب الخمسان من المسمى واحتج أحمد رضى الله عنه لرواية خمسى المسمى بقول عثمان رضى الله عنه واختارها الخرقى والقاضى وأصحابه وظاهر كلام طائفة من الأصحاب إنما صار أحمد إلى قول عثمان فى هذه المسألة توقيفا.

1 رواه أحمد عن جابر المسند رقم: "15013" والترمذي كتاب النكاح "1111 و 1112" ولفظ ابن ماجه: "إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهرا" وأورده رواية أخرى نصها: "أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان" كتاب النكاح رقم: "1959 و1960".

ص: 299

ووجهها أبو العباس بأن المهر في نكاح العبد يجب بخمسة أشياء عقد النكاح وعقد الصداق وإذن السيد في النكاح وإذنه في الصداق والدخول فإذا نكح بلا إذنه فالنكاح باطل فلم يوجد إلا التسمية من العبد والدخول منه فيجب الخمسان ونقل المروذي يعطى شيئا قلت تذهب إلى قول عثمان قال: أذهب إلى أن يعطى شيئا قال أبو بكر هو القياس.

وعن أحمد رحمه الله رواية ذكرها في المحرر لا مهر لها إن علما التحريم ولعلها مأخوذة مما نقله حنبل لا مهر لأنه بمنزلة العاهر ويروى ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وظاهر كلام جماعة أو علمته هي والأخلال بهذه الزيادة سهو وأولت هذه الرواية بتأويلات فيها نظر والله أعلم.

الصورة الثانية: أن يتزوج بإذن سيده فإنه يصح بلا خلاف ويتعلق المهر بذمة السيد في إحدى الروايات عن أحمد والثانية برقبة العبد والثالثة بهما والرابعة بذمتهما ذمة العبد أصالة وذمة السيد ضمانا والخامسة يتعلق بكسبه.

فإن قلت الكسب يملكه السيد فإذا تعلق بكسبه على الرواية الخامسة ففي الرواية الأولى وهي كونه يتعلق بذمة السيد. قلت لا نسلم اتحاد الروايتين بل فائدة الخلاف فيهما أنا إن قلنا يتعلق بذمة السيد فإنه يجب عليه وإن لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم فسخ كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه من التكسب.

وإن قلنا بتعلق كسبه فللمرأة الفسخ إذا لم يكن له كسب وليس لسيده. منعه من التكسب أشار إلى ذلك أبو محمد المقدسي وغيره والنفقة مثل المهر ذكره الأصحاب.

تنبيه:

إذا قلنا يتعلق المهر بذمة السيد ضمانا فقضاه عن عبده فهل يرجع عليه إذا عتق قال أبو العباس: ينبغي أن يتخرج هذا على الخلاف في مهر زوجته إذا

ص: 300

كانت أمة للسيد فحيث رجع هناك فكذا هنا وحيث لا رجوع هناك فكذا هنا والله أعلم.

ومنها: طلاقه لا يختلف المذهب أن العبد الذي تحته أمة لا يملك عليها سوى طلقتين.

ومنها: في القسم بين الزوجات يقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين ويبيت عند الحرة ليلة من أربع وعند الأمة ليلة من سبع عند الأصحاب لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها السابعة وعند أبى محمد المقدسي وجزم به في التبصرة من كل ثمان تكون على النصف.

ومنها: إذا صح الإيلاء فإنه يضرب للزوج أربعة أشهر من حين اليمين ولا فرق على المذهب بين الحر والعبد.

وعن أحمد رواية أن العبد على النصف من الحر نقل أبو طالب أن أحمد رجع إلى هذه الرواية وأنها قول التابعين إلا الزهري1 وحده.

ومنها: هل للعبد حضانة أم لا المذهب لا حضانة له وفي الفنون لم يتعرضوا لأم الولد ولها حضانة ولدها من سيدها وعليه نفقتها لعدم المانع وهو الاشتغال بزوج وعبد.

وقال أبو عبد الله ابن القيم في كتابه الهدى: لا دليل على اشتراط الحرية وأن الصحيح منع التفريق للأحاديث قال: وتقدم لحق حضانتها وقت حاجة الولد على حق السيد كما في البيع سواء والله أعلم.

ومنها: الأمة في العدة على النصف من الحرة في الأشهر والحيض لكن يكمل لها نصف حيضة فتكمل بحيضتين.

