الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقائق يحسن أن نذكرها:
من هذا الاستعراض السريع الشامل لموقف الاسلام من المرأة، ومبادئه العامة التي أعلنها في كل ما يتعلق بحقوقها وكرامتها، نستطيع أن نستخلص الحقائق التالية:
أولاً: إن موقف الاسلام من المرأة كان ثورة على المعتقدات والآراء السائدة في عصره وقبل عصره من حيث الشك بانسانيتها.
ثانياً: إنه كان ثورة على المعتقدات السائدة قديماً ولا تزال سائدة عند اتباع بعض الديانات والطوائف الشرقية من أنها غير جديرة بتلقي الدين ودخول الجنة مع زمرة المؤمنين الصالحين.
ثالثاً: إنه كان ثورة على المعتقدات والتقاليد السائدة من عدم احترامها الاحترام الحقيقي اللائق بكرامتها الانسانية.
رابعاً: إنه كان تقدما فكريا انسانياً قبل الحضارة الغربية الحديثة باثني عشر قرنا على الأقل في الاعتراف بأهلية المرأة كاملة غير منقوصة.
وحسبنا أن نعلم أن أسباب الحجر في التشريع الاسلامي هي: الصغر، والجنون، بينما هي في القانون الروماني، وفي القانون الفرنسي حتى عام 1938 ثلاثة: الصغر، والجنون، والأنوثة.
ولما عدل القانون الفرنسي في عام 1938 لرفع القيود عن أهلية المرأة بقيت أهليتها مقيدة بقيود قانونية وقيود ناشئة عن نظام الأموال المشتركة بين الزوجين.
فمن القيود القانونية عدم جواز ممارسة المرأة الفرنسية احدى المهن بدون إجازة من زوجها.
ومن القيود المنبثقة عن نظام الاشتراك بالأموال أن المرأة الفرنسية المتزوجة لا يمكنها أن تتصرف بأموالها الخاصة، ويجب عليها أن تحتفظ بحق الانتفاع للزوج، ولا يمكنها أن تتصرف بالرقبة إلا بإجازة الزوج، وإذن المحكمة وحده لا يكفي (1).
(1) الزواج لزهدي يكن: 224.
وإذا قورنت هذه القيود على أهلية المرأة الفرنسية، بالأهلية الكاملة التي تتمتع بها المرأة المسلمة منذ أربعة عشر قرنا، والتي لا تعرف مثيلاً لقيود المرأة الفرنسية المعاصرة أدركنا أي سبق حققه الاسلام في ميدان التشريع الانساني بالنسبة لحقوق المرأة وأهليتها، وأدركنا بذلك مغزى ما يشعر به المتشرعون الفرنسيون من ألم بسبب نقصان أهلية المرأة الفرنسية حتى الآن، حتى قال وزير العدلية الفرنسية السابق "ره نولد" ان حلم المرأة الفرنسية وأملها لم يتحققا الى الآن (1).
خامساً: إن التشريع الاسلامي كان انساني النزعة والعدالة، حين قرر للمرأة حقوقها دون ثورة النساء ومؤامراتهن، بينما لم تحصل المرأة الفرنسية على حقوقها إلا بعد ثورات ومؤامرات واضطرابات، وكانت تنتزع حقوقها بالتدريج شيئاً بعد شيء، بينما سلم الاسلام لها بحقوقها دفعة واحدة طائعاً مختاراً.
سادساً: كان التشريع الاسلامي نبيل الغاية والهدف حين أعطى المرأة حقوقها من غير تملق لها أو استغلال لأنوثتها، ففي الحضارتين اليونانية والرومانية وفي الحضارة الغربية الحديثة، سمح لها بالخروج وغشيان المجتمعات للاستمتاع بأنوثتها، لا اعترافاً بحقوقها وكرامتها بدليل موقف هذه الحضارات من أهليتها الحقوقية.
بينما كان الاسلام على العكس من ذلك، فقد قرر لها كل ما تتم به كرامتها الحقيقية من حيث الأهلية القانونية والمالية، وحد من نطاق اختلاطها بالرجال وغشيانها المجتمعات، لمصلحة الأسرة والمجتمع، ولصيانة كرامتها من الابتذال وأنوثتها من الاستغلال.
سابعاً: إن التشريع الاسلامي بعد أن أعطاها حقوقها، وأعلن كرامتها راعى في كل ما رغب اليها من عمل، وما وجهها اليه من سلوك. ان يكون ذلك منسجما مع فطرتها وطبيعتها، وأن لا يرهقها من أمرها عسراً.
ولنضرب لذلك مثلاً، فهو قد أجاز لها البيع والشراء وشتى أنواع المعاملات وصحح ذلك منها، واعتبرها كاملة الأهلية في كل هذه التصرفات،
(1) المصدر السابق: 226.
لكنه رغب اليها أن لا تباشر ذلك إلا عند الضرورة، وأفهمها أن الخير لها ولأسرتها ولمجتمعها أن تتفرغ لأداء رسالتها التي لا تقل ارهاقاً عن ارهاق العمل الحر وهي في الواقع تفوقه قدسية وشرفاً، وهو أدل على انسانيتها وكرامتها من مزاولتها العمل خارج البيت لتأكل وتعيش، إن الاسلام كان في هذا الموقف جد حكيم ومعتدل، فلا هو منعها أهلية العمل خارج بيتها كما كان شأن الشرائع قبله، وشأن الأمم كلها حتى العصر القريب، ولا هو حرضها على هجر البيت وزين لها مزاحمة الرجل وترك شؤون الأسرة كما هو شأن الحضارة الحديثة. ولا ريب أن هذا صنع الهِ حكيم وتشريع عليم خبير.
ثامناً: ونتيجة لهذا كله يحق للمرأة المسلمة بوجه عام، والمرأة العربية بوجه خاص أن تفاخر جميع نساء العالم بسبق تشريعاتها وحضارتها جميع شرائع العالم وحضاراته الى تقرير حقوقها، والاعتراف بكرامتها، اعترافاً انسانياً نبيلاً لا يشوبه غرض ولا هوى، ولا يدفع اليه قسر ولا ضرورة.
***