الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة 33
الباء للإلصاق سواء دخلت على فعل لازم أو متعد عند جمهور أهل اللغة.
وقال بعضهم الباء للتبعيض.
وقال ابن كيسان1 وبعض الشافعية إذا دخلت على متعد اقتضت التبعيض كقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] صونا للكلام عن العبث.
وفرع بعضهم على هذا الخلاف الخلاف في استيعاب مسح الرأس بالماء في الوضوء.
وفرع بعضهم مسح البعض على أن {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] مجمل والقدر المشترك ما يقع عليه الاسم فكان المتحقق.
وفرعه بعضهم على أن الأمر بالفعل هل يكتفي في امتثاله بالإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا وكل هذه التفاريع ضعيفة.
أما الأول فقد أنكر حذاق أهل العربية ورودها للتبعيض.
قال أبو بكر عبد العزيز سألت ابن دريد2 وابن عرفة3 عن الباء تبعض؟
1 هو اللغوي النحوي أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان [ت 399هـ] مما صنف: "المهذب في النحو""غريب الحديث""غلط أدب الكاتب".
2 هو اللغوي النحوي الأديب: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية البصري [223 – 321هـ] صاحب "الجمهرة" و"المقصور والممدود".
3 هو الفقيه الأصولي المقرئ المتكلم: أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة.........................==
الورغمي التونسي المالكي [716 – 803هـ] من تصانيفه: "المختصر الكبير" في الفقه وهو مطبوع "المبسوط" في الفقه "الحدود" في التعاريف الفقهية.
فقالا لا نعرف في اللغة الباء تبعض وكذلك قال ابن جنى وابن برهان وغيرهما.
فإن قلت: إنكار ابن جنى وغيره شهادة على نفي غير محصور فلا تسمع.
قلت: هذا ممنوع فإن العالم بفن أدلة علميته الفحص والتحقيق قيل منه النفي والله أعلم.
وذكر سيبويه أنها للإلصاق ولم يذكر سواه ولكن أثبت قوم أنها للتبعيض منهم الأصمعى1 والقتيبى2 والفارسى في التذكرة وقال بعضهم به من المتأخرين ابن مالك والأظهر حمل قول من قال إنها للتبعيض على أنه مجاز ومن قال إنها للإلصاق على أنه حقيقة كما قال غير واحد من أئمة العربية الباء أصلها للالصاق.
وأما قول من قال إذا دخلت على متعد اقتضت التبعيض صونا للكلام عن العبث وهذا قاله في المغانم.
فجوابه قد تكون في الفعل المتعدى زائدة للتأكيد كقوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] أى تنبت الدهن وكقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أى أيديكم ويدل على أنها زائدة في الآية عدم اقتصار النبى صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة على مسح بعض رأسه.
وقال بعضهم الباء في {برءوسكم} للاستعانة وإن في الكلام حذفا وقلبا فإن مسح يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء فالأصل امسحوا رءوسكم بالماء ذكره ابن هشام.
1 هو الأخباري اللغوي الحجة: أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الأصمعي البصري [122 – 216هـ] من مؤلفاته "الأصمعيات".
2 كذا في الأصل ولعل المقصود هو: ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري [213 – 276هـ] من كتبه "المعارف""أدب الكاتب""غريب الحديث""تأويل مختلف الحديث""عيون الأخبار".
وأما الثانى: وهو أن الآية مجملة فالذي عليه المحققون من الأصوليين من أصحابنا وغيرهم أن الآية غير مجملة وإنما حكى إجمالها عن الحنفية ذكره في المسودة لأنه إن ثبت عرف في الكل كما قاله الجمهور فلا إجمال وإن ثبت بعض كما قال الشافعى ومن وافقه فلا إجمال.
قالوا: العرف في نحو مسحت بالمنديل البعض.
وجوابه لأنه آلة بخلاف مسحت بوجهى ذكره ابن الحاجب.
وأما الثالث: وهو أن الأمر بالفعل هل يكتفي في امتثاله بالإتيان بما يقع عليه اسم ذلك أم لا بد من استيعاب ذلك الاسم؟
جوابه أن هذه المسألة فيها قولان للعلماء اختار القاضى عبد الوهاب المالكى الاقتصار على أول ذلك الاسم والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط.
قال القرافي في شرح التنقيح وكثير من الفقهاء غلط في تصوير هذه المسألة حتى خرج عليها ما ليس من فروعها.
فقال أبو الطاهر وغيره في قول الفقهاء التيمم إلى الكوعين أو إلى المرفقين أو إلى الابطين فيه ثلاثة أقوال إن ذلك يتخرج على هذه القاعدة هل يؤخذ بأوائل الأسماء فيقتصر على الكوع أو أواخرها فيصل إلى الإبط ويجعلون كل ما هو من هذا الباب يتخرج على هذه القاعدة وهذا باطل إجماعا.
ومنشأ الغلط إجراء أحكام الجزئيات على الأجزاء والتسوية بينها ولا خلاف أن الحكم في الكل لا يقتصر به على جزئه فلا يجوز ركعة عن ركعتين في الصبح ولا يوم عن شهر رمضان في الصوم ونظائره كثيرة.
إنما معنى هذه القاعدة إذا علق الحكم على معنى كلى له محال كثيرة وجزئيات متساوية في العلوم واللغات والقلة والكثرة هل ذلك الحكم على أدنى المراتب هذا موضع الخلاف.
ومثاله إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ركعت فاطمأن" فأمر بالطمأنينة فهل يكتفي بأدنى رتبة يقصد فيها الطمأنينة أو يفعل أعلاها وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "خللوا
الشعر وأنقوا البشرة" 1 يقتضى التدليك هل يقتصر على أدنى رتبة أو أعلاها.
فهذه القاعدة في الجزئيات والمحل لا في الأجزاء.
ثم الفرق بينهما أن الجزء لا يستلزم الكل فلذلك أجزأ الثانى دون الأول وأدنى رتبة الموالاة موالاة وليست الركعة ركعتين ولا اليوم شهرا.
وعبارة القاضى عبد الوهاب صحيحة في قوله تقتضى الاقتصار على أوله أى أول رتبة فمن فهم أول أجزائه فقد غلط انتهى.
قلت: فإذا تقرر هذا فقد بان بطلان التفريع على هذه القاعدة إذ مسح الرأس حكم في الكل فلا يقتصر على جزئه لا حكم في الكل فيقتصر على أجزائه على أحد القولين والله أعلم.
1 لفظ الحديث: "إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة" رواه ابن ماجه كتاب الطهارة رقم: "597" وضعه أبو داود وقال الترمذي: حديث غريب أبواب الطهارة رقم: "106".