ومنها: إذا قتل عبد حرا يكافئه في الدين وجب عليه القصاص أخذا بعموم قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ولو قتل حر عبدا فإنه لا يقتل به.

1 هو الإمام المحدث الحافظ: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري [50 – 124هـ] .

ص: 301

قال أبو العباس: ليس في العبد نصوص صحيحة صريحة تمنع قتل الحر به بل من أجود ما روى "من قتل عبده قتلناه" 1 وهذا لأنه إذا قتله ظالما كان الإمام ولى دمه.

وأيضا فقد ثبت بالسنة والآثار إذا مثل بعبده عتق عليه وهو مذهب أحمد وغيره وقتله أعظم أنواع المثلة فلا يموت إلا حرا لكن حريته لم تثبت في حال الحياة حتى ترثه عصبته بل حريته تثبت حكما وهو إذا عتق كان ولاؤه للمسلمين فيكون الإمام هو وليه فله قتل قاتل عبده.

وقد يحتج بهذا من يقول: إن قاتل عبد غيره لسيده قتله.

وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو المرجح وهذا قوى على قول أحمد فإنه تجوز شهادة العبد كالحر بخلاف الذمى فلماذا لا يقتل الحر بالعبد وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" 2 ومن قال: لا يقتل حر بعبد يقول: إنه لا يقتل الذمى الحر بالعبد المسلم والله تبارك وتعالى يقول: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] فالعبد المؤمن خير من الذمى المشرك فكيف لا يقتل به.

ومنها: هل يجرى القصاص بين العبيد أم لا؟

المذهب أنه يجرى بينهم ويقتل العبد بالعبد اختلفت قيمتهما أو تساوت هذا المذهب.

1 نص الحديث: "من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه" عن سمرة بن جندب الترمذي كتاب الديات رقم: "1414" ابن ماجه كتاب الديات رقم: "2663" أبو داود كتاب الديات رقم: "4515" ورواه النسائي بإضافة "ومن أخصاه أخصيناه" كتاب الفسامة رقم: "4736".

2 نص الحديث: عن أحمد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد بعهده" مسند أحمد رقم: "990، 958، 992، 6968" ورواه غيره بصيغ مختلفة ابن ماجة كتاب الديات رقم: "2683 – 2685" النسائي كتاب القسامة رقم: "4734، 4735" أبو داود كتاب الديات رقم: "453 – 4531".

ص: 302

وعن أحمد رواية أخرى إن زادت قيمة القاتل على قيمة المقتول لا يقتل به وسواء كان السيد واحدا أم لا وهذا المذهب.

وذكر في المذهب وجها آخر أنه إن كان السيد واحدا فلا قود.

وإذا قلنا يجرى القصاص بينهما في النفس فهل يجرى في الأطراف في المسألة روايتان المذهب أنه يجرى.

ومنها: إذا وجب لعبد قود أو تعزير أو قذف فله طلبه وإسقاطه وإن مات فلسيده.

وقال ابن عقيل في حد القذف: إنه ليس للسيد المطالبة به ولا العفو عنه لأن السيد إنما يملك ما كان مالا أو طلبه بدل مال فلا يملك المطالبة بالقسم وخيار العيب وخيار العنة.

وقال ابن عبد القوى:1 إذا قلنا الواجب أحد شيئين القصاص أو الدية يحتمل أن للسيد المطالبة بالدية فيه إسقاط حق العبد مما جعله الشارع مخيرا فيه فيكون منفيا.

قلت ويتخرج لنا في عفو العبد مطلقا في جناية العمد وجهان من مسألة المفلس وهنا أولى بعدم السقوط إذ ذوات العبد ملك للسيد بخلاف المفلس والله أعلم.

ومنها: الحدود فإنه على النصف من حد الحر في الزنا وشرب الخمر والقذف ولا يغرب في حد الزنا جزم به الأصحاب وأبدى بعض المتأخرين احتمالا بنفيه لأن عمر رضي الله عنه نفاه رواه البخاري وأوله ابن الجوزي على إبعاده ويقطع بالسرقة لكن يقطع بالسرقة من مال سيده نص عليه إمامنا وعليه الأصحاب ويقطع بالسرقة من بيت المال وإن كان مسلما.

1 هو المحدث والنحوي والفقيه الحنبلي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله القوي بن بدران بن عبد الله المقدسي المرداوي [630 – 699هـ] شيخ ابن تيمية في علوم العربية من مصنفاته في الفقه "القصيدة الدالية في الآداب الشرعية" و"مجمع البحرين" لم يتمه و"الفروق" انظر الذيل على طبقات الحنابلة "2/327" وشذرات الذهب "7/789".

ص: 303

وعزاه في المحرر إلى نص أحمد.

وقال ابن عقيل في الفنون عبد مسلم سرق من بيت المال ينبغى أن لا يجب عليه القطع لأن عبد المسلم له شبهة وهو أن سيده لو افتقر عن نفقته ولم يكن للعبد كسب في نفسه كانت نفقته في بيت المال.

ووجه ابن عقيل الأول بأنه لا يملك شيئا ولا يستحق بنفسه شيئا.

قلت وفرض صاحب المحرر المسألة في العبد المسلم والتعليل يقتضى أن لا فرق بين المسلم والكافر والله أعلم.

وجعل في المحرر سرقة عبد الوالد والولد ونحوهما مثل سرقة العبد من بيت المال في وجوب القطع وكلام غيره يخالفه والله أعلم.

ومنها: هل ينفي العبد في المحاربة أم لا؟

قال القاضي في التعليق في مسألة: نفي العبد في الزنا: فما تقولون في نفيه في المحاربة قيل لا نعرف الرواية عن أصحابنا في ذلك وإن سلمناه فالقصد من ذلك كفه عن الفساد وهذا يشترك فيه العبد والحر والله أعلم.

ومنها: هل يجب الحد على قاذفه أم لا؟

المذهب أنه لا يجب ولكن يعزر.

وقال أبن عقيل في عمد الأدلة: عندي يحد بقذف العبد وأنه أشبه بالمذهب لعدالته فهو أحسن حالا من الفاسق بغير الزنا.

ومنها: إذا حلف يمينا فإنه ينعقد بلا ريب وإن كانت اليمين مكفرة فكفارته بالصوم لأن ذلك فرض الحر المعسر وهو أحسن حالا من العبد وإن أذن له سيده في التكفير بالمال لا يلزمه.

وقد قدمنا لزوم التكفير بالمال الذي في ملكه في مسألة الحج وأن كلام صاحب المغنى محمول على اختلاف حالين وإذا انتفي اللزوم فهل يجزئه التكفير بالمال أم لا في المسألة طرق للأصحاب.

أحدها لا يجزئه التكفير بغير الصيام بحال سواء قلنا يملك أم لا.

ص: 304

وهي ظاهر كلام أبى الخطاب في كتاب الظهار وصاحب التلخيص وغيرهما لأن العبد وإن قلنا يملك فملكه ضعيف لا يحتمل المواساة فلا يكون مخاطبا بالتكفير بالمال بالكلية بخلاف الحر العاجز فإنه قابل للتمليك التام.

الطريق الثاني: البناء على الملك وعدمه فإن قلنا يملك فله التكفير بالمال في الجملة وإلا فلا وهي طريقة القاضي وابن عقيل وأبى الخطاب وأكثر المتأخرين.

الطريق الثالث: أن في تكفيره بالمال بإذن السيد روايتين مطلقتين سواء قلنا يملك أو لا يملك حكاها القاضي في المجرد عن شيخه ابن حامد وغيره من الأصحاب وهي طريقة أبى بكر فوجه عدم تكفيره بالمال مع القول بالملك أن ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة ولذلك لم تجب فيه الزكاة ولا نفقة الأقارب فكذلك الكفارات.

ولوجه تكفيره بالمال مع القول بانتفاء ملكه مأخذان.

أحدهما أن تكفيره بالمال إنما هو تبرع له من السيد وإباحة له أن يكفر من ماله والتكفير عن الغير لا يشترط دخوله في ملك المكفر عنه كما نقول في رواية في كفارة المجامع في نهار رمضان إذا عجز عنها وإن قلنا لا تسقط فكفر غيره عنه بإذنه جاز أن يدفعها إليه وكذلك في سائر الكفارات على الروايتين ولو كانت قد دخلت في ملكه لم يخز أن يأخذها هو لأنه لا يكون حينئذ إخراجا للكفارات.

والمأخذ الثاني:: أن العبد ثبت له الملك المطلق التام فيجوز أن يثبت له في المال المكفر به ملك يبيح له التكفير بالمال دون بيعه وهبته كما أثبتنا له في الأمة ملكا قاصرا يبيح له التسرى بها دون بيعها وهبتها وهذا اختيار أبى العباس. وإذا قلنا له التكفير بالمال فهل يكفر بالعتق على روايتين.

إحداهما له ذلك كالإطعام والولاية والإرث والعبد ليس من اهلها وفرق ابن أبى موسى بينهما أيضا بأن التكفير بالعتق يحتاج الى ملك بخلاف الإطعام ولهذا لو أمر من عليه كفارة رجلا أن يطعم عنه أجزأه ولو أمر أن يعتق

ص: 305

عنه ففي إجزائه عنه روايتان ولو تبرع الوارث بالطعام الواجب عن مورثه صح ولو تبرع عنه بالعتق لم يجزئه ولو أعتق الأجنبى عن كفارة الميت لم يصح ولو أطعم عنه فوجهان.

وإذا قلنا يجوز تكفيره بالعتق فأذن له سيده في إعتاق رقبة عن كفارته هل يجوز أم لا؟ حكى أبو محمد المقدسي في ذلك وجهين.

ومنها: هل يصح توليته القضاء أم لا؟

المشهور في المذهب أنه لا يصح توليته القضاء وقد تقدم قول أبى الخطاب في الانتصار في كونه وليا في النكاح وأنه قال: يحتمل أن يصح قضاؤه ثم سلم أنه لا يصح قضاؤه وأجازه بإذن السيد في جواب آخر.

وحكى عن ابن عقيل صحة توليته القضاء والله أعلم.

وتصح ولايته إمارة السرايا وقسم الصدقات والفيء وإمامة الصلاة ذكره القاضي محل وفاق.

ومنها: لو أقر شخص لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه.

قال أبو العباس: إذا قلنا يصح قبوله الهبة والوصية بدون إذن السيد لم يفتقر الإقرار إلى تصديق السيد.

قال: وقد يقال: بل وإن لم نقل بذلك لجواز أن يكون قد تملك مباحا فأقر بعينه أو أتلفه وضمن قيمته.

وإن أقر لعبد غيره بنكاح أو قصاص أو تعزير قذف صح الإقرار وإن كذبه المولى قال أبو محمد: لأن الحق للعبد دون المولى.

قال أبو العباس: وهذا في النكاح فيه نظر فإن النكاح لا يصح بدون إذن سيده وفي ثبوت النكاح للعبد على السيد ضرر فلا يقبل إلا بتصديقه.

وأما إذا أقر السيد لعبده بمال فقال أبو العباس: ينبني على أن العبد هل يثبت له دين على سيده أم لا؟

قلت المشهور لا يثبت.

ص: 306

وإن أقر السيد أنه باع عبده من نفسه بألف وأنكر العبد عتق عليه ولم يلزمه بشيء.

ومنها: شهادته والمذهب المنصوص أنها لا تقبل شهادته في الجملة وفاء للقاعدة وهو الحق وهو الذي نصره أصحاب الكتب الخلافية من أصحابنا.

وذكر الخلال في مسألة أن الحر لا يقتل بالعبد وأن أبا طالب نقل أن العبد لا تقبل شهادته وإذا قبلنا شهادته فمحل هذا إذا شهد لغير سيده أما إذا شهد لسيده فلا تقبل هكذا المذهب عند الأصحاب وفي المنع نظر.

وبالغ ابن عقيل حتى قال: لا تقبل شهادته لمكاتب سيده قال: ويحمل على قياس ما ذكرناه أنه لا تصح شهادته لزوج مولاته.

وإذا قبلنا شهادته فاستثنى الخرقي وأبو الفرج وصاحب الروضة من ذلك الحدود خاصة وذكر جماعة منهم الشريف1 وأبو الخطاب وصاحب المحرر والمستوعب وغيرهم روايتين في الحدود والقصاص.

إحداهما لا تقبل قال في المغنى: وهي ظاهر المذهب.

قلت والأظهر القبول مطلقا والله أعلم.

وإذا تحمل الشهادة هل يؤديها بغير إذن سيده وظاهر رواية الميموني أنه لا قال القاضي أبو يعلى: متى تحمل العبد الشهادة ثم سأله صاحب الحق إقامتها فإنه يؤديها بغير إذن سيده نص عليه أحمد في رواية المروذى وسأله هل يجوز للمولى أن يمنع عبده من الشهادة قال: من أجاز شهادته لم يجز للمولى منعه أن يقيم الشهادة.

قال أبو العباس: لم يقل أحمد إنه يؤديها بلا إذنه ولكن قال: يجب عليه أن يأذن فقد يكون الأداء موقوفا على الأذن.

قلت والأظهر إن أذن له في التحمل لا يحتاج في الأداء إلى إذن والله أعلم.

1 المقصود بالشريف: أبو جعفر.

ص: 307

فائدة:

لو أعتق بمجلس الحكم فشهد في الحال حرم رده ذكره أصحاب الخلافيات محل وفاق قال في الانتصار والمفردات: فلو رده مع ثبوت عدالته فسق والله أعلم.

ومنها: إقراره هل صحيح أم لا ولذلك صورتان.

إحداهما اقراره لسيده المذهب المعروف أنه لا يصح.

وقال أبو العباس: ينبني على ثبوت مال السيد في ذمة العبد ابتداء أو دواما.

وفيها ثلاثة أوجه في الصداق.

الصورة الثانية: إقراره لغير سيده ولذلك صور.

منها: إذا أقر بمال فإن كان مأذونا له صح إقراره في قدر ما أذن له فيه وإن كان غير مأذون له صح وأتبع به بعد العتق في أصح الروايتين والأخرى يتعلق برقبته ذكرها القاضي.

قال صاحب التلخيص: ولا وجه لها عندي إلا أن يكون فيما لا تهمة فيه كالمال الذي أقر بسرقته فإنه يقبل في القطع ولا يقبل في المال لكن يتبع به بعد العتق ويخرج فيه إن حملنا الرواية عليه أنه يتعلق برقبته لكونه من لوازم ما لا يتهم فيه من العقوبة.

ومنها: إذا أقر بجناية توجب مالا من غير عقوبة فلا يقبل قطعا قاله صاحب التلخيص.

قلت وهذا مبنى على تأويل الرواية التى ذكرها القاضي وإلا إذا قلنا بإثباتها فلا فرق بين إقراره بالجناية الموجبة للمال وبين إقراره بالمال وهذا ظاهر بكلام جماعة والله أعلم.

ومنها: إذا أقر بالعقوبات فإنه يصح إذ الرق لا يمنع من ذلك لأنه مكلف قادر على التزامها ولا نظر إلى إبطال حق السيد لأنه غير متهم فيه.

ص: 308

ولا فرق بين ما يوجب القصاص في النفس أو ما دونها على ما اختاره أبو الخطاب وأبو الوفاء بن عقيل في تصحيحه في الجميع وعلى ما اختاره القاضي أبو يعلى وابن حازم1 في إبطاله في الجميع.

والمنصوص فيما يوجبه في النفس لا يقتل في الحال ويتبع به العتق ودون النفس يقتل وهو اختيار القاضي الكبير وجماعة.

قال صاحب التلخيص: وقد تكلف بعضهم فرقا لا حاصل له من حيث إن القتل أعظم فإنه يوجب الكفارة ويشرع في القسامة.

قال والصحيح عندى أن لا فرق فيخرج من نصه بالنقل والتخريج في إقراره بالعقوبات روايتان.

إحداهما يقبل لانتفاء التهمة.

والأخرى لا يقبل لأنه إقرار على مال السيد كالإقرار بالديون والله أعلم.

فوائد أصولية:

منها: دلالة العام على أفراده هل هي بطريق الظهور؟

في ذلك مذهبان:

أحدهما أنها بطريق التنصيص وهو الذي ذكره الفخر إسماعيل2 من أصحابنا وكلام ابن عقيل في الواضح يدل عليه فإنه ذكر إذا تعارضت ولاية العام والخاص في شيء أنهما يتساويان وحكاه الأنبارى شارح البرهان عن الشافعي والمعتزلة وممن نقله عنه الأصفهانى شارح المحصول وهو محكى عن الحنفية ويحكى رواية عن أحمد.

1 كذا في الأصل والصواب ابن أبي خازم والمقصود: القاضي أبو يعلى الصغير محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء [494 – 560هـ] .

2 هو إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي المعروف "بابن الوفاء".

ص: 309

والثاني: أنه بطريق الظهور وهو المشهور عند أصحابنا وغيرهم وقد ذكره القاضي وأصحابه واستدلوا لذلك بأن التخصيص بالتراخى لا يكون نسخا ولو كان العام نصا على أفراده لكان نسخا.

وظاهر كلام الأكثر من أصحابنا لا فرق في صيغ العموم بين صيغة وصيغة وأن الخلاف جار في الجميع.

وقد تقدم كلام صاحب الترغيب في التأكيد من الأوامر وأن لفظة كل دلالتها على الأفراد نص صريح.

وذكر غير واحد من العلماء أن اسم لا إذا كان مبنيا على الفتح كان نصا بخلاف المرفوع فإنه ظاهر.

وذكر في المسودة أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم ظاهرا إذا لم يكن فيها حرف من فإن كان فيها حرف من أفادته قطعا ولم يحتمل التأويل كقولك ما رأيت من رجل وما أشبهه.

ومنها: العام هل يقصر على مقصوده أم لا؟

الجمهور أنه لا يقصر.

وقال القاضي عبد الوهاب وغيره من المالكية وغيرهم: يقصر ومال إليه أبو البركات فإنه قال المتبادر إلى الفهم من لمس النساء ما يقصد منهن غالبا من الشهوة ثم لو عمت خصت به وخصه حفيده1 أيضا بالمقصود لأنه قال في آية المواريث مقصودها بيان مقدار أنصبة المذكورين إذا كانوا ورثة وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] قصده الفرق بينه وبين الربا وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء العشر" 2 قصده فيما يجب فيه العشر ونصفه وكذا ذكره بعض أصحابنا فلا يحتج بعموم ذلك.

1 المقصود هو شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية.

2 رواه البخاري كتاب الزكاة رقم: "1483" ورواه مسلم عن جابر بن عبد الله بلفظ: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور" كتاب الزكاة رقم: "981".

ص: 310

ومنها: قول الشافعي رضي الله عنه حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط منها الاستدلال ونقل عنه أيضا ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال.

واختلفت أجوبة الفضلاء عن ذلك فمنهم من يقول: هذا مشكل ومنهم من يقول: هما قولان للشافعي.

وجمع القرافي في كتبه بينهما فقال الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع فتقدح وتارة تكون في محل مدلول اللفظ فلا تقدح فحيث قال الشافعي رضي الله عنه إن حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط منها: الاستدلال مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع ومراده أن حكاية الحال إذا نزل فيها الاستفضال تنزل منزلة العموم في المقال إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل والله أعلم.

ومنها: الأمر بالمطلق هل يكون أمرا بمفرداته ويكون عاما؟

فيه قولان:

أحدهما العموم وهو قول الأكثرين قال القاضي محتجا على جواز القضاء في المسجد: دليلنا قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ولم يفرق بين أن يحكم في المسجد وبين أن يحكم في غيره.

فإن قيل أمر بالحكم وليس فيه ما يدل على المكان.

قيل هو أمر بالحكم في عموم الأمكنة والأزمنة إلا ما خصه الدليل.

وقال في التمهيد1 المطلق مشتمل على جميع صفات الشيء وأحواله.

والقول الثاني: أن المفردات ليس مأمورا بها لكن متى أتى بالمأمور أجزأه ولا يأتي به إلا مقرونا ببعض المفردات.

وأجاب به في المغنى لمن احتج بآية القصاص والسرقة والزنا في

1 لأبي الخطاب الكلوذاني.

ص: 311

الملتجئ إلى الحرم الأمر بذلك مطلق في الأمكنة والأزمنة يتناول مكان ضرورة إقامته فيمكن في غير الحرم وهذا اختيار أبى العباس.

ومنها: إذا ذكر العام وذكر بعده أو قبله اسم لو لم يصرح به لدخل في العام فهل إفراده يقتضى عدم دخوله في العام أم لا؟

في ذلك مذهبان للأصوليين وقاعدة المذهب تقتضى عدم الدخول.

وفي ذلك أيضا مذهبان للنحاة وذهب أبو على الفارسي وابن جني إلى عدم الدخول وجزم ابن مالك بالدخول.

ومنها: العام في الأشخاص عام في الأحوال.

هذا هو المعروف عند العلماء قال الإمام أحمد في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] ظاهرها على العموم أن من وقع عليه اسم ولد فله ما فرض الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن الكتاب إن الآية إنما قصدت المسلم لا الكافر.

وفي المسألة قول آخر اختاره بعض أصحابنا أنه يكون مطلقا في الأحوال. وأجاب عن تسمية أحمد له عاما في الأشخاص بأنه عموم بدل لا شمول وقال أيضا في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] عامة فيهم مطلقة في أحوالهم لا يدل عاما بنفي ولا إثبات فإذا جاءت السنة بحكم لم يكن مخالفا لظاهر القرآن بل لما يتعرض له.

وهذا القول اختيار القرافي والأصفهانى في شرحي المحصول وأبى العباس.

ولأحمد رضي الله عنه نص آخر في آية الوصية يدل على أن العام في الأشخاص عام في الأحوال.

قال ابن دقيق العيد1 في شرح العمدة أولع بعض أهل العصر وما

1 هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع المنفلوطي المصري المالكي ثم الشافعي [625 – 702] و"شرح عمدة الأحكام" وهو من أشهر مصنفاته مطبوع.

ص: 312

قرب منه بأن قالوا صيغة العموم إذا وردت على الذوات مثلا أو على الأفعال كانت عامة في ذلك مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والمتعلقات ثم يقال المطلق يكفي في العمل به صورة واحدة فلا يكون حجة فيما عداها وأكثروا من هذا السؤال فيما لا يحصى كثرة من ألفاظ الكتاب والسنة وصار ذلك ديدنا لهم في الجدال.

قال هذا عندنا باطل بل الواجب أن ما دل على العموم في الذوات مثلا يكون دالا على ثبوت الحكم في كل ذات تناولها اللفظ ولا يخرج عنها ذات إلا بدليل يختصها فمن أخرج شيئا من تلك الذوات فقد خالف مقتضى العموم.

مثال ذلك إذا قال من دخل دارى فأعطه درهما فمقتضى الصيغة العموم في كل ذات صدق عليها أنها الداخلة.

فإذا قال قائل هو مطلق في الأزمان فأعمل به في الذوات الداخلة الدار في أول النهار مثلا ولا أعمل به في غير ذلك الوقت لأنه مطلق في الزمان وقد عملت به مرة فلا يلزم أن أعمل به أخرى لعدم عموم المطلق.

قلنا لما دلت الصيغة على العموم في كل ذات دخلت الدار ومن جملتها الداخلة في آخر النهار فإذا أخرجت تلك الذوات فقد أخرجت ما دلت الصيغة على دخوله وقول أبى أيوب الأنصاري فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل1 يدل على أن العام في الأشخاص عام في المكان والله أعلم.

ومنها: قول الصاحب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كهذا هل يفيد التكرار أم لا؟

فيه قولان ذكرهما القاضي أبو يعلى في الكفاية.

1 نص الخبر: عن أبي الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله البخاري كتاب الصلاة رقم: "394" مسلم كتاب الطهارة رقم: "264".

ص: 313

ومنها: أن مفهوم المخالفة هل هو عام فيما سوى المنطوق أم لا؟

في ذلك مذهبان.

أحدهما أنه عام فيما سوى المنطوق يجوز تخصيصه بما يجوز به تخصيص العام ورفع كله تخصيص أيضا لأفادة اللفظ في منطوقه ومفهومه فهو كبعض العام وهذا قول جمهور أصحابنا.

والقول الثاني: أنه لا يعم واختاره أبو محمد المقدسي في المغنى في مسألة القلتين وأنه يكفي المخالفة بصورة ما.

وممن اختار أنه لا يعم أيضا أبو الوفاء ابن عقيل وحكى ذلك أبو الخطاب في التمهيد وجها وأبو العباس والغزالى وابن دقيق العيد.

وقال الآمدي: ومن تبعه إن الخلاف في أن المفهوم له عموم لا يتحقق لأن مفهوم المخالفة عام فيما سوى المنطوق به لا يختلفون فيه ومن نفى العموم – كالغزالي – أراد أن العموم لم نثبت بالمنطوق، ولا يختلفون فيه أيضا.

وقال صاحب المحصول إن عنى أنه لا يسمى عاما لفظيا فقريب وإن عنى أنه لا يفيد انتفاء عموم الحكم فدليل كون المفهوم حجة ينفيه.

ص: 314